لا يزال اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتشكيل قوة دولية لتحقيق الاستقرار، بهدف تقديم الدعم العسكري للوجود الشرطي الفلسطيني في قطاع غزة، متعثراً، وينتظر هذا المشروع إنشاء مجلس السلام للإشراف على القطاع، بالإضافة إلى صياغة ولاية القوة، وباستثناء تركيا، لم تُبدِ الحكومات الأجنبية حماساً يُذكر لنشر قوات لحماية "غزة الجديدة".



وجاء مقال للكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل، ونشرته صحيفة "هآرتس" أن "محلل إماراتي اقترح حلاً مبتكراً لمشكلة إنشاء القوة. وعندما سألته صحيفة هآرتس عما إذا كان يرى أي فرصة لإرسال الإمارات العربية المتحدة جنوداً إلى غزة، أجاب: جنودنا، لا. لكن من الممكن إرسال مرتزقة كولومبيين".

كولومبيون؟ أجاب: "نعم، لقد عملوا لدينا قبل 15 عامًا كحراس في منشآتنا النفطية ومواقع حيوية أخرى، وشاركوا معنا في حرب اليمن. وبالتأكيد سيوافقون على الذهاب إلى غزة مقابل أجر مناسب".

وذكر التقرير الإسرائيلي أن "هذا المحلل، الذي يعمل في وسيلة إعلامية إماراتية مهمة، "نسي" بطريقة ما أن يذكر أن المرتزقة الكولومبيين يقاتلون أيضاً في السودان الآن كعملاء لأبو ظبي، وهم مسؤولون عن بعض المجازر المروعة التي تحدث في ذلك البلد منذ أكثر من عامين".

وأوضح أن "الإمارات تنفي بشدة أي تورط عسكري في الحرب الأهلية السودانية، سواء بشكل مباشر أو عبر المرتزقة، لكن الأدلة تشير إلى خلاف ذلك، وتشير التقارير الاستقصائية التي أعدها صحفيون أجروا مقابلات مع مرتزقة كولومبيين إلى أن هؤلاء المتعاقدين، الذين تتراوح رواتبهم بين 2600 دولار و6000 دولار شهرياً، يذهبون أولاً إلى قاعدة تدريب إماراتية في الصومال، ومن هناك يتم إرسالهم إلى الجبهة في السودان".


وأضافت التقارير أن شركات أمنية مقرها الإمارات العربية المتحدة تقوم بتوظيفهم، وهي التي تتولى أيضاً دفع رواتبهم. إلا أن التمويل في نهاية المطاف يأتي من الحكومة الإماراتية.

بحسب تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" في وقت سابق من هذا العام، فإن هؤلاء المرتزقة لا يشاركون في المعارك فحسب، بل يقومون أيضاً بتجنيد وتدريب مقاتلين آخرين، بمن فيهم آلاف الأطفال والمراهقين.

قال أحد المرتزقة للصحيفة إن "معسكرات التدريب في السودان تضم آلاف المجندين، بعضهم بالغون، لكن أغلبهم أطفال. وأضاف: "هؤلاء أطفال لم يسبق لهم حمل سلاح. علمناهم كيفية استخدام البنادق الهجومية والرشاشات وقذائف آر بي جي. بعد ذلك، أرسلناهم إلى الجبهة. كنا ندربهم على الذهاب والموت". هل يرغب أحد حقاً في حدوث ذلك في غزة؟".

التنافس على السلام
وأضاف التقرير الإسرائيلي أن "السودان واليمن أكثر دولتين تضرراً من الكوارث الإنسانية خلال العقد الماضي. ففي اليمن، أودت الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2015 بحياة أكثر من 150 ألف شخص، بينما تشير التقديرات إلى أن عدداً مماثلاً من القتلى في السودان قد سقط خلال العامين الماضيين فقط".

وأوضحت "في كلا البلدين، لا تزال السعودية والإمارات، المواليتان للغرب، نشطتين وتستثمران مليارات الدولارات في التكنولوجيا المتقدمة مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة. ويُعدّ زعيماهما، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، صديقين شخصيين وشريكين تجاريين لترامب".

وذكر "كان كلا البلدين شريكين في التحالف العسكري الذي تم تشكيله عام 2015 لمحاربة الحوثيين في اليمن، وكلاهما عضوان في التحالف العربي والإسلامي والغربي الذي يسعى للمشاركة في مستقبل غزة".

