مركز وطني للأبحاث والدراسات
تاريخ النشر: 10th, June 2025 GMT
مدرين المكتومية
في الكثير من زياراتي الخارجية والتغطيات الإعلامية التي أقومُ بها خارج الوطن، يلفتُ انتباهي حرص عدد من الدول على إنشاء مراكز وطنية للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، وهي عادة ما تكون مؤسسات مستقلة بتمويل حكومي أو شبه حكومي، إلى جانب مؤسسات ومراكز أخرى تكون جزءًا من منظمات المجتمع المدني.
وفي كل مرة ألتقي بها متخصصين وخبراء من هذه المراكز، أسعى لمعرفة آلية عملها، لا سيما وأن هذه المراكز تمثل العقل المُفكِّر للحكومات والجهات الرسمية في الدولة، وهذه المراكز لا يقوم عملها وحسب على الدراسات التقليدية أو استطلاعات الرأي العام؛ بل تستند على قدرتها التحليلية والاستشرافية في قراءة المستقبل، لتقدم إلى صُنّاع القرار ما يُمكن أن نُطلق عليه توصيات أو نصائح أو حتى وجهات نظر، تعمل في نهاية المطاف على استكمال دائرة المعرفة لدى المسؤول أو متخذ القرار، لضمان أنَّ القرار اتُخِذ على بيّنة وعِلم ومعرفة كاملة ومن جميع الجوانب.
والحقيقة أننا في سلطنة عُمان نفتقر إلى هذا النوع من المراكز البحثية، على الرغم من أهميتها القصوى، فمثلًا في دول أوروبا وأمريكا، تعتمد الحكومات والإدارات على ما ترفعه مثل هذه المراكز من بحوث ودراسات حول مختلف القضايا، لا سيما الدولية منها، فلا يُمكن لرئيس حكومة أو دولة في الغرب أن يتخذ قرارًا ما دون الرجوع إلى هذه المراكز، والاجتماع بالقائمين عليها أو عقد اجتماعات مع كبار الباحثين والمُفكرين فيها، من أجل الاستئناس بآرائهم ومشورتهم، التي تكونت لديهم بفضل العمل البحثي المُضني والمتواصل حول قضية بعينها.
الأمثلة على هذه المراكز عديدة وربما لا تُحصى، وهو ما يؤكد الإدراك الكبير لدى مختلف الدول لأهمية هذه المراكز ودورها في تعزيز ودعم عملية صناعة واتخاذ القرار. وتعمل هذه المراكز وفق منهجيات بحث علمية ومُحايدة، لكي تضمن الخروج بتوصيات أو نصائح أو وجهات نظر غير منحازة، سوى إلى ما يخدم مصلحة البلد وقضاياها.
ومن خلال البحث والتقصي، على مستوى منطقتنا العربية وبالتحديد الخليجية، لم أجد سوى عدد قليل من الدول العربية مثل مصر والسودان والجزائر، وغيرها، وفي منطقة الخليج تزدهر مراكز بحثية في الإمارات وقطر، وغالبًا ما تتلقى هذه المراكز دعمًا ماليًا من الحكومات لكي تتمكن من الإنفاق على البحوث والدراسات التي تعكف على إعدادها، خاصة وأنَّ الاستعانة بالخبراء والمتخصصين في مختلف المجالات؛ سواء كانوا أكاديميين أو أصحاب خبرات ميدانية، أمر مُكلف، ويتطلب ميزانيات جيدة، لتغطية النفقات.
أما في وطننا الحبيب، فمن المؤسف أننا حتى يومنا هذا لا نملك مركزًا واحدًا للدراسات والبحوث، يتولى مهمة التفكير في مختلف القضايا والملفات الداخلية والخارجية، لا سيما وأن الظروف الراهنة تُحتِّم على الحكومة اتخاذ خطوة جدية من أجل إنشاء مثل هذا المركز. وقد يقول البعض إن هناك دوائر وأقسام للبحوث والدراسات في عدد قليل من مؤسسات الدولة، لكن الواقع يؤكد أنها دوائر صغيرة للغاية ربما يعمل فيها باحثان أو ثلاثة على أقصى تقدير، وعادة ما يمارسون المهام البحثية بجانب مهام إدارية ومكتبية أخرى تستهلك مُعظم أوقاتهم.
