تراهن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية على أن الضغط الميداني المتزايد، مقرونا بتشديد القيود الإنسانية، سيدفع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى القبول بخطة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

ويفند الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل هذا الافتراض، الذي يقول إنه لا يصمد أمام الواقع السياسي والعسكري، وقد يتحوّل إلى إنجاز إستراتيجي لحركة حماس، يعزز مكانتها بدلا من تقويضها.

وكان المبعوث الأميركي قد توافق مع حماس على خطة لوقف الحرب ولإطلاق المساعدات الإنسانية بآلية دولية، إلا أن معارضة إسرائيل لها دعته لإطلاق خطة جديدة تبنّتها تل أبيب لاحقا، فيما طالبت حماس بإدخال تعديلات عليها تضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، وعودة تطبيق بروتوكول المساعدات الإنساني الذي تقوده مؤسسات الأمم المتحدة.

فشل الخطة الإسرائيلية

وفي مقال تحليلي نشرته صحيفة هآرتس، اليوم الثلاثاء، اعتبر برئيل أن التقدير الإسرائيلي بأن الضغط العسكري والإنساني "سيُجبر حماس على الانكسار والرضوخ"، لم يتحقق على الأرض. "فعلى الرغم من الدمار الهائل، وبلوغ عدد القتلى نحو 60 ألف شخص، بينهم آلاف النساء والأطفال، لم تفرج حماس عن الأسرى، ولا تزال الطرف الوحيد القادر على التفاوض بشأنهم".

إعلان

ويضيف أن "الضغط العسكري"، وهو مصطلح تستخدمه إسرائيل لوصف عمليات التدمير الواسعة والقتل الجماعي وتهجير السكان، لم يؤدِ حتى الآن إلى نتائج ملموسة. بل على العكس، فإن "القضاء على قيادة حماس العسكرية والسياسية في غزة وخارجها أضعف قبضتها، لكنه لم يسلبها موقعها المركزي كصاحبة الكلمة الفصل في أي صفقة محتملة".

ويتطرق الكاتب الإسرائيلي في هذا السياق إلى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب القبول بمفاوضات مباشرة مع حماس، معتبرا إياه "انتهاكا لخط أحمر كان يشكّل حجر الزاوية في السياسة الأميركية"، ويعدّه إنجازا سياسيا بالغ الأهمية لحركة حماس، ولو أنه ليس هدفا نهائيا بحد ذاته.

وحسب المقال، فإن حماس ترى أن دور الولايات المتحدة لا يتوقف عند الضغط على إسرائيل، بل يتمثل في "تقديم الضمانات التي تؤدي إلى وقف إطلاق النار، وتمهّد لإنهاء الحرب ضمن اتفاق شامل". هذا الاتفاق، إن تحقق، لن يُبقي على حماس فقط، بل سيعزز مكانتها كمكوّن أساسي في مستقبل غزة.

ووفق تقدير برئيل، فإن حماس ترى في خطة ويتكوف فرصة لفرض معادلة جديدة: وهي أن إطلاق سراح الأسرى لا يمكن أن يتحقق دون انسحاب إسرائيلي فعلي أو شبه فعلي من القطاع. ويضيف أن هذه المعادلة "تبدو وكأن الولايات المتحدة مستعدة للتعايش معها"، في ظل الكارثة الإنسانية المتفاقمة.

ويصف الكاتب هذا الإنجاز بأنه "تحول إستراتيجي"، لأن إسرائيل كانت تأمل في دفع السكان المحليين للانقلاب على حماس تحت وطأة المعاناة، إلا أن ذلك لم يحدث. "ورغم الاحتجاجات المحلية، لم تتطور إلى انتفاضة مدنية ضد الحكم"، ما ينسف، برأيه، جزءا من الفرضية الإسرائيلية الأصلية.

التفاوض واغتيال القيادات

ويقول الكاتب الإسرائيلي إن الموقف الإسرائيلي المتشدد أدى إلى إضعاف دور الوسطاء الإقليميين، مثل قطر ومصر وتركيا، كما أدى إلى تراجع تأثيرهم تدريجيا.

إعلان

ووصف السياسة الإسرائيلية بأنها "عشوائية وتفتقر إلى التخطيط"، فقد أدى إغلاق معبر رفح، مثلا، إلى إضعاف الدور المصري.

