عقد الجامع الأزهر،  أمس الثلاثاء، ملتقى «الأزهر للقضايا المعاصرة» تحت عنوان: «حرمة الدماء ووحدة الصف»، برعاية فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات د.  محمد الضويني، وكيل الأزهر، وبإشراف د. عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري، ومتابعة د. هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر.

وشهد الملتقى حضور كلٍّ من: د. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، ود. عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الرواق الأزهري، ود. ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بكلية الدراسات الإسلامية والعربي بالقاهرة، وأدار اللقاء  رضا عبد السلام، الإعلامي بإذاعة القرآن الكريم.

دعاء الستر وجبر الخواطر.. 10 كلمات مستجابة رددها الآندعاء عدم تكرار الذنب.. داوم عليه كل يوم

قال الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: إنّ الله ﷻ خلق الإنسان من نفسٍ واحدة، ولم يخلق نفسًا من ذهب وأخرى من فضة، بل خلقنا جميعًا من ترابٍ واحد، وجعل حرمة النفس الإنسانية أصلًا ثابتًا في هذا الكون، فلا يجوز أن تُزهق إلا بالحق.

وأوضح الجندي أنّ تغليب النزعة المادية على الروحية يُفسد التوازن في شخصية الإنسان، ويحوّل المجتمعات إلى غابةٍ يقتل فيها القويّ الضعيف، لافتًا إلى أنّ رسالة النبي ﷺ جاءت لتعيد لهذا التوازن مكانته، فالإسلام وازن بين العنصرَين: المادة والروح، ليظلّ الإنسان في صورته الكاملة، لا تمثالًا جامدًا ولا طيفًا ضائعًا.

وأشار إلى أنّ سفك الدماء بلا حقّ يُعدّ من أعظم الجرائم التي تُنذر بانهيار الإنسانية، مؤكدًا أنّ الإسلام جاء ليؤسس لواقعٍ قوامه العدل والتسامح وصون النفس، وقدّم رسول الله ﷺ نموذجًا حيًّا لهذه القيم في أوقات السلم والحرب معًا.

من جانبه، قال الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بكلية الدراسات الإسلامية والعربية: إنّ من أقدار الله التي قدّرها على هذه الأمّة وقوع الفتن والاضطرابات، مؤكدًا أنّ ذلك ابتلاء يُغربِل الصفوف ويختبر الصدور، وليس دلالة على الهلاك أو الزوال، بل هو جزء من سنن الله الجارية في الأمم. واستشهد فضيلته بما رُوي عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، حين رأى اقتتالًا بين المسلمين في أحد أسواق الشام، فعجب من قومٍ ربّهم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد، يستحل بعضهم دماء بعض.

وأشار الدكتور الغفير إلى الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه نبينا محمد  ﷺ: «إن أمتي أمةٌ مرحومة، ليس عليها في الآخرة حساب ولا عذاب، إنما عذابها في الدنيا الزلازل والبلابل والفتن»، مبينًا أن هذه الابتلاءات هي امتحانات إلهية تُمحّص الأمة وتُعيدها إلى رشدها، لا سيّما حين تغيب بوصلة الاتحاد وتظهر نوازع العصبيات والتفرق.

وأوضح أنّ النبي ﷺ كان يحمل همَّ هذه الأمّة ليلًا ونهارًا، وكانت الآيات التي تصف بأس الله على الأمم تقضّ مضجعه، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا﴾، فلما سمعها بكى ﷺ وقال: «سألت ربي ألا يسلّط بعضهم على بعض فمنعنيها»، دلالةً على أنّ الفتنة الداخلية من أعظم ما يُبتلى به المسلمون، وأن الواجب على الأمة هو الاعتصام بحبل الله جميعًا، والتناصح والاجتماع، لا التناحر والتدابر.

وفي ختام الملتقى، أكد الإعلامي رضا عبد السلام، أن  موضوع «حرمة الدماء ووحدة الصف» يُعدّ من أكثر القضايا إلحاحًا في ظل ما تمرّ به الأمة من تحديات جسام واستباحة لدماء أبنائها في مواضع شتى، مشيرًا إلى أنّ التفرّق والتنازع بين أبناء الأمة يُهيّئ بيئة خصبة لتكرار المآسي وتضاعف الابتلاءات، وهو ما يفرض ضرورة الوعي بخطورة المرحلة، واستدعاء معاني الأخوّة والوحدة التي دعا إليها الإسلام. وأنّ الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى استعادة تماسكها الداخلي وتوحيد كلمتها، فالأجساد إذا تفرّقت ضعفت، وإذا اجتمعت اشتدّت.

