الثورة نت:
2025-08-01@14:17:23 GMT

هذا مايخيفهم في علي (ع)

تاريخ النشر: 13th, June 2025 GMT

 

 

لم تكن سفينة «مادلين» المتجهة إلى غزة مجرد من نافل القول إن إحياء ذكرياتٍ وأيام مَعلمية لها أهمية وحفر عميق راسخ في صميم الوجود والمعتقدِ والمصير لنا كأمة وكهوية وروح وثقافة كيوم الوَلاية وعيد الغدير الأغر، ليس تدبيجا مناسباتيا آنيا لمفاهيم عابرة تمر مرور السحابِ وتتلاشى بمجرد انتهاء مناسبتها الزمنية، وإنما هو إحياء وتكريس لأساسيات عقائدية وجودية أُريد لها أن تُهمَّش وتُغيب بفعل عوامل تاريخية وموضوعية عديدة، ويتعين بحكم الضرورة أن تعود إلى سياقها الطبيعي ويُردَّ إليها اعتبارها، وهذا هو شأن قضية الوَلاية في مضمونها الإلهي الإيماني الراكز وعنوانِها العلوي المرتبط بصميم مصير الأمة وفق محدِّد إلهي نبوي لا لبس فيه تضمَّنه حديثُ الغدير وحادثتُه الواقعين في أوثق وأوضح مواضع يقين الأمة وإجماعها، وإن كان العازفون على النشاز من أبنائها قد تسببوا في ما وقعت فيه من مأزق ومآسٍ ومتاهات مجرورةِ الذيول إلى اليوم بسبب نشوزهم وانحرافهم ذاك الذي قدم أجلَّ خدمة للأعداء، إذْ وجدوا أمامهم الطريق سالكا للنيل منها وتحقيق مطامعهم ومآربهم اللامتناهية والمتوحشة فيها بعد تجريدها من أهم أسلحتها الاستراتيجية المعتَدِّ بها في معتركات خطيرة ومحطات مصيرية كالتي مررنا بها وما زلنا في صراعنا المرير المزمن مع هؤلاء الأعداء.


فبشيء من القراءة الحريصة والمهتمة للواقع والتاريخ وملموسهما الفعلي من الأحداث والتجارب، يَظهر لنا بكل وضوح وجلاء أن عدونا الأخطبوطي اللدود الصهيوني اليهودي العنصري المستكبر الذي يناصبنا كعرب ومسلمين العداء الصريح بل المترجَمَ بالمذابح والمجازر والإبادات والدماء وشتى أشكال العدوان والحروب الخشنة والناعمة..هذا العدو يرى بالخصوص في نموذج ونهج الإمام علي (ع) – الذي هو تجسيد للإسلام المحمدي القرآني الإلهي الأصيل – أخطرَ أعدائه وألدَّهم، وهو يَحتمل ويُطيق أن يُهزم أمام أتباعه عسكريا في حروب هو، عمليا، من يوقد نيرانها على الدوام، لكنه لا يطيق أبدا أن ينجحوا في تجسيد ذلك النموذج المضيئ في شكل مشروع حضاري نهضوي متكامل على الأرض يلمس الناسُ ثماره وخيراته في العدل والبناء للحياة الكريمة والتآخي والتراحم والتلاحم بين كل مكونات مجتمعهم ، فهذا – في نظر هذا العدو الخطير اللئيم – يعني هزيمته الأشد والأقسى والتي ستسقطه أرضا في كل جبهات الصراع وليس فقط في الجبهة العسكرية كما هو الوضع حاليا ، وهذا ما يعمل العدو بكل وسعه لاستدامته قدر الإمكان كوسيلة للإشغال والحيلولة دون القيام الكامل المتكامل لذلك المشروع الذي سيُنهض الأمة بكاملها – لو نجح – من كبوتها ويعيد إليها كرامتها وحقوقها المسلوبة، وهذا أخشى ما يخشاه عدونا ويدأب بكل مكره وخبثه وإمكاناته لتفاديه والحيلولة دونه .
وهذا يعني بالضرورة أننا عندما نسعى ونجدُّ في البناء الداخلي، وأولُ مقتضياته إرساءُ موازين العدالة وتداركُ مكامن الخلل في كل المجالات والمرافق والمؤسسات والمحاربةُ التي لاهوادة فيها لكل الفاسدين والمفسدين خصوصا أولئك المتمرسين في التلون وارتداء اللبوس والأقنعة والذين أثبتت التجارب والواقع الملموس أن لا خير فيهم للبلاد والعباد، والسيرُ في هذا الاتجاه على نحو يتيح تغييرا جديا ملموسا نحو الأفضل ويثمر نهوضا حضاريا حقيقيا في كل المجالات، وبنفس مستوى ووتيرة سيرنا في عملية الإسناد المشرِّف لأهلنا في غزة ودفاعنا عن أمتنا وبلدنا العزيز في مواجهة العدو الصهيوني الأمريكي ومن معه..وبذا نقصِّر المسافةَ أكثر نحو النصر النهائي المتكامل والحاسم على هذا العدو ووضعِ حد لشروره وطغيانه وإجرامه وتخليص البشرية من كابوسه البغيض، ولْيكن لسان حالنا حقا وفعلا هو «كما جسَّدنا علياً في ذي فِقاره، سنجسده في عدالته»، وهذا ما نحسب أنه المصداقُ العملي الأهم والتجلي الأقوى لجوهر «الولاية» ومضمونها الإلهي المحمدي العلوي الإيماني الحضاري القويم والسديد والمحكم..

