انتشرت منذ سنوات ليست بعيدة، وتحديدا مع بداية الثورات العربية المغدورة، مفردة عربية عن "خصوصية" هذا النظام العربي وذاك الذي عصفت بأحواله ثورات عربية؛ متأثرا بها أو فاعلا يحاول التأكيد على مؤامرات وأيادٍ خارجية تلعب بمصير الوطن والشعب، مع أن ما جرى ويجري له علاقة مباشرة بهذه المفردة القديمة وشعاراتها المرتبطة بالحفاظ على نسق الاستبداد العربي منذ هزيمة خمسة جيوش عربية وضياع بقية فلسطين في الخامس من حزيران/ يونيو عام 1967.
هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل قبل 58 عاما، كانت خاطفة وسريعة، وسهّلت على النظام العربي اختراع كثير من شعارات رفع المسؤولية عنه، واغتنمها لإعدام السياسة العربية، بوضع شوارع ومجتمعات عربية تحت سياط القمع والقهر لاحتواء مشاعر الخيبة والغضب والمرارة. كل هذه الإجراءات لم تُطفئ أمل الإنسان العربي والفلسطيني، فتُوّج بانطلاق الثورة الفلسطينية، وبعدها بعقود طويلة تُوّج الأمل بالثورات العربية المغدورة، التي انتهت لنفس المقبرة التي حُفرت لثورة الفلسطينيين ومشروعهم الوطني، فما كان من شعارات الدعم والإسناد اللفظي للقضية تحوّل لكذبة "نقبل بما يقبل به أصحاب القضية"، ثم انحدر هذا الشعار إلى الدرك السحيق في تحالف وتطبيع مع المحتل ضد القضية وأبنائها لفرض الهزيمة عليهم لصالح المشروع الاستعماري على أرضهم.
ولا حاجة لذكاء كبير، في الإجابة عن سؤال: من يهتم بسلامة الهزيمة العربية أمام المشروع الصهيوني، ومن يتفرج على الإبادة الجماعية لأكثر من 600 يوم؟ وهي تصلح لتفسير كل دهاليز المؤامرة منذ ما قبل النكبة عام48، في ظل مؤشرات جرائم الإبادة الجماعية في غزة وتغول العدوان الصهيوني على الضفة والقدس بالاستيطان والتهويد والتهجير مع صمت عربي مقصود، وانحدار فلسطيني رسمي يغذي بشكل مطلق عوامل الهزيمة ويؤكدها من خلال وقائع التعاطي اليومي مع السياسة الاستعمارية الصهيونية التي تجد نفسها في وضع شديد الإحراج في شوارع وعواصم غير عربية؛ بدأت بقطع العلاقة مع الاحتلال وترفع دعوات فرض الحصار والعقوبات عليه، والتي يرى فيها النظام الرسمي العربي بأنها "فاقدة للحكمة" وغير مسؤولة؛ دون تقديم معنى المسؤولية الأخلاقية والإنسانية التي تتنبه لها شعوب خارج حوزة الجغرافيا العربية وروابطها التاريخية والوطنية السياسية.
تسخيف مقاومة الفلسطينيين لعدوهم، ومحاولة إيجاد قواسم عربية مشتركه معه، والإيحاء بأن "العدو المشترك" لإسرائيل مع عواصم عربية هو الفلسطيني المدافع عن أرضه وحقه، وأنه المسؤول عن وحشية وفاشية مستعمره لأنه لا يعلن خضوعه المطلق له ويواصل نضاله ومواجهته لمحتله بكل الطرق والوسائل، مع عدم إقراره بالهزيمة التي تكفلت البلاغة السياسية العربية بمخرجات صياغتها منذ عقود طويلة بالكلام عن الحل السلمي ثم حل الدولتين والمبادرات والمؤتمرات الدولية. فبعد فشل 3 عقود من هذه الأوهام وتوسيع دائرة العدوان التي قضت على كل شيء، ماذا يمكن أن تفعل سياسة عربية وفلسطينية لا نفع منها ولا فائدة مرجوة سوى تسخيف ذاتها وتجسيد الخيبة والإحباط من فاعليتها وقت الإبادة والاستيطان والتهويد، مع بمواصلة بث رسائل الاطمئنان للمحتل بعلاقة متينة وحكيمة معه!
