الحب في زمن التوباكو (14)
تاريخ النشر: 25th, June 2025 GMT
مُزنة المسافر
جوليتا: وهل جاء ألبيرتو؟
ماتيلدا: لم أعرفه بالخوذة، جاء بدراجة نارية، وطلب مني أن أقودها أو سيأخذني في جولة طويلة نحو أشجار البلوط الأحمر. ابتسم لي بعد أن نزع الخوذة، وقال لي: نحن نعيش مرة واحدة يا عزيزتي، تعالي معي نجرب هذه العربة الشيطانة!
ماتيلدا: صوتها مزعج.
ألبيرتو: إنها طفطافة، جوّالة ستقودنا لأمر ما، إنها ذاهبة، راحلة بين ثنايا الصفصاف إنها تتحرك بوداعة مع الريح، إنها مذهلة تصدر الأصوات المزعجة لكنها نارية وقارية يا عزيزتي.
صرخت وصدحت أنا: إنها رائعة!
طلب مني ألبيرتو أن أنسى حماسي هذا وأفكر في التلة التي وصلت إليها الدراجة النارية.
ألبيرتو: بلادنا جميلة!
ماتيلدا: لماذا إذن تغادر للعالم المُتقدِّم؟
ألبيرتو: لن أذهب إلى أي مكان، في هذه اللحظة سأبقى هنا.
ماتيلدا: جعلني ألبيرتو أُغرم في الأمور الصعبة، وأتمايل أمام الريح واللحن الذي كان في رأسي وحدي، وأردتُ أن أكتب أجمل أغنياتي هناك في تلك اللحظة؛ حيث ألبيرتو والدراجة والتل، وصورة واضحة للبلدة بأكملها وهي تُشاهدنا نراها بإعجاب كبير.
جوليتا: وهل كتبتِ شيئًا يا عمتي؟
ماتيلدا: نعم بالطبع، كتبتُ شيئًا لم يخطر على بالِ الشيطان نفسه.
اعتمد الأغنية المنتج خورخيه وأطلقنا عليها: قل لحبيبي ألا يغيب.
ورغم أنني أكملت الأغنية بلحنها ومغناها، وآلاتها النفخية.. رحل ألبيرتو من جديد، وانشغلت أنا بالشهرة، ولمعتْ أضواء الشوارع، والأستوديوهات لي، وزاد عدد المعجبين بـ"قل لحبيبي ألا يغيب".
كان هناك الباباراتزي أو مطاردو النجوم، وأناس كثر يسكنهم الفضول يريدون معرفة ماذا أفعل في النهار؟ وماذا أفعل في المساء؟ وكيف يكون الليل في أغنياتي؟ وكيف يأتي النهار في ألحاني؟
جاءني اتصال هاتفي يخبرني أن هنالك مقابلة مهمة على المذياع، طلبتْ مني المذيعة واسمها روزا أن تُسجل مقابلة حصرية معي في مطعم صغير، طلبتْ المذيعة من النادل أن يُقدِّم لنا صحون الإسباغيتي، وكان أول أسئلة المقابلة: نود أن نشعر بالحزن في أغانياتك يا ماتيلدا.
سألتها بسخرية: هل تودين البكاء؟
المذيعة روزا: لأن الحزن قد صار رائجًا للغاية، أغاني حزينة ومشاعر عميقة.
ماتيلدا: لا يمكننا أن نطلب من الجمهور أن يحزن؛ فالحياة جميلة.
ضحكتْ المذيعة روزا ضحكة ساخرة، ومزجتها بالهاهاها، سؤالي القادم مهم، بجانب الإسباغيتي ماذا تحبين؟ هل تحبين الكافيار يا عزيزتي؟ هل أنت من عشاق الكافيار؟ هيا قولي للجمهور الأسرار.
في تلك اللحظة شعرت بسخف المذيعة، ونواياها الخبيثة، خصوصًا أننا كنا نسجل المقابلة الصوتية ونحن نأكل الإسباغيتي بالصلصلة الحمراء في مطعم متواضع للغاية في وسط البلدة، ولم يكن هناك سمك في المكان غير حوض السمك القديم الذي فيه أسماك صغيرة تكاد لا تُرى وسط الماء الملوث. شعرتُ لحظتها أنه علي الوقوف، أخرجتُ محفظتي وألقيت بالنقود على الطاولة، وتركتُ الشوكة وأنهيتُ المقابلة.
ماتيلدا: انتهينا اليوم، هذا كل شيء.
