الفاشر- بعد أكثر من عام على الحصار الخانق الذي فرضته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر غربي السودان، يترقب سكان المدينة دخول هدنة إنسانية حيز التنفيذ، عقب إعلان مجلس السيادة الانتقالي موافقته على مقترح من الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار لمدة أسبوع.

ويأتي هذا التطور في وقتٍ تشهد فيه الفاشر تدهورًا مأساويًّا في الأوضاع المعيشية، وسط دعوات دولية متزايدة لتأمين ممرات آمنة تتيح إيصال الإغاثة لآلاف المدنيين العالقين في المدينة.

ومنذ أبريل/نيسان 2024، تعاني المدينة من حصار شامل تفرضه قوات الدعم السريع، أدى إلى شلل كامل في المرافق الخدمية وانقطاع الغذاء والدواء، خصوصًا بعد توقف عمليات الإسقاط الجوي التي كان ينفذها الجيش السوداني منذ أكثر من 5 أشهر.

مجلس السيادة السوداني: البرهان يوافق على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لإعلان هدنة إنسانية لمدة أسبوع في محلية #الفاشر#الجزيرة_مباشر #السودان pic.twitter.com/1SjQVx8OEC

الجزيرة مباشر (@ajmubasher) June 27, 2025

اتصال أممي

وقال مجلس السيادة، في بيان نشره عبر منصاته الرسمية، إن الرئيس الفريق أول عبد الفتاح البرهان تلقى اتصالًا من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيوغوتيريش، دعا فيه إلى هدنة إنسانية مؤقتة في محلية الفاشر لتسهيل وصول المساعدات وتخفيف معاناة السكان.

ورحب غوتيريش بتكليف كامل إدريس رئيسًا للوزراء، معبرًا عن دعم الأمم المتحدة الكامل للجهود الرامية إلى إنعاش المسار المدني، بينما أكد البرهان التزامه بتشكيل حكومة من المستقلين تتمتع بكامل السلطات التنفيذية.

ووفقًا لمصادر مطلعة تحدثت لـ"الجزيرة نت"، فإن الترتيبات الفنية الخاصة بالهدنة لم تبدأ بعد، ويتوقع أن تشمل وقفًا شاملاً لإطلاق النار من الطرفين داخل مدينة الفاشر، ووقف التحركات العسكرية كليا بما في ذلك الآليات الثقيلة والطيران، إلى جانب السماح الفوري بدخول المساعدات الإنسانية عبر الممرات الآمنة التي يجري التنسيق حولها.

إعلان

وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة السودانية موافقتها الرسمية على مقترح الهدنة، لم تصدر حتى الآن أي توضيحات أو بيانات من قبل قوات الدعم السريع بشأن موقفها، الأمر الذي يُثير تساؤلات حول مدى التزامها ببنود المبادرة الأممية.

وفي السياق، شددت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح على التزامها بالهدنة المعلنة، مع التحذير مما وصفته بـ"الهدن الشكلية التي دأبت قوات الدعم السريع على استغلالها عسكريا".

وقال الناطق الرسمي باسم القوة المشتركة، العقيد أحمد حسين مصطفى، في تصريح خاص لـ"الجزيرة نت": "نحن مع أي هدنة إنسانية تحفظ أرواح المدنيين، لكننا لن نسمح بتكرار سيناريوهات سابقة شهدت خروقات ممنهجة من الطرف الآخر، وسنتعامل بحزم مع أي محاولة لزعزعة الوضع".

#السودان يقدم تقريرًا للأمم المتحدة يرصد انتهاكات قوات الدعم السريع منذ أبريل 2023 pic.twitter.com/UsoiMv7hiO

— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 20, 2025

انتهاكات متكررة

وأشار مصطفى إلى واقعة جرت مؤخرًا في منطقة الكومة شرقي الفاشر، حيث تعرضت قافلة مساعدات إنسانية للحرق والنهب، متهمًا قوات الدعم السريع بالوقوف خلف الحادث، واصفًا ما حدث بأنه "جريمة حرب مكتملة الأركان وانتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني".

وأضاف: "ننسق مع الشركاء الدوليين لضمان سلامة المسارات الإنسانية، لكن لن نقبل باستخدام الهدنة كوسيلة لإعادة تموضع المليشيات أو خلق واقع ميداني جديد يهدد أمن المدنيين".

من جانبها، اعتبرت تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر الهدنة المعلنة "فرصة ثمينة لالتقاط الأنفاس"، مشيدة بالجهود الدولية المبذولة لوقف النار وفتح مسارات الإغاثة.

وقال محمد حسن محمد "قوبا"، عضو اللجنة الإعلامية للتنسيقية، في حديثه لـ"الجزيرة نت": "نحن نثمّن كل مبادرة تنقذ الأرواح وتضع حدا للكارثة الإنسانية التي تعيشها مدينتنا. الهدنة تمثل اختبارًا لنوايا الأطراف، ونأمل أن تكون مدخلا لحوار حقيقي يقود إلى مصالحة شاملة".

وأكد أن لجان المقاومة ستكثف جهودها على الأرض لدعم المبادرات الإنسانية وتعزيز الأمن داخل الأحياء، معربًا عن أمله في أن تشكل هذه الخطوة بداية مسار سلمي يُنهي معاناة الفاشر والمناطق المحيطة بها.

