في غزة.. الإذلال والموت من أجل ما يسد الرمق
تاريخ النشر: 18th, June 2025 GMT
ركزت صحيفة لوموند الفرنسية على الإذلال والمخاطرة التي أصبحت جزءا من طقوس الحصول على القليل من الطعام من "مؤسسة غزة الإنسانية"، تلك المنظمة الأميركية الخاصة التي تعمل بإشراف إسرائيلي في قطاع غزة.
ووصفت الصحيفة مشهد توزيع المؤسسة للطعام، انطلاقا من فيديو صوره المدير المشارك لمجموعة "الوقوف معا" العربية اليهودية الإسرائيلية، ألون لي غرين، الذي ظهر فيه فناء خرساني في المقدمة، ثم حقل مهجور تتجمع فيه مئات الظلال خلف بوابات معدنية، وعلى يسارهم يتجمع آخرون على سفح التل، مستعدين للانقضاض.
فجأة -كما تقول الصحيفة- "اندفع آلاف الناس نحو صناديق الطعام. كان تدافعا جنونيا يائسا"، وعلق الناشط الإسرائيلي ألون لي غرين قائلا: "هذا الفيديو كارثي بكل بساطة. ليس فيلما كارثيا، إنه الجحيم الذي خلقناه في غزة. هكذا يبدو البشر الجائعون، يخاطرون بحياتهم لإطعام أنفسهم. هكذا يبدو تجريد ملايين الناس من إنسانيتهم".
وقالت الصحيفة إن هذه المشاهد أصبحت أمرا طبيعيا في قطاع غزة، حيث أصبح الإذلال والمخاطرة جزءا من طقوس الحصول على القليل من الطعام في منطقة يعاني جميع سكانها البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي الحاد منذ أن فرضت إسرائيل حصارا صارما عليها في الثاني من مارس/آذار الماضي.
ونبهت لوموند إلى أن معظم من يتمكن من الحصول على كيس من الطعام هم شباب قادرون على السير عدة كيلومترات إلى المراكز، خاصة أن الكميات محدودة وتلقى أرضا، وغالبا ما ينهبها الوافدون الأوائل الذين يختارون الضروريات الأساسية.
لكن كبار السن الذين يتحدون الموت وينتظرون لساعات، لا يبقى لهم شيء عندما يحين دورهم، خلافا لأشخاص يعودون كل يوم ويعيدون بيع المنتجات، التي أصبحت نادرة وتباع بأسعار باهظة في السوق، مثل الدقيق والزيت والسكر.
إعلان
وعلى صفحة "مؤسسة غزة الإنسانية" على فيسبوك، تنتقد التعليقات الفوضى وعدم المساواة في التوزيع، وتدعو إلى نظام محوسب قائم على الترشيح، لأن المنظمة الأميركية تكتفي بمنشورات مقتضبة تعلن فيها عن فتح أو إغلاق إحدى نقاطها الأربع للتوزيع، وتذكير الناس بعدم الاقتراب من البوابات أو التجمع عندها قبل فتحها، "لأنها منطقة عسكرية".
وفي هذا الصدد، يقول أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية إنه "لا يوجد منطق ولا إجراءات، ولا حتى شخص ينظر إليهم ويرحب بهم ويحييهم. في مراكز الإغاثة"، وتضيف جولييت توما، مديرة الاتصالات في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، "لم نشهد شيئا كهذا في التاريخ الحديث، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. إنها ليست وحدة غزة للمساعدات الإنسانية، بل مؤسسة الإذلال".
لم نشهد شيئا كهذا في التاريخ الحديث، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إنها ليست وحدة غزة للمساعدات الإنسانية، بل مؤسسة الإذلال
بواسطة جولييت توما
وقد منعت إسرائيل الوكالة الأممية -التي تعمل في الأراضي المحتلة منذ 75 عاما- من إيصال المساعدات إلى سكان غزة في مراكزها البالعة 400، مدعية أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تحول مسارها، مع أن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة، كما تقول الصحيفة.
وذكّرت الصحيفة بأن مستشفى العودة في مخيم النصيرات، الأقرب إلى نقطة توزيع نتساريم في وسط القطاع، يشهد تدفقا يوميا للجرحى، ينقلهم السكان العائدون من عمليات التوزيع على عربات، نظرا لإغلاق المنطقة أمام المسعفين، إذ يقول المدير الطبي للمستشفى ياسر أبو شعبان: "لا نستطيع التعامل مع عدد الجرحى وطبيعة إصاباتهم".