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

غزة ليست الحصار .. غزة هي السؤال

يتصور البعض أن الخطاب العربي السياسي العاجز تماما عن أي فعل حقيقي تجاه أطفال غزة الذين يبادون بالنار والجوع أمام أنظار العالم هو ذروة المأساة العربية، لكن الحقيقة أن مأساة غزة رغم مرارتها وقسوتها وجه واحد من وجوه كثيرة جدا لمآسي الأمة العربية العميقة، ووجه من وجوه انكشافها الحضاري، وأزمتها الفكرية التي لم تستطع تجاوزها بعد. وهذه الوجوه التي نراها في غزة وفي سوريا وفي لبنان وفي العراق والسودان وليبيا وفي بنية الوعي العربي عامة ليست مفاجئة لمن يقرأ البنية العميقة للعقل العربي خلال القرن الأخير على أقل تقدير؛ ولذلك لا غرابة أبدا ألا يكون لدى الأمة العربية موقف حضاري مما يحدث في غزة. والحقيقة أنها لم يكن لديها موقف حضاري مما حدث قبل ذلك في العراق، ومما قد يحدث في قادم الأيام في دول عربية أخرى؛ والسبب أنها وصلت إلى مرحلة باتت فيه غير قادرة تماما على بناء المواقف الحضارية تجاه قضاياها قبل القضايا الإنسانية العامة بعد أن وصلت إلى حالة من الانسداد الحضاري.

نشر مفكرون عرب كثر خلال العقود الخمسة الماضية أطروحات ناقشت هذه الأزمة الحضارية التي تمر بها بنية العقل العربي لا من خلال الأحداث السياسية اليومية، ولكن عبر الغوص في بنية العقل، وما يحيط به من قيود النص، وقدرته على الإبداع، والخيال، والإنتاج المستقل، والبنى الثابتة التي حالت كثيرا دون تشكيل مشروع حضاري عربي قادر على مواكبة الحداثة بمعناها العميق والمبدع والمنتج لا بمعناها الشكلي والاستهلاكي. لكن تلك الأطروحات بقيت في أفضل الأحوال نخبوية وبعيدة عن التبني من قبل المؤسسات البحثية والأكاديمية التي تصنع الأجيال العربية، فيما حورب الكثير منها تحت دعاوى مختلفة وواهية؛ الأمر الذي فاقم الأزمات العربية، وجعل الأمة أقرب إلى أن تكون رخوة ومنكشفة حضاريا منها إلى أمة صلبة وقادرة على الإبداع. فعصفت بها الأوهام، وسيطرت عليها الخطابات الشعبوية، وكثر الدجالون، وغاب المفكرون الحقيقيون، بل غابت الفلسفة والمنطق عن أمة كانت متقدمة في إنتاج المعرفة وبشكل خاص الفلسفة والمنطق.

