الجزائر "العُمانية": صدرت عن منشورات رومنس القرن الـ 21 للنشر والتوزيع والترجمة، مجموعة قصصيّة بعنوان "محطة دوستويفسكي الصغيرة"، للإعلامي والروائي عبد العزيز غرمول، والتي تتضمن مختارات من قصص كتبها المؤلف خلال السنوات الماضية، وتركها جانبًا نظرًا لبعض الظروف الثقافية حسب وصفه.

ويقول المؤلف في حديثه لوكالة الأنباء العُمانية، "إنه من خلال هذه المجموعة ارتأيتُ أن أسهم في تنويع اهتمامات الجمهور ولفت انتباههم لمجال أوسع وأقرب لواقعه وعواطفه، حيث يعيش المرء في حقيقة الأمر ضمن واقع صعب ومعقّد على جميع الأصعدة، خاصّة على المستوى الثقافي؛ مثل الهُوية، والتاريخ، والعلاقات القومية والإنسانية، وحين التمست أن الإبداع أصبح بمكانة لا تليق به غامرت بالخروج من الدائرة المغلقة، والتحليق عاليا في سماء الأدب، لعلّني أسهم ولو بالقليل في توجيه اهتمام الجمهور لمناطق أجمل وأعمق وأقرب إليه".

وفي قراءة نقدية لنصوص هذه المجموعة القصصيّة أكد الدكتور عبد السلام يخلف من جامعة قسنطينة على أن هذه المجموعة بكلّ تجلياتها تشبه تركيب الألغاز الورقيّة، قطعة بعد قطعة أو قصة بعد قصة يكتمل المشهد، وأن بعضها يطلع من دهاليز الأرض بالعفن والرطوبة، وبعضها يهبط من السّماء برائحة المسك والاطمئنان حسب وصفه، وأشار إلى أن المؤلف يكتب بلغة بسيطة - أو نظنُّها كذلك - حتى نجدها بعد ذلك غامرة بالدوران والمفاجأة، وبكثير من العبث والسُّخرية أحيانا.

وأشار إلى أن المؤلف له القدرة على كتابة قصّة تتلاعب بذكاء القارئ وبأعصابه أيضا حين يزجُّ به في متاهات يودّ أن يغادرها سريعا أو أسئلة يطرحها وينصرف، وأنها جملة من القصص التي كتبت بقلم عارف تمرّس على الكتابة لعقود، وجال بين أنواع الإبداع، حين كتب الرواية، والمقالة الصحفية، ثم عاد إلى "القصّة" التي يُحسن ترويضها وبناءها وصياغة هندستها وتشكيلها اللُّغوي، وعمارة مفرداتها، وأنّ القارئ يستطيع قراءة كلّ قصّة منفردة تكتفي بمحتواها، وحبكتها، ونهايتها، كما يمكنه قراءتها مثل سلسلة من القصص التي تحكي حكاية مدينة يشاهدها من زوايا واتجاهات مختلفة، حتى إنّك تخالُ أنّك تعرف كلّ الشخصيات التي يتحدّث عنها الكاتب".

ويضيفُ الناقد، "يتعامل الكاتب مع الأمكنة بمنهجيّة تعريفيّة ممتعة تمنح القارئ القدرة على دخول المكان بعينين مغمضتين من كثرة التفاصيل والمكوّنات الفيزيائية الموجودة في المحيط الذي تتحرّك بداخله الشخصيات التي استطاع أن ينقل لنا خوفها، وفرحها، وأحلامها، وتذمّرها أيضا، وإنّ بعض شخصيات القصص تتنوّع بتنوع المكان، والسيناريو: المجنون، الصمّاء البكماء، البرجوازي، عابر السبيل، الأستاذ، ولكلّ حياتها الخاصّة المتفرّدة التي تمنح القصّة حياة من خلال تكثيف اللُّغة واختصار اللّحظات بجمل قصيرة تتلاعب بالقارئ، وتنقله بين جسر وآخر، حتّى إنّها أحيانا تتركه مُعلّقا بينهما ينتظر النجاة".

يُشار إلى أن عبد العزيز غرمول من مواليد 1958 بمدينة سطيف (شرق الجزائر)، وهو إعلاميُّ، وروائيٌّ، سبق أن أصدر العديد من الأعمال، على غرار "مقامات ليليّة" (رواية/1993)، و"رسول المطر" (قصص/1994)، و"سماء الجزائر البيضاء" (قصص/1995)، و"زعيم الأقلية الساحقة" (رواية/2005)، و"عام 11 سبتمبر" (رواية/2005)، و "مصحّة فرانز فانون" (رواية/2016).

