بين الرمزية والجدوى..اختبار للجهود الفرنسية تجاه حرب التجويع بغزة
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
باريس- في كل يوم يمر على سكان قطاع غزة، تتكدس التحذيرات الأممية من التجويع القاتل على مكاتب صانعي القرار في كل عواصم العالم، وتتسارع عقارب الزمن التي تنبئ في كل دقيقة باحتمالية مفارقة طفل الحياة بسبب الجوع.
وأمام هذا المشهد المأزوم، تحاول فرنسا الإمساك بخيط المبادرة من خلال الموازنة بين المبادرات الشعبية التي تتهم حكومتها بالتواطؤ مع إسرائيل، وبين التحركات السياسية الساعية لإخماد غضب الشارع الفرنسي.
فمن جهة، يعمل الفاعلون الإنسانيون ضمن مساحة ضيقة وقيود ثقيلة لمد يد المساعدة لغزة، ومن ناحية أخرى، تنتشر أخبار إلقاء الطائرات الفرنسية الغذاء من السماء، لكن يظل السؤال قائما: هل يمكن لهذه المبادرات المتناثرة إيقاف تجويع يتغذى على الحصار؟
تحركات مدنية
وتحت شعار "أوقفوا الإبادة في غزة ولا للمجاعة"، لا تزال المنظمات والجمعيات المدنية الداعمة للقضية الفلسطينية في فرنسا تنظم المسيرات الاحتجاجية للضغط على الحكومة ومطالبتها بإجبار إسرائيل على وقف فوري لإطلاق النار وسحب قواتها من غزة، وإنهاء جميع أشكال التعاون العسكري مع إسرائيل وفرض العقوبات عليها.
كما استجابت المظاهرات الأخيرة لنداء الصحفية الفلسطينية بيسان عودة عبر قرع الأواني للتأكيد على مطالباتهم بوقف الجرائم ضد المدنيين العزل، ورفض الصمت في وقت يموت فيه جميع سكان غزة جوعا بسبب الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي.
وفي يونيو/حزيران الماضي، وزعت "الإغاثة الإسلامية فرنسا" طرود خضراوات داخل شمال غزة وصلت إلى نحو 27 ألف شخص، قبل أن تمتد إلى جنوب القطاع، وتم شراء هذه الكميات من المزارعين والتجار القلائل الذين ما زال لديهم بعض المؤن.
وبالإضافة إلى خطر الجوع، حذرت منظمة الصحة العالمية من الإصابة بأمراض قاتلة مثل الكوليرا والإسهال، مما استدعى المنظمة الفرنسية إلى تنظيف مخيمات النازحين في منطقتي دير البلح وخان يونس بالكامل بحلول يوليو/تموز 2025، كما أطلقت فرقها مبادرة لنقل مئات آلاف اللترات من المياه المعقمة عبر الشاحنات إلى سكان هذه المخيمات.
إعلانوبعد اندلاع الحرب على غزة قبل 22 شهرا، أعربت منظمة "العمل ضد الجوع" الفرنسية عن استجابتها لعدة حالات طارئة وتقديمها خدمات الأمن الغذائي وسبل العيش لحوالي 5 آلاف شخص في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وأكثر من 21 ألف شخص في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، لكن لا يوجد على موقعها أي تحديثات جديدة عن الفترة الحالية.
من جهتها، أكدت رئيسة جمعية "أصدقاء فلسطين" هاجر بركوس، أن المظاهرات في مدينة نيس، جنوب فرنسا، لم تتوقف منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة.
وقالت للجزيرة نت "كثّفنا إقامة الأكشاك في شوارع نيس طوال موسم الصيف لأنها مدينة سياحية، ووجدنا في ذلك فرصة لإيصال أصوات أهالي غزة ورفع مستوى الوعي بشأن التجويع التي ينهش أجسادهم".
وأضافت هاجر "لا يمكننا الانتظار مكتوفي الأيدي إلى أن يُقتل المزيد من الناس جوعا، حرفيا. لذا، نبيع الأعلام الفلسطينية وسلاسل على شكل بطيخ والكوفيات للمارة لجمع الأموال وإرسالها إلى القطاع المحاصر".
ولفتت هاجر إلى تعرضهم لمضايقات عدة، وذكرت أن أحد المارة الداعمين لإسرائيل شتم ناشطا داعما لفلسطين ونعته بـ"العربي والمسلم القذر"، وعندما رد عليه الإهانات تم تصويره، الأمر الذي انتشر كالنار في الهشيم بين السياسيين الفرنسيين، وخاصة زعيم حزب الجمهوريين إريك سيوتي وآخرين من اليمين واليمين المتطرف.
وبناء على ذلك، استدعيت الناشطة هاجر للإدلاء بشهادتها أمام المدعي العام، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أمرت محافظة نيس بحظر رفع العلم الفلسطيني "لأنه أصبح رمزا للتطرف والفاشية"، كما منعت الأكشاك في شارع بروميناد دي أنغليه الشهير وسط المدينة لنقلها إلى منطقة أخرى.
