بين واشنطن وطهران.. هل حولت الحرب إسرائيل إلى صانع المعادلات؟
تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT
تتشابك التوجهات الأميركية في إدارة المواجهة بين إسرائيل وإيران ضمن شبكة معقدة من الالتزامات الإستراتيجية، والمصالح الاقتصادية الحيوية، والضغوط السياسية الداخلية والدولية.
وتقوم إستراتيجية واشنطن على "ثنائية الدعم والتحفظ"، عبر محاولة تحقيق توازن دقيق بين هذه الأهداف المتعارضة أحيانا، في وقت تشتد فيه المخاطر وتتسارع التطورات الميدانية.
وتقف السياسة الأميركية في إدارة المواجهة الإسرائيلية الإيرانية على حبل مشدود بين هذه الثنائية المحورية التي تقوم على الالتزام التاريخي بدعم أمن إسرائيل كحجر زاوية في إستراتيجيتها الإقليمية، والتحفّظ الحادّ على الانزلاق إلى حرب شاملة تهدد استقرار الشرق الأوسط ومصالحها الحيوية.
هذه المعادلة المتوازنة -التي تجسدت في دعم "مشروط" لعمليات إسرائيل- تنبع من إدراك واشنطن أن تجاوز سقف التصعيد سيُفاقم مخاطر ثلاثية، وهي:
تعطيل استقرار الطاقة العالمي. تقويض تحالفاتها الخليجية. إجبارها على تدخل عسكري غير مرغوب.ويعكس هذا الموقف الإدراك الأميركي العميق أن أي تصعيد مفتوح قد يهدد ليس فقط المصالح الأميركية في الخليج بل أيضا الاستقرار العالمي للطاقة.
فالتصريحات الأميركية المتكررة بأن الهجوم الإسرائيلي على إيران "يحظى بتفهم واشنطن" تعكس دعما ضمنيا، لكنه دعم مشروط بقدرة إسرائيل على إدارة التصعيد ضمن سقف محسوب.
إعلانويدرك البيت الأبيض أن تجاوز هذا السقف سيقود إلى تعقيد العلاقة مع حلفاء آخرين مثل دول الخليج، وقد يُدخل الولايات المتحدة في دوامة عسكرية لا ترغب بها، تحسبا لضبط المعادلات ومراعاة الاستحقاقات الأميركية الداخلية.
تقف الولايات المتحدة اليوم أمام معضلة إستراتيجية، تتمثل في مدى الدعم الذي يمكن أن تقدمه لإسرائيل دون أن تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران وشركائها.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز فإن السيناريوهات المتداولة داخل المؤسسات الأميركية تشمل خيارات تقديم دعم استخباراتي ولوجستي موسّع، وصولا إلى ضربات محدودة ضد أهداف إيرانية في حال هددت الأخيرة المصالح الأميركية مباشرة، وبحسب الصحيفة فإن هذا الخيار محفوف بالمخاطر السياسية والعسكرية.
الخيار الآخر هو الحفاظ على الدعم السياسي والدبلوماسي مع استمرار الضغوط على إسرائيل لعدم توسيع العمليات أكثر.
لكن التحدي الأكبر أن الوقت ليس في صالح واشنطن، وكل يوم يمر دون حسم الصراع يزيد من احتمالات الانزلاق إلى مواجهة إقليمية يكون من الصعب احتواؤها.
فجوة المصالح بين واشنطن وتل أبيبرغم العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن المواجهة الحالية كشفت تباينا واضحا في أولويات الطرفين، فإسرائيل ترى في هذه اللحظة فرصة تاريخية لتدمير المشروع النووي الإيراني بشكل تام، وفرض معادلات ردع جديدة في المنطقة.
في المقابل تخشى إدارة الرئيس دونالد ترامب -رغم دعمها العسكري والسياسي- من أن يؤدي التصعيد إلى حرب إقليمية واسعة تهدد المصالح الأميركية المباشرة.
وتعكس تصريحات مصادر البيت الأبيض نقلتها شبكة "سي إن إن" حول "موافقة ضمنية" هذا التباين، فهي تقدم دعما سياسيا من دون تفويض كامل للمغامرات الإسرائيلية.
