عَرَفَةُ.. وَغَزَّةُ صَرْخَةٌ وَاحِدَةٌ تُدَكُّ عُرُوشَ الظُّلْمِ
تاريخ النشر: 9th, June 2025 GMT
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، يأتي الحجاجُ رِجَالًا إلى الحجِّ وغزَّةُ تُغْتَصَبُ، فالحجُّ عَرَفَةُ والجهادُ في غزَّةَ فَرِيضَةٌ، فيا عبادَ اللهِ وحجَّاجَ بيتهِ: هل من عَارِفٍ باللهِ مُشْفِقٍ من عذابِهِ، مُؤَدٍّ لِفَرَائِضِهِ؟
فإنَّ مَن عَرَفَ اللهَ عَرَفَ الحقَّ واتَّقَى الربَّ وخشيه، فمَن ذَكَرَ اللهَ ذَكَرَهُ، ومَن اسْتَغْفَرَهُ غفر له، فصَفَا له العيشُ، وطَابَتْ له الحياةُ، واطْمَأَنَّ قلبهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
فما أروعَ اجْتِمَاعَ الذِّكرِ والجهادِ والِاهْتِمَامَ بهما من قبلِ الحجَّاجِ! فمَن عَرَفَ اللهَ سَلَكَ سبيلَهُ، وأدَّى فرائضَهُ.
وقديمًا قيل: مَن كانَ باللهِ أَعْرَفَ كانَ من اللهِ أَخْوَفَ.
ولهذا كان النبيُّ الكريمُ أَعْرَفَ باللهِ العليِّ العظيمِ، وقد جاءَ في الحديثِ النبويِّ: “أَنَا أَعْرَفُكُمْ باللهِ وأَشَدُّكُمْ له خشيةً”.
فمَن أَنِسَ باللهِ وافْتَقَرَ إليهِ وتَوَاضَعَ لهُ واسْتَغْنَى بهِ وتَوَكَّلَ عليهِ، جعلَ اللهُ له فَرَجًا ومخرجًا، فاتَّسَعَ له كلُّ ضيقٍ، وانْفَرَجَ عنه كلُّ مضيقٍ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)، وسعى للجهادِ في سبيلِهِ من أجلِ إِحْقَاقِ الحقِّ وإرضاءِ الربِّ وإنقاذِ المستضعفينَ منَ الخلقِ.
فمَن عَرَفَ اللهَ اسْتَجَابَ لأمرِهِ وأدَّى فرائضَهُ كاملةً، وكانَ في يومِ الحجِّ الأكبرِ في حجَّتِهِ في عرفاتَ معَ الحجَّاجِ في عِزَّةٍ وابْتِهَاجٍ، يَدْعُو اللهَ للمجاهدينَ بالنصرِ، وعلى الظالمينَ بالهلاكِ.
وعَرَفاتُ: مَوْقِفُ الحُجَّاجِ في تَاسِعِ ذِي الحِجَّةِ بِبَطْنِ نُعْمَانَ، سُمِّيَتْ عَرَفاتٌ قِيلَ: لِأَنَّ النَّاسَ يَتَعَارَفُونَ فِيهِ في يَوْمِ عَرَفَةَ، أَوْ لِتَعَرُّفِ العِبَادِ إِلَى اللهِ بِالعِبَادَاتِ وَالأَدْعِيَةِ فِيهِ، أَوْ لِتَعَارُفِ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِيهِ كَمَا قِيلَ.
فَعَرَفَةُ مَوْطِنُ اجْتِمَاعِ الحُجَّاجِ جَمِيعًا فِيهِ في التَّاسِعِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الحَجُّ عَرَفَةُ»، «وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»، «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الحَجَّ».
