لماذا تفرض الحكومة المصرية قراراتها على المواطنين في توقيت صعب؟
تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT
في جل الأعياد أو المناسبات الدينية أو حتّى دخول المدارس، اعتادت الحكومة المصرية، على قرارات توصف بـ"الصّعبة" مثل: الرفع من أسعار الوقود أو الكهرباء أو النقل والمواصلات أو تحرك سلعا استراتيجية كالخبز، وغيره، وذلك في ظل تفاقم معدلات التضخم.
آخر قرارات حكومة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، (2014- 2030)، "الصّعبة" أتت مع توقيت دخول عيد الأضحى المبارك (الجمعة 6 حزيران/ يونيو الجاري) بزيادة أسعار بيع الغاز الطبيعي للمنازل، بداية من فاتورة الشهر الحالي، بنسب تراوح ما بين 25 بالمئة و40 بالمئة.
وطبقا للتعريفة الجديدة التي أعلنتها، السبت، عدّة مصادر متفرقة، قريبة من الملف وليس "لجنة تسعير الوقود" التي تعمل منذ تموز/ يوليو 2019، فقد زاد: سعر المتر المكعب للغاز بشريحة الاستهلاك الأولى (من صفر حتى 30 مترا) من 3 إلى 4 جنيهات بزيادة 33 بالمئة.
مع زيادة الشريحة الثانية (من 31 حتى 60 مترا) من 4 إلى 5 جنيهات بزيادة 25 بالمئة، فيما طالت الشريحة الثالثة (أكثر من 60 مترا) زيادة من 5 إلى 7 جنيهات بنسبة 40 بالمئة.
ويأتي ذلك القرار رغم إعلان وزارة البترول المصرية بعد رفع أسعار المواد البترولية الأخير 11 نيسان/ أبريل الماضي، عدم دراسة تغييرات جديدة للأسعار قبل 6 أشهر أخرى، ما اعتبره مراقبون تراجعا حكوميا عن وعدها السابق.
وفي أيلول/ سبتمبر 2024، رفعت الحكومة أسعار الغاز الطبيعي المورد للمنازل بما يتراوح بين 40 إلى 100 قرش بالمتر المكعب الواحد حسب شريحة الاستهلاك.
إلى ذلك، قفز سعر المتر المكعب للغاز الشريحة الأولى من 260 قرشا لـ3 جنيهات، وزادت الشريحة الثانية من 335 قرشا لـ4 جنيهات، ووصلت إلى 5 جنيهات للمتر بدلا من 4 جنيهات للشريحة الأعلى.
"في أوقات صعبة"
بهذا القرار تواصل الحكومة اختيار الأوقات الصعبة لتمرير قراراتها، وفق تعبير الخبير الاقتصادي المصري الأمريكي، محمود وهبة، الذي قال لـ"عربي21"، إنّ: "اختيار هذا التوقيت لقرار رفع سعر الغاز الطبيعي لأن الناس مشغولة بعيد الأضحى، وإجازة العيد".
ومع انتهاء شهر رمضان وعيد الفطر الماضيين، بما يحملانه من ضغوط مالية على الأسر المصرية، كانت الحكومة قد رفعت بعدها بـ10 أيام وفي 11 نيسان/ أبريل الماضي وللمرة الثانية خلال 6 أشهر، أسعار المواد البترولية، لتشمل البنزين والسولار، بقيمة زيادة جنيهين للتر.
وارتفع سعر بنزين (95) إلى 19 جنيها للتر، و(92) إلى 17.25 جنيه، و(80) إلى 15.75 جنيها، كما ارتفع سعر السولار إلى 15.50 جنيه للتر، مع رفع سعر طن المازوت من 9500 إلى 10500 جنيه للطن.
في حين زاد سعر أسطوانة البوتاغاز المنزلي (12.5 كغم) من 150 إلى 200 جنيه، والتجاري من 300 إلى 400 جنيه، وطن الغاز الصب من 12 ألفا إلى 16 ألف جنيه، والغاز المورد لقمائن الطوب من 190 جنيها إلى 210 جنيهات للمليون وحدة حرارية بزيادة 10.5 بالمئة.