هذا التفاوت يعيد طرح إشكالية السيطرة الأميركية على سلوك الحليف الإسرائيلي في أوقات الأزمات، خاصة مع وجود حكومة يمينية في تل أبيب تفضل الحلول العسكرية على المسارات السياسية، وهو ما يعقّد المشهد الإقليمي ويهدد المصالح الأميركية الأوسع.
إعلان التباين داخل الإدارة الأميركيةتواجه إدارة ترامب خلافا داخليا حول المدى الذي يجب أن تذهب إليه واشنطن في دعم إسرائيل، فوزارة الدفاع (البنتاغون) تميل إلى ضبط النفس، وتُفضل بقاء التدخل الأميركي في حدود الدعم الاستخباراتي واللوجستي، في المقابل، يدفع مستشارو الأمن القومي وبعض شخصيات الحزب الجمهوري باتجاه دعم إسرائيل بشكل أكثر وضوحا.
هذه التباينات ظهرت في تصريحات متعارضة لمسؤولين أميركيين خلال يومي 13 و14 يونيو 2025، حيث أبدى بعضهم تحفظا على فكرة "إطالة أمد الحرب"، بينما أشار آخرون إلى أن "إيران تستحق الردع القاسي".
ويفتح هذا الاختلاف الباب أمام ارتباك في السياسات، ويزيد من صعوبة بناء إستراتيجية متماسكة، خاصة مع تزايد الضغوط من الكونغرس والجماعات المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية، التي تطالب بموقف أكثر حسما تجاه إيران.
وتُشكّل الانقسامات الداخلية والاستحقاقات السياسية والتحديات الإستراتيجية محددا جوهريا لسياسة إدارة ترامب تجاه التصعيد.
وتوازن إدارة ترامب بين ضغوط متعارضة، وهي:
دعم اللوبي المؤيد لإسرائيل والجناح الجمهوري التقليدي الذي يطالب بموقف حازم. تحفّظ قاعدة الحزب الجمهوري المتزايدة تجاه "المغامرات العسكرية" في المنطقة. خوف التيارات التقدمية من التورط في حرب جديدة.وتدفع هذه التناقضات تدفع إلى تبني "موقف مزدوج هش"، يتمثل بالتصريح بالدعم المطلق لأمن إسرائيل مع العمل الدبلوماسي الحثيث لاحتواء التصعيد، سعيا لتجنب انتقادات الداخل وارتباك المشهد قبيل الانتخابات.
وتعد معضلة الاعتبارات الداخلية لإدارة ترامب إحدى أهم الاعتبارات التي تحكم موقفها من التصعيد.
تتجاوز إسرائيل في الأزمة الحالية دور الحليف التقليدي لواشنطن لتلعب دورا ثلاثيا متشابكا، فهي:
شريك إستراتيجي للولايات المتحدة. مصدر ضغط دائم على قرارات واشنطن. مهندس نشط لمعادلات الأمن الإقليمي. إعلانوتتحرك تل أبيب في فضاء ضيق بين استغلال "الضمان الأميركي المطلق" واختبار حدوده، مستفيدة من هامش المناورة الذي توفره العلاقة الخاصة مع واشنطن ودعم الكونغرس.
وتسعى إسرائيل من خلال التصعيد إلى تحقيق أهداف متعددة المستويات:
إعادة رسم قواعد الاشتباك مع إيران ومحور المقاومة. ترسيخ نفسها كقطب أمني لا غنى عنه للخليج. تحويل الأزمات الداخلية إلى فرص للتماسك الوطني.لكن هذه الإستراتيجية تنطوي على مخاطر جسيمة قد تُفجّر جبهات متعددة وتجر واشنطن إلى حرب لم تخطط لها.
وتمثل إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة أكثر من مجرد حليف؛ إنها شريك إستراتيجي، لكنها أيضا مصدر ضغط دائم على القرار الأميركي، خاصة في ملفات مثل إيران.
