صقر غباش: الخليج العربي فاعل أساسي في الاستقرار الإقليمي والدولي
تاريخ النشر: 24th, June 2025 GMT
أبوظبي: محمد أبو السمن
استضاف المجلس الوطني الاتحادي، برئاسة صقر غباش، رئيس المجلس، رئيس الاجتماع الدوري الثامن عشر لرؤساء مجالس الشورى والنواب والوطني والأمة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، اجتماع رؤساء المجالس التشريعية الخليجية، مع روبيرتا ميتسولا رئيسة البرلمان الأوروبي، في قصر الإمارات بأبوظبي.
وشارك في الاجتماع الذي عقد أمس، أحمد بن سلمان المسلم رئيس مجلس النواب في البحرين، والشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ رئيس مجلس الشورى في السعودية، والشيخ خالد بن هلال المعولي رئيس مجلس الشورى في سلطنة عمان، ويوسف بن علي الخاطر رئيس لجنة الداخلية والخارجية في مجلس الشورى القطري، وجاسم محمد البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
قال صقر غباش في كلمة افتتاحية، إن هذا اللقاء البرلماني يمثل محطة نوعية في مسار العلاقات البرلمانية الخليجية–الأوروبية، ويجسد إدراكاً مشتركاً لأهمية تعميق الحوار المؤسسي، وتوسيع مساحات التنسيق، وترسيخ قنوات التشاور بين مؤسساتنا البرلمانية التي هي اليوم أداة أساسية في بناء جسور التفاهم بين الشعوب الخليجية والأوروبية. وأكد أن العلاقات بين دول الخليج وأوروبا تمتد عبر مراحل مختلفة من التاريخ، واتخذت صيغاً متعددة من التلاقي المادي والإنساني والحضاري الذي بدأ أولاً من بوابات التجارة والملاحة والمعرفة، ليصل في عصرنا الحديث إلى شراكات اقتصادية، وأمنية، وسياسية، وتبادل ثقافي واجتماعي، تعكس بمجموعها ثمرة وعي مشترك، وتقديراً حقيقياً لما لكل طرف من وزن وتأثير في محيطه الإقليمي والدولي.
وقال إن مسار العلاقات الخليجية–الأوروبية اتخذ منحى أكثر وضوحاً وعمقاً مع تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج الذي اتجهت دوله إلى ترسيخ علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي باعتباره مكوناً رئيسياً في النظام الدولي، ومصدراً للتجربة المؤسسية المتقدمة. وفي الاتجاه المقابل، أدركت أوروبا أن الخليج العربي صاحب رؤية معتدلة في السياسة الدولية، وفاعل أساسي في معادلات الاستقرار الإقليمي والعالمي.
أضاف غباش، أن هذا الإدراك المتبادل لمكانة كل طرف يشكل دوماً الأساس الصلب لعلاقات متبادلة بين الطرفين تستند إلى مبادئ راسخة، من أبرزها احترام السيادة، وتعزيز المصالح المشتركة، وتبني المواقف المسؤولة، واعتماد الحلول التشاركية في عالم متغير جداً، وهذا ما أكدته مخرجات القمة الخليجية–الأوروبية الأولى التي انعقدت في الرياض عام 2022، وما تتطلبه أيضاً مفاوضات التجارة الحرة الخليجية–الأوروبية التي انطلقت من جديد مطلع عام 2025.
وأكد أنه وفي هذا الإطار، وكما هو المسار الذي تتبناه بقية دول الخليج، تتجلى الرؤية الإماراتية التي اختطها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في تعزيز أواصر العلاقة الخليجية–الأوروبية، استناداً إلى منظور واقعي يدمج بين البعد الجيوسياسي والخيار التنموي، ويرتكز إلى الاستثمار في الاستقرار المستدام.
