إعداد: طاهر هاني إعلان اقرأ المزيد

أثار لقاء وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية الليبية نجلاء المنقوش بنظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين الأسبوع الماضي في روما زوبعة سياسية داخلية سارع على إثرها رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة إلى إقالتها.

فور الإعلان عن هذا اللقاء، تظاهر محتجون ليبيون بالعاصمة طرابلس تنديدا بالخبر وأضرموا النار أمام مبنى رئاسة مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية ورددوا هتافات داعمة للقضية الفلسطينية، ورافضة لأي تواصل ليبي مع الحكومة الإسرائيلية.

مظاهرات مماثلة نظمت في مدينة الزاوية بغرب طرابلس وزليتن بشرقها ومصراتة بشمال غربها.

من ناحيتها، نقلت الخارجية الإسرائيلية عن وزير الخارجية إيلي كوهين قوله إنه "تحدث مع وزيرة الخارجية الليبية عن الإمكانات الكبيرة للعلاقات بين البلدين، فضلا عن أهمية الحفاظ على تراث اليهود الليبيين، بما يشمل تجديد المعابد والمقابر اليهودية في البلاد".

أسئلة كثيرة تطرح: هل كان هذا اللقاء تلقائيا أم مخططا له، فإسرائيل تؤكد أنه تم الاتفاق عليه مسبقا وهو ما تنفيه طرابلس؟ وما هو الدور الذي لعبته روما لتنظيمه وكيف تنظر الولايات المتحدة إلى احتمال وقوع مصالحة بين ليبيا وإسرائيل؟

تجيب عنها روميانا أوغراتشنسكا، وهي أستاذة جامعية متخصصة في الشأن الليبي وصاحبة عدة كتب حول ليبيا على غرار "من أجل بشرة القذافي، حرب سرية وأكاذيب، القصة الأخرى" من دار النشر "فيار 2013".

والتي أكدت لفرانس24 أن اللقاء بين الوزيرين لم يكن مجرد صدفة بل خطط له من قبل روما وبطلب من الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل من أجل أن يتم التطبيع بين إسرائيل وجميع الدول العربية.

فرانس24: قرر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد دبيبة إقالة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش بعد أن التقت بوزير خارجية إسرائيل بروما. ما هي تداعيات هذا اللقاء وكيف تنظرين إليه؟

روميانا أوغراتشنسكا: تجدر الإشارة إلى أن وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، بلقائها وزير خارجية إسرائيل، قد خرقت قانونا قديما سن في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي. هذا القانون يمنع أي اتصال أو لقاء مع مسؤول إسرائيلي.

فبعدما نشرت الحكومة الليبية بيانا أرادت من خلاله إنكار هذا اللقاء أو على الأقل القول بأنه حدث بالصدفة، جاءت معلومات أخرى لا سيما من الجانب الإسرائيلي أكدت وقوعه تحت إشراف إيطاليا. فالطريقة التي تعاملت بها حكومة دبيبة مع الخبر تؤكد وجود توترات وخلافات داخلية حادة بين الحكومة نفسها من جهة وداخل وزارة الخارجية من جهة أخرى.

ما هي نوع هذه الخلافات والتوترات؟

التوترات ظهرت بين المجلس الرئاسي الليبي (وهي هيئة تنفيذية تم تشكيلها بموجب بنود الاتفاق السياسي الليبي التي تم توقيعه في 17 ديسمبر 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة بهدف وضع حد للحرب الأهلية) ووزارة الخارجية في بداية تشكيل حكومة دبيبة.

اقرأ أيضاروميانا أوغراتشنسكا: عدم حلحلة الملف الليبي سيؤدي إلى حرب أهلية

والسبب يعود إلى وجود غموض في توزيع الأدوار فيما يتعلق بتسيير السياسة الخارجية الليبية. وكان رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي سبق وأن طالب بتنحية نجلاء المنقوش من منصبها بحجة أنها تجاوزت الحدود السياسية التي يمنحها لها القانون وكونها أيضا في اعتقادي امرأة غير متحجبة درست في الخارج ولها رؤية انفتاحية على العالم.

02:15

كما أن المنقوش اتخذت في البداية مواقف شجاعة قبل أن تدخل في نهاية المطاف في الصف وتقترب أكثر من دبيبة الذي عينها عدة مرات ممثلة له في قمم ومؤتمرات هامة بالنسبة لليبيا.

أما فيما يتعلق باللقاء الذي جمعها بوزير الخارجية الإسرائيلي، فيجب التوضيح بأنها ذهبت إلى روما برفقة إبراهيم دبيبة ابن أخ رئيس الوزراء ووليد اللافي مسؤول الإعلام في الحكومة الليبية. ونظرا لأهمية هذين الرجلين، فالقول بأن لقاءها مع وزير خارجية إسرائيل كان بالصدفة أمر لا يمكن أن نصدقه.

