توظيف الأساطير لتعزيز الترويج السياحي
تاريخ النشر: 2nd, June 2025 GMT
د. عبدالعزيز بن محمد الصوافي **
في ظل التطور المستمر لسوق التسويق السياحي، تتجه الوجهات السياحية بشكل متزايد نحو ما هو غير ملموس – كالأساطير والخرافات، والقصص التراثية – لصياغة قصص آسرة تأسر خيال المسافرين وتدفعهم لاختيارها كوجهات سفر سياحية.
هذه القصص العريقة، والتي غالبًا ما تتجذر في الثقافة والفولكلور المحلي ويتناقلها الناس جيلًا بعد جيل، لا تقتصر على الترفيه فحسب؛ بل تُعدّ أدوات فعّالة لتعزيز هوية الوجهة السياحية، والتفاعل العاطفي، والسياحة التجريبية.
تُضفي الأساطير والخرافات الحياة على الوجهات السياحية. من سحر وحش بحيرة لوخ نيس الأسكتلندي الآسر إلى المأساة الرومانسية لمهرجان تاناباتا الياباني، تُضفي هذه القصص شعورًا بالغموض والعجب يتجاوز حدود التسويق التقليدي. فهي تدعو الزوار ليس فقط لرؤية مكان ما، بل للشعور به – للسير على خُطى الأبطال والأرواح والمعتقدات القديمة. يُعزز هذا التناغم العاطفي صلةً أعمق بين المسافر والوجهة، مُشجِّعًا على إطالة مدة الإقامة، وتكرار الزيارات، والترويج الشفهي.
ورغم إغفال الشائعات في كثير من الأحيان، إلا أنه يُمكن استغلالها استراتيجيًا. فالأساطير المحلية، مثلًا أسطورة "فلج الدن"؛ حيث يتقاسم البشر والجن ماء الفلج يومًا بيوم، ونقل مسجد من بهلاء إلى نزوى في ليلة وضحاها، والألغاز التي لم تُحل بعد – مثل هندسة حفر الأفلاج ونسبة بنائها للجن، ومثلث برمودا أو حكايات نيو أورلينز الغامضة – تُثير الفضول والرغبة في الاستكشاف.
وعند تنظيم هذه القصص بمسؤولية، يُمكن تحويلها إلى تجارب غامرة من خلال تنظيم جولات سياحية مصحوبة بمرشدين قادرين على سرد هذه القصص بأسلوب تفاعلي يمزج بين الواقع والخيال.
ويكمن مفتاح نجاح التنفيذ في الأصالة والمشاركة المجتمعية. ينبغي أن يكون رواة القصص المحليون والمؤرخون وأمناء التراث الثقافي محور عملية بناء السرد، مع ضمان سرد القصص باحترام ودقة. كما يُمكن للمنصات الرقمية، والواقع المعزز، والألعاب التفاعلية أن تُعزز التفاعل، مما يسمح للزوار باكتشاف القصص الخفية من خلال الخرائط التفاعلية أو المهام عبر الهاتف المحمول.
في نهاية المطاف، لا يهدف الاستخدام الاستراتيجي للأساطير والخرافات والشائعات إلى اختلاق التاريخ وتزويره؛ بل إلى تسليط الضوء على روح المكان وتاريخه غير المكتوب. هذه القصص، المتوارثة عبر الأجيال، كنوز ثقافية، يمكنها، عند دمجها بعناية في استراتيجيات السياحة، أن تُحوّل الوجهات إلى أساطير حية. وفي عالم يبحث فيه المسافرون عن المعنى بقدر ما يبحثون عن الذكريات، فإن سرد القصص ليس مجرد فن؛ بل هو ميزة تنافسية..
