مصر والصين ترسمان مستقبل الاقتصاد.. شراكة صناعية استراتيجية تقود التنمية وتفتح أسواق التصدير
تاريخ النشر: 27th, June 2025 GMT
في ظل تحولات المشهد الاقتصادي العالمي، تواصل مصر ترسيخ موقعها كلاعب إقليمي فاعل من خلال شراكات استراتيجية مع قوى اقتصادية كبرى، وعلى رأسها الصين. وخلال مشاركتها في المنتدى الاقتصادي العالمي بمدينة تيانجين الصينية، أوضحت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن العلاقات المصرية الصينية تجاوزت حدود التعاون التقليدي، لتتحول إلى نموذج متكامل من الشراكة المبنية على المصالح المشتركة والتنمية المستدامة.
أكدت الوزيرة أن المنطقة الصناعية الصينية في مصر باتت تمثل نموذجًا حيًا لهذا التعاون، حيث تحتضن أكثر من 150 شركة صينية تعمل في مجالات متعددة، وتوفر أكثر من 10 آلاف فرصة عمل للمصريين. وهو ما يعكس ثقة الشركات الصينية في السوق المصري، ويُشير إلى مناخ استثماري جاذب تدعمه الحكومة المصرية بإصلاحات اقتصادية وتشريعية واسعة.
الحزام والطريق.. منصة مرنة للتنميةجاءت تصريحات المشاط خلال مشاركتها في جلسة رفيعة المستوى بعنوان: "أين وصلت مبادرة الحزام والطريق في 2025؟"، ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي تحت شعار: "سياسات اقتصادية مرنة لمواكبة التغييرات العالمية"، بمشاركة أكثر من 90 دولة.
وأوضحت الوزيرة أن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين قبل أكثر من عشر سنوات، تمثل إطارًا تنمويًا مرنًا لا يفرض توجهات أو مشروعات بعينها على الدول، بل يتكامل مع الأولويات الوطنية لكل دولة على حدة. وفي حالة مصر، جاءت المشاريع المنفذة تحت مظلة المبادرة متسقة مع رؤية مصر 2030، خصوصًا في قطاعات النقل والطاقة المتجددة والموانئ.
دعم صيني للتمويل التنمويلفتت الوزيرة إلى الدور المحوري الذي تلعبه وكالة التعاون الدولي الصينية (CIDCA) في دعم أجندة التنمية المصرية، كما أشارت إلى اتفاقيات التعاون بين الجانبين مثل اتفاقية تبادل الديون. كما شددت على أن التمويل التنموي منخفض التكلفة لعب دورًا رئيسيًا في دعم المشاريع الكبرى في مصر، لا سيما في مجالات النقل المستدام والطاقة النظيفة، حيث تم حشد موارد كبيرة من القطاع الخاص.
شراكة مبنية على المصالح المشتركةأبرزت المشاط أهمية العلاقات المصرية الصينية، مشيرة إلى أن الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الصيني إلى القاهرة عام 2014 كانت نقطة تحول مهمة، تبعها توقيع مذكرة تفاهم بشأن مبادرة الحزام والطريق، ما أرسى قواعد شراكة استراتيجية بين البلدين تشمل الاستثمارات المباشرة والتعاون الحكومي في التنمية.
وأكدت أن الصين لا تسعى إلى فرض نموذج واحد للتنمية، بل تتيح للدول حرية تصميم مشروعاتها بما يتماشى مع رؤاها الوطنية، ثم يتم إدماج هذه المشروعات ضمن الإطار الأوسع للمبادرة، وهو ما يمنح الدول النامية فرصة حقيقية للانطلاق دون قيود.
نحو تمويل تنموي أكثر استدامةفي سياق الحديث عن تحديات التمويل، أشارت المشاط إلى انعقاد مؤتمر تمويل التنمية في إشبيلية نهاية يونيو، الذي سيناقش مستقبل التمويل في الدول النامية، خصوصًا تقليل الاعتماد على الديون، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في تمويل مشاريع التنمية. وشددت على أن تكاليف تنفيذ المشاريع الكبرى تظل من أكبر التحديات، ما يتطلب حلولًا تمويلية مبتكرة، مثل آليات "مبادلة الديون بالاستثمار أو التنمية".
رؤية اقتصادية متوازنة ومتكاملة
من جانبه، أوضح الدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، أن الشراكة المصرية الصينية تمثل أحد أبرز تحولات السياسة الاقتصادية المصرية خلال السنوات الأخيرة. وأشار إلى أن هذه العلاقة تأتي في سياق توجه مصر نحو تنويع شركائها الدوليين وتعزيز قدرتها على جذب الاستثمارات المباشرة، خاصة تلك التي ترفع من الكفاءة الصناعية والإنتاجية.
استثمارات مباشرة ونقل للتكنولوجيايرى الشامي أن وجود هذا العدد من الشركات الصينية في مصر يعني تدفقات مالية بمليارات الدولارات، وهو ما يُخفف الضغط على الموازنة العامة للدولة.