ومع تزايد الجوع وفوضى التوزيع، يتعرض سكان غزة أيضا لهجمات وسرقات في طريق عودتهم إلى منازلهم، يقول فايز أبو أحمد، وهو أب لـ4 أطفال: "تعرض ابن أخي لهجوم وسرقوا طعامه. لذلك نحتفظ الآن بسكين ظاهر عند عودتنا إلى المنزل، لكننا لا نلوح به أبدا في منطقة التوزيع، لأن الأميركيين سيطلقون النار علينا أيضا".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
إسماعيل أبو دان.. هداف فقد حياته أثناء انتظاره المساعدات الإنسانية في غزة
غزة- لم يعد إسماعيل أبو دان، اللاعب السابق لفريق خدمات الشاطئ، إلى بيته المتضرر بشدة في منطقة الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، بعد المرة الأولى التي ذهب فيها إلى ما يسمى مركز المساعدات الإنسانية لمؤسسة غزة الأميركية في منطقة زيكيم شمال القطاع، على أمل الحصول على ما يسد رمق أطفاله وعائلته المجوّعة.
أبو دان (37 عاما) -وحيد أبويه والمُعيل لـ10 أفراد- توجه إلى المركز سيئ السمعة في 22 يوليو/تموز 2025، رفقة عدد من أصدقائه، مدفوعا بحاجته المُلِحّة لإطعام أطفاله الخمسة، خاصة بالحصول على الدقيق الذي شحّ من الأسواق، وما توفر منه كان يباع بأسعار فلكية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"طحين ونار وخوف وأنا أحاول أن أكون أمًا في غزة الجائعة"list 2 of 2نادر النجار.. مدرب فلسطيني خرج للبحث عن طعام لأطفاله ولم يعدend of listكانت وجهته الأساسية منطقة العامودي القريبة من زيكيم، منتظرا إشارة فتح المركز لجمع ما أمكن من المواد التموينية الأساسية. فطول الطريق مشيا وصعوبة المواصلات يجبران الجوعى على الاكتفاء بما هو ضروري جدا من الطعام.
وما هي إلا ساعات حتى غطّى الغبار المكان. اعتقد الجميع أن الشاحنات المحملة بالمساعدات قد وصلت، لكن مع انقشاع الغبار تبيّن أنها دبابة إسرائيلية فتحت حمم نيرانها من قذائف ورصاص عشوائي تجاه الشبان. أصابت أبو دان 4 رصاصات: اثنتان في ظهره، وثالثة تحت أذنه اليمنى، وأخيرة اخترقت فمه وخرجت من رأسه، فاستشهد على الفور.
ظلّ جثمانه ملقى على الأرض قرابة ساعتين حتى سمح جيش الاحتلال بانتشال الشهداء. نُقل جسده على عربة يجرها حيوان حتى تعرّف عليه أحد أصدقائه الناجين من حذائه قبل أن يكشف وجهه.
View this post on InstagramA post shared by الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم- PFA (@palestine.fa1)
أبلغ الصديق العائلة، التي سارعت إلى عيادة الشيخ رضوان حيث وصل الجثمان، ليلقوا عليه نظرة الوداع الأخيرة بقلوب فُجعت بلوعة الفقد لكنها عامرة بالصبر والاحتساب، كما أكدت والدته للجزيرة نت.
وقالت "بالنسبة لي كان إسماعيل الابن والزوج والأخ والحياة كلها.. هو الوحيد الذي أكرمني الله به. الله يرحمه ويتقبله".
نزوح ومعاناةمنذ اندلاع الحرب نزح إسماعيل وأسرته مرات عديدة: من شمال غزة إلى الزوايدة وسط القطاع، ثم إلى رفح جنوبا، ومنها إلى دير البلح، ثم عادوا إلى رفح ودير البلح مجددا مع نفاد النقود.
إعلانوخلال تلك الفترة، وحتى بعد العودة إلى غزة عقب اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير/كانون الثاني 2025، حاول أبو دان العمل بما تيسر؛ فمرة على بسطة يبيع المعلبات، وأخرى يبيع الملابس أو الأحذية وكل ما توفر لديه.
ترك إسماعل خلفه 5 أبناء، أكبرهم يوسف (14 عاما) وهو لاعب كرة قدم ورث عن والده حسه التهديفي، وأصغرهم رفيف (5 أعوام).
كان إسماعيل يعيش قلقا دائما على مستقبل أطفاله، خاصة يوسف الذي عانى من ضعف في النمو وكان بحاجة إلى إبر هرمون الطول، لكن حرب الإبادة التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أوقفت كل شيء.
حتى طفلته الصغرى رفيف كانت وما زالت تعاني من انحراف في عينها اليمنى، وظل والدها يلازم المستشفيات بحثا عن علاج لها قبل استشهاده.
مسيرة رياضيةخلال مسيرته الكروية في غزة، لعب إسماعيل أبو دان لعدد من الفرق أبرزها: المشتل (ناديه الأم)، خدمات الشاطئ، غزة الرياضي، الزيتون، الصداقة، التفاح، أهلي النصيرات، والجلاء، وتميّز بحس تهديفي لافت.
أما أبرز إنجازاته فكانت وصافة البطولة العربية الدولية للناشئين في الأردن عام 2008، والتتويج ببطولة "أسطول الحرية" لأندية غزة مع لقب الهداف، وحصد لقب بطولة الدوري الفلسطيني لكرة القدم الشاطئية عام 2018.