ومع انتظام أكثر من 25.8 مليون طالب بالتعليم قبل الجامعي و2.4 مليون طالب بالتعليم العالي، في 21 أيلول/ سبتمبر 2024، وما يتبعه ذلك من تكاليف للمصروفات الدراسية والكتب الرسمية والخارجية والملابس وغيرها، قرّرت الحكومة رفع أسعار المواد البترولية بعدها بشهر وفي 18 تشرين الأول/ أكتوبر بنسبة بين 11 و17 بالمئة، وذلك للمرة الثالثة العام الماضي.
وكانت الحكومة قد رفعت أسعار المواد البترولية -البنزين بأنواعه والسولار والمازوت الصناعي- في 26 تموز/ يوليو الماضي بنسب وصلت إلى 15 بالمئة، بعد عيد الأضحى الذي حل في 16 حزيران/ يونيو 2024.
وهو القرار الذي سبقه رفع لأسعار المواد البترولية في 22 آذار/ مارس بالإضافة إلى زيادة سعر أنبوبة غاز البوتاجاز سعة 12.5 كيلوجرام، من أرض المستودع للمستهلك من 75 جنيها إلى 100 جنيه، وذلك خلال شهر رمضان الذي حل 10 آذار/ مارس 2024، وقبل عيد الفطر الذي احتفل به المصريون 9 نيسان/ أبريل 2024.
آنذاك، أكد خبراء أن سعر أسطوانة الغاز المنزلي قفزت بنسبة 1775 بالمئة خلال 10 سنوات، حيث ارتفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي من 8 جنيهات في نيسان/ أبريل 2013 إلى 150 جنيها في آذار/ مارس 2024.
"الأنبوبة وضغوط الديون"
مع توجّه الحكومة المصرية للاقتراض من صندوق النقد الدولي منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وحتى آذار/ مارس 2024، وحصولها على قروض بإجمالي نحو 28 مليار دولار يجري صرف آخر شرائحها في 2026، يدفع الصندوق نحو تقليص الحكومة المصرية دعم الوقود، في ملف يعد الأشد قسوة على حياة أكثر من 107 ملايين مصري.
في هذا الإطار، قلّلت موازنة العام المالي الجديد (2025-2026)، مخصصات دعم المواد البترولية بنسبة 51 بالمئة، من 154 مليار جنيه بالموازنة الحالية إلى 75 مليار جنيه.
ويعاني فقراء المصريين مع توفير ثمن أسطوانات الغاز، التي تبلغ رسميا 200 جنيه، وتباع في مستودعات شركات الغاز بـ210 جنيهات، لتصل ليد المستهلك بنحو 240 و250 جنيها.
ومنذ العام 2012، وحتى 2025، وخلال 13 عاما زادت أسعار أسطوانات الغاز للاستهلاك المنزلي بنحو 8 آلاف بالمئة، مرتفعة من 5 جنيهات إلى 200 جنيها، وفقا لبيانات وزارة البترول.
أيضا، سجّلت أسعار أنابيب البوتاجاز المنزلي عام 2013، نحو 8 جنيهات، وفي 2016، بلغت 15 جنيها، ثم 30 جنيها في 2017، و50 جنيها عام 2018، و65 جنيها في 2019، لتسجل في 2021 و2022 مبلغ 75 جنيها.
وخلال العام الأخير قد ارتفع سعر الاسطوانة في آذار/ مارس 2024 إلى 100 جنيه، ثم إلى 150 جنيه في أيلول/ سبتمبر 2024، ليصل إلى 200 جنيه في نيسان/ أبريل الماضي.
جرّاء ذلك، مراقبون ومهتمون بالشأن المصري، طرحوا السؤال حول تأثير مثل هذا القرار على ملايين المصريين، وعن أسباب إصرار فرض الحكومة قراراتها الصعبة على المصريين في توقيتات صعبة، ومخالفتها وعود سابقة في هذا الملف، وتحميل المصريين ثمن فشل السياسات الحكومية في ملف الغاز.
"لا تعبئ بهذا الشعب"
في تعليقه، قال الأكاديمي المصري والخبير الاقتصادي، مصطفى شاهين، إنّ: "الحكومة المصرية السابقة والحالية والمقبلة لن يكون في إمكانهم على الإطلاق الخروج من مأزق رفع الأسعار لأنه سيظل قراراها دائما".
أستاذ الاقتصاد بكلية "أوكلاند" الأمريكية، أكّد في حديثه لـ"عربي21"، أنّ: "الهدف الرئيسي من تلك الإجراءات المتواصلة هو تخفيض العبء على الموازنة العامة للدولة، وهو ما لن يحدث للأسف، نتيجة المليارات من الجنيهات والدولارات المدينة بها الحكومة المصرية في الداخل والخارج".