فحسب المعلومات التي في حوزتي، لقد تم التباحث بشأن هذا اللقاء في الزيارة الأخيرة التي قامت بها المنقوش إلى روما التي اقترحت على ليبيا تطوير علاقاتها مع إسرائيل وذلك تحت الضغط التي مارسته واشنطن على ليبيا.

نحن نعلم بأن هناك ضغط كبير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إقناع الدول العربية بتطبيع العلاقات مع تل أبيب في إطار اتفاقيات أبراهام. وهذا ما يحدث في الحقيقة مع السعودية وليبيا أيضا.

من جهة أخرى، ورغم إقالة نجلاء المنقوش من منصبها من قبل دبيبة بهدف تهدئة الأوضاع، إلا أن الجميع يعلم بأنه هو الذي أرسلها إلى روما.

أكثر من ذلك، فمسألة تحسين العلاقات بين إسرائيل وليبيا كان موضوع نقاش بين وليام بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية ورئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة خلال الزيارة التي قام بها المسؤول الأمريكي إلى طرابلس في شهر يناير 2023.

01:25

 

دبيبة وافق على المطلب الأمريكي لكنه طلب من ضيفه منحه بعض الوقت لأسباب تتعلق بالرأي العام الليبي المناهض لإسرائيل.

فاللقاء الذي جمع نجلاء المنقوش مع إيلي كوهين يفترض أنه مرحلة من مراحل المحادثات. لكن السؤال الذي يمكن أن نطرحه هو لماذا كشف وزير الخارجية الإسرائيلي عن محتوى اللقاء، علما بأنه من الممكن أن يؤثر هذا الأمر سلبا على دبيبة.

ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد دبيبة يحاول استغلال هذه الورقة وأوراق أخرى من أجل الحصول على دعم دولي لكي يبقى أكثر في الحكم ولكي يظهر على أنه الرجل الذي لا غنى عنه.

لماذا تحاول إسرائيل منذ عدة سنوات تطبيع علاقاتها مع ليبيا. هل لأسباب اقتصادية أم لغيرها؟

هناك قصة قديمة بين ليبيا واليهود. فهؤلاء كانوا متواجدين في جبل نافوسة وفي المنطقة السريانية قبل وصول العرب والمسلمين.

كانوا يملكون عدة معابد دينية ومتاجر وبقوا في ليبيا رغم المشاكل التي عانوا منها خلال الحقبة الإيطالية. لكن عرفوا ازدهارا كبيرا في العصر العثماني، إذ كانوا يتمتعون بحقوق أكثر وبحماية أكبر. عددهم كان يتراوح ما بين 50 إلى 60 ألف شخص. لكن في العام 1945 تعرضوا إلى مذبحة في طرابلس بالرغم من أن ليبيا كانت تحت سيطرة بريطانيا التي لم تستطيع أن تمنع وقوع هذه المذبحة.

عدد كبير من اليهود فروا إلى إسرائيل وإيطاليا. أما بعض المئات منهم الذين بقيوا فلقد قام معمر القذافي بترحيلهم عندما وصل إلى الحكم في سبتمبر/أيلول 1969. 

كما قام بمصادرة كل ممتلكاتهم وحوّل معابدهم الدينية إلى مساجد. وكان ذلك بمثابة مأساة بالنسبة لليهود. ولا تزال جمعيات يهودية بإسرائيل وإيطاليا تناضل من أجل استرجاع الممتلكات والمعابد. وهذا المطلب القديم تم الحديث عنه في روما الأسبوع الماضي بين نجلاء المنقوش ووزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين.

طبعا، يمكن أن نرى وراء كل هذه المطالب رغبة تل أبيب في تطبيع علاقاتها مع جميع الدول العربية بشكل عام وليبيا بشكل خاص.

العلاقات بين إسرائيل وليبيا تدهورت بسبب القضية الفلسطينية ولا يزال الليبيون يعادون بشكل كبير إسرائيل والدليل على ذلك خروج متظاهرين للتنديد باللقاء الذي جمع بين المنقوش وكوهين.

من جهة أخرى، تبحث إسرائيل على أسواق جديدة لها. فلقد تمكنوا من الدخول إلى تشاد ثم مالي حيث تقوم شركات إسرائيلية بتصليح العتاد العسكري للجيش المالي.

نعم إسرائيل طورت علاقات كثيرة مع دول أفريقية. أما في ليبيا، فهناك بعض الناس، ليس كلهم طبعا، مثل أولئك الذين يقطنون في الجبال ولم يتأثروا بإيديولوجية القذافي، لا يعتبرون إسرائيل كعدو لهم بل بالعكس كانوا يعيشون مع التجار اليهود وكانوا يعملون معا خاصة في منطقة الصحراء.

في الحقيقة، الليبيون منقسمون بين رفضهم لإسرائيل بسبب سياستها إزاء الفلسطينيين وبين علاقاتهم القديمة مع اليهود. ضف إلى ذلك العدد الكبير من اليهود الليبيين الذي هاجروا إلى إسرائيل للعيش هناك. هؤلاء الناس سبقوا وأن التقوا بمعمر القذافي في 2006 ولا يزالون يملكون علاقة وطيدة مع هذا البلد ويريدون العودة إليه.