ومنذ بداية الحرب، أكدت باريس إيصالها ما يقرب من 1200 طن من المساعدات الإنسانية، تتضمن الغذاء والمستلزمات الطبية، عبر مصر والأردن، إضافة إلى مساهمتها ضمن جسر جوي أوروبي نقل في إحدى شحناته نحو 52 طنا في فبراير/شباط الماضي.
وفي رسالة نُشرت على منصة "إكس"، يوم الجمعة الماضي، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انضمام بلاده للجسر الجوي الإنساني بعد المملكة المتحدة وإسبانيا، مشيدا بـ"الشركاء الأردنيين والإماراتيين والألمان على دعمهم" وبـ"الجيش على التزامه".
وقال ماكرون في تغريدته "في مواجهة هذه الحالة الطارئة الملحة، نفذنا للتو عملية إنزال غذائي في غزة"، مُقرا بأن "الإسقاطات الجوية لا تكفي، يجب على إسرائيل توفير وصول إنساني كامل لمواجهة خطر التجويع".
وفي تصريحات سابقة لوزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الثلاثاء الماضي، أكد فيها أن باريس ستعمل على إسقاط 40 طنا من المساعدات الإنسانية على قطاع غزة، عبر 4 رحلات جوية تحمل كل منها 10 أطنان من المواد الغذائية.
وبين الرمزية السياسية والجدوى الميدانية، استنكرت عدة منظمات غير حكومية هذه الإنزالات لأنها ضئيلة جدا مقارنة بسعة كل رحلة منها، على اعتبار أن كل شحنة تتسع لـ20 طنا من المساعدات.
إعلانوفي ظل نظام "من يصل أولا، يحصل عليها أولا"، ستبقى فرنسا ـومعها العالم ـ تُسعف أعراض التجويع، لا أسبابه، لتظل الممرات البرية الآمنة والمفتوحة من أهم الحلول لوقف نزيف هذه الأزمة، وإنهاء الحرب أفضلها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات تجويع غزة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل قتلت 250 خطيبا ورجل دين ودمرت 835 مسجدا بغزة
قتلت إسرائيل ضمن حرب الإبادة المستمرة في غزة، 233 من خطباء وأئمة المساجد والدعاة المسلمين، إلى جانب 20 مسيحيا، في هجماتها التي استهدفت دور العبادة الإسلامية والمسيحية في القطاع.
وقال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن إسرائيل تتبع "سياسات وحشية" تهدف إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني روحيا وأخلاقيا، عبر استهداف رجال الدين، وتدمير المساجد والكنائس، إلى جانب ضرب البنية المدنية.
وأكد الثوابتة -في حديثه للأناضول- أن علماء الدين يمثلون ركائز في ترسيخ القيم الوطنية والدينية، وتعزيز الصمود في وجه العدوان، مشيرا إلى أن استهدافهم يهدف إلى "إسكات الخطاب الديني والوطني، وخلق فراغ روحي وثقافي يمهد لفرض الرواية الاستعمارية الإسرائيلية".
رصدت وكالة الأناضول استهداف إسرائيل لعدد من أبرز الدعاة وأئمة المساجد، من بينهم يوسف سلامة الذي شغل منصب وزير الأوقاف وخطيب المسجد الأقصى سابقا، استشهد في غارة على منزله بمخيم المغازي.
كما استهدف الاحتلال أيضا الداعية وائل الزرد، المعروف بخطبه وإمامته في مساجد القطاع، وتوفي متأثرا بجراحه بعد قصف منزله في مدينة غزة.
وفي حي الصبرة استشهد الداعية وليد عويضة بقصف إسرائيلي استهدف منزله، إذ كان يشغل منصب المدير العام للتحفيظ في وزارة الأوقاف، وهو عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
تدمير دور العبادةوبحسب آخر الإحصائيات، دمرت إسرائيل بشكل كامل أكثر من 835 مسجدا، وألحقت أضرارا جزئية بـ180 مسجدا آخر، كما استهدفت 3 كنائس رئيسية في مدينة غزة عدة مرات، مما أدى إلى تدمير أجزاء واسعة منها.
وقد تعرضت كنائس رئيسية في غزة لقصف مباشر، رغم تحولها إلى ملاجئ للنازحين، إذ أفاد الثوابتة بأن تلك الاعتداءات أودت بحياة أكثر من 20 مسيحيا، بينهم نساء وأطفال، وتدمير منشآت دينية وتعليمية ومنازل آمنة.
إعلانومن بين الكنائس التي استهدفتها إسرائيل في غزة، كنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس، وكنيسة العائلة المقدّسة (اللاتين/الكاثوليك)، وكنيسة المعمدانيين الإنجيلية في القطاع.
كما اعتبر مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن هذه الاستهدافات تمثل "انتهاكا صارخا للحماية التي يكفلها القانون الدولي الإنساني لرجال الدين ودور العبادة"، وترقى إلى "جريمة حرب واضطهاد ديني" وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وتواصل إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 -بدعم أميركي- حرب إبادة بغزة، خلّفت 67 ألفا و139 شهيدا، و169 ألفا و583 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 460 فلسطينيا بينهم 154 طفلا.