حين تتكالب الأمم لاستهداف إيران واغتيال روح الأمة
تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT
زكريا الحسني
نحن اليوم لا نعيش لحظة عابرة ولا نمر بأحداث غير متصلة كما ربما يظن البعض؛ بل نحن في قلب معركة كبرى، معركة وجود وهوية، ومعركة يُراد بها تمزيق هذه الأمة وتفتيت قواها وتحطيم ما تبقى من شموخها وعزتها.
إن ما يحدث اليوم في إيران وما جرى قبلها في العراق وسوريا ولبنان ليس مجرد صراعات محلية أو خلافات مذهبية؛ بل هو امتداد لمشروع متكامل طويل الأمد يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة برمتها وفق مصالح القوى الاستعمارية العالمية وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل.
ولذلك فإن الوقوف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه اللحظة ليس موقفًا سياسيًا عابًرا؛ بل واجب شرعي وأخلاقي، وامتداد للوعي بأبعاد المعركة، فمن يتصوَّر أن ما يجري اليوم محصور في حدود إيران أو مذهبها، يقرأ المشهد بعين واحدة، ويغفل عن الخريطة الحقيقية للصراع.
الشرق الأوسط ليس مجرد رقعة جغرافية؛ بل هو قلب العالم النابض، فيه أعظم ثروات الأرض من النفط والغاز، وفيه أعظم المُقدسَّات، وأهم الممرات البحرية والاستراتيجية من مضيق هرمز الى باب المندب، ومن قناة السويس الى الخليج العربي. وهذا الموقع وحده كفيل بأن يجعل منطقتنا هدفًا دائمًا لأطماع المُستعمِرين، فما بالك حين تقترن هذه الثروات بمخزون حضاري وتاريخي وروحي هائل يجعل من هذه الأمة- إن نهضت- قوة لا تُقهر؟
ولأنهم يدركون خطورة هذه الصحوة- إن حدثت- يسعون لإجهاضها بكل وسيلة، عبر الحروب والفتن وعبر الإعلام الذي يروج الأكاذيب ويؤجج الأحقاد ويحاول أن يصور كل مقاومة على أنها إرهاب وكل صوت حر على أنه خطر.
إنهم يريدون تفتيت كل قوة ناشئة، وإيران شئنا أم أبينا تُمثِّل اليوم أحد آخر معاقل الرفض والمواجهة في وجه المشروع الصهيوني الأمريكي.
إن إسرائيل هذا الكيان الغاصب لم يُزرع في المنطقة ليكون دولةً كباقي الدول؛ بل ليكون أداة وظيفية تُنفِّذ المهام القذرة نيابة عن القوى الكبرى، وتُمزِّق نسيج الأمة من الداخل، وتقتل بلا حسيب، وتخترق بلا رقيب، وتغتال العقول والضمائر والحدود، في زمن باتت فيه بعض العواصم العربية تؤوي سفاراتها وتصافح قتلتها وتتخلى عن فلسطين جهارًا نهارًا. لقد أصبحت إسرائيل رأس الحربة في مشروع إعادة تشكيل المنطقة وتسعى مع حلفائها لتدمير كل دولة تملك قرارها أو ترفض الهيمنة أو تحتضن مشروعًا مُستقلًا، ولأن إيران اليوم تمتلك أدوات القوة وتقف في خط المواجهة أرادوا كسرها سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا وعسكريًا بتواطؤ بعض من أبناء جلدتنا الذين استبدلوا بوصلتهم من القدس إلى تل أبيب.
وهنا لا بُد من أن نقف جميعًا موقف الوعي والثبات؛ فهذه ليست معركة طوائف ولا معركة حول الخلافات الحدودية؛ بل معركة كرامة ومعركة سيادة، معركة أُمَّة يُراد لها أن تنسى وأن تُحوَّل إلى سوق مفتوح ومسرح عبور لأجندات الآخرين.
لقد آن الأوان لأن ندرك أن التفرج خيانة، وأن الصمت تواطؤ، وأن من لا ينصر أخاه اليوم سيُؤكل غدًا "كما أُكِل الثور الأبيض"، فإن لم نحمل هَمَّ بعضنا وإن لم نحمل السلاح المعنوي والفكري في وجه هذا المشروع الخبيث، فإننا نسير نحو التهلكة بأقدامنا.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
فأين جسد الأمة اليوم من هذا الحديث؟ أين التكافل؟ أين المروءة؟ أين الأصوات التي تقف مع الحق بلا مواربة؟ إننا بحاجة الى يقظة شاملة تعيد ترتيب أولوياتنا وتعيد جمع كلمتنا وتوقظ فينا ما مات من العزة.