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عين التينة للفلسطيني صافي صافي: رواية العودة

بعد 77 عاما من اللجوء، تأتي رواية الجيل الثاني كرواية الشعور التعب والناضج، والمتمسكة بحلم العودة؛ ثمة ثقة غريبة عجيبة بتحققها رغم ما يبدو من صعوبة تحقق الحلم.

في ربط ذكيّ وصادق وإبداعي، ما بين مشاعر الحب الرومانسية وممارسته من جهة، وبين الشعور الوطني الرومانسي تجاه العودة إلى الوطن وممارسة ذلك واقعيا، مضت الرواية في جانبين متوازيين ومتقاطعين كأبدع ما يكون، من خلال علاقة ربطت فلسطيني يعيش في وطنه، وفلسطينية لاجئة تزوره؛ فقد انسجمت تلك العلاقة الرومانسية بينهما، وشعور النوستالجيا إلى الوطن، ثم لتأخذ تحولا فعليا، حيث إنه في ظل ممارسة فعل العودة إلى الوطن، ولو على سبيل الزيارة، تأخذ العلاقة بينهما بُعدا جديدا واقعيا. "لم نعُد نهتم بأضواء المدينة الحديثة، ولا شوارعها المصطنعة...." صفحة 134. إنها إشارة للشعور الطبيعي بين الإنسان ووطنه حين يعود، فهذا هو كنزه وسعادته، ممارسة العودة والمحبة، وكأنهما خُلقا معًا، فلا حب من دون وطن، ما يكشف حداثة المستعمر الواهمة.

إضافة نوعية للأدب الفلسطيني، وللرواية المتعلقة بموضوع اللجوء والعودة، بل لربما من خلال فلسطين، تضيف الرواية للرواية العالمية التي تتعلق بالموضوع نفسه، خاصة لتلك الأجيال التي وُلدت لأسر لاجئة خارج أوطانها المستلبة.

تؤكد الرواية دوما على أنها شكل خاص ومضمون خاص أيضا حتى للكاتب نفسه، وهكذا فإن ما بيننا من سرد روائي يعمّق ما اختبرناه، فكل روائي راوٍ له قصته، وله ما يقوله ويبوح به.

ما الذي سنسرده عما سرده الكاتب على مدار 140 صفحة؛ فالرواية حكاية أيضا، نقرؤها ونرويها للآخرين؟ أما الإجابة فهي سرد ما كان ويكون، سرد مكان وقضية، وسرد أزمنة، وأعمار، وذلك ما خطه الكاتب بشفافية أوحى لنا الكاتب لا لنعبئ الفراغات، بل لنعيش حالة هذا الرجل الذي يصطحب الفلسطينية اللاجئة (الزائرة) إلى مسقط رأس والدها، لا مسقط رأسها، الذي حدث في الشتات.

مفتاح الفهم لهذه الحالة الروائية، هو مفتاح وجودي؛ فما أن يرحل الأب والأم، حتى يرث الأبناء الشعور، شعور الوالدين، (وأفكارهما بالرغم مما كان من نقد سابق). حين يموت الأب اللاجئ بعيدا عن بلده، فإن الابن يتجاوز الحزن العادي إلى الحزن على موته بعيدا عن بيته، ومن ثم إلى فعل ما؛ لكن في ظل الممكنات، فإنه في اللاوعي يَعِد والده (أو جدّه) بأنه سيعمل فعلا كي يعود إلى بلدهم. وهنا فإن الابن يصبح وارث الشعور، وبالتالي فإنه يكبُر بسرعة.

ستيني يقيم في الضفة الغربية من هذا الزمن، لجأت أسرته من فلسطين المحتلة عام 1948، يصطحب ستينية فلسطينية من الزمن نفسه تعيش في الشتات، لجأت أسرتها إلى خارج فلسطين، إلى مسقط رأس والديها، إلى بلدتها الأصلية، بيسان. خلال هذا الاصطحاب، يصطحبنا الراوي -الكاتب الروائي، إلى نتف من الأزمان السابقة، إلى زمن نكبة عام 1948 وما قبلها، مستشرفا مستقبل العودة التي يراها أكيدة دون انفعالات.

تصل حنان ابنة بيسان البلاد، إلى رام الله، تقيم في فندق صغير برام الله، كل ما يشغلها زيارة بيسان، فقد بدا عليها ليس الزهد في التنقل برام الله بل بالقدس أيضا. في الموعد المحدد تتوجه حنان مع زميلها الراوي من خلال رحلة لخمسين فلسطينيّ يستقلون مركبة الباص، يزورون شمال فلسطين المحتلة عام 1948، من خلال تصاريح الاحتلال. هناك يتعرّضون جميعًا لتحرش مستوطنين كونهم عربًا فلسطينيين، يستقدمون شرطة الاحتلال، ليدور حوار عنصري واعتقال في مكان مظلم لساعات، ولتنتهي الزيارة، بفتح الجرح من جديد. تلك باختصار هي أحداث الرواية.