وأخيرًا.. إن تقدم الأوطان لن يتحقق سوى بسواعد أبنائه المُخلصين، من الباحثين والمُفكرين والصحفيين والإعلاميين والأطباء والعمال المهرة، وجميع أصحاب التخصصات العلمية والمهنية، ولذلك من الضروري للغاية أن نبدأ في إنشاء أول مركز وطني للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ووطنا يزخر بالعديد من الكفاءات المُبدعة في كثير من المجالات، المشهود لهم بالتميُّز والتفوُّق، وهؤلاء يمثلون طاقة هائلة يتعين الاستفادة منهم، ومن خبراتهم التي تشكلت على مدار سنوات طويلة من العمل المُتفاني.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
غدًا «كوستروما» تجسّد روح روسيا على مسرح الأوبرا.. باليه وطني يحكي ملحمة حضارةٍ شاسعة
تحت رعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، تستعد دار الأوبرا المصرية لاستقبال فرقة الباليه الوطني الروسي «كوستروما» على المسرح الكبير، في عرضٍ استثنائي يجمع بين الفولكلور والملاحم القديمة والغناء الاستعراضي.
تتوزع فصول هذا العرض الفنيّ على مشاهد تحكي تاريخ روسيا وتقاليدها المتنوّعة، في تجربة ثقافية تفتح أبواب التعارف الإنساني بين شعوب العالم.
رعاية ثقافية رسمية
لقد آلت رعاية هذا الحدث الثقافي الكبير إلى الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وانبثقت من حرصه الدؤوب على تدعيم جسور التعاون الفني بين مصر والعالم.
وفي إطار هذه الرعاية، أعلنت دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور علاء عبد السلام عن استضافتها بالتعاون مع سفارة روسيا بالقاهرة لفرقة «كوستروما» في تمام التاسعة مساء غد الأربعاء 11 يونيو على المسرح الكبير.
نبذة عن فرقة «كوستروما»
تُعدّ فرقة الباليه الوطني الروسي «كوستروما» إحدى أهم علامات الحراك الثقافي الروسي المعاصر، وقد مثلت بلادها في مدرجات عالمية مرموقة مثل دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي، ومسابقة «يوروفيجن» في موسكو، ومهرجان الشباب العالمي في سيربوس، فضلًا عن مشاركة قمة قادة دول «بريكس».
بناء العرض الفني وإبداعه
ينتج هذا العمل المحترف إدارة الفنانة إلينا تسارينكو، بينما يقف الفنان يوري تسارينكو كمديرٍ فنيّ وأستاذٍ للباليه، وتوزّع الموسيقى باقتدار بين فلاديمير ريابتسيف ونيكولاي شامشين، في حين أبدع بوريس غولودنيتسكي في تصميم الديكور، وصمّمت إيلينا بيوتروفسكايا وغريغوري بيلوف ونتاليا دزيوبينكو الأزياء التي أضفت على العرض ثراءً بصريًا لا يُضاهى.
محتوى العرض وفصوله
يتألّف العرض من جزأين حافلين بالمحطات التاريخية:
• الفصل الأول – من البدايات المسيحية إلى الحقبة السوفيتية
يستهل العرض سردَه من اعتناق الشعب الروسي المسيحية، مرورًا بالعهد القيصري، ثم الحقبة السوفيتية، حيث يُجسّد تنوع الطبقات الاجتماعية بين العلمانية والحضرية والريفية والعسكرية.
• الفصل الثاني – فسيفساء الشعوب الروسية
يأخذنا هذا الفصل في رحلةٍ من أقاصي الشمال وسيبيريا وجبال الأورال، إلى سهوب جنوب روسيا وجبال القوقاز ووسط البلاد، مصوّرًا عادات وتقاليد وقيمًا مميزة لكل قومية تشكل نسيج الاتحاد الروسي.
يحتوي العرض على لوحاتٍ استعراضية متتابعة تحمل عناوين منها: «روسيا القديمة»، «المدافعون»، «رقصة القوزاق الكبرى»، «تدفقات نهر الفولغا»، «رقصة الجدول الصغير العذب»، «يوخور»، «إيقاعات القوقاز»، «الرقصة الاحتفالية» وغيرها، بما يضمن تنوعًا بصريًا وموسيقيًا ينقل الجمهور إلى قلب الحضارة الروسية.
مشروع «الرقص من أجل السلام»
يأتي العرض ضمن المبادرة الثقافية التعليمية الدولية «افتتاحية الرقص من أجل السلام»، التي تهدف إلى توحيد شعوب دول مجموعة «بريكس» عبر القيم الثقافية والإنسانية المشتركة.
ويحظى المشروع بدعمٍ مشترك من مؤسسة المبادرات الثقافية التابعة لرئاسة روسيا الاتحادية، ووزارة الخارجية الروسية، ووزارة الثقافة المصرية، ووزارة الثقافة بروسيا الاتحادية، وسفارة روسيا بالقاهرة، والوكالة الفيدرالية لشؤون رابطة الدول المستقلة والمواطنين المقيمين في الخارج.