طباعة شارك ملتقى القضايا المعاصرة بالجامع الأزهر الجامع الأزهر حرمة الدماء ووحدة الصف

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الجامع الأزهر الجامع الأزهر

إقرأ أيضاً:

الحرب على القنبلة النووية الإسلامية

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

تُخاض الحروب عادة بعناوين بعيدة عن الأهداف، على اعتبار أنَّ الأهداف عادة تُعد جزءًا من أسرار الحروب، لهذا نجد أن العناوين عبارة عن ذرائع يستغلها العدو ليوظفها في حربه لتجنب الاستثارة والاستفزاز للرأي العام وتمر ذريعة الحرب مرور الكرام.

ما يدور اليوم من فصول صراع وجودي بيننا وبين المعسكر الصهيو-أمريكي مثال صارخ على ما تقدم، فبعد أن كان الصراع صراعًا عربيًا صهيونيًا لتحرير فلسطين، تحول بعد اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وتحجَّم إلى صراع فلسطيني صهيوني، واليوم تعالت أصوات وتصدرت عناوين أخرى جديدة لتبرير الاحتلال وجرائمه، شعارها أن الكيان الصهيوني يمارس حق "الدفاع الشرعي" عن نفسه ووجوده. كثيرة هي الشعارات والمبررات والذرائع التي سُكبت في عقولنا وفي عقول الأجيال العربية المتعاقبة، لتمرير الباطل وطلائه بالمشروعية. ولكن السؤال ماذا لو اكتشفنا بأن القضية أبعد من احتلال جغرافية فلسطين، وأن الهدف الحقيقي هو تطويع الأمة العربية وإخضاعها لسيطرة ونفوذ العدو الصهيوني ليديرها كما يشاء ويقتطع منها ما يشاء من جغرافيا وديموغرافيا وثروات ومقدرات؟!

الحقيقة الغائبة والمُغيَّبة عن عقولنا كنخب وعوام هي ما ورد أعلاه، وعلى المُطبِّعين ودعاة "اللهم اضرب الظالم بالظالم" أن يفيقوا من سُباتهم ونرجسيتهم ويدركوا بأن الأمر جللٌ، وأنهم جميعًا في مخطط التقسيم والاحتلال والهيمنة، لا فرق بين مُطبع ومقاوم في البودر السياسي الصهيو-أمريكي، فلا يحلم أحد بأنه سيخرج سالماً من هذا الصراع الوجودي الخطير.

"طوفان الأقصى" المبارك أزال الكثير من الغشاوة والضبابية عن أعيننا وأعين اللاهثين خلف التطبيع ومباركة العدو في جرائمه، كما بيَّن هشاشة العدو وحجم تستره خلف سرديات وخرافات سكبها في عقولنا طيلة عقود المحنة دون أن نختبرها أو نضعها على ميزان الحق والعقل، وحين حَصْحَصَ الطوفان انهارت جميع السرديات وانفرط عقد الخرافات وتهاوى الكيان بصورة مُرعبة، أخافت المرجفين والمطبعين ونالت من سردياتهم "الوقوعية" لتبرير انهزاميتهم أمام كيان أَوْهَن من بيت العنكبوت في حال توفرت الإرادة لمواجهته.

اليوم نعيش فصولًا جديدة من الصراع مع العدو والمتمثل في "طوفان الأقصى 2" أو كما يسمى بـ"الوعد الصادق 3"؛ حيث "توهم" العدو بأن ميدان الصراع أصبح مثاليًا له للإجهاز على آخر قلاع وحصون المقاومة والمتمثل في إيران، بعد اعتقاده بأن الجغرافيات المُقاوِمة الأخرى والمتمثلة في غزة ولبنان واليمن وسوريا والعراق أصبحت تحت الإخضاع أو السيطرة التامة. لم يُخف العدو هذه المرة نواياه ولم يستخدم التورية في عدوانه على إيران؛ بل تطابقت الأهداف مع العناوين هذه المرة وكانت القضاء على البرنامج النووي الإيراني سواء كان سلميًا أو حربيًا.

وإلى هنا قد يبدو الأمر طبيعيًا ومنطقيًا للبعض في تفسير مغازي الحروب والصراعات، ولكن السؤال ما دخل باكستان ومصر في المخطط الصهيوني القادم بعد "القضاء" على إيران؟! والجواب هو أن الحرب الصهيو-أمريكية في حقيقتها هي حرب على القوة العربية والإسلامية أينما وجدت لتمكين الكيان وترسيخ مخططه ووظيفته في قلب الأمة.