ولفت إلى أنّ: "تأثير تلك القرارات على المصريين لاشك فيه"، مبينا أن "أي ارتفاع بالأسعار يؤثر على دخول المواطنين وأي تخفيض في مستوى الدخل يخفض مستوى استهلاكهم، وعندما تنخفض مستويات الاستهلاك مباشرة تؤدي لحالة من الركود والانكماش الاقتصادي، وانخفاض الاستهلاك والانكماش في الاقتصاد يؤدي بطبيعة الحال لمزيد من البطالة وظاهرة الركود التضخمي".
وأبرز أنّ "القرار يخالف وعود حكومية بالفعل، ويؤكد أن المصريين يدفعون ثمن فشل سياسات الحكومة في ملف الغاز"، موضحا أننا "لفترة طويلة لا تعبئ قرارات الحكومة بالمصريين ولا بأوضاعهم، وتواصل فرض جباية عليهم، وهذا ما يتم وهذا وضع مصر بالسنوات الأخيرة، والحل أن يكون للمصريين وقفة مع حكومة لا ترى ولا تسمع ولا تعبئ بهذا الشعب".
"لن نتحملها"
"عربي21"، استطلعت آراء بعض المصريين ممّن يستهلكون الغاز الطبيعي الذي كانت تصفه الدولة والسكان بأنه المصدر الأفضل والأرخص للطاقة في مصر، وخصّصت له نحو 7 شركات توزيع تجارية في العاصمة القاهرة و26 محافظة أخرى.
تقول أم سمر، (ستينية تقطن حي شبرا الخيمة الشعبي): "كافحنا وسكان العقار القديم لكي نحصل على موافقة لتركيب عداد غاز طبيعي عام 2017، ونجحنا بعد دفع مبالغ مالية كبيرة في وقتها، وهم من جانبهم منحونا فرصة عبر نظام تقسيط تكلفة توصيل الغاز مع فاتورة الاستهلاك الشهري مدة 7 سنوات".
وتوضّح لـ"عربي21": "لاحقا تمت مضاعفة التكلفة علينا، ولم نعد نعرف ما قيمة الاستهلاك وما قيمة القسط، ومع ذلك كنا نحاول دفع تلك المبالغ رغم أنها مبالغ فيها وفق قول المحصلين أنفسهم، حيث تم تحميل تكاليف كثيرة ومصروفات إدارية لا نعرف لماذا؟".
وتبيّن أنه "ومع ذلك كنا سعداء بأنه لدينا غاز، نفتح المحبس كالمياه تماما، ونسينا أزمة أنبوبة الغاز، وحملها وتركيبها، ولكن رفع سعر استهلاك الغاز أمر لا يمكننا أن نتحمله، فالفاتورة الشهرية لنا كأسرة من 4 أفراد (أم و3 أبناء) بين 450 و500 جنيها، وهو معدل استهلاك اسطوانتي غاز بنحو 480 جنيها، وقد تصل الآن إلى 600 و650 جنيها، فمن يتحملها؟".
"غلاء يزيد الركود"
قرار رفع سعر الغاز الطبيعي، يأتي مع اقتراب عيد الأضحى، بينما يواجه المصريون أزمات ارتفاع أسعار اللحوم، ما دفع عضو مجلس النواب السيد شمس، للتقدم السبت، بطلب إحاطة لمجلس النواب، واصفا ارتفاع أسعار اللحوم الذي وصل نحو 30 بالمئة لسعر الكيلو الذي يصل 450 جنيها بأنه "مبالغ فيه ويثقل كاهل المواطن".
وفي جولة "عربي21"، بأسواق حي مسطرد الشعبي، أعرب متحدثون عن رفضهم "أية قرارات برفع أسعار جديدة، لأية سلع حتى ولو كانوا من غير مستهلكيها"، وفق قول صاحبة محل أحذية في شارع العشرين، بالمنطقة المكتظة بالسكان.
وتضيف: "نحن الآن بعد صلاة عصر الأحد، والمفروض أن هذا هو بداية توقيت البيع والشراء لحاجيات العيد وزيادة الحركة في الشارع، لن تجد إلا مارة يتفرجون على البضائع دون شراء، ومن يفكر في الشراء لا يتخذ القرار إلا بصعوبة".