وأمام هذا المشهد وهذه المعطيات لا غرابة أبدا أن يكون الوضع العربي كما نراه اليوم، عالم يكاد يكون بلا موقف حضاري، ولا فعل ثقافي، فهذا ما جنته الأمة على نفسها قبل أن يجنيه عليها الآخرون، وقبل أن تعيد اجترار نظرية المؤامرة، وهي وإن كانت حقيقية إلا أن الأمة نفسها فتحت المساحة للمؤامرات لتبني لها بنى راسخة في العقل العربي قبل مؤسساته.

ناقش جورج طرابيشي على مدى عقود قيود الماضي والتراث خلال مشروعه لنقد العقل العربي، كما ناقش محمد أركون البنى الدوغمائية التي تحرس «اللامفكر فيه» مؤكدا أن لا تقدم في ظل غياب العقل النقدي والإنساني في بنية الفكر العربي الإسلامي. وهكذا فعل نصر حامد أبو زيد، ومالك بني نبي، وعبدالإله بلقزيز، وغيرهم. ورغم أن أطروحاتهم كانت قابلة للنقاش والنقد في سياق السجال المعرفي؛ إلا أنه حتى هذا السجال اختفى من أجندات الوطن العربي، واستبدل به جدالات عقيمة وشعبوية قائمة على التكفير المذهبي، والإثني، والخطابات التعبوية التي تهدم ما تبقى للأمة، وتحاول تقويضه؛ نتيجة أحقاد تاريخية قائمة أيضا على المذهبية، والإثنية، ووهم الكيانات الوطنية.

ولذلك نحتاج أن ننظر إلى مأساة غزة من بُعد آخر لا يمثله الحدث السياسي، ولكن تعكسه المأساة الحضارية؛ لنستطيع اكتشاف حجم العطب البنيوي في بنية العقل العربي المتمثل في غياب الفعل وشلل الإرادة. ورغم التاريخ الطويل من غياب الفعل العربي الحقيقي إلا أن هذه اللحظة هي أكثر تلك اللحظات تأثيرا، وأعمقها تمثيلا لواقع ما وصلت له الأمة العربية.

وإذا كانت غزة كاشفة لمأزق الضمير العالمي، ولأخلاقه، ولقيم النظام العالمي فإنها كاشفة بشكل أكبر للمأزق الحضاري العربي الذي بدا بشكل واضح أنه خارج السياق وعيا بما يحدث، وقدرة على بناء خطاب حضاري معرفي قادر أن يشكل موقفا يتناسب وما يحدث في الأمة من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها.

وهذا الوضع العربي من الفشل والخنوع وتآكل الوعي لا يخص القيادات السياسية فقط رغم مسؤوليتها الكبيرة والأساسية، ولكنه يخص المثقف، والمؤسسات الثقافية، والفكرية، والأكاديمية، ومؤسسات التعليم، والمؤسسات «الدينية»، ومؤسسات الإعلام، ويخص الجمهور العربي. العالم العربي بكل مؤسساته مسؤول مسؤولية تضامنية وتشاركية عن الحال الذي وصلت إليه الأمة!

وإذا كان العالم يتحول جذريا أمامنا؛ حيث يعاد بناء نظام عالمي جديد تتآكل فيه الهيمنة الأمريكية على العالم، وتسقط شيئا فشيئا قطبيتها الواحدة، وتبني الصين مشروعها بكثير من الهدوء، ويعيد الذكاء الاصطناعي تعريف المعرفة ورسم حدودها- فإن العرب يبقون وسط هذا كله بلا مشروع حضاري قادر على الذهاب الآمن نحو المستقبل، ويديرون تحدياتهم الراهنة بعقلية القرون الوسطى، ومرجعية الفتنة الكبرى فيما يعيش العالم نهاية الحداثة، ويدخل إلى عصر ما بعدها.