المفاسد السياسية العربية والفلسطينية تضخمت منذ 600 يوم، ومآل جوع وحصار الغزيين وقتلهم وتحطيمهم جعل إعلان الهزيمة الفلسطينية يداعب خيالات البعض الذين يعتقدون أن 7 تشرين الأول/ أكتوبر (2023) أسّس لها، وليست النكبة والهزيمة والسياسة الاستعمارية التي أفضت لاحقا لاستمرار موروث البشاعة الصهيونية الفاشية ووصولها الى أعلى أشكالها الدموية؛ في ارتكاب الجرائم في غزة يوميا وعلى مدار الساعة وفي طروحات اليمين العنصري في ائتلاف نتنياهو. وعوضا عن البحث عن عمل سياسي وشعبي كفاحي عربي وفلسطيني، يرد على كل ما يجري، تتسلح المواقف العربية بالهزيمة وبعبارات متكلسة عن جرائم الاحتلال وعدوانه، فكل شيء جامد لحين سقوط غزة رسميا وإعلانها كيانا مستسلما.
كانت سلامة الهزيمة العربية في تطبيع ثلاثي ورباعي مع المشروع الصهيوني الذي يُؤمل من ورائه هيمنة صهيونية كلية على أنظمة عربية تنتظر منها إزاحة عقدة الخيبة التاريخية التي منيت بها من شعب فلسطين، الذي كان وسيبقى شَكل وجوده وظروفه القاهرة في موضع تصادم مع مستعمره، وإلحاق هزيمة بمقاومته أصبحت "ضرورة" مشتركة مع أنظمة عربية لإبراز خصوصية فشل خيار المقاومة لإبعاد شبهة عربية في مآسي القضية، بينما وقائع أحداثها ودلائلها العلنية والسرية والصمت عن جرائم الإبادة الجماعية فضحت كل شيء.
أخيرا، جرائم الإبادة المتواصلة على شعب محاصر وأعزل؛ ليس لأنه يمتلك قوة عسكرية، وهذا معلوم، وإعلان إسرائيل عن مشاريع استيطان جديدة ونية ضم بقية الأراضي المحتلة، ورفضها لأي دولة فلسطينية أو كيان وطني يمثل وجود الفلسطينيين فوق أرضهم، هو بسبب الطبيعة العنصرية الفاشية للمشروع الصهيوني، ولم تغيره لا تجربة أوسلو ولا عمليات التطبيع معه، ولا القانون الدولي. ولأن إسرائيل تحتكم إلى مفهوم "الوجود المرتبط بقدرتها على العدوان والتوسع كعقد تأمين خاص بها"، فإن كل تهافت سابق ولاحق على أي شكل من أشكال التسوية معها من قبل العرب والفلسطينيين لم يحد من طموحات هذا المشروع.
وإسرائيل بمقدورها العيش دون سلام مع جيرانها بحسب زعماء المؤسسة الصهيونية الأوائل، وباستخدام نهج الغطرسة والقوة بحسب ورثة هذا الفكر تستطيع فرض الهزيمة والاستسلام على العرب، وليسمّها الطرف الآخر ما يشاء، فالهزيمة الكلية أو الجزئية لمقاومة المشروع الاستعماري في فلسطين تزيد من تهميش مزمن لسياسة عربية مخصصة وعامة، واستمرارها أيضا كان سببا في تقزم هذه السياسة التي لم تتعلم من تجربتها التاريخية سوى حصاد الوهم.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء العربية هزيمة فلسطين إسرائيل سلامة إسرائيل فلسطين سلام عرب هزيمة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة مقالات صحافة رياضة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة
إقرأ أيضاً:
كيف تحافظ على سلامة رحلتك في ظل المخاطر الرقمية؟
يعتبر الصيف موسم الابتعاد عن صخب الحياة اليومية، واختيار الوجهة المناسبة للسفر واستعادة النشاط، لكنه في الوقت ذاته يعتبر الفترة التي قد يعرّض فيها بعض الناس أنفسهم لمخاطر رقمية دون قصد.
ومع امتلاء الأجهزة الإلكترونية مثل الهاتف المحمول بالصور والمستندات وإشعارات تأكيد الحجوزات، تتزايد احتمالات فقدان البيانات، وتصبح العواقب أكبر في حال حدوث خطب ما.