وأشار إلى أنه، انطلاقاً من هذه القيم المشتركة التي نؤمن بها نحن الخليجيين والأوروبيين، والتي تستند إلى مبدأ أن السلام العادل هو الأساس الوحيد للأمن الدائم، فإننا نجدد تأكيدنا ضرورة تحقيق تسوية سياسية تضمن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للمرجعيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية، ونؤكد أيضاً ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليتَه الأخلاقية والقانونية في وضع حد للمعاناة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة، والعمل على تحقيق وقف إطلاق النار، وضمان حماية المدنيين.
تابع غباش: «إننا نتابع بقلق بالغ تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل الذي ينذر بتداعيات مدمرة قد تتجاوز حدود الإقليم لتهدد الأمن الدولي برمته. فقد أعربت دولة الإمارات عن قلقها البالغ من استهداف المنشآت النووية الإيرانية، وأكدت أن الحوار والدبلوماسية والمسؤولية الجماعية هي السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار. وفي هذا دعت دولة الإمارات إلى ضرورة أن يتحملَ المجتمع الدولي ومجلس الأمن مسؤولياتهما في وضع حد لهذه التوترات التي تتطلب مقاربة شاملة ومسؤولة ترتكز على العدالة وتستفيد من دروس التاريخ».
وأضاف: «بناءً على كل هذه المعطيات، سواءٌ ما يتصل منها بجوهر العلاقات الخليجية الأوروبية، أو بما تفرضه وقائع التحولات الدولية المتسارعة من تحديات سياسية وأمنية وعسكرية وإنسانية أيضاً، تبرز أهمية تعزيز العلاقة البرلمانية الخليجية–الأوروبية، باعتبارها ركيزة مكملة للعلاقات الاقتصادية– السياسية من جهة، ورافعة لترسيخ أواصر التفاهم الاستراتيجي بين الجانبين لبناء حاضر ومستقبل أكثر استقراراً وتوازناً على المستويين الإقليمي والدولي، من جهة أخرى».
واختتم صقر غباش كلمته قائلاً: «إننا ننظر إلى زيارتكم هذه على أنها تأكيد على الإرادة الصادقة في إعادة بناء العلاقة البرلمانية الخليجية–الأوروبية على أسس أكثر تنظيماً واستدامة، وخطوة عملية على طريق تطوير البنية المؤسسية للعلاقات الخليجية–الأوروبية، من بوابة البرلمانات. وإننا إذ نعرب عن تقديرنا لزيارتكم ولهذا اللقاء، فإننا نؤكد أن ما يجمعنا اليوم هو التزام سياسي وأخلاقي تجاه شعوبنا، وتجاه النظام الدولي الذي نسعى إلى جعله أكثرَ توازناً، وفاعليةً، وشمولاً.
أعربت روبيرتا ميتسولا، رئيسة البرلمان الأوروبي، عن عظيم شكرها لدولة الإمارات ولرئيس المجلس الوطني الاتحادي، على حفاوة الاستقبال والانفتاح والالتزام في استضافة هذا الاجتماع التاريخي.
وقالت: «نجتمع في وقت لا تزال الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط مقلقة للغاية. وأود أن أثني على التزاماتكم الملموسة تجاه السلام والاستقرار في المنطقة وخارجها، لقد استضافت دولكم مفاوضات لوقف إطلاق النار في عدد من النزاعات – في أوكرانيا، وإفريقيا، والشرق الأوسط»، ونحن شركاء في محاربة الهجمات الإرهابية والقرصنة البحرية. واختيار طريق الدبلوماسية، وفي هذا السياق، فإن الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون ضرورية واستراتيجية.
وقالت: «على مدى ما يقارب 50 عاماً، حافظ البرلمان الأوروبي على علاقات ثنائية قوية مع دول الخليج، لكنني سعيدة بأن أرى في العامين الماضيين تطوراً ملحوظاً في علاقاتنا، من حيث الحجم والانخراط السياسي، ولدينا اليوم سجل حافل من التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون، سواء على المستوى المؤسسي، أو بين الدول الأعضاء، أو من خلال مبادرات مثل “التحالف العالمي من أجل حل الدولتين”، مشيرة إلى أنه تم الاتفاق في الإمارات على آلية للتعاون المشترك وهي خطوة مهمة نحو شراكة استراتيجية بين برلمانات دول المجلس والبرلمان الأوروبي، والفضل في هذه الديناميكية يعود إلى القمة الأولى بين قادة دول الاتحاد الأوروبي وقادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت العام الماضي.