ولذلك؛ فإن من يتفجع على ما يحدث في غزة فإنه يتفجع من حيث يدري أو لا يدري على حال الأمة ومصيرها ومستقبلها، يتفجع على الفجوة بين ما ندّعيه وما نحن عليه، وعلى التناقض بين خطاب القوة ووهم الفاعلية. لا تكشف غزة ضعفنا بقدر ما تكشف الفراغ الكبير الذي نحن فيه، ومأزق العقل العربي المحاصر بالأوهام والفراغ.

لا يتحقق الخلاص من كل هذا بوقف الحرب على غزة رغم أهميته في السياق الأخلاقي والإنساني، ولا بالانقلابات السياسية، ولا بسلام مزيف مع العدو الصهيوني، ولكن تحتاج الأمة للخلاص مما هي فيه إلى ثورة معرفية تعيد طرح مفاهيم الحرية والهوية والدين والتراث والمقدس والفلسفة والحداثة من جديد، وتحرر العقل العربي من كل القيود والأغلال التي تسيطر عليه. وهذه الثورة المعرفية لا تختص بالهوامش العربية والمراكز المزعومة، ولكن تشمل المراكز والأطراف، والعواصم ومدن المهمشين الذين لا مكان لهم في خطاب «الهوية الرسمية». والنتيجة ليس إحداث قطيعة مع الماضي أو التراث العربي، ولكن الانطلاق منه نحو المستقبل عبر قراءة العقل والذات والنصوص الثقافية العربية بشكل منطقي ومنهجي، وإعادة تعريف علاقة العربي بغيره من الحضارات بعيدا عن تصنيف الآخر باعتباره العدو اللدود بالضرورة، وأن نعيد منهجية مواقفنا مع الحضارات الأخرى بناء على منظومة القيم والمبادئ الإنسانية، وليس وفق التصنيفات الدينية والمذهبية والإثنية.

تحتاج النهضة التي نبحث عنها للعالم العربي إلى لحظة وعي، واعتراف شجاع بحالة الفشل التي وصلت لها الأمة، ثم اشتغال حقيقي لبناء وعي جديد مؤسس وفق مقولات فلسفية وفكرية وطرح معرفي، وحينها سنرى التغيير يتحقق ليس في وعي الأفراد فقط، ولكن في بنية المؤسسات السياسية، وخطاباتها الجديدة. والأمم لا تنهض بالعواطف والأمنيات، ولكن بالأفكار والعمل من أجلها، وبتحليل الهزائم، وبناء سيناريوهات لمسارات جديدة.

وهذا المسار ليس سهلا على الإطلاق، ولكنه ليس مستحيلا؛ فلا يمكن منطقا لعقل عربي حُرم من الفلسفة والنقد والتساؤل أن يُبدع فجأة مشروعا حضاريا دون أن يمر أولا عبر جراح الذات وخرائط الفقد؟

ولذلك من المهم أن ننظر في مرآة غزة إلى ما هو أبعد من الكارثة؛ ننظر إلى سؤالنا الحضاري الذي بات على هامش التاريخ قبل أن يصبح خارجه تماما. تغدو غزة بهذا المعنى مرآتنا بكل ألمها ونارها، وهي أيضا فرصتنا الأخيرة التي تمنحنا إياها الحضارة لننظر إلى أرواحنا كما هي، لا كما نُحب أن نتخيلها.

عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان

مقالات مشابهة

  • عبد الساتر يترأس القداس الإلهي في ذكرى 4 آب
  • لجنة 6+6.. من قاعة أبوزنيقة إلى حضن تيته: كفى عبثًا!
  • قائد الثورة يحذرّ كل من تسوّل له نفسه الوقوف مع العدو الإسرائيلي من أدوات الخيانة والغدر
  • معلومات تكشف أخطر استثمار أمريكي _ صهيوني يدار داخل هذه الدول العربية (تفاصيل)
  • عاجل : مؤامرة صهيونية جديدة لإبادة أبناء غزة بمشاركة أمريكية غربية وهذا ما كشفه السيد القائد
  • ناصري يستقبل سفير بريطانيا..وهذا ما دار بينهما
  • الموسم المعتاد
  • غزة ليست الحصار .. غزة هي السؤال
  • جُدُر ترامب والنتن!
  • غزة مرآة الأمة.. وفضيحتها