وفي هذا السياق، تدرك حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن واشنطن رغم تحفظاتها لا تستطيع فك ارتباطها الإستراتيجي بإسرائيل، لذلك تلعب تل أبيب على هذه الهوامش، فتسعى لجر الولايات المتحدة إلى مواقف أكثر تقدما عبر فرض وقائع ميدانية.
وتظهر المواجهة الحالية كيف تحاول إسرائيل اختبار حدود الدعم الأميركي دون تجاوز الخطوط الحمر، لكنها تدرك أن دعم الكونغرس -خاصة من الجمهوريين- سيشكل حماية سياسية لأي عملية عسكرية موسعة.
وهنا يظهر التحدي أمام إدارة بايدن في الحفاظ على الشراكة دون الانزلاق نحو التورط الكامل في صراع مفتوح.
إعادة صياغة البيئة الأمنيةتنظر إسرائيل إلى هذه المواجهة كفرصة إستراتيجية لإعادة رسم قواعد الاشتباك في المنطقة، وتؤكد تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين أن "إسرائيل ستفرض معادلات جديدة على إيران وشركائها".
وتتفهم واشنطن هذه الرؤية، لكنها تخشى أن يؤدي استمرار التصعيد إلى كسر قواعد الردع المتبادل، مما يفتح الباب أمام حروب استنزاف طويلة تُنهك إسرائيل وتضطر الولايات المتحدة إلى الانخراط في مواجهات مباشرة في الشرق الأوسط.
من جهة أخرى، تحاول إسرائيل استثمار هذه المرحلة في تقوية علاقاتها مع دول في الإقليم، باعتبارها شريكا في مواجهة "التهديد الإيراني"، وهي خطوة قد تعيد ترتيب التحالفات الإقليمية بشكل جوهري، لكن هذه المرة عن طريق تصاعد التوتر الإقليمي.
إعلان مأزق الردع.. إسرائيل تخاطر باستفزاز محور المقاومةتقوم إستراتيجية إسرائيل منذ سنوات على سياسة "المعركة بين الحروب"، لكنها في الضربة الأخيرة على إيران تجاوزت هذا المبدأ، لتدخل مرحلة "الحرب المفتوحة".
ويعرّف الجيش الإسرائيلي مصطلح "المعركة بين الحروب" بأنها هدف أساسي لمنع الوجود الإيراني في سوريا، ومنع وصول سلاح إلى حزب الله يخل بتوازن القوى.
هذا التطور يدفع الأطراف الحليفة لطهران -كحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق إضافة إلى الحوثيين في اليمن- إلى إعادة النظر في قواعد الاشتباك.
وحتى الآن، اقتصرت الردود على الحوثيين عبر بعض الضربات المعزولة، لكن مصادر أمنية غربية حذرت من أن استمرار العمليات سيدفع حزب الله إلى التدخل المباشر، وإن في مرحلة لاحقة.
وبالنسبة لواشنطن، فإن دخول حزب الله على خط المواجهة يعني تحول الحرب إلى صراع إقليمي متعدد الجبهات، قد يشمل قواعد أميركية أيضا.
وتدرك الإدارة الأميركية أن قدرتها على منع التوسع محدودة، مما يجعلها تعتمد بشكل متزايد على قنوات خلفية مع عواصم عربية وغربية لضبط إيقاع التصعيد؛ في ظل تآكل فعالية سياسة الردع التقليدية.
الحسابات الداخلية بإسرائيل
ويؤثر الوضع السياسي داخل إسرائيل بدوره على مسار التصعيد. فحكومة نتنياهو، التي تواجه انتقادات داخلية واسعة بعد حرب غزة الأخيرة، ترى في التصعيد مع إيران فرصة لتحويل الأنظار وتوحيد الجبهة الداخلية حول ما وصفته "الخطر الوجودي، والتهديد الأكبر للأمن القومي الإسرائيلي".
وتتابع الإدارة الأميركية هذه الحسابات بدقة، لأنها تدرك أن جزءا من دوافع التصعيد الإسرائيلي سياسي داخلي بقدر ما هو أمني.