وأضافت: «جئنا اليوم برسالة واحدة هي أن البرلمان الأوروبي يريد البناء على هذا الزخم، ونريد تعميق شراكتنا، والارتقاء بهذا الحوار إلى مستوى جديد من خلال بعد برلماني حقيقي، مؤكدة الالتزام الثابت بتعميق العلاقات بين الجانبين، واستعداده لتنظيم مؤتمر برلماني مشترك قبيل القمة الثانية المرتقبة في عام 2026».
ألقى جاسم محمد البديوي، كلمة أعرب فيها عن شكره لصاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لما يوليه من دعم للعمل الخليجي المشترك واستضافة الإمارات لهذا الاجتماع، كما ثمن لرئيس المجلس الوطني الاتحادي، دعوته لعقد هذا الاجتماع، مؤكداً أهمية تواصل الزيارات بين كبار مسؤولي الجانبين الأمر الذي يعكس حرص دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي على الدفع بهذه العلاقات إلى آفاق أرحب.
وفي البيان المشترك، أكد المشاركون في الاجتماع أهمية تكثيف الجهود المشتركة لوضع أطر تعاونية لمواجهة التحديات الراهنة، بما في ذلك التغير المناخي، وأمن الطاقة، والتنمية المستدامة، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز القيم الإنسانية العالمية للتعايش والتسامح.
ورفع رؤساء المجالس التشريعية الخليجية ورئيسة البرلمان الأوروبي أسمى آيات الشكر وعظيم الامتنان إلى صاحب السموّ رئيس الدولة، على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال التي أحيطوا بها، والتي كان لها الأثر الكبير في إنجاح هذا الاجتماع وتحقيق مخرجات بناءة تدعم وتعزز التعاون الخليجي الأوروبي المشترك، كما توجهوا بالشكر والتقدير لدولة الإمارات، حكومةً وشعباً، على استضافة هذا اللقاء المثمر، وللمجلس الوطني الاتحادي برئاسة صقر غباش، على الدعوة الكريمة وحسن التنظيم.
وأشادوا بمتانة العلاقات والشراكة الاستراتيجية القائمة بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، والتي ترتكز على الاحترام المتبادل والتعاون والمصالح المشتركة، بما يعزز الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار لدى الجانبين.
أكد المشاركون أن مخرجات القمة الخليجية الأوروبية الأولى، التي عقدت في 16 أكتوبر 2024 في بروكسل، تشكل خريطة طريق وحافزاً متجدداً لتعزيز وتطوير العلاقات الثنائية والشراكة القائمة، كما شددوا على أهمية المضي قدماً في تفعيل قنوات الحوار البرلماني، وتبادل الزيارات والخبرات البرلمانية، والتشاور بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وأشادوا بنتائج اجتماع اللجنة البرلمانية الخليجية الأوروبية مع وفد شبه الجزيرة العربية في البرلمان الأوروبي، والذي عقد في 26 فبراير 2025 في أبوظبي، حيث تم الاتفاق على عقد اجتماعات مشتركة لتفعيل قنوات حوار منظم حول المواضيع ذات الاهتمام المشترك في إطار الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
وخلال الاجتماع، ناقش المجتمعون التطورات المتسارعة والمقلقة، ولاسيما في قطاع غزة ومنطقة الشرق الأوسط، وأكدوا ضرورة حماية المدنيين والبنى التحتية المدنية والمؤسسات الصحية بموجب القانون الدولي، محذرين من العواقب الوخيمة لهذا التصعيد، وتأثيره في الأمن والسلم الدوليين.
وشددوا على ضرورة وقف الانتهاكات فوراً، وحماية الأرواح، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل آمن وفوري ومستدام. وطالبوا بوقف إطلاق النار في القطاع، والإفراج عن الرهائن والمعتقلين، مؤكدين أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل.