هل من رمزية هنا؟

ثمة انسجام ما بين شعور الصداقة الملتبسة بمشاعر الحب الرومانسي، بمشاعر الزائرين الملتبسة للوطن السليب وما بين الشعور بوطن الآباء، فهما لم يعيشا فيه فعلا، وبين ممكنات تخيل أنهما يعيشانه ولو من خلال زيارة.

هذا الغموض في الشعور من طرفه وطرفها، وتذكر كيف أنها وقد شعرت بميله العاطفي تجاهها، تطلب منه برفق بأن يكون صديقا، هو غموض إبداعي، حتى إنه وبعد عقدين يبعث لها بأغنية "كن صديقي" لماجدة الرومي.

ثمة صدق أكان ذلك في الشعور العاطفي كونه عرف أن قلبها ليس معه من أربعة عقود، أو في شعور الارتباط بالوطن، حيث لا نجد هنا التكلف في الشعور والتعبير، فاكتفيا بتبادل الحديث، بما يحقق لها فرصة مشاهدة بيسان بلد والديها، ثم لتعود مرة أخرى إلى مكان اللجوء.

في الطريق، يصبح المكان/ الطبيعة مؤنسنا بل إنسانا يرافقهما، وأيضا من دون تكلف شعوري، فلا انفعال بالوطن ولا انفعال بها؛ كون الزمن قد مرّ، فصار العقل حاضرا واقعيا (ربما). وكأننا نحن من يعيش عمرا متقاربا مع الراوي هنا، حين نتنقل في فلسطين عام 1948، نكون مثله في النظر والتأمل والحديث الفكري بيننا. وحتى عندما تحصل المواجهة مع المستوطنين، فإن الراوي وبالرغم من صراحته وسخريته منهم، وقت قدوم شرطة الاحتلال، فإنه يكون واقعيا، لذلك فإن يزهد بالتصعيد.

يتمسك الراوي والزائرة، بالوطن كحلم جميل، ونجده قويا بحتمية العودة، وما حديثه عن ملكية الأراضي إلا تفكير واقعي في التعامل مع عودة اللاجئين إلى الوطن.

وهو لا يرى وطنه إلا الوطن الكامل غير المجزأ (فلسطين التاريخية)، وقد أبدع صافي صافي في شفافية التصوير دون الاضطرار إلى المباشرة، من خلال الحديث عن التقاط صورة لأحد المتجولين (أبو المجد) حول مياه عين التينة، فحين يتحدثان عن تصويره مع فضاء المكان، بحيث يظهر الشخص كاملا غير منقوص، حيث تكون عبارة "أنت مع كامل جسدك ولا ترى تقسيمه" صفحة 54. (ولما كان الشيء بالشيء يذكر، فقد اخترت عنوان "برتقالة واحدة لفلسطين" لكتابي التجوالي الذي فاز بجائزة ابن بطوطة في الدورة الخامسة، 2007، بدافع رمزي غير مباشر، بأن المتجول في فلسطين التاريخية، لم يكن ليرى فلسطين مجزأة).

وكأن الاحتلال قد قرأ مشاعر المتجولين/ الزائرين لوطنهم السليب، حيث تظهر لغة المحتلين المتعالية والاستشراقية العنصرية (لغة الرجل الأبيض كامل النقاء)، ففي الصفحتين 107 و108 يقصف مشاعر الفلسطينيين من خلال اتهامهم بالفوضى، وإثبات التعالي عليهم؛ كونهم شعب الله المختار، بل ويصل الأمر إلى التهديد باعتقالهم. لقد كانت الزيارة/ السرد، هي إعادة الإطلالة على فلسطين الجرح والقضية التي لم تنته، فلا تكاد تنتهي الصفحات فعلا حتى تبدأ صفحات أخرى؛ فثمة ندبة لا تزول، بل جرح لم يلتئم بعد 7 عقود. تنتهي الزيارة على الأرض فيزيقيًّا، ليستأنفا -ونحن- التفكير في المصير؛ فلم نصل إلى المآلات التي يجب أن تكون، خاصة بعد أن ورثنا حق العودة، بل والشعور والفعل لتحقيقها، ربما محبة منا ووفاء إلى أهلنا الذين رحلوا بعيدا عن بيوتهم.

لذلك، فقد كانا يقطعان مسافة الطريق وزمن الزيارة والتجول من خلال استعداء الماضي خاصة تهجير عام 1948، خلال ذلك استدعى تجربة العمل السياسي، فظهر النقد الحزبي والسياسي بشكل عام، والسخرية من الدجالين السياسيين.