وقال "لكن على الجبهتين الداميتين في كل من اليمن والسودان، أعاق التنافس السياسي والدبلوماسي بين السعودية والإمارات الجهود المبذولة لإنهاء العنف والسعي إلى حلول تُمكّن البلدين من بدء إعادة الإعمار. كما حال دون تمكّن الدولتين من شنّ حملة مشتركة فعّالة ضد الحوثيين".

في عام 2019، انسحبت أبو ظبي من التحالف العسكري العربي في اليمن، الذي كان ضعيفاً إلى حد ما، وسحبت قواتها من البلاد. ومع ذلك، لم يزد وجودها هناك إلا قوة.

نظرياً، تُدار اليمن من قبل مجلس قيادة رئاسي برئاسة رشاد العليمي، ويشرف هذا المجلس على حكومة تحظى باعتراف دولي. تسيطر الحكومة على نحو 65 بالمئة من البلاد، لكن هذه المساحة لا تضم سوى 30 بالمئة من السكان، أي ما مجموعه 40 مليون نسمة؛ أما الباقي فيخضع لسيطرة الحوثيين.

وذكر التقرير "نظرياً، يمتلك اليمن جيشاً ومؤسسات دولة، بل وميزانية، تُموّل جزئياً من السعودية وجزئياً من حقول النفط التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها. أما عملياً، فالحكومة مشلولة، ويقضي أعضاؤها معظم أوقاتهم في الخارج".

وأضاف "يتألف الجيش من وحدات قبلية غالباً ما تتقاتل فيما بينها. كما أنه يتلقى تمويلاً ضئيلاً وأسلحة رديئة، ويُقدّر عدد جنوده بما بين 40 ألفاً و100 ألف جندي فقط، مقارنةً بالحوثيين الذين يملكون أكثر من 350 ألف جندي".

وأوضح "حتى في المناطق التي يُفترض أنها تسيطر عليها، لا تتمتع الحكومة بسيادة مطلقة. فقد شُكّل المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو هيئة سياسية وعسكرية بقيادة عيدروس الزبيدي، عام 2017. وبعد ثلاث سنوات، سيطر على مدينة عدن الساحلية الهامة ومعظم المحافظات الجنوبية للبلاد، وهدفه السياسي هو إعادة تأسيس جنوب اليمن (المعروف أيضاً باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)".

واعتبر يُسيطر الزبيدي على ميليشيا تضم نحو 50 ألف جندي يتلقون تمويلاً ومساعدات أخرى من الإمارات. والمثير للسخرية حقاً أن هذا الرجل، الذي يسعى إلى تفكيك الدولة، يشغل أيضاً منصب نائب العليمي في المجلس القيادي الرئاسي".


في الأسبوع الماضي، احتلت قوات الزبيدي محافظتي حضرموت والمهرة في شرق اليمن وسيطرت على حقول النفط فيهما. وبذلك وسّع بشكل كبير القاعدة الجغرافية والاقتصادية لتحقيق حلمه بإقامة دولة مستقلة.

وتتمركز قوات سعودية في المهرة، المتاخمة لسلطنة عمان، لكن مهمتها تقتصر على حماية المنشآت النفطية وخط أنابيب النفط الذي يربط اليمن بسلطنة عمان. وهي بالتأكيد ليست هناك لمحاربة قوات الزبيدي.

وقال التقرير إن "هذا ليس مجرد صراع سياسي داخلي يقتصر على اليمن فحسب، بل إن التنافس بين الحكومة المعترف بها والمجلس الانتقالي الجنوبي يُؤجج الصراع بين الرياض وأبوظبي. ذلك لأن السعودية لا تزال تسعى إلى تعزيز وحدة اليمن بحيث يكون الحوثيون جزءًا من الحكومة، ما يُنهي التهديد الذي يُشكله الحوثيون على كل من السعودية وحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، بينما تتبنى الإمارات رؤية استراتيجية مختلفة".

من وجهة نظر الإمارات، فإن تقسيم اليمن إلى دولتين أو حتى ثلاث دول - جنوب اليمن، ووسط اليمن، والمنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون - سيمنحها موطئ قدم، بل وسيطرة على حقول النفط والموانئ الاستراتيجية، وعلى رأسها عدن.