وَإِذَا كَانَ اليَوْمُ عِنْدَ العَرَبِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ وَقْتِ طُلُوعِ الفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقِيلَ: يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ. إِلَّا أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ يُعْتَبَرُ الوُقُوفُ فِيهِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ. وَقِيلَ: مِنْ فَجْرِ عَرَفَةَ إِلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَتَبْدَأُ الإِفَاضَةُ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى مِنًى مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ عَرَفَةَ. فَهُوَ يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمُ الدُّعَاءِ، وَيَوْمُ الذِّكْرِ، وَيَوْمُ الإِخْلَاصِ، وَيَوْمُ الصَّرْخَةِ في وُجُوهِ الظَّالِمِينَ فَالْحَجُّ لَيْسَ طُقُوسًا بَلْ ثَوْرَةٌ عَلَى الشَّيْطَانِ، وَعِبَادَةٌ خَالِصَةٌ لِلرَّحْمَنِ، فَلَا رَفَثَ فِيهِ وَلَا فُسُوقَ وَلَا عِصْيَانَ، بَلْ هُوَ يَوْمٌ يُعَظَّمُ فِيهِ الرَّحْمَنُ، وَيَلْجَأُ النَّاسُ إِلَى خَالِقِهِمْ بِالدُّعَاءِ، وَفِيهِ يَشْعُرُ المُسْلِمُ بِوَحْدَةِ المَعْبُودِ، وَوَحْدَةِ الأَصْلِ، وَوَحْدَةِ أَهْدَافِ الأُمَّةِ، وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) فَهُوَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اللهُ فِيهِ المَلَايِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ، يَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الأَسْوَدِ وَالأَبْيَضِ وَالأَحْمَرِ، وَالمُهَنْدِسِ وَالطَّبِيبِ وَالفَلَّاحِ وَالعَالِمِ وَالجَاهِلِ، جَمَعَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ مُوَحَّدِينَ في لِبَاسٍ وَاحِدٍ، وَمُوَحِّدِينَ لِلَّهِ الوَاحِدِ، جَمَعَ بَيْنَ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ إِلَى شُهُودِ تَقْدِيرِهِ لِيَتَخَلَّصُوا عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ التَّفَرُّقَةِ وَالشَّقَاءِ، فَيَطِيبُ عَيْشُهُمْ، وَيَسْعَدُونَ في حَيَاتِهِمْ وَبَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَيَنْصَرِفُونَ مَغْفُورًا لَهُمْ.
فَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمٌ تُغْفَرُ فِيهِ الذُّنُوبُ، وَتُسْتَجَابُ فِيهِ الدَّعَوَاتُ، وَيَنْتَصِرُ الإِنْسَانُ عَلَى شَهَوَاتِهِ وَأَنَانِيَّتِهِ، وَعَلَى الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَفِي الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرَ وَلَا ادْحَرَّ وَلَا أَحْقَرَ وَلَا أَغِيظَ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا يُرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللهِ عَنِ الذُّنُوبِ العِظَامِ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ».
فَيا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ الْوَاقِفَةَ عَلَى صَعِيدِ عَرَفَاتٍ، إِنَّ غَزَّةَ تَنْتَظِرُ قُدُومَكُمْ لِتَحْرِيرِهَا! فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ الصَّهَايِنَةُ دِمَاءَ الْأَبْرِيَاءِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ يَغْسِلُ الذُّنُوبَ؟
فَالْحَجُّ لَيْسَ مَوْسِمًا لِلسِّيَاحَةِ وَالْعِصْيَانِ، وَإِنَّمَا عِبَادَةٌ لِلرَّحْمَنِ وَثَوْرَةٌ عَلَى الطُّغْيَانِ بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْمُتَّبِعِينَ لِمَنْهَجِ الشَّيْطَانِ.
فَيا حُجَّاجَ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ: هَلُمُّوا إِلَى الْجِهَادِ فِي غَزَّةَ، وَاعْمَلُوا بِمَا قَالَهُ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ. فَلَقَدْ كَانَ لِخُطْبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي يَوْمِ عَرَفَةَ الْأَثَرُ الْكَبِيرُ؛ إِذْ قَرَّرَ فِيهَا قَوَاعِدَ الْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ، وَهَدَمَ فِيهَا قَوَاعِدَ الشِّرْكِ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ، وَقَرَّرَ فِيهَا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي تَتَّفِقُ عَلَيْهَا الْمِلَلُ، وَهِيَ: الدِّمَاءُ وَالْأَمْوَالُ وَالْأَعْرَاضُ.