إنها تحولات كثيرة ومتسارعة شهدتها رحلات السفر والترحال والسياحة، حيث ينشد ويسعى المسافر إلى سلامة رحلته وقضاء أيام لا تنسى، وتجنب المضايقات والمشاكل التي تفسد تلك الأيام.
ورغم التطور الذي شهدته عملية السفر، من حيث الخيارات المتاحة سواء التنقل أو الأماكن أو نوع الإقامة، فإن ذلك جلب أيضاً بعض المتاعب، خاصة وأن العديد من الخدمات الحيوية أصبحت تقدم عبر مجموعة من التطبيقات والمواقع الإلكترونية، إلى جانب الظهور القوي للذكاء الاصطناعي في السنين القليلة الماضية.
وبالتالي، أضحى كل ما حولنا يدار عبر أجهزة الهاتف أو الأجهزة اللوحية، فمن خلالها يمكنك إنجاز جميع معاملاتك، والتي تبدأ بجمع المعلومات لتحديد الوجهة السياحية، ومن ثم الشروع في حجز تذاكر الطيران، وأماكن الإقامة، فضلا عن التعرف على أبرز الوجهات السياحية، وكيفية الوصول إليها، ووسائل النقل المستخدمة داخل البلد، والتأكد من فاعلية برامج الملاحة وتطبيقات التنقل من مكان إلى آخر.
ويضاف إلى ذلك عمليات الدفع الإلكترونية، ومعرفة أنظمة الاتصالات، والتحقق من تأمين الرحلة من حيث الإلمام ببرامج الحماية الإلكترونية والحلول التكنولوجية.
كيف نتجنب المخاطر؟سلط تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة -يحمل عنوان "تحدي الذكاء الاصطناعي في قطاع السياحة للعام 2024"- الضوء على الحاجة لحلول تكنولوجية، بما في ذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يسهل التعامل معها من أجل سد الفجوة الرقمية، وهو ما يساعد المسافرين على التوفر على أدوات لتأمين مراحل رحلاتهم.
فقد تصاعد الفترة الأخيرة لجوء فئات متزايدة من السياح على توصيات السفر التي تقترحها منصات الذكاء الاصطناعي، سواء فيما يخص الوجهات الأفضل تبعا لاختيارات ورغبات السياح، فضلا عن المساعدة في اختيار الأوقات المناسبة للرحلة، مع تبسيط عمليات التخطيط والحجز للرحلات.
كما برزت مسميات كثيرة لدى بعض الدول فيما يتعلق بالسياحة الآمنة، واقتراح تطبيقات تدعم هذا المفهوم مثل ما يجري في تركيا، والتي لديها تطبيق يغطي المسار الكامل لسفر السياح من بلدانهم إلى الدول المضيفة حتى عودتهم، بشكل مريح وآمن مع إعدادها وفقا للتعليمات والإرشادات العامة التي يجري نشرها.
ولم يتوقف الأمر عند ترتيبات الحجز وإرشادات السفر المتعلقة بالطقس والأماكن، بل تعدى ذلك إلى وجود دليل سياحي ذكي يعرف بـ "الأدلة السياحية الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي" ويمكنه توفير خرائط تفاعلية وجولات صوتية وتجارب الواقع المعزز، مما يثري تجربة السائح، ويساعدك على اكتشاف أماكن جديدة، إذ تقدم له معلومات مفصلة أيضاً حول المواقع التاريخية والمعالم الثقافية والجواهر الخفية في الوجهة السياحية.
المخاطر المحتملةولكن هذا الاتجاه، المرتبط بالدور المتعاظم للتكنولوجيا في السفر والسياحة، تولدت عنه مخاطر من داخل المنظومة. وكما قيل قديما "لكل شيء آفة من جنسه حتى الحديد سطا عليه المبرد" وهو ما يلقي الضوء على ضرورة توفير الحماية والتأمين لهذه البرامج، والضرورة الملحة لسلامة ما يستخدمه السائح من مواقع وتطبيقات، سواء لعمليات الشراء أو البيع أو التنقل.
وقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وتتحول نعمة الرحلة إلى رحلة معاناة، وذلك جراء التهديدات الإلكترونية، وفقدان الأجهزة الإلكترونية، وعمليات النصب والاحتيال الإلكتروني وفقدان الأموال والعناوين وأرقام التلفونات المهمة.