كما يرى أن التهديدات الأميركية والضغط على القيادة الخارجية لحماس لم يُثمرا شيئا، بل "اتضح لاحقا أنه حتى لو نُفذ الطرد، فلن يكون له أي تأثير على قرارات خلفاء يحيى السنوار في غزة".

ورغم أنه يقول إن قيادة الخارج في حركة حماس خلال عهد رئيسها السابق الشهيد يحيى السنوار كانت تُعتبر مجرّد "رسل لا يملكون صلاحية القرار" حسب زعمه، إلا أنه يحاول إبراز الاحتلال شخصية القيادي في حماس ورئيس وفد التفاوض فيها خليل الحية، على أنه يقود الحركة ميدانيا جنبا إلى جنب مع عز الدين الحداد، القائد العسكري لكتائب القسام، بعد استشهاد القائد العام لها محمد الضيف.

وحينما يشير إلى تهديد وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس الأسبوع الماضي بأن الحية وحداد هما "التاليان في قائمة الاغتيالات"، بعد محمد السنوار (الذي أعلنت إسرائيل تمكنها من اغتياله)، فإنه يتساءل بتهكم "مَن ستختار إسرائيل للتفاوض بعد اغتيالهم؟"، في إشارة إلى تناقض الموقف الإسرائيلي.

مأزق سياسي وإنساني

ويرى برئيل أن خطة ويتكوف لا تتعلّق فقط بوقف إطلاق نار مدته 60 يوما، بل تشمل أيضا دخولا شبه غير محدود للمساعدات الإنسانية، وتوزيعها من قِبل منظمات الأمم المتحدة. لكنه يحذر أنه بالرغم من التعديلات التي أُدخلت عليها، فإنها تسمح لحماس باستعادة دورها في إدارة المعونات، ما يمنحها "تمويلا مباشرا لاحتياجاتها خلال فترة التهدئة".

ويلفت إلى أن إسرائيل، التي كانت ترفض مشاركة الأمم المتحدة في التوزيع، باتت مضطرة اليوم لدعوتها إلى المشاركة في الآلية الجديدة، من خلال منظمة إغاثة تعمل تحت الرعاية الأميركية، التي رفضتها المؤسسات الدولية.

ويشير إلى أن هذا التحول "قد يفتح المجال أمام احتمال استفادة حماس من هذه القناة، سواء عبر تسلّم مباشر أو غير مباشر للمساعدات".

إعلان

ووفقا للبيانات التي أوردها الكاتب عن منظمة إغاثة غزة، تم أمس توزيع نحو 18 ألفا و720 طردا غذائيا، تكفي لنحو 103 آلاف شخص فقط. "لكن من غير المؤكد أن يتلقى هؤلاء طرودا غدا، في حين أن مئات الآلاف لا تصلهم أي مساعدات".

ويُضيف "لو افترضنا أن هذه المساعدات تشكّل برنامجا ممتازا، كما يصورها المتحدثون باسم المنظمة الإنسانية الأميركية، فإنه وفقا للخطة الأصلية، من المتوقع أن يستفيد منها حوالي مليون وربع شخص فقط، في حين سيبقى حوالي مليون شخص دون أي استجابة، وهذه النتيجة تضمن استمرار تعرض إسرائيل لضغوط دولية شديدة، وستعتمد على الأزمة الإنسانية كأداة ضغط لتغيير طبيعة ونطاق نشاطها العسكري في غزة".

كما يفنّد برئيل حجة تُثيرها إسرائيل، مفادها أن توزيع المساعدات الإنسانية عبر صندوق المساعدات العامة الأميركي يحرم حماس من مصدر دخل مهم، وربما أساسي.

ويقول "إن هذا المسار في الوقت نفسه، يُعفي حماس من رعاية السكان، ويُلقي تشغيله مسؤولية التعامل مع الكارثة الإنسانية على عاتق إسرائيل والولايات المتحدة".

وفي ختام مقاله، يخلص برئيل إلى أن خطة ويتكوف، رغم تبنّي إسرائيل لها، تحمل في طياتها عناصر تهديد لروايتها الرسمية. فإذا طُبقت بآلياتها الحالية، فإنها ستجبر إسرائيل على القبول بدور حماس، ولو بشكل غير مباشر، في صياغة نهاية الحرب، وربما في مستقبل القطاع أيضا.