ويعقد هذا التداخل مهمة واشنطن في ضبط الحليف الإسرائيلي، خاصة في ظل دعم الحزب الجمهوري لنهج الحكومة الإسرائيلية الحالي، بما له من توظيف ذلك في الرأي العام الأميركي.
تتبنى إيران إستراتيجية معقدة تقوم على "ردع هش" يجمع بين ضبط النفس لتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، وتصعيد محسوب يحافظ على ماء الوجه أمام الداخل وحلفاء "محور المقاومة".
إعلانوتعمل طهران على حبل مشدود، فهي تظهر "الاستعداد الكامل لكل السيناريوهات" لترهيب خصومها، بينما تدرك أن أي خطأ في تقدير التصعيد قد يُفجر مواجهة كارثية.
ويعتمد نجاح هذه المعادلة على 3 أركان:
توظيف شركائها وأذرعها في المنطقة كعوامل وأدوات ضغط غير مباشر. المناورة بالملف النووي كورقة تفاوضية. استغلال التصدعات في الموقف الغربي، مع العلم أنها توازن فوق بركان قد ينفجر بأي لحظة.ويمنح الموقف الإيراني المزدوج الولايات المتحدة فرصة إضافية للضغط على طهران من جهة، ومحاولة ضبط إيقاع التصعيد مع إسرائيل من جهة أخرى.
غير أن الخطر الأكبر يكمن في إمكانية حدوث خطأ في الحسابات يؤدي إلى تجاوز الخطوط الحمر ودخول واشنطن بشكل مباشر في المواجهة.
ورغم محدودية أو استبعاد المشاركة المباشرة لحزب الله أو الفصائل العراقية حتى الآن، فإن الولايات المتحدة تأخذ هذا السيناريو بجدية قصوى.
وتشير المعلومات الاستخباراتية الأميركية بحسب ما نقلته شبكة "سي إن إن" عن مصادر استخباراتية إلى استعدادات حذرة من جانب حزب الله لإعادة فتح جبهة الشمال، ولو بشكل محدود.
وتدرك واشنطن أن توسيع رقعة الصراع لتشمل لبنان أو العراق سيضعها أمام اختبار صعب: إما تقديم دعم عسكري أكبر لإسرائيل أو الدخول في مواجهات متعددة الجبهات.
وتراهن الإدارة الأميركية حتى الآن على ضبط الساحات عبر التنسيق مع العواصم الإقليمية، لكنها تعلم أن السيطرة على جميع المتغيرات الإقليمية أمر بالغ التعقيد، خاصة في حال تصاعد الضغوط الإيرانية على وكلائها.
المواجهة تقوض المسار الدبلوماسيويهدد التصعيد العسكري ما تبقى من فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني، منذ انسحاب واشنطن منه في 2018. ظل استحقاق العودة إلى الاتفاق معلقا بين الضغوط السياسية الداخلية في أميركا، والتشدد الإيراني المدعوم من الحرس الثوري.
وأعادت الضربة الإسرائيلية الأخيرة ترتيب أولويات طهران، حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تعليق كل المحادثات الفنية المتعلقة بالضمانات النووية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
إعلانمن جانبها، تدرك الإدارة الأميركية أن استمرار هذا المسار سيعيد الملف النووي إلى نقطة الصفر، ويزيد من مخاطر اندفاع طهران نحو تطوير برنامج تسلح نووي.
ويضع هذا السيناريو واشنطن أمام معضلة استمرار دعم إسرائيل مما قد يجهض نهائيا أي حلول دبلوماسية مستقبلية مع إيران، ويفرض عليها إعادة حساب الأولويات في إدارة الأزمة الراهنة.
هواجس واشنطن الاعتبارات الاقتصادية والطاقة
من أبرز الاعتبارات التي تهيمن على التفكير الأميركي في التعامل مع التصعيد الإسرائيلي الإيراني هو تأثير المواجهة على إمدادات الطاقة العالمية، فمع التوترات المتزايدة في مضيق هرمز وباب المندب، تزداد المخاوف من ارتفاع أسعار النفط، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا للاقتصاد الأميركي والغربي.
وقد أعلنت وزارة الطاقة الأميركية، وفق تصريحات رسمية، استعدادها لاستخدام الاحتياطي الإستراتيجي للنفط "عند الحاجة"، في إشارة إلى جدية المخاوف.