كما شدد على أن التواجد الصناعي الصيني يشكل فرصة حقيقية لنقل التكنولوجيا والمعرفة إلى السوق المصري، في مجالات استراتيجية مثل، الإلكترونيات، صناعة السيارات، البتروكيماويات، وهي قطاعات تسعى مصر لتطويرها لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
أوضح الشامي أن التعاون مع الصين يدعم استراتيجية الدولة المصرية لتوطين الصناعة، خاصة من خلال مشروعات إنتاجية مشتركة داخل المناطق الصناعية، بما يعزز من نسبة المكون المحلي في المنتجات ويزيد فرص التصدير للأسواق الإقليمية والدولية.
نحو توازن عالمي وتنمية شاملةاعتبر الشامي أن الشراكة مع الصين تمثل فرصة لمصر لتعيد التوازن في علاقاتها الدولية، خاصة على الصعيد الاقتصادي. فهي تمنح القاهرة بدائل تنموية وتمويلية بعيدًا عن الحلول التقليدية، وتفتح الباب أمام تحول مصر من مجرد سوق استهلاكي إلى مركز صناعي إقليمي قادر على المنافسة.
مشاريع كبرى تعزز البنية التحتيةكما أشار إلى أن الصين شاركت في تنفيذ مشاريع كبرى داخل مصر مثل العاصمة الإدارية الجديدة، برج الأيقونة، شبكة القطارات الكهربائية، وخطوط الطاقة والاتصالات.
وساهم هذا التعاون في تحديث البنية التحتية المصرية ورفع معدلات النمو، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 وأهداف التنمية المستدامة.
العلاقة بين مصر والصين لم تعد مجرد تبادل تجاري أو تعاون استثماري تقليدي، بل تحولت إلى شراكة استراتيجية شاملة تصب في مصلحة التنمية المستدامة للبلدين. في الوقت الذي تسعى فيه القاهرة إلى بناء اقتصاد قوي ومتنوع، تبدو بكين شريكًا مستعدًا لتقاسم الرؤية والمخاطر معًا.
وبينما تتسارع وتيرة التغيرات في الاقتصاد العالمي، يبدو أن مصر والصين تسيران معًا على طريق طويل نحو مستقبل أكثر استقرارًا وتكاملًا ونموًا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مصر الصين القاهرة البنية التحتية الاقتصاد المصري الحزام والطریق أکثر من فی مصر
إقرأ أيضاً:
خبير عسكري: الضربة الأمريكية لإيران تحمل رسائل استراتيجية مزدوجة لروسيا والصين
قال اللواء عادل العمدة، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا، إن التصريحات الأخيرة بشأن زيادة ميزانية حلف الناتو، والتزام الدول الأعضاء بإنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بدلًا من نسبة 3.5% السابقة – تعكس توجهًا استراتيجيًا لمواجهة التحديات الجيوسياسية المتصاعدة.
وأوضح العمدة في مداخلة هاتفية لبرنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، أن موافقة 32 دولة بالحلف على هذا القرار المستهدف تطبيقه بحلول عام 2035، تؤكد على استعداد الناتو لمواجهة ما يعتبره الخطر الروسي المتصاعد، في ظل الدعم الذي تتلقاه أوكرانيا وعودة الروح لمبدأ "الدفاع الجماعي".
وأكد أن هذه الخطوة لا يمكن فصلها عن إعادة تشكيل النظام العالمي، حيث تعود بوضوح ملامح "الكتلة الغربية" بقيادة الناتو والاتحاد الأوروبي، في مواجهة "الكتلة الشرقية" التي بدأت تتبلور منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتشمل روسيا والصين وتحالف "البريكس" كقوة اقتصادية، بالإضافة إلى منظمة شنغهاي كذراع أمني.
وأشار إلى أن هذه الكتلة الشرقية تتكون من دول مثل روسيا، الصين، إيران، والهند، وغيرها، والتي تحاول بناء توازن استراتيجي في مواجهة التفرد الأمريكي بالقرار الدولي، مؤكدًا أن هذا التشكيل الموازي يُمثل محاولة واضحة لكسر هيمنة القطب الواحد.
وأضاف اللواء العمدة أن تصاعد التوترات منذ 7 أكتوبر وحتى الآن، يعكس رغبة الولايات المتحدة في توجيه رسائل مباشرة لكل من روسيا والصين، مفادها أن واشنطن ما زالت "اللاعب الدولي الأول"، وصاحبة القرار، والشرطي الوحيد القادر على فرض نظام عالمي أحادي القطب.
واعتبر أن الضربة الأمريكية الأخيرة لإيران، لا تعكس فقط بعدًا عسكريًا مباشرًا، بل تحمل رسائل استراتيجية مزدوجة لروسيا والصين حول استمرار النفوذ الأمريكي، وتأكيد أن التوازن الدولي ما زال خاضعًا لمنطق القطب الأوحد.
واختتم العمدة بأن اجتماع منظمة شنغهاي الذي تزامن مع قرارات الناتو يعكس بدوره تطورًا في المسارات الأمنية للكتلة الشرقية، حيث شهد دعوة الصين لتعزيز التعاون الأمني بين أعضاء المنظمة العشرة، والتي تشمل: روسيا، الصين، إيران، الهند، كازاخستان، باكستان، بيلاروسيا، طاجيكستان، أوزبكستان، وقيرغيزستان، في مقابل دول حلف الناتو الـ32.