سواليف:
2025-08-12@11:59:36 GMT

التعليم التقني بين الواقع والطموح

تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT

#التعليم_التقني بين #الواقع و #الطموح

بقلم: الأستاذ الدكتور يحيا سلامه خريسات

لم يعد التعليم التقني في العالم خيارًا ثانويًا يُركن إليه عند غياب البدائل، بل أصبح أداة استراتيجية تعتمد عليها الدول في تعزيز الإنتاجية وبناء اقتصاد المعرفة. فبينما تتسارع التكنولوجيا في فرض نفسها على مختلف القطاعات، تتنامى الحاجة إلى قوى عاملة تمتلك مهارات تطبيقية متخصصة.

وهكذا بات التعليم التقني محورًا للتنمية المستدامة، وعنصرًا حاسمًا في رسم معالم المستقبل.

في الأردن، ورغم ما تحقق من جهود في تعزيز هذا القطاع، لا يزال التعليم التقني يواجه تحديات متعددة تعيق تحقيق تطلعاته، وتجعل الفجوة بين الواقع والطموح واسعة تستدعي التفكير العميق والعمل الجماعي لسدّها.

مقالات ذات صلة المسيحيون في المشرق (بلاد الشام): جذورٌ راسخة وهويةٌ لا تُمحى 2025/06/26

أولى هذه التحديات تتمثل في ضعف البنية التحتية التي يعاني منها العديد من المعاهد والكليات التقنية. فالمختبرات المتخصصة والورش المزودة بأحدث التقنيات ما زالت غائبة أو غير كافية، ما يحدّ من قدرة الطلبة على التفاعل العملي مع المفاهيم التي يتلقونها نظريًا. وقد أظهرت دراسات محلية أن أكثر من 40% من المؤسسات التقنية لا تملك تجهيزات ملائمة لتدريب نوعي.

ولنا أن نتأمل التجربة الألمانية في التعليم التقني، حيث تعتمد ألمانيا نظامًا مزدوجًا يجمع بين التعليم النظري في المؤسسات التعليمية والتدريب العملي في أماكن العمل، مما مكّنها من خفض نسبة البطالة بين الشباب إلى أقل من 5% في بعض السنوات، وتحقيق توافق شبه كامل بين مخرجات التعليم وسوق العمل.

إلى جانب ذلك، لا تزال الفجوة بين مخرجات التعليم التقني واحتياجات السوق المحلي تمثل أزمة حقيقية. فالكثير من التخصصات التي تُدرّس في المؤسسات التقنية لا تجد لها مكانًا في سوق العمل، نتيجة ضعف التواصل مع القطاع الخاص وعدم مواكبة البرامج لتغيرات السوق. ووفقًا لدائرة الإحصاءات العامة، فإن نسبة البطالة بين خريجي التعليم التقني في الأردن تصل في بعض التخصصات إلى 25%، وهو ما يعكس ضعف المواءمة والتخطيط.

وتؤكد تجربة سنغافورة أهمية التخطيط المسبق والدقيق في التعليم التقني، إذ أنشأت مؤسسات متخصصة مثل معهد التعليم التقني (ITE) والمعاهد التقنية التطبيقية التي تصمم برامجها بناءً على شراكة وثيقة مع القطاع الصناعي، مما ساعد في تحقيق نسب توظيف عالية جدًا للخريجين، وتوفير مسارات مهنية واضحة ومتقدمة.

من جانب آخر، يقف الرفض المجتمعي الصامت للتعليم التقني عائقًا كبيرًا أمام تطوير هذا النوع من التعليم. فالنظرة النمطية التي تعتبر التعليم التقني أقل شأنًا من الأكاديمي لا تزال تسيطر على تفكير العديد من الأسر والطلبة، الأمر الذي يقلل من الإقبال عليه، خصوصًا من الطلبة المتفوقين الذين يفضلون المسارات الجامعية التقليدية.

وهنا يمكن الإشارة إلى تجربة فنلندا، التي نجحت في إعادة صياغة مفهوم التعليم المهني والتقني من خلال التركيز على جودته، وإتاحة مسارات مهنية مرنة تؤدي إلى التعليم الجامعي لاحقًا، مما ساعد على تعزيز مكانة التعليم التقني في الوعي المجتمعي، وجعل الطلبة يختارونه بإرادتهم لا كخيار بديل.