وتوضح أن "رفع سعر أي سلعة يؤثر على التاجر قبل المستهلك، لأنه عندها يقرر المستهلك الترفع عن الشراء حتى يسدد ما عليه من التزامات، لذا يجب على الحكومة وقف كل قرارات رفع الأسعار".
وتختم قائلة: "كفاية تعبنا؛ الناس تشتري أولا الطعام وليس كل أنواعه، ثم الدواء، أما الكماليات كالملابس والأحذية لا يشترونها إلا للضرورة".
"من نجدة إلى أزمة"
توصيل الغاز الطبيعي إلى بيوت ومنازل المصريين ومحطات الكهرباء والمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل شركات الأسمنت والحديد والسيراميك والمخابز البترول، اعتبره خبراء إحدى أنجح الخطط الحكومية خاصة ما أثير عن اكتشافات هائلة واحتياطيات كبيرة منذ العام 2015 باكتشاف شركة "إيني" الإيطالية لأكبر حقل في البحر المتوسط "ظهر"، ما يكفي الاستهلاك المحلي ويضع مصر بقائمة مصدري الغاز.
وعبر شركات "تاون جاس"، و"غاز مصر"، و"ماى جاس"، و"ناتجاس"، و"الفيوم للغاز"، و"طاقة عربية" و"الشركة الحديثة للغاز الطبيعي"، جرى تنفيذ شبكة هائلة بكل أنحاء الجمهورية لتوزيع الغاز الطبيعي على نحو 15 مليون وحدة سكنية، فيما وصلت أطوال الشبكة القومية للغاز حوالي 104ألف كيلومتر.
وبلغ عدد الوحدات السكنية التي تم توصيل الغاز الطبيعي إليها حوالي 14.9 مليون وحدة نهاية عام 2024، ارتفاعا من 5.7 مليون وحدة عام 2014، تشمل توصيل الغاز لعدد من قرى الريف المصري ضمن مبادرة "حياة كريمة".
لكن؛ هناك وضع جديد تعيشه مصر مع ملف الطاقة ومنه الغاز، خاصة مع تراجع إنتاجها بشكل دراماتيكي وصادم، بجانب تراجع إمدادات الغاز من دولة الاحتلال الإسرائيلي وفق اتفاقية موقعة بين الجانبين عام 2018.
وتمارس "تل أبيب" ضغوطا سياسية واقتصادية على القاهرة بهذا الملف في إطار الحرب الدموية التي تشنها على قطاع غزة لأكثر من 600 يوما، ورغبتها والإدارة الأمريكية في تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
وتستورد مصر نحو 40 بالمئة من استهلاك السولار و50 بالمئة من البوتاجاز و25 بالمئة من البنزين.
والأربعاء الماضي، اعترف رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بأن الصيف الحالي سيشهد "أقل معدل لإنتاج الغاز الطبيعي من الحقول المصرية"، مقدما وعوده بأن "الاستكشافات الجديدة ستُسهم في زيادة الإنتاج تدريجيا، وصولا إلى المعدلات الطبيعية خلال عامين".
ويوضح بعض أهالي الريف المصري لـ"عربي21"، أن "خطوة توصيل الغاز إلى منازلهم، وتركيبه في بيوتهم التي صارت على أحدث طرز البناء خطوة نجحت في كثير من القرى، ولكنها تعثرت منذ 2023، مع تراجع الاهتمام بمبادرة (حياة كريمة) ونقص مخصصاتها، مشيرين إلى أن بعض القرى جرى الحفر في شوارعها وتوقف عمل المقاولين في التوصيل حتى الآن".
وذهب بعضهم للقول: "المشكلة الأهم من تركيب خطوط الغاز، ثم الاسطوانات المبالغ فيه، والمخاوف من انقطاع الكهرباء وتخفيف الأحمال خلال فصل الصيف للعام الثالث على التوالي بسبب نقص الغاز بمحطات الكهرباء".
وتراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي خلال كانون الثاني/ يناير الماضي بمقدار 960 مليون متر مكعب على أساس سنوي، ليظل عند أدنى مستوى في 8 سنوات، فيما انخفض إلى 49.37 مليار متر مكعب خلال 2024، مقابل 59.29 مليار متر مكعب عام 2023، وفق حسابات وحدة أبحاث الطاقة.