في 2021، قام صدام حفتر، نجل المشير حفتر قائد الجيش الوطني الليبي والذي يدعم حكومة الشرق، بزيارة "سرية" إلى إسرائيل بطلب من والده. هل يمكن أن نستنتج أن شرق ليبيا مع فكرة تطبيع العلاقات مع تل أبيب والغرب الليبي مناهض لذلك؟

لا أعتقد ذلك. فبعض أفراد النخبة سواء كانت في الشرق الليبي الذي يؤثر فيه حفتر أو دبيبة في الغرب لا تنظر إلى فكرة التطبيع مع إسرائيل بشكل إيجابي كونها لا تزال تساند القضية الفلسطينية. والدليل أن حتى المشير حفتر كان محل انتقادات في الشرق الليبي عندما أرسل نجله إلى إسرائيل للقاء بعض المسؤولين هناك.

لكن على مستوى الحكومتين، هناك رغبة خفية في تطبيع العلاقات مع إسرائيل بضغط أمريكي. فكلا الجانبين نظم لقاءات سرية مع مسؤولين إسرائيلين. ووقع ذلك حتى في عهد حكومة السراج.

الفرق الوحيد هو أن سلطات شرق ليبيا لم ترسل مسؤول رسمي إلى تل أبيب ولم تعقد مباحثات رسمية. عكس معسكر دبيبة الذي لم يتمكن من إبقاء المشاورات مع إسرائيل سرية. والسؤال الذي أفكر فيه شخصيا لماذا تحدث وزير الخارجية الإسرائيلي عن المقابلة التي أجراها مع نظيرته الليبية وماذا وراء إفصاحه عن محتوى هذا اللقاء؟

طاهر هاني

المصدر: فرانس24

كلمات دلالية: النيجر ليبيا ريبورتاج الليبية ليبيا إسرائيل التطبيع مع إسرائيل إيطاليا للمزيد وزير الخارجية وزیر الخارجیة الإسرائیلی حکومة الوحدة الوطنیة وزیر خارجیة إسرائیل نجلاء المنقوش إلى إسرائیل مع إسرائیل هذا اللقاء إیلی کوهین إلى روما تل أبیب یمکن أن من جهة من أجل

إقرأ أيضاً:

قيادي بحماس: لا أحد يعلم مصير الأسرى الإسرائيليين في غزة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال مسؤول كبير في حركة حماس بلبنان في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» إن أحداً لا يعلم مصير 120 محتجزاً إسرائيلياً لا يزالون بقبضة الحركة في قطاع غزة.

ويمثل مصير هؤلاء عنصراً أساسياً في أي صفقة محتملة للتبادل مع إسرائيل؛ إذ تطالب «حماس» بضمانات بوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع.

وأبلغ أسامة حمدان ممثل «حماس» في لبنان شبكة «سي إن إن» أن العرض الأخير للصفقة «لم يكن على مستوى طلبات الحركة لإنهاء الحرب»، حسب وكالة أنباء العالم العربي.

ووصف حمدان العرض بأنه «خطة إسرائيلية كان الرئيس الأميركي جو بايدن أول من تحدث عنها علناً، الشهر الماضي».

وقال حمدان إن «حماس»، «تحتاج إلى موقف واضح من إسرائيل للقبول بوقف لإطلاق النار وانسحاب كامل من غزة والسماح للفلسطينيين بتقرير مصيرهم بأنفسهم».

وأضاف: «نحن مستعدون لمناقشة أي صفقة عادلة لتبادل السجناء».

 

مقالات مشابهة

  • انتقادات لحكومة الشرق الليبي بعد عرضها على روسيا إقامة مصافي نفط
  • خوري: ملتزمون بالعمل مع جميع الأطراف لإنهاء الأوضاع الراهنة والحفاظ على سيادة ليبيا
  • ليبيا.. الاقتصاد والمعيشة في عيد الأضحى المبارك
  • ليبيا.. الاقتصاد والمعيشة في عيد الاضحى المبارك
  • أبناء حفتر يحكمون قبضتهم على الشرق الليبي.. هل يجهزهم المشير للحكم؟
  • العبدلي: يتطلب من الحكومة الموحدة أن تكون مدعومة من المجتمع الدولي والولايات المتحدة
  • غافيتو: ليبيا في حاجة لحكومة جديدة تبسط سيادتها على التراب الليبي
  • ديفيد هيرست: بلينكن يجر الولايات المتحدة إلى أعماق المستنقع الإسرائيلي
  • الحكومة الليبية المؤقتة: نحث السلطات الروسية على بناء مصافي نفط على الساحل الليبي
  • قيادي بحماس: لا أحد يعلم مصير الأسرى الإسرائيليين في غزة