كما ناقشوا الجهود الدولية المبذولة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وأعربوا عن ترحيبهم الكبير بجهود دول الخليج في دعم وقف إطلاق النار، وتعزيز الأمن البحري في البحر الأسود، وتقديم الدعم الإنساني لأوكرانيا، بما في ذلك تبادل أسرى الحرب ولم شمل العائلات، مؤكدين أن هذه الحرب تتسبب في معاناة إنسانية جسيمة وتزيد من هشاشة الأمن الإقليمي.
وفي ضوء التطورات العسكرية الراهنة التي تشهدها منطقة الخليج العربي، شدد الجانبان على ضرورة خفض التوترات، واحتواء الصراعات، وتغليب الحكمة، وتعزيز الحوار والدبلوماسية باعتبارها السبيل لحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وأعرب الجانبان عن تطلعهما لمواصلة هذا الحوار الاستراتيجي البناء، إدراكاً منهما للدور المحوري الذي تضطلع به البرلمانات في تعزيز العلاقات الخليجية الأوروبية.
* وضع أطر لمواجهة التحديات وتعزيز قيم التعايش والتسامح
* حماية المدنيين والبنى التحتية والمؤسسات الصحية في غزة
* حماية الأرواح وإيصال المساعدات للقطاع بشكل آمن وفوري
* وقف إطلاق النار.. وحل الدولتين السبيل لتحقيق السلام العادل
* ترحيب كبير بجهود دول الخليج لإنهاء الحرب في أوكرانيا
* تعزيز الأمن في البحر الأسود وتقديم الدعم الإنساني للمحتاجين
* تبادل أسرى الحرب ولمّ شمل العائلات لإنهاء المعاناة الجسيمة
* خفض التوترات واحتواء الصراعات وتغليب الحكمة والحوار
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات المجلس الوطني الاتحادي الإمارات البرلمانیة الخلیجیة الأوروبیة مجلس التعاون لدول الخلیج البرلمان الأوروبی الاتحاد الأوروبی الإقلیمی والدولی الوطنی الاتحادی وقف إطلاق النار هذا الاجتماع دول الخلیج صقر غباش
إقرأ أيضاً:
الغضب الصامت: الشارع العربي يعيد تشكيل المشهد الإقليمي
عندما بدأت إسرائيل تطبيع علاقاتها مع عدد من جيرانها عام 2020، في إطار «اتفاقيات أبراهام» التي رعتها الولايات المتحدة، بدأ كثير من المحللين يتساءلون عما إذا كانت القضية الفلسطينية لا تزال تحظى بأهمية في العالم العربي. وتزايدت الشكوك أواخر عام 2023، حين بدا أن دولًا عربية أخرى قد تنضم إلى الاتفاقيات وتُطبّع علاقاتها مع إسرائيل من دون أن تطالب، في المقابل، بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
لكن الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، الذي أعقب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، فجّر موجة غضب دولية واسعة بسبب استخدام العنف ضد المدنيين الفلسطينيين، وفرض الحصار على المساعدات الإنسانية المرسلة إلى القطاع. ورغم أن الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وحتى داخل إسرائيل، عانوا طويلًا من العنف والحرمان، فإن المعارضة العربية للاحتلال الإسرائيلي لم تكن، في معظم الأحيان، عاملًا حاسمًا في مسار الصراع. ومع ذلك، وبالنظر إلى حجم الدمار غير المسبوق في هذه الجولة من القتال، توقّع كثير من المراقبين أن يدفع الغضب الشعبي المتصاعد في الدول العربية نحو تغييرات ملموسة في خطاب الحكومات وسياساتها.
