في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، جملة لم يتوقف صداها منذ ذلك الحين: "غزة تتحول إلى مقبرة للأطفال".

ولكن في الاحتلال الإسرائيلي، لم تلق هذه العبارة آذانا صاغية؛ فقد رُفضت من قبل الغالبية الساحقة من المجتمع، واعتُبرت مبالغة إعلامية مرفوضة. 

أما الصحف الإسرائيلية، فقلما أدرجتها في تغطياتها، وفضلت التعامل معها كتصريح دعائي لا يستحق الوقوف عنده.



لكن بحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، فقد أثبت الواقع على الأرض لاحقا أن تحذير غوتيريش لم يكن مجرد توصيف مأساوي، بل إشعارا مبكرا بكارثة إنسانية لم يعرف لها العصر الحديث مثيلا.

17 ألف طفل قُتلوا... وعالم يشيح بوجهه
وأضافت صائب أن عدد الأطفال الذين قُتلوا في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى منتصف حزيران/يونيو 2025 بلغ 17 ألف و121 طفلًا، وفق إحصاءات وزارة الصحة في غزة. وتضيف الكاتبة أن التوزيع العمري لهؤلاء الضحايا يكشف فداحة الكارثة:

937 طفلًا تقل أعمارهم عن عام واحد.

4517 طفلًا تتراوح أعمارهم بين سنة وخمس سنوات.

6325 بين ستة واثني عشر عامًا.

5342 بين 13 و17 عامًا.

وتقول الكاتبة في الصحيفة، فلاح صائب: "هذه الأرقام، لو وردت في أي سياق آخر، لأشعلت ثورة ضمير عالمي، لكنها في غزة تمر كما تمر أخبار الطقس".

منذ متى صارت الطفولة هدفًا عسكريًا؟
وتشير الكاتبة إلى أن التغطية الإعلامية الإسرائيلية تجاهلت هذه الأعداد طيلة 21 شهرًا، وأن الحديث عن الأطفال لم يظهر إلا بشكل جزئي في الأسابيع التي سبقت الحرب مع إيران، بسبب الضغوط المتزايدة من الإعلام العالمي. 

ومع اندلاع الصراع مع طهران، تراجع الحديث عن غزة كليا، سواء في الإعلام المحلي أو الدولي.


وجوه خلف الإحصاءات.. ليسوا أرقامًا
وتؤكد فلاح صائب، قبل أن تسرد بعضا من القصص: "هؤلاء الأطفال ليسوا إحصاءات جامدة، بل قصص من لحم ودم، حلموا، لعبوا، ضحكوا، ثم سقطوا تحت أنقاض منازلهم".

آسر وآيسل أبو القمصان، توأمان لم يتجاوزا الأربعة أيام، استشهدا بينما كان والدهما في طريقه لتسجيل ولادتهما رسميًا.

عوني الدوس (12 عامًا)، الطفل الذي لقبته عائلته بـ"المهندس"، كان يحلم بمليون متابع على يوتيوب، فقُتل في قصف على مبنى سكني.

يوسف أبو موسى (7 سنوات)، استُشهد مع شقيقيه أثناء مشاهدتهم للرسوم المتحركة، بعد أن وفر والدهم الكهرباء باستخدام ألواح شمسية.

هند رجب (6 سنوات)، توسلت للمساعدة ثلاث ساعات ونصف بعد قصف السيارة التي كانت تقل عائلتها، لكن الرصاص سبق الإسعاف.

يقين حمد (11 عامًا)، صاحبة الصوت المؤثر على وسائل التواصل، التي وثقت الحصار بأمل لا يلين، رحلت بقصف في دير البلح.

ماريا أبو خطاب (9 سنوات)، لحقت بوالدتها وشقيقها الذين استشهدوا في عدوان 2021، بعد قصف السيارة التي كانت تقلها مع والدها.

إخوة عائلة مقداد الأربعة: إسلام، عماد، يزن، وعبد الرحمن، قُتلوا مع جدهم في خان يونس في يوم عيد الفطر، دون تحذير مسبق.

مازن وأحمد أبو عاصي، شقيقان لقيا حتفهما بانفجار قرب مستشفى الأهلي. 

وسام ونعيم أبو عنزة (5 أشهر)، توأمان انتظرت أمهما 12 عامًا لتنجبهم، فقط ليخطفهم القصف مع والدهم و11 فردًا من العائلة.