كما تدرك الولايات المتحدة أن أي تصعيد قد يؤدي إلى عمليات إيرانية ضد ناقلات النفط، مما يهدد ليس فقط الأسواق العالمية، بل أيضا الأمن البحري الدولي.
ويجعل هذا العامل إدارة ترامب أكثر حرصا على ضبط وتيرة التصعيد وعدم السماح بانفلاته نحو حرب إقليمية شاملة، وهذه المعادلة تجعل من "سلاح الطاقة" إحدى أهم أدوات الضغط الإيرانية، وتُجبر واشنطن على السير على حافة شفرة.
في المقابل، تمثل المواقف الإقليمية والأوروبية والدولية الرافضة للتصعيد عامل ضغط إضافيا على واشنطن، مما يعرضها للحرج، خاصة في ظل محاولاتها الحفاظ على صورتها كقوة دولية مسؤولة تدفع نحو الاستقرار.
السيناريوهات المستقبليةتقف الأزمة على مفترق 3 مسارات حاسمة تتراوح بين احتواء محدود وانفجار إقليمي:
ضربات متبادلة محسوبة وهو السيناريو الأمثل لواشنطن توسيع دائرة الحرب لضم حزب الله والجبهات المجاورة، وهو ما يمثل كابوسا لواشنطن. عمل إيراني نوعي (اغتيال مسؤول إسرائيلي رفيع أو استهداف قاعدة أميركية) يدفع الولايات المتحدة للتدخل المباشر، وهو ما يعتبر السيناريو الكارثي. إعلانتعكس هذه السيناريوهات جوهر الرهان الأميركي على محاولة إدارة التصعيد عبر قنوات خلفية لاحتواء الأزمة ضمن السيناريو الأول، رغم إدراك واشنطن أن زمام المبادرة ليس كليا بيدها، وأن أي خطأ في الحسابات أو تصعيد غير محسوب قد يُفجّر المسارين الأخطر.
وتخفي تصريحات المسؤولين عن "عدم السماح بانفلات الصراع" تحديا عميقا في السيطرة على تداعيات لعبة إقليمية معقدة بقواعد متغيرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الإدارة الأمیرکیة المصالح الأمیرکیة الولایات المتحدة إدارة ترامب فی المنطقة حزب الله مع إیران خاصة فی وهو ما
إقرأ أيضاً:
واشنطن وطهران على حافة المواجهة.. تصعيد متبادل أم تسوية مؤجلة؟
طهران- على وقع الغارات الإسرائيلية المتواصلة منذ فجر الجمعة على إيران، وما يقابلها من قصف صاروخي إيراني، تتصاعد حدة التوتر في المنطقة وتتزايد التكهنات بشأن احتمالات انزلاق الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران، مقابل جهود دبلوماسية تبذلها وساطات إقليمية ودولية لاحتواء الأزمة.
وتتهم طهران رسميا واشنطن بالتورط في العدوان الإسرائيلي على أراضيها، مستندة إلى تصريحات سابقة لمسؤولين أميركيين أقروا فيها بوجود تنسيق مباشر مع إسرائيل في تنفيذ الهجمات الأخيرة.
وخلال لقائه بسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدين في طهران أمس الأحد، كشف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن بلاده تمتلك وثائق تثبت تورط قواعد عسكرية أميركية في دعم الهجمات الإسرائيلية.
وقال عراقجي إن "الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الكاملة عن المشاركة في هذا العدوان"، محذرا من "التمادي في استهداف السيادة الإيرانية".
في المقابل، واصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصريحاته التصعيدية، مؤكدا مجددا أن بلاده "لن تتوانى عن الرد العسكري الساحق إذا ما استُهدفت مصالحها في المنطقة". وفي تصريحات لشبكة "إيه بي سي" الأميركية، أشار إلى احتمال تدخل بلاده لمساعدة إسرائيل في "القضاء على البرنامج النووي الإيراني".