جوليتا: وماذا حدث بعدها يا عمتي؟
ماتيلدا: وُضعت المقابلة ناقصة وانتهت عند كلمة الكافيار؛ بل قُطعت الفقرة إلى مذيع ربط يطلب من الجمهور الاستمتاع بمباراة جديدة لكرة المضرب، لم أنزعج يا ابنة أخي وعدتُ للأستوديو لأحفظ ما كتبته من الأغنية الجديدة: قل لحبيبي ألا يغيب.
وأضفت سطرًا: أريده فقط أن يعود.
إنه يسود، نعم يسود فؤادي وحياتي.
الجوقة: فلنقل إذن إنه الحبيب المنتظر منذ أيامٍ طويلة.
وأين يكون هو الآن؟
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عُمان.. حين يكون الحب أمانة والمواطنة مسؤولية
محمد بن علي البادي
حين تنشد الحناجر نشيد "يا ربنا احفظ لنا جلالة السلطان"، فإنها لا تردد كلمات فقط؛ بل تُجدد عهد الولاء، وتبث من أعماقها نبض الحب لعُمان، ولقائدها الحكيم، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه؛ فهذا النشيد الوطني ليس مجرد رمز للدولة؛ بل هو مرآة صادقة تعكس ما تختزنه قلوب العمانيين من حبٍ لوطنهم، ووفاءٍ لقيادتهم.
لقد خُلق العُماني وفيًّا، جُبل على الإخلاص، وتوارث الولاء جيلًا بعد جيل، كما يُورَّث المجد والكرامة. فمنذ الأزل، وعُمان تعرف الوفاء عرفًا، وترضع أبناءها حب الأرض والقائد مع الحليب. لم يكن الولاء يومًا شعارًا يُرفع؛ بل خُلُقًا يُمارس، وسلوكًا يعيش في تفاصيل الحياة اليومية. في المحن قبل الرخاء، وفي الغياب قبل الحضور، يثبت العُماني أنه لا يساوم على عُمان، ولا ينكص عن حُبّ سلطانها، أيًا كان الزمان وأيًا كانت التحديات.
واليوم، تحت ظل السلطان هيثم بن طارق -أعزه الله-، يواصل العمانيون المسير بكل ثقة. قائدٌ حكيم، نهل من مدرسة النهضة المباركة، وسار على درب البناة الأوائل، مستندًا إلى رؤية واضحة، وعزيمة لا تلين، وإيمانٍ راسخ بشعبه. فعُمان معه لا تكتفي بالبقاء؛ بل تسعى إلى الارتقاء، كما جاء في النشيد: "فارتقي هام السماء واملئي الكون الضياء".
وهنا تتجلّى الصورةُ أكثر وضوحًا: فالعُماني، مهما بلغت به ظروف الحياة، لا يساوم على وطنه. هو ثابت الولاء، راسخ الانتماء، يحمل عُمان في قلبه حيثما حلّ وارتحل؛ سواء خرج لطلب العلم، أو بحثًا عن لقمة العيش، أو للعلاج والتداوي. يظل يشتاق لترابها، ويحنّ لهوائها، ويذكرها في دعائه وسجوده.
هذا المخزون الهائل من الحب والإخلاص، يجب أن يُقابل من الجهات المعنية في الدولة بما يوازيه من رعاية واحتواء. فكل مواطن مخلص هو طاقة كامنة، يمكن أن يُصبح إنسانًا منتجًا، فاعلًا، صالحًا لكل زمان ومكان، مؤهلًا لكل مهنة وحرفة.
إنَّ المواطن العُماني ليس مجرد رقم في سجلات الدولة؛ بل هو أمانة عظيمة في أعناق المسؤولين، استودعهم الله إياها، وحثّ عليها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- في كل محفل ومناسبة، مؤكدًا أن الإنسان هو محور التنمية، وغايتها العليا، وأن رعايته ليست تفضّلًا؛ بل واجب مقدّس يسبق السياسات والخطط.
وحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -أعزه الله- هو الأب الحكيم لهذا الشعب الوفي، ولا ينفك يُعبّر عن استشعاره لهموم مواطنيه، وحرصه على أن يكون كل فرد منهم في موضع الكرامة، والعطاء، والمشاركة الفاعلة في مسيرة البناء الوطني.