إعلان تجنب احتيال التذاكروفي رسالة توعوية، نشر مجلس الأمن السيبراني الإماراتي مؤخرا بعض النصائح لتجنب طرق الاحتيال في تذاكر السفر، مشددا على ضرورة الاعتماد فقط على تأكيدات الحجز الصادرة عن الشركة أو الموقع الرسمي الذي ينوي المسافر الحجز عبره.
إلى جانب التحقق جيدا من روابط الموقع الإلكتروني، والحذر من العروض الترويجية التي تبدو مغرية جدا، وعدم شراء التذاكر من مصادر غير معروفة أو عبر التواصل الاجتماعي، كما نصح بعدم دفع الأموال عبر التحويلات الآنية أو غير الموثوقة.
سلامة بيانات العائلةلسلامة رحلتك، يجب عليك وضع الملفات الشخصية وملفات السفر في وجهة واحدة، وتبسيط إدارتها، وذلك من خلال حلول تخزين البيانات إلكترونيا، وذلك لأن العائلات تسافر في الغالب بأجهزة متعددة ومستخدمين مختلفين، وبالتالي يبقى جعل الملفات في جهاز واحد أحسن من اعتماد كل شخص على حساباته السحابية أو سعة تخزين جهازه.
كما توفر أنظمة التخزين المتصلة بشبكة الإنترنت في حال الحاجة إلى نسخ احتياطي جماعي أكبر، وهي حلول موثوقة وقابلة للتوسع تتيح تخزين المحتوى الرقمي ومشاركته وإدارته من موقع مركزي واحد.
وتعتبر الأقراص الصلبة الخارجية عالية السعة (التي تصل سعتها إلى ما يقارب 6 تيرابايت) خيارا منخفض التكلفة للأرشفة الرقمية.
حفظ البياناتوأشار استبيان اليوم العالمي للنسخ الاحتياطي للعام 2025 -الذي أجرته شركة "ويسترن ديجيتال"- إلى أن 28% من المشاركين على مستوى العالم أفادوا بأنهم فقدوا بيانات حساسة نتيجة عطل في الأجهزة، أو خطأ بشري، أو حوادث سيبرانية.
ورغم ذلك، يقوم نصف الذين شملهم الاستبيان تقريبا (46%) بإجراء نسخ احتياطي لبياناتهم بشكل متقطع أو أنهم لا يفعلون ذلك مطلقا. حيث يعزون ذلك إلى أسباب مثل نقص مساحة التخزين (30%) أو ضيق الوقت (29%) أو الاعتقاد بأن النسخ الاحتياطي غير ضروري (36%).
تدابير مهمةوقدمت شركة "ويسترن ديجيتال" تدابير مهمة وموثوقة للحفاظ على أمن البيانات أثناء السفر خلال الصيف، وتشمل النسخ الاحتياطي قبل السفر، والذي يعد خطوة أولى بالغة الأهمية سواءً كانت الرحلة لأغراض العمل أو الترفيه.
ويضمن هذا النسخ الاحتياطي تأمين المحتوى الشخصي والوثائق الأساسية مثل حجوزات السفر والسجلات الصحية، في حال تعرض الجهاز للتلف أو السرقة أو الفقدان.
أيضاً ينصح باستخدام نسخ احتياطي هجين، إذ يعد الجمع بين التخزين السحابي والمادي -على الأقراص الصلبة الخارجية أو أجهزة التخزين المتصلة بالشبكة- النهج الأكثر مرونة، والذي يضمن الوصول إلى البيانات، سواءً في حال وجود اتصال بالإنترنت أو عدمه.
ويوصي الخبراء أيضا بإنشاء مجلدات واضحة حسب التاريخ أو الفئة يساعد في تقليل "الفوضى الرقمية" مما يجعل الوصول إلى الصور ومقاطع الفيديو والمستندات أكثر سهولة. وتعد أدوات تنظيم الملفات والأتمتة عوامل أساسية في تحسين وتقوية السلامة الرقمية.
إعلانوينصح أيضا عند السفر بتجنب استخدام الشبكات غير المحمية عند مزامنة البيانات (Data synchronization) أو الوصول عن بُعد إلى ملفات حساسة، ولذا يجب بدلا من ذلك التأكد من أن حلول الوصول عن بُعد مشفّرة ومحمية بكلمات مرور قوية أو خيارات التحقق الثنائي.