وهكذا، بالنسبة للإماراتيين، يُعدّ استيلاء الزبيدي على حضرموت والمهرة مكملاً لاستيلائه السابق على أرخبيل سقطرى. وقد أقامت الإمارات قواعد عسكرية على هذه الجزر، وتشير تقارير أجنبية إلى أنها تضم أيضاً قاعدة أو أكثر من القواعد الإسرائيلية.

أما فيما يتعلق بالحرب ضد الحوثيين، فيبدو أنه منذ أن جددت أبوظبي علاقاتها مع إيران عام 2022، أسقطت الحوثيين من أولوياتها. وبدلاً من ذلك، تركت مهمة التعامل معهم للسعودية، متمنية للرياض التوفيق.

أزمة إنسانية مدعومة من الإمارات
وقال التقرير الإسرائيلي إنه "كما هو الحال في اليمن، كذلك في السودان، الذي صنفته الأمم المتحدة كأشد كارثة إنسانية في العالم، تُدير السعودية والإمارات صراعاتهما الإقليمية على النفوذ من خلال النزاعات المحلية. ويأتي هذا على حساب مئات الآلاف من الأرواح وملايين آخرين نزحوا من ديارهم".

وأوضح "اندلعت الحرب الأهلية في أبريل 2023 وسط صراع على السلطة بين قائد الجيش والرئيس الفعلي، عبد الفتاح البرهان، ونائبه، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي". ومنذ ذلك الحين تطورت إلى صراع إقليمي ودولي للسيطرة على أحد أهم مفترق الطرق الاستراتيجية في المنطقة".

وذكر "يظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يستضيف مأدبة عشاء لولي العهد السعودي ورئيس الوزراء محمد بن سلمان في البيت الأبيض الشهر الماضي. ويظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يستضيف مأدبة عشاء لولي العهد السعودي ورئيس الوزراء محمد بن سلمان في البيت الأبيض الشهر الماضي".

وأكد أنه "في هذا التنافس، اختارت أبوظبي الانحياز إلى جانب حميدتي، قائد ميليشيا الجنجويد الإجرامية المسؤولة عن الإبادة الجماعية في دارفور مطلع الألفية الثانية. وقد أسس لاحقاً قوات الدعم السريع، التي سيطر من خلالها على مناجم الذهب المتمركزة في دارفور وعلى طرق التهريب خارج البلاد. هرب حميدتي معظم الذهب عبر الإمارات، ولكن هذا ليس السبب الوحيد للعلاقات الوثيقة بينه وبين أبوظبي".

وأضاف "يُنظر إلى السودان على أنه سلة غذاء دول الخليج عموماً، والإمارات العربية المتحدة خصوصاً. فقد اشترت الأخيرة أكثر من 1.5 مليون دونم من الأراضي الزراعية في السودان، واستثمرت في المزارع ومصانع الأغذية. علاوة على ذلك، يُعد السودان، الذي يسيطر على نحو 700 كيلومتر (حوالي 434 ميلاً) من الساحل على طول البحر الأحمر، رصيداً استراتيجياً محتملاً لأي قوة إقليمية وعالمية".


وأكد أنه "السيطرة على سواحل السودان جزء لا يتجزأ من النهج الاستراتيجي للرياض وأبو ظبي، تمامًا مثل سواحل اليمن وموانئها، التي تشكل معاقل سيطرة مغرية. وعندما انتشر خبر استعداد السودان لتوقيع اتفاقية غير مسبوقة تمنح البحرية الروسية حق الوصول إلى ميناء بورتسودان مطلع هذا الأسبوع، دقّت الولايات المتحدة ناقوس الخطر. ويبدو، في الوقت الراهن، أن ضغوط إدارة ترامب والسعودية قد أقنعت البرهان بوقف هذه الخطوة. إلا أن هذا القلق الذي أثارته الاتفاقية يُبرز الحساسية البالغة، والمخاطر الإقليمية والدولية التي تُشكلها الحرب في السودان، والتي لم تُفلح كارثتها الإنسانية حتى الآن في توليد ضغط دولي كافٍ لإنهاءها".

وقال "لا تزال الجهود الدبلوماسية في اليمن والسودان بعيدة كل البعد عن تحقيق أي إنجازات حقيقية. صحيح أن السعودية والحوثيين وقعوا اتفاقية وقف إطلاق النار عام 2022 والتي لا تزال سارية، إلا أنه للتوصل إلى اتفاق يضمن تشكيل حكومة موحدة في اليمن وتحقيق المصالحة بين الخصمين في السودان، سيتعين على السعودية والإمارات التوصل إلى تفاهم أولاً".