في حين رأى كثيرون أن الحرب على غزة أعادت الزخم للقضية الفلسطينية، يرى بعض الباحثين أن هجمات 7 أكتوبر وما تلاها أضعفا حضور القضية على الساحة الدولية. ويستدلون بعدم قطع الدول العربية المُطبِّعة علاقاتها مع إسرائيل، وتراجع ذكر القضية في الخطاب الرسمي خلال زيارات مثل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، حيث غلبت المصالح الاقتصادية. غير أن هذا الرأي يغفل نقطة جوهرية. فكما تُظهر استطلاعات الرأي التي أُجريت في المنطقة، شهد الرأي العام العربي تحولًا ملموسًا انعكس، ولو جزئيًا، على سلوك بعض الأنظمة. صحيح أن المصالح الاستراتيجية لهذه الحكومات لم تتغير جذريًا نتيجة لما يجري في غزة، لكن سياساتها الخارجية باتت أكثر حذرًا، ومقيدة بالغضب الشعبي المتزايد من الهجمات الإسرائيلية.
فمنذ أن بدأت إسرائيل حملتها العسكرية على غزة، توقّف فعليًا مسار التطبيع العربي-الإسرائيلي. وخلال زيارة ترامب الأخيرة إلى الخليج، لم يُطرح توسيع «اتفاقيات أبراهام» رسميًا على جدول الأعمال. وعلى الرغم من استمرار الحرب، لا تزال بعض الحكومات العربية ترى في العلاقات مع إسرائيل فرصة تخدم مصالحها، لكنها لم تتمكّن من التقدّم في هذا المسار، بسبب معارضة شعوبها.
اليوم، بخلاف ما كان عليه الوضع قبل 7 أكتوبر، لم يعد بإمكان قادة المنطقة تجاهل التأييد الشعبي الواسع للقضية الفلسطينية. وإذا كانت إسرائيل تطمح إلى اندماج فعلي ومستقر في المنطقة، فلن يتحقق ذلك من دون مسارٍ جادٍ نحو إقامة دولة فلسطينية.
لطالما دعم المواطنون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حق الفلسطينيين في قيام دولتهم. وخلال الأشهر التسعة التي أعقبت بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، تعمّق هذا الالتزام الشعبي. فقد أجرى «الباروميتر العربي»، وهو مشروع بحثي مستقل، استطلاعات رأي وطنية ممثّلة في عدد من الدول العربية. وأظهرت النتائج أن غالبية واضحة من المشاركين وصفوا الهجوم الإسرائيلي على غزة بمصطلحات مثل «إبادة جماعية»، أو «مجزرة»، أو «تطهير عرقي».
ومع ذلك، لم يتناقض هذا الموقف مع الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود: فقد بيّنت البيانات أن الأغلبية في معظم البلدان التي شملتها الاستطلاعات ما زالت تفضّل حل الدولتين لتسوية الصراع. لكن العداء الشعبي لإسرائيل ظل قويًا. ففي تونس، على سبيل المثال، لم تتجاوز نسبة من عبّروا عن رأي «إيجابي للغاية» أو «إيجابي إلى حد ما» تجاه إسرائيل 3% فقط. كما تراجع التأييد للتطبيع معها، حتى في الدول التي سبق أن وقعت على «اتفاقيات أبراهام». ففي المغرب مثلًا، انخفضت نسبة المؤيدين لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل من 31% عام 2022 إلى 13% فقط بعد 7 أكتوبر 2023.
كذلك أثّرت الحرب على غزة في نظرة المواطنين العرب إلى القوى الدولية الفاعلة. فقد أظهرت استطلاعات ما بعد اندلاع القتال تراجعًا واضحًا في المواقف الإيجابية تجاه الولايات المتحدة، مقارنةً باستطلاعات أجريت في الفترة بين عامي 2021 و2022. انخفض التأييد للولايات المتحدة بـ23 نقطة مئوية في الأردن، و19 نقطة في موريتانيا، و15 نقطة في لبنان، وسبع نقاط في العراق. وسُجّلت تراجعات مماثلة في الآراء تجاه حلفاء إسرائيل الآخرين، مثل فرنسا والمملكة المتحدة. ففي لبنان، انخفضت المواقف الإيجابية تجاه فرنسا بـ20 نقطة، وفي موريتانيا بـ17 نقطة، وفي المغرب بـ10 نقاط. أما المملكة المتحدة، فقد تراجعت صورتها بـ38 نقطة في المغرب، و11 نقطة في الأردن، وخمس نقاط في العراق.