وَنَحْنُ حِينَمَا نَتَذَكَّرُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالْحُجَّاجَ يَتَضَرَّعُونَ إِلَى خَالِقِهِمْ، نَتَذَكَّرُ مَا يُجْرِي فِي غَزَّةَ مِنْ سَفْكٍ لِلدِّمَاءِ، وَقَتْلٍ لِلْأَنْفُسِ الْبَرِيئَةِ، وَالَّتِي تَجَاوَزَتْ ٥٤٥١٠ أَلْفَ شَهِيدٍ وَأَكْثَرَ مِنْ ١٢٤٩٠١ أَلْفِ مُصَابٍ مُنْذُ ٧أُكْتُوبَرَ الْعَامَ الْمَاضِي. وَهَذَا أَمْرٌ تَكَادُ تَنْشَقُّ لِهَوْلِ قُبْحِهِ الْأَرْضُ، وَتَخِرُّ لَهُ الْجِبَالُ هَدًّا. أَلَا يُثِيرُ ذَلِكَ حَفِيظَةَ أَحْرَارِ الْعَالَمِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْحُجَّاجِ؟! وَكُلُّ إِنْسَانٍ يُحْتَرِمُ آدَمِيَّةَ الْإِنْسَانِ وَيُؤْمِنُ بِحُقُوقِهِ.
إِنَّ صَرَخَاتِ المُؤْمِنِينَ وَدُعَاءَ الحُجَّاجِ وَاجْتِمَاعَهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ سَفْكِ دِمَاءِ الأَبْرِيَاءِ فِي غَزَّةَ سَيَتَحَوَّلُ إِلَى بُرْكَانِ غَضَبٍ يَلْتَهِمُ الكِيَانَ اليَهُودِيَّ الغَاصِبَ المُعْتَدِيَ عَلَى فِلَسْطِينَ، وَأَنَّ الأُمَّةَ الإِسْلَامِيَّةَ فِي مُخْتَلِفِ أَصْقَاعِ الأَرْضِ مَدْعُوَّةٌ إِلَى إِعْلَانِ الجِهَادِ فِي يَوْمِ الحَجِّ الأَعْظَمِ، وَإِلَى جَمْعِ المُسَاعَدَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ المَالِيَّةِ وَالعَسْكَرِيَّةِ لِشَعْبِ فِلَسْطِينَ المَظْلُومِ؛
مِنْ أَجْلِ كَسْرِ شَوْكَةِ الِاحْتِلَالِ الصِّهْيَوْنِيِّ، الَّذِي هُوَ فِي طُغْيَانِهِ مُسْتَمِرٌّ فِي تَطَاوُلِهِ عَلَى العَرَبِ وَالمُسْلِمِينَ، وَحَتَّى عَلَى كُورِيَا وَرُوسِيَا وَالصِّينِ. وَالأَغْرَبُ مِنْ هَذَا أَنَّ مُمارَسَاتِ اللُّوبِي الصِّهْيَوْنِيِّ بِمُساعَدَةِ أَمْرِيكَا كَدَوْلَةٍ، تُصِرُّ عَلَى قَتْلِ الأَبْرِيَاءِ وَاسْتِعْبَادِ طَائِفَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فِي فِلَسْطِينَ، وَتَهْدِمُ دِيارَهُمْ، وَتَغْتَصِبُ أَرْضَهُمْ، وَتَمْضِي فِي صُنْعِ القَنَابِلِ النَّوَوِيَّةِ مِنْ أَجْلِ تَدْمِيرِ خَيْرِ البَشَرِيَّةِ.
وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تُحَرِّمُ صُنْعَ القَنَابِلِ عَلَى إِيرَانَ، فَبِأَيِّ حَقٍّ يُعْطُونَ أَنْفُسَهُمْ حَقَّ تَصْنِيعِ السِّلاحِ النَّوَوِيِّ وَيُحَرِّمُونَهُ عَلَى إِيرَانَ وَغَيْرِهَا مِنَ البُلْدَانِ الَّتِي لَا تَتَّبِعُهُمْ فِي سِيَاسَاتِهِمْ؟! إِنَّهُ الِاسْتِعْلَاءُ وَالفَسَادُ وَالعُنْصُرِيَّةُ القَبِيحَةُ.