كما تنقل فلاح صائب شهادات من الجد خالد النبهان الذي قتل لاحقا، والذي فقد حفيديه طارق وريم (5 و3 سنوات) في قصف على النصيرات: "طلبوا مني أن ألعب معهم، فرفضت. أرادوا فاكهة، ولم أستطع أن أشتريها لهم. ماتوا، ولم أودعهم حتى".

أطفال الكنيسة... لا ملجأ آمنًا
ومن القصص الصادمة أيضًا ما وقع في مجمع كنيسة القديس برفيري، أقدم كنيسة عاملة في غزة، التي تحولت إلى ملجأ لمئات النازحين. 

قُتل هناك ماجد وجوري وسهيل عاصوري في قصف استهدف مبنى داخل حرم الكنيسة، ما أسفر عن مقتل 18 مدنيًا، وسط نفي إسرائيلي بأن الكنيسة كانت هدفًا مباشرًا.

تختم الكاتبة تقريرها بالتساؤل: "ما الذي تبقى من الطفولة حين يصبح اللعب خطرًا، والحليب رفاهية، والبيت فخا للموت؟".

وتقول: "إنه لأمر يدعو للرعب أن تُمحى طفولة بأكملها، وأن يُخزن العالم صورهم في ذاكرة مؤقتة، بدل أن يحفظهم كصرخة دائمة للعدالة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية غزة الأطفال فلسطين غزة أطفال أحلام هند رجب صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.