غياب الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص في الأردن يعد تحديًا إضافيًا، إذ أن نجاح التعليم التقني لا يمكن أن يتحقق داخل جدران القاعات الدراسية فقط، بل يحتاج إلى دعم مباشر من سوق العمل من خلال التدريب العملي، والمشاركة في تطوير المناهج، وتوفير فرص تشغيل حقيقية للخريجين. وما تزال هذه العلاقة ضعيفة، وهو ما يؤثر على فعالية المخرجات.

أما على صعيد الموارد البشرية، فإن نقص الكوادر التدريبية المؤهلة يمثل عامل ضعف واضح في العملية التعليمية، حيث أن عدداً من المعاهد يعاني من محدودية المدربين الذين يمتلكون خبرة عملية محدثة، وقدرة على مواكبة التطورات الصناعية والتكنولوجية المتسارعة.

ورغم قتامة هذا المشهد، فإن الطموح لا يزال حاضرًا وقويًا، ويكمن في بناء منظومة تعليم تقني تطبيقي فعالة، تتسم بالمرونة والجودة والارتباط الوثيق مع الواقع. تحقيق ذلك يبدأ بتطوير المناهج لتواكب التحولات التكنولوجية، وتزويد المختبرات بالمعدات الحديثة، وضمان توفر بيئة تدريبية قادرة على محاكاة بيئة العمل الحقيقية.

وإذا أرادت المؤسسات التعليمية جذب الطلبة، فعليها المساهمة في تحسين صورة التعليم التقني داخل المجتمع، عبر حملات إعلامية توعوية تسلط الضوء على قصص نجاح لخريجين أصبحوا رواد أعمال، أو تقنيين متميزين في مؤسسات كبرى.

كما أن بناء شراكات فعالة مع القطاعين الصناعي والخدمي يشكل حجر الأساس لردم الفجوة بين التعليم وسوق العمل، بما يشمل توقيع مذكرات تفاهم، وتنفيذ برامج تدريب ميداني، وربط الطلبة منذ بداية دراستهم بواقع المؤسسات الإنتاجية.

ومن الجوانب المهمة كذلك، إدخال مفاهيم ريادة الأعمال والابتكار في صلب المناهج، لتمكين الطلبة من خلق فرص عمل بأنفسهم، عبر مشاريع صغيرة أو مبادرات تقنية ناشئة، بعيدًا عن انتظار التوظيف التقليدي، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص.

ولضمان استمرارية التحسين، لا بد من السعي إلى تحقيق الاعتماد الدولي والتصنيف العالمي لمؤسسات التعليم التقني، عبر تبني معايير الجودة، وإشراك هيئات متخصصة في مراجعة البرامج وتقييم الأداء.

أما على مستوى الإجراءات العملية، فإن طريق النهوض بالتعليم التقني في الأردن يتطلب أولًا إعادة هيكلة التخصصات لتواكب الاحتياجات الفعلية للسوق، مع إلغاء التخصصات المشبعة، واستحداث برامج جديدة تعكس التحولات في الاقتصاد الرقمي والصناعات الذكية.

كما يجب تعزيز التعاون مع مؤسسات عالمية تمتلك خبرة في التدريب التقني، وتوقيع شراكات استراتيجية توفر فرص تدريب وتبادل خبرات، وهو ما فعلته دول مثل المغرب عبر التعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) في تطوير الكليات التقنية.

ومن الضروري أيضًا توفير حوافز مادية ومعنوية للطلبة الملتحقين بالتعليم التقني، مثل المنح والقروض الميسّرة، مما يشجعهم على اختيار هذا المسار، إضافة إلى إطلاق حملة وطنية إعلامية لتغيير الصورة النمطية، وتوجيه رسائل تحفيزية لأولياء الأمور والطلبة على حد سواء.

كما لا بد من تأهيل الكوادر التدريسية بشكل مستمر عبر برامج تدريب المدربين (ToT)، وضمان حصولهم على التدريب العملي والتقني من شركات متقدمة. وينبغي كذلك تشجيع مشاريع التخرج التطبيقية التي تعالج مشاكل حقيقية في البيئة المحلية.

وفي خطوة متقدمة، فإن إنشاء حاضنات أعمال تقنية داخل الكليات والمعاهد يساهم في تحفيز ريادة الأعمال، ودعم تحويل الأفكار إلى نماذج اقتصادية، وبناء أجيال من الشباب القادر على الإبداع والإنتاج لا الاكتفاء بالوظائف.