لَقَدْ دَفَنَ الْإِسْلَامُ الْعُنْصُرِيَّةَ، وَقَانُونَ اسْتِعْبَادِ الْإِنْسَانِ لِأَخِيهِ الْإِنْسَانِ فِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَنَّ إِيرَانَ وَغَيْرَهَا مِنَ الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ مُطَالَبَةٌ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنْ تَرُدَّ الصَّاعَ صَاعَيْنِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَنْ أَحْرَارَ الْعَالَمِ وَرِجَالَ الْفِكْرِ وَأَصْحَابَ الْكَلِمَةِ الْحُرَّةِ مَدْعُوُّونَ إِلَى اتِّخَاذِ مَوَاقِفَ عَمَلِيَّةٍ عَلَى مُخْتَلَفِ الْأَصْعِدَةِ وَالِاقْتِدَاءِ بِيُمْنِ الْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ الَّتِي تَدُكُّ أَوْكَارَ الصِّهْيَوْنِيَّةِ الْمُسْتَبِدَّةِ فِي فِلَسْطِينَ بِصَوَاخِيدِهَا وَطَائِرَاتِهَا، فَالْقُوَّةُ لَا تُرَدُّ إِلَّا بِالْقُوَّةِ، وَالْحَدِيدُ لَا يَفُلُّهُ إِلَّا الْحَدِيدُ، فَنُصْرَةُ الْحَقِّ وَرَدُّ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ بِمِثْلِهِ حَقٌّ يُقِرُّهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ:
(فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: ف ل س ط ین إ س ل ام إ ن س ان
إقرأ أيضاً:
ما حكم من نسى الاغتسال قبل دخول مكة المكرمة؟.. علي جمعة يجيب
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن من تعظيم العلماء لمكة المكرمة قالوا باستحباب الاغتسال قبل دخولها، حيث ذهب الفقهاء إلى أنه يستحب الغسل لدخول مكة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
حكم من نسي الاغتسال قبل دخول مكة المكرمةجاء عن «ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله» [رواه البيهقي في سننه الكبرى وأصله في صحيح البخاري]. وصرح الشافعية بأنه يسن الغسل لدخول مكة ولو حلالا للاتباع.
وأوضح علي جمعة أنهم يعلمون أن من تعظيم الله لبيته الحرام أنه سبحانه حرم على المشركين أن يقربوه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة :28].
وتابع: لذا تراه يعظم الكعبة ولا يتحدث عنها إلا بكل قداسة، ولا يعتبرها كأي بناء مكون من أحجار متراكمة، ويعتبر أن من أسقط حرمتها وتكلم عنها على أنها مجموعة أحجار أو أن في زيارتها وتقديسها وثنية يعتقدون أنه جاهل بأصول الدين يخشى عليه من الكفر بعد علمه والإصرار على قوله، ويعتقدون أنه من الفجر الاستهانة بما عظم الله سبحانه وتعالى.
وبين، أن المسلم يعتقد وجوب تعظيم مكة كلها لأنها تحوي الكعبة المشرفة المسجد الحرام، قال النبي ﷺ : «إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس, فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة, فإن أحد ترخص لقتال رسول الله ﷺ فقولوا له : إن الله أذن لرسوله ﷺ ولم يأذن لكم, وإنما أذن لي ساعة من نهار, وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس , وليبلغ الشاهد الغائب» [رواه البخاري ومسلم].
كما يعظم المؤمن من الليالي ليلة القدر، قال تعالى : ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ القَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ * لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ﴾ ، وقال سبحانه : ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ ، كما أنه يعظم الليالي العشر من بداية ذي الحجة، قال سبحانه وتعالى : ﴿وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾.
وتابع علي جمعة من خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: يعظم المسلم ذكرى مولده الشريف كما درج سلفنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم ﷺ بإحياء ليلة المولد بأنواع شتى من القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله ﷺ ، كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظين : ابن الجوزي، وابن كثير، والحافظ ابن دحية الأندلسي، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي رحمهم الله تعالى.
وأوضح علي جمعة أنه ألف في استحباب الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف جماعة من العلماء والفقهاء، بينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل؛ بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، وقد أطال ابن الحاج في [المدخل] في ذكر المزايا المتعلقة بهذا الاحتفال، وذكر في ذلك كلامًا مفيدًا يشرح صدور المؤمنين، مع العلم أن ابن الحاج وضع كتابه المدخل في ذم البدع المحدثة التي لا يتناولها دليل شرعي.
وأشار إلى أن من إجلاله للأماكن التي اختارها الله بالبركة والقداسة، تقديسه للكعبة المشرفة بمكة المكرمة، ويعلم أن من شدة حرمتها وعظمتها أن الله جعل أحد أركان الإسلام زيارتها والطواف حولها وهو ركن الحج، قال تعالى : ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ [آل عمران :96]. وقال تعالى : ﴿جَعَلَ اللَّهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المائدة :97].