وختم بالقول إن "الافتراض هو أن الضغط الأمريكي قد يصنع المعجزة، لكن هذا يعني أن ترامب سيضطر إلى خوض مسار تصادم مزدوج مع حليفين مقربين تعهدا باستثمار تريليونات الدولارات في الولايات المتحدة، وإن الحذر المهذب الذي أشار به ترامب حتى الآن إلى الشراكة بين أبو ظبي وحميدتي، وتعليق وزارة الخارجية "عدم الرد" على سيطرة قوات الزبيدي (الإمارات) على المحافظات الشرقية لليمن، يشير إلى أن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ موقف محايد لا يثير غضب أي من حلفائها".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة دولية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية غزة الإسرائيلي الإمارات السودان إسرائيل السودان غزة الإمارات كولومبيا صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السعودیة والإمارات الولایات المتحدة فی السودان فی الیمن لا تزال أکثر من محمد بن الذی ی إلى أن التی ت

إقرأ أيضاً:

تلغراف: هل يتحرك الغرب ضد الإمارات بعد مجزرة الفاشر؟

نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" تقريرًا أعده أدريان بلومفيلد، قال فيه إن الأشقاء المؤثرين في حكم الإمارات يواجهون معوقات في جلب التكنولوجيا المتقدمة من الغرب بسبب المذبحة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع السودانية بمدينة الفاشر الشهر الماضي.

وقالت الصحيفة إن الأشقاء المؤثرين في حكم الإمارات لديهم مليارات الدولارات في ثروة العائلة ويسيطرون على صندوق سيادي بتريليون دولار، وهو ما يجعلهم من أثرى الأخوة في العالم، وساهموا معا في تحويل دولة الإمارات العربية المتحدة من اتحاد قبلي هامشي قبل استقلالها عن بريطانيا عام 1971 إلى دولة نفطية قوية وحليف غربي مهم.


وبرزت الإمارات، خلال العقدين الماضيين كمركز استراتيجي للاستثمار والتمويل والطاقة، وشريك رئيسي في استراتيجية واشنطن الأمنية الإقليمية. وقد تصدت لإيران، ودعمت التطبيع مع إسرائيل، وتستضيف عددا من السفن الحربية الأمريكية يفوق أي ميناء خارج الولايات المتحدة.

ومع ذلك، تتعرض العلاقة الحيوية لكل من بريطانيا والولايات المتحدة مع الإمارات لضغوط بعد مزاعم متكررة، نفتها أبوظبي بشدة، بأنها تزيد من فتيل الحرب الأهلية في السودان عبر دعمها فصيلا متهما بارتكاب فظائع واسعة. وعليه، فقد كشفت الحرب في السودان عن توتر في صميم السياسة الخارجية الإماراتية: فالدولة التي تفخر بالاستقرار والتحديث تتهم بترسيخ الفوضى في الخارج.

وقال دبلوماسيون إن الجدل يهدد بتعقيد العلاقات مع الغرب في الوقت الذي يوسع فيه الإخوة الثلاثة من آل نهيان، الأقوى نفوذًا، إمبراطورية تجارية طموحة في جميع أنحاء أفريقيا في سعيهم لبسط النفوذ الإماراتي خارج الشرق الأوسط، وينظر إلى الإخوة على أنهم لا غنى عنهم للمصالح السياسية والاقتصادية الغربية، وهم يتحركون بسهولة في أروقة القوة الأمريكية.

ويعد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حاكم أبو ظبي الذي تدرب في ساند هيرست ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، من بين أكثر الأصوات الأجنبية نفوذًا في واشنطن. فهو مقرب من دونالد ترامب، الذي وصفه بأنه "رجل رائع"، ويتنقل بين زيارات البيت الأبيض ورحلاته السرية إلى عالم ديزني مع أحفاده.

كما ويعمل شقيقه رئيس جهاز المخابرات، الشيخ طحنون، مع مارك زوكربيرغ، ويختلط بنخبة وادي السيليكون، وقد بِنَى لنفسه مكانة في ثورة الذكاء الاصطناعي العالمية، أما شقيقهما الأصغر، الشيخ منصور، وهو فارس ماهر، فيمتلك يختا بحجم مدمرة بحرية، ويشرف على إمبراطورية رياضية مترامية الأطراف، يقع  نادي مانشستر سيتي في قلبها، واستطاع الأخوة الثلاث بفضل فطتنهم وتآلفهم تعزيز قيمة الإمارات لدى الغرب وتوسيع النفوذ العالمي لدولة كانت، في الذاكرة الحية، تعتمد بشكل أساسي على رعي الإبل وصيد اللؤلؤ.