كذلك التأمل الجمالي للوطن/ الطبيعة، بل وربط ذلك علميا كونها قد درست علم الحيوان "صفحة "77"، خاصة الحديث عن الحشرات، التي قد تكون لها رمزية ما هنا.

ولعل اختيار الكاتب "عين التينة" ما بين فلسطين وسوريا، بهدف الإيحاء بغموض وطني وقومي، ووجود وحيد الجولاني كدليل، كان موفقا، ولعل تيمة الغموض هنا كان ظاهرة إبداعية مضمونا وشكلا.

كان للرقص الصوفي لمها المقدسية أثر حركي في الإيحاء بصوفية علاقة حنان والراوي بالوطن، بل وبهما معًا. ثمة ربط بين الجولاني والمقدسية، بين التاريخ والجغرافيا والفن.

كان استحضار التاريخ والجغرافيا والعلم والفن، منسجما مع شخصية الراوي وشخصية حنان معًا، من خلال العمر والثقافة، والأهم من خلال الإيمان بحتمية العودة.

وتأكيدا ذكيا على ارتباط الفلسطيني بأرضه، ربط الكاتب من خلال الحوار بين حنان والراوي ما بين الطبيعة والميثولوجيا، في سياق علاقة الفلسطيني بوطنه، تلك العلاقة التي تغيب في علاقة المستوطنين بالمكان.".... وهذه ألوان الزهور ليست من بيئتنا، لقد استوطنت هنا كما زارعوها.." صفحة 134.

ثمة حديث عن ارتباط أهل البلاد بالوطن، وهو الارتباط النفسي الحقيقي، وبين ارتباط الغزاة المستوطنين الواهم وتعرضه للانقطاع عند تغير الظروف. هدوء وعقلانية الراوي هنا تدل على الفلسطيني الواثق بوطنه؛ ففي أكثر من مكان من الرواية يعرّي الكاتب تكلف (واصطناع) مشاعر المستوطنين وسلوكياتهم وأدبياتهم مع فلسطين، "تساءلت عن اللون الأزرق.." صفحة 86"، في سياق فضح الكولينيالية العنصرية التي تلوي عنق الميثولوجيا.

وأخيرا كما بدأنا ننتهي، فإذا كانت علاقة الراوي وحنان، ملتبسة ما بين الصداقة والحب الرومانسي، في فترة الجامعة في آخر السبعينيات أو أوائل الثمانينيات، كذلك في العلاقة مع الوطن السليب الذي توارثا الانتماء له دون العيش فيه، على طول علاقتهما قديما وحديثا، وعلى طول فترة التجول أثناء زيارة بيسان-عين التينة، ففي صفحة 118، نقرأ:

وماذا تسمي علاقتكما؟

قررنا ألا نسميها. دعي الأمور كما هي. عيشي الحياة كما هي.

من خلال ندوة أدرتها مع الكاتب، ذكر صافي صافي أنه أراد من خلال رواية "عين التينة" أن يحسم الرأي في أن من يرى فلسطين من خلال تصريح الاحتلال، فإنه لا يراها فعلا. وهو يذكرنا بما ذكره سعيد س في رواية عائد إلى حيفا حين قال لزوجته صفية: "إنك لا ترينها، إنهم يرونك إياها" ص 12.

رواية روح ونفس وفكر وصراع عبر قصة حب تتم استعادتها، في ظل رغبة حنان باستعادة الوطن رمزيا من خلال الزيارة.

[email protected]

صدرت الرواية عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2025، ووقعت في 140 صفحة.

مقالات مشابهة

  • «كتابة القصة» تدعم المهارات الذهنية.. «الدانة» يطوّر القدرات الإبداعية للفتيات
  • نرحب بك | كلية أزهرية توجه رسالة مؤثرة إلى القارئ الكفيف بعد النجاح
  • حصل على 86%.. والدة القارئ الكفيف: فرحنا بابننا في رمضان عايزين غيرنا يفرح
  • زيد ديراني يحيي حفلاً في بيروت وُصِفَ بـالاستثنائي
  • الجزائر تواجه غينيا في الدار البيضاء في آخر جولات تصفيات “مونديال” 2026
  • «ذوبان وتيه».. تحولات ومشاهد مؤثرة من الحياة
  • بريطانيا تشدد إجراءات حماية القصّر من المحتوى الضار على الإنترنت
  • مصر تحتل المركز الثالث.. ترتيب قائمة أغلى المنتخبات العربية
  • بالتعاون مع المؤلف الموسيقي هانس زيمر.. «القطرية» تُثري تجربة المسافرين بأعمال موسيقية عالمية
  • عين التينة للفلسطيني صافي صافي: رواية العودة