** باحث أكاديمي في مجال السياحة
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وسط حملات كشف طلاسم مدفونة.. السلطات الجزائرية تحذّر الإعلام من الترويج للخرافة
وجهت سلطة ضبط السمعي البصري -المشرفة على الإعلام في الجزائر- انتقادات حادة لعدد من القنوات التلفزيونية المحلية في بيان شديد اللهجة، معبرة عن استيائها العميق إزاء ما وصفته بـ"تفشي ممارسات إعلامية غير مهنية"، ومؤكدة أن هذه التجاوزات تشكل تهديدا مباشرا لوعي المواطنين وتمثل ضربا للجهود الوطنية المبذولة لمحاربة الشعوذة والدجل والخرافة.
ووجّه البيان إدانة صريحة إلى بعض القنوات المحلية، متهما إياها بالانزلاق المهني ببث برامج ومحتويات وصفها بأنها "تروّج لخطابات لا أساس لها من الصحة العلمية، وتكرّس مفاهيم خرافية ومضلّلة". وقالت السلطة إن هذه البرامج تستغل معاناة المواطنين بهدف رفع نسب المشاهدة، في تجاهل تام لمسؤولية الإعلام في التثقيف والتنوير – حسب تعبيرها -.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بعد 44 عاما من الفراق.. بثٌ على "تيك توك" يُعيد إعلامية ليبية إلى أمهاlist 2 of 2مدرعات الاحتلال الإسرائيلي تصدم حافلة حجاج في جنينend of listوجاء في البيان: "ما يُعرض في بعض هذه البرامج لا يشكل فقط استخفافا بعقول الجزائريين، بل يندرج ضمن الممارسات التي يعاقب عليها القانون".
السلطة أكدت، أن ما يحدث يشكل انزلاقا مهنيا خطِرا، منتقدة في السياق ذاته افتقار بعض البرامج إلى أبسط المعايير الإعلامية الرصينة، وافتقاد مقدميها ومعديها إلى الحد الأدنى من التأهيل الأكاديمي، معتبرة أن تناول المواضيع الاجتماعية الحساسة بهذه الطريقة يفتح الباب أمام تضليل المشاهدين.
إعلانكما حذرت جميع المؤسسات الإعلامية السمعية البصرية من التمادي في مثل هذه التجاوزات، مطالبة بالابتعاد عن استضافة "شخصيات تُمنح ألقابا وصفات تفتقر للمصداقية، وتُقدَّم على أنها خبراء أو معالجون، دون أي تدقيق مهني".
وشددت سلطة الضبط على دورها في حماية الرأي العام من التضليل الإعلامي، معتبرة أن مثل هذه البرامج تمثل استخفافا بعقول المواطنين، وتندرج ضمن التجاوزات التي يعاقب عليها القانون.
حملات تطوعية لتنظيف المقابرتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه عدة ولايات جزائرية حملات تطوعية مكثفة لتنظيف المقابر، أطلقها شباب وناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأسفرت عن العثور على كميات كبيرة من الطلاسم والأحجبة والأغراض المشبوهة، المدفونة بين القبور.
ووثّقت صور ومقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي العثور على رسائل مكتوبة بأسماء أشخاص، وصور شخصية، وأقفال مربوطة بخيوط ملونة، يُعتقد أنها أدوات تُستخدم في أعمال السحر والشعوذة. وقد أثارت هذه المشاهد موجة من الغضب والذهول، وسط مطالبات بتشديد الرقابة ومكافحة هذه الظاهرة.
الحملات حظيت بدعم شعبي واسع، حيث اعتبرها بعض الدعاة مبادرة مباركة تعزز الوعي الديني والمجتمعي بخطورة أعمال السحر والدجل. واعتبر مراقبون أن هذه التحركات تكشف عن حجم تغلغل الممارسات الخرافية في المجتمع، وضرورة التصدي لها على الصعيد الإعلامي والتربوي والديني.
وفي ختام بيانها، شددت سلطة ضبط السمعي البصري على أهمية تطهير المشهد الإعلامي من المظاهر السلبية، داعية إلى الالتزام الصارم بالقيم المهنية والأخلاقية، والامتناع عن تسويق محتوى يُعد مخالفا للقانون ومسيئا للوعي الجماعي.