لكن الكارثة في السودان، التي تحولت إلى أكبر أزمة إنسانية في العالم، أثارت قلقا واسعًا، رغم أن قلة من المسؤولين الغربيين مستعدون لمواجهة أبوظبي علنا، ومع ظهور تفاصيل جديدة عن المجزرة التي وقعت في مدينة الفاشر السودانية الشهر الماضي، كانت وزيرة الخارجية البريطانية، إيفيت كوبر في البحرين تدعو إلى لقاء في حوار المنامة التابع للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو القمة الأمنية السنوية الرئيسية في الشرق الأوسط، للرد على الوضع "المروع حقا" في السودان. وقالت: "كما توحدنا لدعم مبادرة الرئيس ترامب للسلام في غزة، نحتاج إلى جهد دولي جديد لإنهاء الحرب في السودان". ومع ذلك، تجنبت هي ونظراؤها الغربيون والعرب إلى حد كبير التطرق مباشرةً إلى الدور المزعوم للإمارات في الصراع.

وألحقت الحرب الأهلية في السودان التي اندلعت في نيسان/أبريل دمارًا لا مثيل له لم ير في أي مكان آخر. وتشير التقديرات الأمريكية إلى مقتل أكثر من 400,000 شخصا، ونزوح ملايين آخرين إلى مخيمات تنتشر فيها المجاعات، وقد انخرطت عدة دول في دعم الأطراف المتنازعة، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة، التي تنفي تزويد قوات الدعم السريع بالسلاح.

وقد اشتدت حدة التدقيق بدورها في أواخر تشرين الأول/أكتوبر عندما استولت قوات الدعم السريع على الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، بعد حصار قاسٍ دام 18 شهرا. ووصف الناجون مقاتلين دخلوا "كجيش من العصور الوسطى"، واغتصبوا ونهبوا ورموا الجثث في الشوارع. يقول مسؤولون غربيون إن الإمارات العربية المتحدة زودت قوات الدعم السريع بطائرات مسيرة ومدافع هاوتزر وقذائف هاون، وكثفت عمليات التسليم بعد إجبار المليشيا على مغادرة الخرطوم، عاصمة السودان، في آذار/مارس.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول إماراتي قوله: "نرفض رفضا قاطعا أي مزاعم بتقديم أي شكل من أشكال الدعم لأي من الطرفين المتحاربين منذ بداية الحرب الأهلية، وندين الفظائع التي ارتكبها الطرفان"، وتعلق الصحيفة أنه سواء لعبت الإمارات العربية المتحدة دورا في حرب السودان أم لا، فإنها تشغل مكانة محورية في حملة استثنائية تهدف إلى فرض قوتها وتأمين نفوذها في مختلف أنحاء أفريقيا.

ولفتت الصحيفة الانتباه إلى نشاطات الإمارات في أفريقيا حيث تستحوذ الشركات الإماراتية على الأراضي الزراعية والمناجم والموانئ من المغرب إلى مدغشقر، ويشبه النقاد هذا التوسع بمشروع استعماري، بينما يرى المؤيدون أن الإمارات تضخ رؤوس أموال وتبني بنية تحتية وتساهم في تقليص الهيمنة المالية الصينية، وتتمحور هذه الاستراتيجية حول شركة أثار صعودها دهشة المحللين.

فقبل أقل من عقد كانت الشركة الدولية القابضة (أي أتش سي) شركة صغيرة تهتم بمزارع السمك ولديها 40 موظفًا، أما اليوم فهي ثاني أكبر شركة في الشرق الأوسط وتقدر قيمتها بحوالي 182 مليار دولارًا، ويعمل فيها 86,000 موظفًا ولديها 1,300 شركة تابعة وحصة في كل شيء بدءًا من مجموعة أداني الهندية ووصولًا إلى سبيس إكس التابعة لإيلون ماسك. حتى أنها تتطلع إلى فندقي آيفي وأنابيل في لندن سعيا منها لترسيخ مكانتها في قطاع الضيافة البريطاني.