في المقابل، تحسّنت صورة الصين بشكل ملحوظ، بعد سنوات من التراجع. ارتفعت نسب التأييد لها بـ16 نقطة في الأردن، و15 نقطة في المغرب، و10 نقاط في العراق، وست نقاط في لبنان.
لم تؤدّ التحولات الجذرية في الرأي العام إلى اضطرابات كبرى على غرار ما شهدته المنطقة خلال ثورات الربيع العربي في 2010-2011. ومع ذلك، كانت الاحتجاجات شائعة نسبيًا في أنحاء متفرقة من العالم العربي خلال العام ونصف الماضيين. ووفقًا لاستطلاعات «الباروميتر العربي» بين عامي 2023 و2024، قال ما لا يقل عن 10% من البالغين في كل دولة شملها الاستطلاع إنهم شاركوا في مظاهرات خلال العام السابق - وهي نسبة تقترب من تلك التي سجّلت في الولايات المتحدة خلال احتجاجات 2020 ضد عنف الشرطة، بحسب بيانات من مؤسستي «كايزر فاميلي» و«سيفيس أناليتيكس».
وفي شهري أبريل ومايو من هذا العام، شهدت عدة دول عربية موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية المرتبطة بالحرب على غزة، بما في ذلك الجزائر والبحرين ومصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا وموريتانيا والمغرب وسوريا وتونس واليمن. ففي المغرب وحده، خرجت 110 مظاهرات في 66 مدينة وبلدة في يوم واحد خلال أبريل. كما انطلقت مؤخرا من تونس قافلة شعبية تُعرف باسم «قافلة الصمود»، تضم مشاركين من تونس وليبيا ودول أخرى، بهدف إيصال مساعدات إلى أهالي غزة، ورغم الزخم، لم تحظَ هذه التحركات بتغطية تُذكر في وسائل الإعلام الدولية.
وربما كانت هذه الاحتجاجات أكثر اتساعًا وانتشارًا لولا القيود التي تفرضها العديد من الحكومات في المنطقة. فعلى الرغم من أن التظاهر لا يُعدّ محظورًا رسميًا في معظم الدول العربية، يدرك غالبية المواطنين أن الحق في الاحتجاج السلمي ليس مضمونًا فعليًا، لا سيّما حين يستهدف سياسات الدولة. ففي استطلاع أُجري بين عامي 2021 و2022 في 11 دولة عربية، قال 36% فقط من المشاركين، في المتوسط: إن حرية التظاهر مكفولة «إلى حد كبير أو متوسط». وحدها تونس سجّلت أغلبية واضحة (61%) ترى أن هذا الحق مكفول، في حين بلغت النسبة 25% في الأردن و12% فقط في مصر. ومنذ ذلك الحين، لم تُظهر معظم الحكومات العربية مؤشرات على أنها أصبحت أكثر تقبّلًا للاعتراض أو أكثر استعدادًا لحماية حرية التعبير السياسي.
في الأردن، الذي تربطه بإسرائيل معاهدة سلام، اندلعت احتجاجات شبه يومية ضد الحملة الإسرائيلية على غزة بعد 7 أكتوبر، وبلغت ذروتها في مظاهرات حاشدة عقب صلاة الجمعة كل أسبوع. وتحت ضغط الشارع، استدعت الحكومة الأردنية سفيرها لدى إسرائيل في نوفمبر 2023، فيما كانت إسرائيل قد سحبت سفيرها من عمّان في وقت سابق بسبب الاحتجاجات المتكررة قرب سفارتها. ورغم هذا التوتر، استمر التعاون الأمني بين الطرفين في بعض الملفات؛ ففي أبريل 2024، شارك الأردن بهدوء في صدّ هجوم إيراني بطائرات مسيّرة وصواريخ استهدف إسرائيل، ضمن عملية دفاعية قادتها الولايات المتحدة.