وعلى إثر ذلك، باتت قضية الباحثين عن عمل حديثَ كل مجلس، وهمًّا مشتركًا في القلوب. ولم تعد محصورة في أروقة النقاشات الرسمية؛ بل تسللت إلى المجالس العامة، والمساجد، وحتى مناسبات الأفراح والأحزان. الكل يتحدث، الكل يوجعُه هذا الواقع؛ فالمعاناة واحدة؛ سواءً كان الباحث عن عمل خريجًا جديدًا أنهى مشواره الأكاديمي بآمالٍ عريضة، أو موظفًا سابقًا قَدّر الله له أن يُسرّح من وظيفته نتيجة ظروف خارجة عن إرادته، أو عن إرادة الجهة التي كانت تشغله.
إنها مأساة حقيقية، لا تقلّ في وجعها عن آلام المرض أو فَقْد الأحبة، لأنها تمسّ كرامة الإنسان، وتطرق أبواب الأمل في قلبه. وما من وطنٍ يرتقي إلا حين يجعل من إنسانه أولويته، ويمنحه الفرصة ليكون شريكًا في البناء، لا عالةً تنتظر المجهول.
لذلك، فإن الجميع اليوم يناشد بالرأفة بهؤلاء الباحثين عن عمل، ويدعو بقلوب صادقة إلى أن تتكاتف الجهود من الجهات الحكومية، والقطاع الخاص؛ بل وحتى أصحاب رؤوس الأموال وأهل الخير. فمن كان له مدخل أو قدرة على فتح باب لهؤلاء الشباب؛ فليُبادر دون تردد، وليمد لهم يد العون والمساندة، سواء عبر توفير فرص التوظيف، أو من خلال دعم أصحاب المبادرات الصغيرة والمشاريع الناشئة، الذين لديهم الاستعداد لتحمّل مسؤولية العمل والإنتاج إن توفرت لهم الأدوات والفرصة.
إنها مسؤولية وطنية وأمانة أخلاقية قبل أن تكون واجبًا وظيفيًا أو اقتصاديًا. فكل يد تُمد لشاب يبحث عن عمل، هي يد تبني لبنة في جدار الوطن، وكل فرصة تُمنح لإنسان قادر، هي خطوة نحو مجتمع أقوى، وأكثر استقرارًا وتلاحمًا.
وكذلك، لا بُد من التذكير بمسؤولية الوزارات والمؤسسات التعليمية، من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية، في الوقوف إلى جانب أولياء الأمور، والتخفيف عن كاهلهم، خصوصًا من لا يستطيعون توفير احتياجات أبنائهم الدراسية؛ فالميدان التربوي لا يجب أن يكون حِكرًا على القادرين؛ بل حاضنًا للجميع دون استثناء.
ومن هنا، نُهيب بتلك المؤسسات أن تُراجع سياساتها ومتطلباتها، وأن تُقلل ما أمكن من الأعباء والشروط التي ترهق الأسر، وأن تُفعّل الشراكات مع الجمعيات الخيرية، ومؤسسات المجتمع المدني، والأفراد المقتدرين، لمدّ يد العون لمن لا حيلة له، ممن يعجز حتى عن تأمين أبسط المستلزمات الدراسية.
العلم حق، وليس امتيازًا، والعدالة التعليمية أساس راسخ لبناء أجيال صالحة، لا تُقصى بسبب ضيق ذات اليد؛ بل تُحتضن وتُمنح الفرصة، لتكون عونًا لوطنها، لا عبئًا عليه.
إنَّ عُمان لم تكن يومًا أرضًا فقط؛ بل كانت دومًا روحًا تنبض في القلوب، وقيادةً ترعى شعبها، وشعبًا وفيًا لا يساوم على ولائه. واليوم، ونحن نُجدد عهد الحب والوفاء لوطننا الغالي، ولقائدنا المفدى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- فإننا نرفع أصواتنا لا بالشكوى؛ بل بالأمل، وبالرجاء أن تتضافر الجهود، وتلتفت القلوب والعقول إلى أبناء الوطن الذين ينتظرون فرصة، ويستحقون دعمًا، ليكونوا كما أرادهم وطنهم: منتجين، فاعلين، ومصدر عز وفخر.
اللهم احفظ عُمان وأهلها، ووفق جلالة السلطان في قيادته وسدده في قراراته، وألهم كل مسؤول في هذا الوطن أن يجعل من الأمانة طريقه، ومن الإنصاف منهجه، ومن خدمة الناس غايته، فبذلك تُبنى الأوطان وتُحفظ الأجيال، ويزدهر المستقبل كما نحلم به جميعًا.
عُمان في القلب... وستبقى ما حيينا.