إلا أن تأثيرها الأعظم  واضح في أفريقيا، حيث استحوذت على أصول استراتيجية من مناجم النحاس والقصدير في زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في السودان ومصر، وتسارع توسع الشركة بعد تولي الشيخ طحنون مجلس إداراتها في عام 2020. ويرى ناشطون ودبلوماسيون إن الشركة تعمي الحدود بين سلطة الدولة وعمل الشركات، ويشبهها مسؤول غربي بـ "شركة الهند الشرقية"، وهي شركة تجارية متواضعة نمت لتصبح قوة شبه إمبريالية، وهو اتهام تنفيه الشركة.

وقال متحدث باسم الشركة: "الشركة  الدولية القابضة شركة مدرجة في البورصة تعمل وفقا لمعايير الحوكمة والامتثال والكشف التي وضعها سوق أبوظبي للأوراق المالية والهيئات التنظيمية المعنية"، وبالنظر لحجم الأراضي الزراعية التي استحوذت عليها شركات إماراتية مثل الشركة الدولية القابضة والتي يتم تصدير جزء كبير من إنتاجها إلى الإمارات العربية المتحدة، يرى بعض النقاد الأفارقة أن هذا التوجه يمثل شكلا جديدًا من أشكال الهيمنة الخارجية.

وتأتي أشد الإنتقادات من السودان حيث تشير تقارير إلى أن الشركة الدولية القابضة، هي أكبر شركة أجنبية عاملة في القطاع الزراعي. وتسيطر بشكل مشترك على أراض زراعية تعادل مساحتها مساحة مقاطعة كامبريدج شاير تقريبا. وكان من المفترض شحن المنتجات إلى الإمارات العربية المتحدة عبر ميناء بنته الإمارات بموجب صفقة بلغت قيمتها 5 مليارات جنيها إسترلينيا، إلا أن كلا المشروعين لم يحرز أي تقدم بسبب الحرب.

ويقول كريستيان أولريشسن، خبير شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس في تكساس: "يتحدث الناس في أفريقيا، وبخاصة في السودان، عن الاستعمار الجديد لأن جهات خارجية تستحوذ على حصص ضخمة في قطاعات التعدين والطاقة والزراعة، وهي قطاعات تشارك فيها الإمارات العربية المتحدة بشكل كبير". ويضيف: "تسيطر عائلة واحدة على هذه الشركات. إنها شركات استغلالية لأن فوائدها لا تعود بالنفع على المجتمع المحلي، بل تعود إلى المستثمر. وبهذا المعنى، فهي تشبه عملية استعمارية". وترفض الإمارات العربية المتحدة هذا الكلام، مؤكدة على أن هدفها هو دمج أفريقيا في الأسواق العالمية.

ويقول محمد بحرون، المدير العام لمعهد "بحوث" للدراسات، ومقره دبي، والذي يقدم الدعم السياسي للحكومة الإماراتية: "نسعى إلى ربط دول الجنوب العالمي بدول الشمال العالمي"، وتضيف الصحيفة أن بصمة الإمارات العربية المتحدة في القارة الأفريقية تثير الانتباه، وتمتلك الشركات الإماراتية الآن أراض زراعية في ما لا يقل عن اثنتي عشرة دولة أفريقية، وعددا من المصالح التعدينية في سبع دول أخرى، وسلسلة من الموانئ التي تنقل الصادرات إلى ميناء جبل علي الإماراتي، مما يعزز مكانتها كمركز لوجستي رئيسي. ومنذ عام 2019، خصصت الإمارات العربية المتحدة أكثر من 100 مليار جنيها إسترلينيا لمشاريع أفريقية، متجاوزة الصين كأكبر مستثمر في القارة.

وإذا كان الشيخ طحنون هو المهندس المالي لهذه الدفعة، فالشيخ منصور، يلعب دورا سياسيًا أكثر بكثير. ويتمتع مالك نادي مانشستر سيتي، بعلاقات وثيقة مع العديد من القادة الأفارقة، بمن فيهم اثنان من أبرز أمراء الحرب في المنطقة. وقبل أسابيع من اندلاع الحرب الأهلية في السودان، استضاف منصور محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع المعروف باسم حميدتي، للمرة الثانية خلال عامين.