وتبلغ احتياجات البلاد صاحبة ثاني أكبر اقتصاد قاري وثالث أكبر اقتصاد عربي من الغاز الطبيعي أكثر من 6 مليارات قدم مكعب يوميا، في حين يبلغ إنتاجها اليومي نحو 4.3 مليار قدم مكعب، في فجوة تصل لنحو 1.7 مليار قدم مكعب، تزيد مع حلول الصيف، لتصل إلى نحو 2.7 مليار قدم مكعب، مع زيادة الاحتياجات اليومية لنحو 7 مليارات قدم مكعب يوميا بأشهر الصيف.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المصرية الحكومة المصرية المصريين مصر الحكومة المصرية المصريين المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أسعار المواد البترولیة الحکومة المصریة الغاز الطبیعی توصیل الغاز عید الأضحى ملیون وحدة قدم مکعب أکثر من رفع سعر مارس 2024
إقرأ أيضاً:
لماذا لا تتراجع أسعار بعض السلع في سوريا رغم ارتفاع الليرة؟
دمشق– تشكو المواطنة شادية مطر من ارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات في الأسواق السورية رغم ارتفاع سعر الليرة مقابل الدولار، قائلة: "لم تعد خرجية (مصروف) الـ200 دولار التي يرسلها لي ابني من العراق تكفيني لمنتصف الشهر.. لا بد من إيجاد حل لارتفاع الأسعار لأن الأمر أصبح لا يُطاق".
وتضيف المدرِّسة المتقاعدة (56 عاما) في حديث لـ(الجزيرة نت): "ما يزال إيجار شقتي مليون ليرة (110 دولارات) بالرغم من أن قيمة الدولار قد انخفضت إلى نحو النصف مقارنة بقيمته في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إذ كان إيجار شقتي حينها يعادل 75 دولارا فقط، أما الآن فتخطى الـ100 دولار وأنا لا طاقة لي بذلك. وهناك أيضا مواد غذائية كثيرة لم تنخفض أسعارها بصورة متناسبة مع ارتفاع سعر صرف الليرة".
وشهد الاقتصاد السوري تحولات كبرى منذ سقوط نظام الأسد المخلوع في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وارتفعت الليرة بصورة ملحوظة أمام العملات الأجنبية لا سيما بعد صدور القرار الرسمي برفع العقوبات الأميركية ولاحقا الأوروبية عن سوريا الشهر الماضي.
وسجل سعر صرف الدولار في السوق الموازية، في أحدث تعاملات 9250 ليرة مقابل الدولار، مقارنة بـ16 ألف ليرة في مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.
غير أن أسعار بعض السلع والخدمات الأساسية في سوريا ما تزال مرتفعة مقارنة بتحسن سعر صرف الليرة، مما يشكل عبئا مضافا على السوريين، ولا سيما موظفي القطاع العام، وأولئك الذين يعتمدون في مصروفاتهم والتزاماتهم على الحوالات الخارجية التي يرسلها إليهم أبناؤهم وأقاربهم المهاجرون.
إعلان أسعار مرتفعةوتبرز السلع الغذائية المنتجة محليا من أجبان وألبان ومعلبات ومنتجات للأطفال كأقل السلع تأثرا بالتحسن الذي يشهده سعر صرف الليرة مؤخرا، إذ تحافظ بعض هذه السلع على أسعارها التي كانت عليها قبل نحو شهر عندما كان سعر صرف الدولار يعادل 12 ألف ليرة. وتليها بضائع مصنعة محليا مثل الألبسة، والأدوات الكهربائية والصحية، والأدوية، وخدمات عديدة مثل المطاعم والفنادق والعيادات الطبية، بحسب ما رصدته الجزيرة نت في جولة لها في دمشق وريفها.
وأوضح مدير دائرة الإعلام في وزارة الاقتصاد والصناعة السورية، حسن الأحمد، أن التحسن في سعر صرف الليرة من الطبيعي أن يواكبه انخفاض تدريجي في الأسعار.
وقال في تصريح لـ(الجزيرة نت): "رأينا بالفعل تراجعا في أسعار بعض السلع والخدمات، خصوصا في القطاعات التي تعتمد على مدخلات محلية وتخضع للمنافسة الفعلية".
لكن المسؤول الحكومي استدرك قائلا إن هذا التراجع لا يشمل جميع القطاعات، فما تزال الأسعار مرتفعة في قطاعات على رأسها الصناعات الغذائية وخدمات المطاعم وقطاع الألبسة، مرجعا ذلك إلى جملة من العوامل، أبرزها اختلال العرض والطلب، وارتفاع تكاليف التشغيل، وتفاوت جودة الخدمات المقدمة.