ويشير إلى أن "أي ضمانات أميركية تُمنح للحركة -حتى لو جاءت على شكل إعلان رئاسي مبهم- ستكون ملزمة لإسرائيل بالتفاوض"، ما يعني من الناحية العملية أن تل أبيب قد تجد نفسها مضطرة لمواصلة الحرب دبلوماسيا بعد توقفها عسكريا.

ويضيف أنه "إذا كانت إسرائيل تزعم أن حماس فقدت السيطرة على القطاع، فلماذا تصرّ على الاستمرار في الضغط الإنساني الذي لا يُجدي؟ ومَن الطرف المستهدف به إذًا؟"، وهو تساؤل يرى الكاتب أنه يعكس تناقضا جوهريا في الإستراتيجية الإسرائيلية، التي يبدو أنها فقدت بوصلتها في مواجهة حركة لا تزال تُمسك بمفاتيح الأزمة رغم مرور نحو 20 شهرا على اندلاع الحرب.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحج حريات خطة ویتکوف إلى أن

إقرأ أيضاً:

سيناتور أميركي: إسرائيل ستفعل في غزة ما فعلناه في طوكيو وبرلين

قال السيناتور الجمهوري الأميركي ليندسي غراهام، الأحد، إنه لا توجد وسيلة آمنة لإسرائيل للتفاوض مع حماس لإنهاء الحرب، مبرزا أن إسرائيل ستفعل في القطاع مثلما فعلت الولايات المتحدة في طوكيو وبرلين بنهاية الحرب العالمية الثانية.
وأشار غراهام، في مقابلة ضمن برنامج “ميت ذا برس” على شبكة “إن بي سي نيوز”، يوم الأحد، إلى أنه يعتقد أن إسرائيل خلصت إلى “أنها لا تستطيع تحقيق هدف إنهاء الحرب مع حماس بطريقة تضمن أمن إسرائيل”.

وأضاف: “أعتقد أن ترامب (الرئيس الأميركي دونالد ترامب) توصل إلى هذه الخلاصة أيضا، وأنا بالتأكيد توصلت إليها، لا توجد وسيلة لإنهاء هذه الحرب بالتفاوض مع حماس”.
وأوضح: “سيفعلون في غزة ما فعلناه في طوكيو وبرلين، سيأخذون المكان بالقوة ويبدؤون من جديد، مقدمين مستقبلا أفضل للفلسطينيين، على أمل أن يتولى العرب السيطرة على الضفة الغربية وغزة”.
وعندما سئل غراهام عما إذا كانت السيطرة على غزة تعني أن الرهائن لن يعودوا أحياء، قال: “آمل ألا يكون الأمر كذلك”.

وتابع: “أعتقد أن هناك من داخل حماس من قد يقبل المرور الآمن إذا أطلقوا سراح الرهائن. لو كنت مكان إسرائيل، سأقدم هذا العرض لمقاتلي حماس: يمكنكم المغادرة بأمان. نحن نريد رهائننا”.

مقالات مشابهة

  • ويتكوف يسافر إلى إسرائيل.. وزيارة محتملة إلى قطاع غزة
  • ترامب: إسرائيل ترفض حصول حماس على المساعدات التي يتم توزيعها في غزة
  • كاتب إسرائيلي: السياسة تجاه غزة انهارت والحرب عالقة
  • الخارجية الأمريكية: المساعدات الإنسانية في قطاع غزة غير كافية ونعمل على زيادتها
  • كاتب إسرائيلي: تجويع غزة لا يمكن تبريره للعالم
  • حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة تتخطى 60 ألف شهيد منذ بدء الحرب
  • وزير الخارجية الإسرائيلي: إنهاء الحرب دون إسقاط حماس كارثة
  • المؤتمر: توجيهات الرئيس لتحويل مصر لمركز لوجستي عالمي تعزز مكانتها الاقتصادية
  • عاجل| إسرائيل تجمد خطط إقامة «المدينة الإنسانية» في رفح
  • سيناتور أميركي: إسرائيل ستفعل في غزة ما فعلناه في طوكيو وبرلين