في هذه اللحظة المفصلية لسنا أمام خيار سياسي؛ بل أمام خيار وجودي، فإمَّا أن نقف مع المقاومة، ومع الكرامة، ومع السيادة، وإما أن نسقط جميعًا واحدًا تلو الآخر بلا صوت، بلا أثر، بلا ذاكرة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مسؤول إسرائيلي: إيران لا تزال تمتلك آلاف الصواريخ والتهديد الوجودي قائم
أكد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، الإثنين، أن الحرب الإسرائيلية الجارية ضد إيران ليست معركة يمكن أن تُنهي التهديد الإيراني بشكل نهائي، واصفاً المواجهة بأنها ضرورة وجودية فرضتها تطورات خطيرة، في مقدمتها اقتراب طهران من امتلاك سلاح نووي.
وقال هنغبي في تصريحات أدلى بها لإذاعة الجيش الإسرائيلي صباح الإثنين٬ إن إيران ما زالت تحتفظ بـ"آلاف الصواريخ الباليستية"، رغم الضربات التي تعرضت لها في الأيام الماضية، مؤكداً أن "إسرائيل تواجه تهديداً وجودياً حقيقياً".
وأوضح المسؤول الإسرائيلي أن "الوقت قد حان لتوجيه ضربة إلى إيران"، مشيراً إلى أنه "عندما تكون هناك كميات ضخمة من الصواريخ داخل الأنفاق، لا يمكن ضربها لاحقاً. وإذا امتلكت إيران سلاحاً نووياً، فلن نعرف كيف نرد".
وأضاف هنغبي أن الاحتلال كان يخطط منذ عشرين عاماً لضرب المشروع النووي الإيراني، لكن القرار الحاسم اتُخذ قبل عام عندما وجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجيش لوضع خطة جاهزة للتنفيذ.
وقال: "حين تبلورت عدة مسارات خطيرة، طالبنا الجيش بإعداد خطة عاجلة"، موضحاً أن المسار الأول يتمثل في "تقدم إيران في البرنامج النووي، لا سيما المراحل السرية التي تتجاوز التخصيب نحو تصنيع قنبلة نووية"، وأن هذه الأنشطة "لم تغب عن أعين إسرائيل، حتى لو غابت عن أنظار المجتمع الدولي".
أما المسار الثاني، بحسب هنغبي، فهو الهجمات الإيرانية الصاروخية في نيسان/أبريل٬ وتشرين الأول/أكتوبر 2024، التي "أثبتت استعداد إيران لاستهداف العمق المدني الإسرائيلي بصواريخ عالية الدقة"، على حدّ تعبيره.
وصرح هنغبي بأن "المعركة التي خُطط لها طويلاً، ربما كانت لتنتظر شهراً إضافياً أو أقل، لكن الأهم أن إسرائيل في عام 2025 اختارت المواجهة، رغم إدراكها لحجم الثمن، لإزالة التهديدات من جدول الأعمال".
لا نية حاليا لاستهداف خامنئي
وفي رده على تقارير صحفية تحدثت عن نية الاحتلال الإسرائيلي اغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي، قال هنغبي: "ليست لدينا حالياً أي نية لاستهداف القيادة الإيرانية"، لكنه استدرك قائلاً إن عبارة "حالياً" قد تعني "60 ثانية فقط"، في إشارة ضمنية إلى أن جميع الخيارات تبقى مطروحة.
وشدد هنغبي على أن "جوهر العمليات الإسرائيلية في إيران يتركز على هدفين رئيسيين: تحييد التهديد النووي وتقويض القدرة الباليستية".
ويأتي هذا التصعيد الكلامي في وقت تتواصل فيه المواجهة العسكرية بين إيران والاحتلال الإسرائيلي بوتيرة غير مسبوقة، في واحدة من أكثر جولات الصراع خطورة منذ عقود.
وشهد مساء أمس الأحد تبادلاً عنيفاً للضربات الصاروخية والجوية بين الطرفين، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى ودمار واسع في مواقع استراتيجية.
فقد أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ الباليستية على أهداف إسرائيلية في الشمال والجنوب، أسفر عن إصابات مباشرة في مبانٍ بمدينة حيفا، إضافة إلى اندلاع حرائق في محطة الطاقة القريبة من الميناء، وفي مناطق مفتوحة قرب القدس وشمال البلاد.
وفي المقابل، شنت القوات الجوية الإسرائيلية سلسلة غارات مكثفة استهدفت منصات صواريخ ومواقع عسكرية في غرب إيران، لا سيما في محافظة أذربيجان الشرقية، فيما ردت الدفاعات الجوية الإيرانية بإطلاق مضادات أرضية بكثافة في مدينة الأهواز ومحيطها.
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد بدأ في 13 حزيران/يونيو الجاري، هجوماً واسعاً استهدف مواقع نووية ومقار تابعة للحرس الثوري الإيراني، ما أدى إلى مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، في ما وُصف بأنه أكبر تصعيد مباشر بين الطرفين منذ عقود.
وقد توعدت طهران بالرد القاسي، مؤكدة أن "نهاية هذه القصة ستُكتب بيد إيران، لا بيد أحد غيرها".