وقال: "السوق لا يستجيب فورا وبشكل متساوٍ في جميع المجالات".
وحول دور الحكومة في ضبط الأسعار، أوضح الأحمد أن الدولة بتوجهها نحو اقتصاد السوق الحر التنافسي، فإن وزارة الاقتصاد والصناعة لا تتدخل في فرض الأسعار، بل تركز على ضمان بيئة سوق عادلة وشفافة، إذ تُحدد الأسعار بناء على التكلفة والجودة وحجم الطلب، لا على قرارات إدارية.
وأكّد أن دور الوزارة "يقتصر على ضبط الإطار العام للسوق، ومنع الاحتكار والمغالاة، وتشجيع المنافسة وزيادة العرض، حتى تصبح الأسعار أكثر توازنا واستقرارا بشكل طبيعي، وضمن منطق السوق".
إعلان مضارباتويجمع خبراء اقتصاديون على أن التحسن الأخير في سعر صرف الليرة السورية لا يستند بالمجمل إلى عوامل اقتصادية موضوعية، بل يعود بدرجة كبيرة إلى المضاربات في السوق الموازية والعوامل النفسية التي تحرك سلوك المتعاملين.
ويرى الخبير الاقتصادي السوري حازم عوض أن ما يتحكم بسعر صرف الليرة في السوق الموازية هو قوى العرض والطلب والمضاربات، وهو ما يفسر انخفاض سعر الصرف فيها (9200 ليرة للدولار) عنه في المصرف المركزي (11 ألف ليرة للدولار).
وأشار إلى أن السوق الموازية لا تحكمها عوامل اقتصادية واضحة، بل عوامل أخرى نفسية متعلقة بالخوف أو الراحة، فمتى ما نُشرَ خبر عن وجود استثمارات ضخمة دخلت إلى سوريا، أو عن رفع للعقوبات، يسود الخوف ويبيع المتعاملون أو التجار مدخراتهم من الدولار، فترتفع قيمة الليرة لكنها تعود إلى سعرها شبه الحقيقي بعد فترة وجيزة.
ويوضح الخبير، في تعليق لـ(الجزيرة نت) أن بعض السلع المرتبطة بالدولار بصورة مباشرة قد تسجل انخفاضا جزئيا في أسعارها مع تحسن سعر صرف الليرة، لكن هذا الانخفاض لا يكون مكافئا لتحسن سعر الصرف تماما، لأن التاجر يتعامل مع واقع سوق غير مستقر، ويفضل الاحتفاظ بـ"هامش أمان" في التسعير، مما يدفعه إلى عدم خفض الأسعار بالوتيرة المتوقعة، في حين أن بعض السلع المنتجة محليا قد لا يتأثر سعرها إطلاقا بتذبذب سعر الصرف لأنها غير مستوردة وتخضع لشروط إنتاج مختلفة.
ويشير الخبير الاقتصادي أدهم القضيماتي في تعليق لـ(الجزيرة نت) إلى مجموعة من العوامل التي تلعب دورا في ارتفاع أو انخفاض أسعار السلع والخدمات في سوريا، أبرزها:
غياب اقتصاد حقيقي يقوم على أسس اقتصادية متينة: المؤسسات الاقتصادية في البلاد تعاني من إنهاك شديد منذ عهد النظام البائد، وهو ما يحدّ من قدرتها على إدارة الاقتصاد، رغم وجود جهد ملحوظ تبذله الحكومة السورية لمحاولة تمكين هذه المؤسسات من أداء دورها. تقلّب أسعار الصرف: وهي تنتج بمعظمها عن المضاربات في السوق الموازية، تلقي بظلالها على أسعار السلع والخدمات، إذ تُسعَّر معظم المواد وفق هذه التغيرات غير المستقرة. غياب الإنتاج المحلي الكافي: خاصة في السلع الغذائية الأساسية، مما يحول دون تحقيق الاكتفاء الذاتي ويجعل الأسواق المحلية مرتهنة للأسعار العالمية. استيراد أغلب السلع من الخارج مما يجعلها أكثر عرضة لتأثيرات التقلبات الخارجية، لا سيما في ظل غياب ثبات حقيقي في سعر الصرف. إعلان