خاض الكيان ورعاته معارك استخباراتية وقرصنات جوية لا تُحصى لقتل العلماء وتدمير المشروعات والبرامج النووية للأمة العربية، بدءًا من "مصر عبدالناصر" إلى "مفاعل تموز" بالعراق إلى ليبيا وسوريا فإيران، وجميعنا يعلم مخطط الموساد لقتل العلماء والعقول العربية النادرة بعد سقوط بغداد ودمشق لكي تبقى الأمة بلا عقول.

في حقيقة الأمر أن لُب الصراع هو حرمان الأمة بشقيها العربي والإسلامي من امتلاك سلاح ردع نووي بينما امتلاك جميع الأمم والديانات لهذا السلاح فهو بردًا وسلامًا على الكيان الصهيوني ورعاته!!

في عام 1974، التقى الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو سرًا بكل من الزعيمين هواري بومدين ومعمر القذافي، وقال لهم بالحرف الواحد: جميع الديانات في العالم (الكاثوليك، البروتستانت، الأرثوذوكس، اليهود، البوذيين، الهندوس) امتلكت قنبلتها النووية، ما عدا المُسلمين، فلماذا لا نتعاون لننتج القنبلة الإسلامية وتكون لنا مكانة بين الأمم؟! وتم الاتفاق حينها على أن يكون المقر بباكستان والعقل باكستاني ممثلًا في العالم النووي عبدالقدير خان، والتمويل ليبياً وتجربة القنبلة في أقصى صحراء الجزائر؛ حيث بقايا التجارب النووية الفرنسية منذ العهد الاحتلالي.

تسرَّب الاتفاق للأمريكان والتقى هنري كيسنجر بالزعيم علي بوتو وهدده من مغبة الاستمرار في المشروع، وحين رفض بوتو التهديد وأصر على اكتماله، قال له كيسنجر: "ما لم تلغِ المشروع سأجعل منك أقصوصة". لم يكترث بوتو بتهديد كيسنجر، رغم دفعه لحياته عام 1979 على يد قائد جيشه الجنرال ضياء الحق، واستمر البرنامج حتى أُنجز، ونال السُم من الزعيم هواري بومدين في آخر أيام عام 1978؛ فيما بقي معمر القذافي مُطاردًا حتى 2011 عام الربيع العبري.

تصريح النتن ياهو العلني وجهره بأنَّ باكستان هي الهدف القادم بعد إيران، والوثائق الصهيونية التي وضعت إيران اليد عليها والتي تُبرهن بأن المخطط القادم هو الإجهاز على القيادة والجيش بمصر واحتلال سيناء، جعلت باكستان تُعلن عن دعهما ومساندتها لإيران، كما ستدفع مصر إلى الإعلان عن موقفها الصريح من كامب ديفيد، واستعدادها للحرب مع الكيان ورعاته، وقبل ذلك توجيه الدعم السخي المادي والمعنوي والاستخباراتي بالسر والعلانية لكل بؤرة مقاومة ضد الكيان الصهيوني وفي أي جغرافية كانت؛ فالأمر أصبح من الجلاء "نكون أو لا نكون".

قبل اللقاء.. العدو بدأ العدوان، ولكن نهايته أصبحت بيد آخرين، وخياراته اليوم بين التصعيد والتعجيل بفنائه، أو الرضوخ وتآكله ذاتيًا من داخله.

وبالشكر تدوم النعم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • أمين البحوث الإسلامية: الشريعة لا تفرِّق في حرمة النفس بين مسلم وغير مسلم
  • البحوث الإسلامية: الإسلام حرم الثَّأر وحذَّر من فوضى العصبية الجاهلية.. فيديو
  • الحرب على القنبلة النووية الإسلامية
  • خلال ملتقى المرأة.. الجامع الأزهر يضع روشتة علاجية لجهاد النفس بعد الحج
  • في ذكرى وفاة محمد متولي الشعراوي.. أبرز الفتاوى التي أثارت الجدل
  • مدير الجامع الأزهر يحذر شبابنا من الوقوع فريسة لحروب الهوية الفكرية
  • في ذكرى وفاته.. مركز الأزهر للفتوى: الشعراوي علامة فارقة في عصر الدعوة الإسلامية الحديثة
  • الجامع الأزهر يُنظم لقاءُ حول الإعجاز العلمي للحديد في القرآن
  • الجامع الأزهر يعقد ملتقاه الفقهي الثاني والعشرين حول الدفاع عن الأوطان