ختاما فإن التعليم التقني ركيزة الاستقرار والتنمية وإن تطوير التعليم التقني في الأردن لم يعد ترفًا فكريًا، بل هو ضرورة وطنية تمليها التحديات الاقتصادية، والتحولات العالمية المتسارعة. وإذا أردنا أن نحقق مستقبلًا إنتاجيًا مستدامًا، فلا بد أن نعيد النظر جذريًا في هيكلة هذا القطاع، ونتعامل معه باعتباره خيارًا استراتيجيًا، لا مجرد بديل تعليمي.

ولن يتحقق ذلك إلا من خلال رؤية وطنية شاملة، يشترك في تنفيذها الجميع: الدولة، والمؤسسات التعليمية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، على أساس من التكامل والثقة والهدف المشترك.

فحين نمنح التعليم التقني المكانة التي يستحقها، نصنع كوادر ترفع الإنتاج، وتقود الريادة، وتحمل على عاتقها بناء أردن أقوى وأكثر تقدمًا.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الواقع الطموح التعلیم التقنی فی فی الأردن مع القطاع

إقرأ أيضاً:

إنشاء المنصات الرقمية لإدارة الخدمات المهنية.. وزيرا التعليم العالي والعمل يبحثان تعزيز التعاون

عقد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ومحمد جبران وزير العمل، اجتماعًا لبحث سبل تعزيز التعاون بين الوزارتين، بحضور لفيف من قيادات الوزارتين، وذلك بمبنى التعليم الخاص بالقاهرة الجديدة.

وأشار وزير التعليم العالي إلى حجم التوسع الكبير الذي شهدته منظومة التعليم العالي المصرية خلال السنوات الأخيرة، من خلال إنشاء جامعات جديدة أو فتح أفرع لجامعات أجنبية، أو منح درجات علمية مزدوجة بالتعاون مع الجامعات الدولية المرموقة، لافتًا إلى تنوع روافد منظومة التعليم العالى المصرية ما بين جامعات حكومية وخاصة وأهلية وتكنولوجية، وأفرع للجامعات الأجنبية، وتنوع المسارات التعليمية التي تلبي احتياجات سوق العمل المتغير على مستوى العالم، مؤكدًا حرص الوزارة على تعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي بين المؤسسات التعليمية والبحثية، ودعم سبل التواصل بين الجانبين بما يفتح آفاقًا أوسع للشراكة العلمية والأكاديمية التي تخدم أولويات البلدين وتُسهم في بناء القدرات البشرية.

التعليم العالي: براءة اختراع جديدة في إنتاج بروتينات علاجية باستخدام التكنولوجيا الحيويةالتعليم العالي: 200 ألف طالب سجلوا في تنسيق المرحلة الثانية للقبول بالجامعات

وأشار الدكتور أيمن عاشور إلى الرؤية الشاملة للدولة بأن تكون مصر منصة تعليمية جاذبة، وقبلة للراغبين في الحصول على خدمات تعليمية متميزة في المنطقة العربية والقارة الإفريقية والشرق الأوسط، لافتًا إلى أن منظومة التعليم العالي المصرية تتنوع في تقديم الخدمات التعليمية بلغات مختلفة لجذب أكبر عدد من الطلاب من جنسيات مختلفة، مؤكدًا أهمية الاستفادة من وجود المراكز الجامعية للتأهيل المهني بالجامعات الحكومية وتفعيل دور مراكز التدريب بالجامعات وإنشاء المنصات الرقمية لإدارة الخدمات المهنية وإعداد برامج تدريبية متميزة، بالإضافة إلى طرح العديد من المنح المُقدمة من مختلف الجهات، مشيرًا إلى توقيع بروتوكولات تعاون بين الجامعات والمؤسسات الإنتاجية والصناعية من خلال التحالفات الإقليمية وضمن المبادرة الرئاسية "تحالف وتنمية"، وذلك بما يتماشى مع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي.

ولفت الدكتور أيمن عاشور إلى أنه تم إطلاق النسخة الثانية من مبادرة "كن مستعدًا" التي تُقام تحت شعار "مليون مبتكر مؤهل"، وتهدف إلى تقديم الدعم الكامل للطلاب عبر منظومة شاملة تلبي احتياجاتهم من المهارات والجدارات اللازمة للتأهل لسوق العمل، وذلك في إطار تنفيذ خطة الدولة المصرية للحد من البطالة تنفيذًا لتوجيهات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، وتماشيًا مع الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي، ولتحقيق "رؤية مصر" 2030.