لكن هذا الدعم أثار موجة غضب واسعة في الشارع الأردني، أعقبها تصعيد سياسي داخلي. إذ بدأت الحكومة حملة ضد جماعة الإخوان المسلمين، التي لطالما نظّمت مظاهرات مناصرة للقضية الفلسطينية، وأصدرت قرارًا بحلّها. ونتيجة لذلك، تراجعت وتيرة الاحتجاجات المؤيدة لغزة خلال الشهرين الأخيرين.
وفي المغرب، أبدت السلطات حذرًا مشابهًا تجاه المنتقدين لاتفاق التطبيع مع إسرائيل المُوقّع في إطار اتفاقيات أبراهام عام 2020. وقد جرى اعتقال عدد من المتظاهرين الذين طالبوا بإلغاء الاتفاقية. ومع ذلك، لم تنحسر الحركة الاحتجاجية، بل طوّرت أساليبها؛ فبدلًا من التجمّعات التقليدية في المدن، بدأ النشطاء في استهداف الموانئ المغربية، معترضين على السفن المتجهة إلى إسرائيل لدعم مجهودها الحربي. وفي أبريل 2025، دعا أكبر اتحاد عمالي في البلاد الحكومة إلى منع عبور هذه السفن، ما أشعل موجة جديدة من الاحتجاجات التضامنية مع غزة.
رغم الانتقادات العلنية التي وجهتها بعض الحكومات العربية لسلوك إسرائيل في غزة، إلا أنها امتنعت عن اتخاذ خطوات ملموسة من شأنها عرقلة العمليات العسكرية الإسرائيلية. لكن هذا التردد لا يعكس بالضرورة لا مبالاة شعبية، ولا قدرة كاملة للحكومات على تجاهل التيارات المتصاعدة في الشارع. فالمظاهرات اليومية في عدة دول، وإن لم تؤدِّ إلى تغييرات حاسمة في السياسات الرسمية، فإنها تضيّق هوامش المناورة وتفرض حسابات جديدة على صناع القرار.
طرحت مصر، على سبيل المثال، في مارس، مبادرة لإعادة إعمار غزة، تقوم على قيادة عربية للجهود المدنية، وإشراف أمني عربي محتمل في المرحلة التالية. وقد وافقت جامعة الدول العربية بالإجماع على هذه الخطة، التي مثّلت موقفًا مغايرًا للمقترحات الأمريكية والإسرائيلية، والتي كانت تميل إلى خيارات أكثر تطرفًا، مثل إفراغ غزة من سكانها أو السيطرة عليها عسكريًا. هذا التوجه المصري يعكس جزئيًا استجابة لضغوط الرأي العام، ورغبة في إعادة تأكيد الدور الإقليمي في صياغة الحلول. في الوقت نفسه، يبدو أن الآمال الغربية في توسيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل قد فترت، على الأقل في المدى القريب. فالمزاج الشعبي العربي، الذي ازداد رفضًا للتطبيع منذ بدء الحرب، بات يشكّل عائقًا حقيقيًا أمام أي تحرك رسمي في هذا الاتجاه. فعلى سبيل المثال، ألغى المغرب في عام 2024 زيارة كانت مقررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - خطوة لم تصل إلى حد القطيعة، لكنها عكست تحفّظًا واضحًا أعاق مسار التقارب، وهو ما يعكس تأثير الشارع وضغوطه على القرارات الرسمية.
لا تقتصر المظاهرات العربية المؤيدة لغزة على التعبير الرمزي، بل تعكس تحوّلًا فعليًا في المزاج الإقليمي، مع تزايد السخط من الانحياز الغربي لإسرائيل. وإذا استمرت الحرب ومحاولات التهجير، فقد تتصاعد موجات الغضب الشعبي وتفرض تحولات في الخطاب والسياسات بالمنطقة.
مايكل روبنز المدير والباحث الرئيسي المشارك في الباروميتر العربي.
أماني جمال المؤسسة المشاركة والباحثة الرئيسية المشاركة في الباروميتر العربي، وعميدة كلية برينستون للشؤون العامة والدولية، وأستاذة كرسي إدواردز س. سانفورد للسياسة والشؤون الدولية في جامعة برينستون.
نشر المقال في Foreign Affairs