ومنذ ذلك الحين، أصبح التفسير الرسمي، وهو اجتماع لمناقشة "العلاقات الثنائية الوثيقة بين بلدين شقيقين" محلا للتساؤل. وفي حزيران/ يونيو ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، نقلا عن مسؤولين لم تسهم، أن وكالات الاستخبارات الأمريكية توصلت، من خلال اعتراضات هاتفية، إلى أن دقلو كان على "خط اتصال مباشر" مع الشيخ محمد والشيخ منصور. وتعود علاقة الإمارات بدقلو إلى عام 2015، على الأقل، عندما أرسلت قوات الدعم السريع مقاتلين لدعم التدخل السعودي الإماراتي في اليمن، وفي العام نفسه، التقى منصور خليفة حفتر، أمير الحرب الليبي الذي يسيطر على شرق البلاد، في أول لقاء من ثلاثة لقاءات علنية. وقد اتهم محققو الأمم المتحدة الإمارات العربية المتحدة بتسليح قوات الجنرال حفتر وتمويل مرتزقة روس، وهي مزاعم ينفيها المسؤولون الإماراتيون

ويشير المحللون إلى عدة أسباب قد تدفع الإمارات العربية المتحدة إلى المخاطرة بسمعتها التي سعت جاهدة إلى بنائها، حيث يعد الذهب السوداني والأراضي الصالحة للزراعة والوصول إلى البحر الأحمر مصالح واضحة لدولة تولي الأولوية للأمن الغذائي وطرق التجارة. كما أن التدخل العسكري المزعوم في السودان وليبيا من شأنه أن يوسع النفوذ الإماراتي. وفي الوقت نفسه تتنافس الإمارات على النفوذ في القرن الأفريقي مع دول أخرى، حيث كل من المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وقطر الجيش السوداني. ويقول أحد المحللين الإقليميين: "السودان هو ملتقى العالمين العربي والأفريقي، وبالنسبة لقادة الخليج، يتمتع بثقل استراتيجي حقيقي"، "لذا، ترى صراعا حقيقيًا على السلطة هناك".


وتساءلت الصحيفة عن سبب صمت الغرب على الدور الإماراتي في السودان؟  فعلى الرغم من الادعاءات الواسعة، لا تزال الدول الغربية حذرة في توجيه انتقادات علنية للإمارات العربية المتحدة. وقد وجه وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، أقوى انتقاد حتى الآن الشهر الماضي، محذرًا: "يجب اتخاذ إجراءات لوقف إمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة والدعم، نحن نعرف الجهات الفاعلة، يجب أن يتوقف هذا". ويتوقع قليلون ممارسة ضغوط أكثر مباشرة، فالأخوة آل نهيان على صلة وثيقة بأعلى مستويات السلطة السياسية والتجارية الأمريكية.

وقد التقى دونالد ترامب بهم جميعا وتناول معهم العشاء. أما الشيخ طحنون، الذي عاش سابقًا في جنوب كاليفورنيا، فقد نسج علاقات متينة مع عمالقة التكنولوجيا الأمريكية، بما في ذلك إنفيديا ومايكروسوفت وأوبن إيه آي، وذلك في إطار سعي الإمارات لتصبح مركزا عالميًا للذكاء الاصطناعي، وبالنسبة لإدارة ترامب، لا تعد الإمارات حليفًا استراتيجيا فحسب، بل شريكًا أساسيًا في التقنيات التي تعيد تشكيل العالم. ولذا، فلا عجب، كما يرى النقاد، غياب الرغبة في كبح طموحاتها في أفريقيا.

مقالات مشابهة

  • الأركان تكشف حصيلة هجمات الانتقالي على الأولى وتعد بالدفاع عن وحدة اليمن
  • منتخب اليمن للفروسية يتأهل إلى نهائيات كأس العالم لالتقاط الأوتاد
  • السيسي وماكرون يؤكدان دعم السودان واستقرار المنطقة ويتبادلان التهاني بالعام الجديد
  • اليمن: ندعم جهود السعودية والإمارات من أجل الحفاظ على وحدة الصف
  • فرسان اليمن يتأهلون إلى نهائيات كأس العالم لالتقاط الأوتاد 2026
  • إعلامي سعودي: السعودية ترفض استنساخ نموذج الحوثي في شرق اليمن والانتقالي يتحمل المسؤولية
  • الإمارات: الحرب في السودان بلا منتصر والإغاثة يجب أن تتدفق دون عوائق
  • تلغراف: هل يتحرك الغرب ضد الإمارات بعد مجزرة الفاشر؟
  • واشنطن تعاقب شبكة تجند مقاتلين كولومبيين للقتال مع الدعم السريع في السودان