1 وقف الرحلات الجوية المباشرة بين السودان والإمارات ليس لا انسانى فقط بل هو قرار سياسي، اقتصادي، بل عسكري بامتياز، يتعلق بمجريات الحرب ووقائعها وأساليب خوضها عبر أوجه متعددة. كيف؟ ،
تعلم الإمارات أن الأطنان التي تتدفق على أسواق الذهب بدبي من السودان إنما تسلك في أغلبها طريقاً واحداً ظل سالكاً لعشرات السنوات دون أن يتأثر بأي تغييرات سياسية، وذلك الطريق كان عبر الجو… إذ يُصدَّر الذهب بيسر وترجع عوائده بالسرعة اللازمة ليلعب دوره في الاقتصاد. وهاتان الميزتان جعلتا السودان يقرر استمرار تصدير الذهب للإمارات رغم عدوانها. ولكنها ، مع إخفاقها في كسب الحرب في الميدان العسكري، احتاجت لنقل الحرب إلى المجال الاقتصادي، متجاوزةً قواعد الاشتباك الاقتصادي، وهي بالطبع غيرها من قواعد الاشتباك العسكرية.وهذه هى البداية قد تطور الإمارات حربها لتصبح حربا تجارية واقتصادية شاملة تصل إلى النقل البحرى أو مجالات البنوك والتمويل المصرفى او اى تعاملات اخرى.
الغريب أن دولة الإمارات إلى عهد قريب كانت لا تخلط بين التجارة والسياسة على مستوى اقتصادها الداخلي، ورغم الضغوط والاتهامات بأن دبي مركز لغسيل الأموال وأن الذهب الذي يرد إليها من المليشيات في إفريقيا هو ذهب معجون بالدم، فإنها ظلت ترفض تسييس التجارة، ولكن في حالة السودان استخدمت السلاح الاقتصادي والتجاري لأول مرة منذ بداية الحرب!!.
2
وقف الرحلات الجوية يربك تجارة الذهب سريعاً لكنه لا يوقفها،كما من شأنه أن يضعف منافسة الذهب السوداني في سوق دبي، لأن أرباح التجار عادة لا تتجاوز 1% أو 2% من سعر البورصة العالمية.انقطاع مسار الشنط اليدوية (Hand-Carry) الذي كان ينقل جزءاً كبيراً من الذهب مع المسافرين على رحلات تجارية إلى دبي، يوقف هذا المسار فوراً، ويرفع كلفة النقل ويطيل زمن التسليم. ومن ناحية أخرى، سيضغط على السيولة والأسعار المحلية لقلة المشترين الفوريين (الكاش)، وتباطؤ الشحن يوسّع فرق السعر بين بورتسودان وسعر دبي، فيُباع “الذهب السوداني” بسعر أقل مقارنة بالسعر العالمي بسبب صعوبة التصدير، فيهبط سعر الشراء من المنقّبين ويسبب خسائر كبيرة لهم.
3
كل ذلك يعني أن تجارة الذهب الآن تتعرض لمخاطر ودخلت ساحة الحرب وأصبحت إحدى أدواتها . تهدف الإمارات بهذه الخطوة إلى الإضرار بالاقتصاد السوداني، وبالتالي قدرة الدولة على الاستفادة من مواردها في الدفاع عن البلاد. تعلم أبوظبي أن السودان يعتمد الآن على الذهب في ميزانيته بشكل كبير ، بعض الخبراء الاقتصاديين رجحوا أن الاعتماد الفعلي على الذهب بعد الحرب قد يتجاوز 65–75% من الإيرادات القابلة للتسييل السريع في السوق الدولية.
إجمالي الذهب رسمي وغير رسمي في تقديرات الفايننشيال تايمز تشير إلى أنه قد يبلغ 80 طنًا بقيمة تفوق 6 مليارات دولار، مع تهريب أكثر من نصف الكمية.في عام 2024، أفاد بنك السودان ان الصادرات الرسمية من مناطق سيطرة الجيش أن نحو 97% من الذهب المُصدَّر رسمياً اتجه إلى الإمارات، بإيراد حوالي 1.8 مليار دولار.
4
توقف صادرات الذهب فجأة إلى السوق الرئيسي التي كانت الدولة السودانية تتعامل معه يسبب إرباكاً ونقصاً كبيراً في واردات النقد الأجنبي للدولة،وبالتالي سيؤثر على سعر الصرف المتدهور أصلاً، وكذلك على قدرة الدولة بالايفاء بالتزاماتها الخارجية،وخاصة المشتريات العسكرية التي تتطلب عملات صعبة و تدفقات مستمرة حتى تتمكن القوات المسلحة التي تحارب على الأرض استكمال تجهيزاتها والتعويض المستمر لخسائرها واحتياجاتها. ولذا، فإن هذا القرار يستهدف ضرب المقدرات العسكرية للجيش السوداني، وخاصة أنه جاء بعد عملية نيالا التي أجهزت على 40 مرتزقاً كولومبياً كانوا على متن طائرة إماراتية، مما حدا بالمراقبين إلى الإشارة إلى أن الضربة كانت قوية ومؤثرة لدرجة جعلت الإمارات تتخلى عن سياستها المعهودة بعدم الربط بين التجارة والسياسة والحروب.
الإمارات تستورد بين 47٪ و95٪ من الذهب الأفريقي — وهذا يشمل الذهب الرسمي والمهرب من السودان، جنوب السودان، الكونغو، وجمهورية أفريقيا الوسطى.، والسودان يورد 97% من ذهبه للإمارات ولكن قيمته ليست كبيرة
( 6 مليارات اذا حسبنا الذهب المهرب)، تجارة أبوظبي تبلغ ما بين 50 إلى 130 مليار دولار كقيمة موثوقية لحجم تجارة الذهب في الإمارات. عليه فان أبوظبي قد لا تتأثر كثيراً، ولذا تستخدم تجارة الذهب أداة اقتصادية / عسكرية لإضعاف الجيش السوداني من خلال إضعاف عوائده وبالتالي مقدرته على إدارة اقتصاد حرب موفور الموارد.