إعلانلكن ترامب، الذي سبق أن عبّر عن اعتقاده بضرورة خوض معارك قبل التوصل إلى اتفاق، عاد ليتحدث عن استعداد بلاده لقبول وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء النزاع بين طهران وتل أبيب. وقال إن هناك "اتصالات جارية لعقد مفاوضات تؤدي إلى تهدئة"، مرجّحا التوصل إلى اتفاق قريب بين الجانبين.
رغم ذلك، أفاد مصدر مطلع على المباحثات أن طهران أبلغت الوسيطين القطري والعُماني بعدم استعدادها للدخول في مفاوضات حول وقف إطلاق النار في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي. وأوضح المصدر -لوكالة رويترز- أن "إيران تشترط استكمال ردها على الضربات الاستباقية الإسرائيلية قبل الخوض في أي حوار جدي".
وفي السياق، يرى السفير الإيراني السابق لدى الأردن نصرت الله تاجيك أن مواقف ترامب العلنية تعكس انخراط بلاده المباشر في الهجوم، معتبرا أن "الهدف من هذا العدوان ليس البرنامج النووي فحسب، بل إسقاط النظام السياسي في إيران".
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد تاجيك أن الهجوم الإسرائيلي الأخير تم بضوء أخضر أميركي وأوروبي، ووفق مخطط معقد سبقته عمليات تضليل بمشاركة شخصيات غربية بارزة. واعتبر أن قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير، الذي اتهم طهران بعدم التعاون، كان بمثابة التمهيد القانوني للهجوم.
وأضاف أن "ما سبق الهجوم من مؤشرات، مثل سحب الدبلوماسيين الأميركيين من المنطقة وتصريحات ترامب عن استعداد إسرائيل للهجوم، كلها تؤكد وجود تنسيق وثيق بين واشنطن وتل أبيب". كما اتهم الإدارة الأميركية بتوزيع الأدوار بين أوروبا وإسرائيل، مشيرا إلى أن الحديث عن الخلافات مع بنيامين نتنياهو كان جزءا من حملة تضليل إعلامية.
في قلب المعركةمن جهته، يرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية مجيد صفاتاج أن الولايات المتحدة باتت طرفا مباشرا في الصراع، من خلال تزويد تل أبيب بصواريخ متطورة مثل "هيل فاير" وذخائر موجهة بالليزر مناسبة لاستهداف الأفراد بدقة، سبق أن نقلتها أميركا سرا إلى تل أبيب قبيل هجومها على إيران، بالإضافة إلى تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود ودعمها استخباريا ولوجستيا.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت، أكد صفاتاج أن الدعم الأميركي لإسرائيل لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يشمل أيضا غطاء دبلوماسيا لتبرير الهجوم أمام المجتمع الدولي، واصفا الحديث عن الوساطات بأنه "محاولة لتجميل صورة واشنطن أكثر من كونه مسعى حقيقيا نحو التهدئة".
ورجح أن تتطور المواجهة إلى صراع مباشر بين واشنطن وطهران، مشيرا إلى أن انتقال الدور الأميركي من الدعم إلى الهجوم المباشر بات مسألة وقت، على غرار ما حدث مؤخرا في تصعيد الولايات المتحدة ضد اليمن.
تحذيرات من الداخلوفي هذا السياق، لفت صفاتاج إلى أن طهران تمتلك خططا متعددة للتعامل مع أي تصعيد أميركي، محذرا من احتمالية لجوء "أجهزة الأمن الصهيو-أميركية" إلى تفعيل خلايا نائمة داخل إيران لتنفيذ عمليات ضد منشآت حيوية، بهدف زيادة الضغط على النظام الإيراني.
ويخلص مراقبون إيرانيون إلى أن مسار الأحداث يسير باتجاه تصعيد إقليمي أوسع، مؤكدين أن تصريحات عراقجي، التي حذر فيها من أن "نار الحرب التي أضرمتها إسرائيل قد تخرج عن السيطرة"، تعكس ترددا بين الاستمرار في التهديدات أو الانتقال إلى مواجهة مفتوحة، مرجحين أن تحدد السياسة الأميركية في الأيام المقبلة وجهة المرحلة القادمة.