ومن جانبه، أكد محمد جبران أهمية تأهيل الخريجين وتزويدهم بالمهارات والمعارف والجدارات ليكونوا قادرين على المنافسة في سوق العمل المُعاصر والمُستقبلي، وكذلك تقريب المسافات بين الخريجين والشركات المختلفة، وتوفير فرص عمل مناسبة لهم، مثمنًا دور الجامعات في تطوير البرامج الدراسية لتقليل الفجوة بين البرامج الدراسية ومتطلبات سوق العمل.

وأشار وزير العمل إلى أن وزارة العمل لديها شراكات وتعاون مستمر مع المنظمات والمؤسسات الدولية ومن خلالها يجري تنفيذ برامج تعزيز علاقات العمل مع طرفي العملية الإنتاجية، والتدريب المهني من أجل التشغيل، والإستراتيجية الوطنية للتشغيل، ومنصات سوق العمل، ومشاريع لتنمية مهارات الشباب، على المهن التي يحتاجها سوق العمل في الداخل والخارج وتوعية شبابنا بحقوقهم وواجباتهم، مؤكدًا أن الدعم الكبير الذي يتم توجيهه للشباب يأتي تنفيذًا لتوجيهات لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بتنمية مهارات وقدرات الشباب ليكونوا مؤهلين للالتحاق بسوق العمل.

وأوضح السيد/ محمد جبران، أن وزارة العمل تواصل جهودها بتطوير منظومة التدريب المهني على كافة المحاور من خلال مراكز التدريب الثابتة والمتنقلة التابعة لها في كافة المحافظات، وكذلك بالتعاون مع  شركاء العمل والتنمية في الداخل والخارج لتبادل الخبرات، في مجالات التدريب المهني، وتأهيل الشباب على المهن التي يحتاجها سوق العمل خاصة المستقبلية

وخلال الاجتماع، بحث الجانبان سبل تعزيز التعاون والتكامل المشترك بين الوزارتين، بما يعود بالنفع على تعزيز قدرات الطلاب والخريجين وتأهيلهم لتلبية متطلبات سوق العمل.

وحضر الاجتماع من جانب وزارة التعليم العالي، الدكتور حسين عيسى رئيس لجنة قطاع الدراسات التجارية بالمجلس الأعلى للجامعات، والدكتور عصام الكردي المدير التنفيذي لهيئة دعم وتطوير الجامعات، والدكتور أحمد الجيوشي أمين مجلس الجامعات التكنولوجية، والدكتور جودة غانم رئيس قطاع التعليم وأمين المجلس الأعلى لشؤون المعاهد، والدكتور محمد الشرقاوي مساعد الوزير للسياسات والشئون الاقتصادية، والمستشار عاطف عمر المستشار القانوني لوزير التعليم العالي والبحث العلمي، والأستاذ محمد غانم رئيس الإدارة المركزية لشؤون مكتب الوزير، وحضر من جانب وزارة العمل، المستشار إيهاب عبدالعاطي المستشار القانوني لوزير العمل.

طباعة شارك التعليم العالي وزارة التعليم العالي التعليم العالي والبحث العلمي

مقالات مشابهة

  • برلماني: الاستثمار في التعليم هو مستقبل مصر وركيزة النهضة الحقيقية
  • مختصون: فجوة مخرجات التعليم والاعتماد الكبير على الوافدين من أبرز تحديات توظيف المواطنين
  • عمان الأهلية تحوّل دوام الطلبة إلى التعليم عن بُعد بسبب الظروف الجوية
  • جامعة البترا تعلن تحويل دوام الطلبة يومي الثلاثاء والأربعاء إلى التعليم عن بُعد
  • التعليم العالي والعمل يبحثان سبل تعزيز التعاون لتأهيل الشباب لسوق العمل
  • إنشاء المنصات الرقمية لإدارة الخدمات المهنية.. وزيرا التعليم العالي والعمل يبحثان تعزيز التعاون
  • وزيرا التعليم العالي والعمل يبحثان سبل تعزيز التعاون
  • تخصصات وشروط القبول للدبلوم المتوسط بكلية التعليم التقني في عمان الاهلية
  • الإعلام الحكومي بغزة: المساعدات التي دخلت القطاع لا تكفي إلا 3% فقط
  • قبل العام الدراسي الجديد .. خبر عاجل من وزير التعليم بشأن الكتب المدرسية