5
إذن، ما العمل وما هي الخيارات البديلة…؟ هناك مسارات وأسواق أخرى تصدير الذهب السوداني إليها وعبرها، ولكنها معقدة وبها إشكالات لابد من إيجاد أفكار وسبل حلها. المشكلة الرئيسية التي تواجه كل المسارات انها تزيد التكلفة بنحو 3/5%، وزمن التسليم 5–10 أيام، للشحنات المتجهة للإمارات عبر مطارات وسيطة أو البحر.
مثلاً، يمكن تصدير الذهب عن طريق مصر، وهي الآن تستقبل الذهب المهرَّب بكل أريحية، ولكن هناك مخاطر وتعقيدات مالية وبيروقراطية اشتهرت بها الدولة المصرية، والأهم أن ذلك يرفع تكلفة التصدير ويمكن أن يعرض التجار لخسائر ومخاطر شتى. كذلك يمكن التصدير عبر إريتريا، ولكن ذلك أيضاً يرفع التكلفة، و الزيادة في التكاليف تجعل سعر الذهب السوداني أعلى من أسعار البورصة العالمية.
6
يمكن لكبار التجار أن يصدروا ذهبهم بطرود عبر طائرات خاصة بتكلفة عالية وتتطلب ترتيباً قانونياً أدق وامتثالاً أعلى في الإمارات، وخاصة أن الذهب القادم عبر أطراف ثالثة غالباً ما يواجه تدقيق “اعرف عميلك/مصدر الذهب” في مصافي وتجار الإمارات، ما قد يعطل التصفية والدفع.
7
هناك أيضاً خيار تصدير الذهب إلى استطنبول، لكن تركيا بها تعقيدات إدارية ومالية، ولفترة رفضت استقبال الذهب السوداني بسبب سياسات البنك المركزي التركي. وهناك أيضاً فرصة لتصدير الذهب إلى قطر، ولكن السوق القطري من ناحية لا توجد به مصافٍ كبيرة للذهب، وإلى الآن هناك مصفاة واحدة فقط بطاقة إنتاجية محدودة، ولا تبدو السياسات الاقتصادية القطرية منفتحة على الدخول إلى سوق تجارة الذهب بشكل كبير، لأن تلك التجارة بها مخاطر وارتبطت بصراعات سياسية في إفريقيا وغيرها، ولا تود الدوحة أن تخلط سياستها الخارجية الداعية للسلام والتفاوض بدم الحروب وذهبها.
8
يمكن التصدير عبر الشحن البحري من بورتسودان إلى الخليج/آسيا، لكن هذا المسار أبطأ ويستلزم توثيقاً وشركات لوجستية موثوقة، ولا يخلو من مخاطر، وقد تصدر الإمارات أيضاً قراراً بوقف البواخر القادمة من السودان.
هناك مسار آخر وسوقه أكثر انفتاحاً، وقد بدأ بالفعل قبل أن تبدأ حرب الذهب هذه، وهو مسار مسقط.
عُمان دولة نامية ومنفتحة على تجارة الذهب وبها سوق متطور. وفق بيانات حتى نوفمبر 2024، بلغ إجمالي واردات الذهب في عُمان حوالي 372 مليون ريال عُماني (نحو 966 مليون دولار أمريكي). وهو مبلغ هامشي لا يعتد به في تجارة الذهب ولكنها البدايات.السودان في المرتبة الثالثة ضمن المصدرين للذهب إلى عُمان، بقيمة تقارب 6.4 مليون ريال عماني.
هذه التجربة المحدودة في تصدير الذهب إلى عُمان،كانت ناجحة رغم الصعوبات التي اكتنفتها في بدايتها، وخاصة من جهة سرعة التحويلات البنكية والإجراءات. ولكن عموماً سوق عُمان كبير وآمن ومنفتح على تجارة الذهب، وكانت هناك محاولة سودانية قبل عام لفتح مصرف في محافظة ظفار لم تنجح، ينبغي إحياء الفكرة والاسراع في تطبيقها. مسقط يمكن، وبسرعة، أن تكون سوقاً بديلاً لدبي.
9
في الأثناء، لابد من بحث جاد عن بدائل سريعة بحل الاشكالات التي تواجه تجارة الذهب في أربعة دول صديقة وهى مصر، تركيا قطر، عُمان وإلا ترتب على التلكؤ آثار اقتصادية وسياسية وعسكرية تعمق الأزمة وتقود إلى تداعيات خطيرة. ولنتذكر دائماً أن 75% من مواردنا الحالية من الذهب.

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • هآرتس: ترامب لن ينقذ الفلسطينيين ولا الأسرى ولا إسرائيل من نفسها
  • محافظ الطائف يشهد انطلاق المرحلة الثالثة من برنامج "حكايا الشباب"
  • ماذا وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي “لا ترضي أحدا”؟
  • مقال في هآرتس: إسرائيل تخطط لاحتلال غزة لكنها لا تريد تحمّل مسؤولية قرارها
  • ما وراء خطة نتنياهو بشأن احتلال غزة التي لا ترضي أحدًا؟
  • الطائف تشهد اليوم المرحلة الثالثة من برنامج "حكايا الشباب" لمدة يومين
  • قواعد اشتباك جديدة : الإمارات تنقل الحرب إلى ميدان الاقتصاد.
  • الطائف تشهد المرحلة الثالثة من برنامج “حكايا الشباب” بمشاركة عددٍ من الأكاديميين والرياضيين
  • من مجدلزون... فيديو لسيارات الإسعاف التي تقلّ شهداء الجيش
  • تحليل لـCNN.. ما وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي لا ترضي أحدًا