تحذيرات أممية

في 20 يونيو/حزيران 2025، حذّرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من التدهور الخطير في الأوضاع الإنسانية بمدينة الفاشر، مؤكدة أن الأزمة بلغت مستويات غير مسبوقة.

وقال المفوض السامي فولكر تورك، في بيان صحفي، إن تقارير ميدانية موثوقة تشير إلى أن قوات الدعم السريع تقوم حاليًا بـ"تجنيد أطفال لاستخدامهم في عمليات هجومية على المدينة المحاصَرة"، واصفًا ذلك بـ"انتهاك صارخ للقانون الدولي وجرائم محتملة ضد الإنسانية".

وأضاف تورك أن "العواقب الإنسانية الناجمة عن استمرار وتصاعد الأعمال العدائية في شمال دارفور وكردفان ستكون وخيمة، ما لم يتم احتواء العنف فورًا وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات".

في السياق ذاته، كشفت فرق رصد تابعة لمصفوفة تتبع النزوح أن 253 أسرة فرت من مخيم أبو شوك للنازحين، ووسط مدينة الفاشر خلال الأسبوع الماضي، نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والانهيار الاقتصادي.

إعلان

وأوضحت البيانات أن هذه الأسر اتجهت نحو مواقع أكثر أمانًا داخل محلية الفاشر، بينما سلكت أخرى طريق النزوح نحو مناطق السريف والطويلة في ولاية شمال دارفور.

وتأتي هذه التطورات في وقت يتزايد فيه القلق الدولي من تفاقم الأزمة، خاصة مع اقتراب موسم الأمطار الذي يهدد بقطع الطرق ويصعّب وصول المساعدات، في ظل هشاشة البنية التحتية وغياب أي ضمانات حقيقية لحماية المدنيين.

ما موقف "قوات الدعم السريع" من الهدنة في الفاشر التي دعا إليها غوتيريش؟ pic.twitter.com/9U8MIknJFT

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) June 27, 2025

فشل محتمل

وقال يعقوب الدموكي، المستشار الاعلامي السابق لقائد قوات الدعم السريع، في حديثه لـ"الجزيرة نت" "أُبدي شكوكًا كبيرة حيال التزام قوات الدعم السريع بالهدنة المعلنة، لأن تنفيذها يتعارض جوهريا مع إستراتيجيتهم في تفريغ مدينة الفاشر من سكانها".

وأضاف أنه على مدى عامٍ كامل، استخدمت هذه القوات الحصار والتجويع وسيلةً للضغط على المدنيين ودفعهم إلى النزوح القسري، فيما تستغل هذا الوضع كورقة تفاوض رابحة ميدانيا وسياسيا.

وتابع المتحدث ذاته "رأينا كيف رُحّل النازحون مؤخرًا من معسكر زمزم إلى مناطق أخرى، تحت غطاء دعائي يصوّر المنطقة وكأنها خالية من السكان المدنيين". وقال "هذا التمهيد، في اعتقادي، يهدف إلى تبرير أي تصعيد عسكري قادم ضد الفاشر".

وأشار الدموكي إلى أن "التجنيد الإجباري للأطفال، ونهب قوافل الإغاثة، وترويع الأحياء السكنية، ممارسات موثقة ومستمرة، لكنها غالبًا ما تُغلف ببيانات إعلامية مضللة".

وشدّد في ختام حديثه على أن "أي هدنة لا تُرافقها آليات مراقبة محايدة وفعالة ستظل بلا معنى، بينما يظل المدنيون هم وحدهم من يدفعون الثمن".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع مدینة الفاشر هدنة إنسانیة الجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

مقتل فتاتين وجرح سبع أخريات بنيران “الدعم السريع”.. أين؟

متابعات- تاق برس- شهدت قرية قرني الواقعة شمال غرب مدينة الفاشر حادثة مأساوية راح ضحيتها فتاتان بينما أصيبت سبع نساء أخريات بجروح متفاوتة. وذلك عقب إطلاق نار مباشر عليهن من قبل عناصر تابعة لقوات الدعم السريع، بحسب ما ورد من مصادر محلية وشهود عيان.

وتعود تفاصيل الحادثة إلى اعتراض قوة من عناصر الدعم السريع طريق نساء كن على ظهور دوابهن ويحملن مواد غذائية باتجاه مدينة الفاشر المحاصرة؛ واتهام الفتاتين بتهريب مواد غذائية الى المدينة قبل أن تطلق النار عليهن مما أدى إلى وفاة إحداهن فورًا، فيما توفيت الثانية لاحقا متاثرة بجراحها.

وأكد الشهود أن القوة ذاتها قامت بمصادرة المؤن وجلد بقية النساء بالسياط، مما أسفر عن إصابة سبع نساء أخريات، بعضهن في حالة حرجة.

وأفاد الشهود أن قائد استخبارات الدعم السريع بشمال دارفور، عباس كتر، أصدر قرارًا عسكريًا صارمًا بمنع استخدام أي وسائل تنقل بين قرية قرني ومدينة الفاشر، وهو ما فُهم أنه محاولة إضافية لإحكام الحصار على المدينة ومنع دخول أي إمدادات غذائية أو دوائية من المناطق الريفية المجاورة.

تعاني مدينة الفاشر منذ أكثر من شهر من حصار خانق فرضته قوات الدعم السريع، مما تسبب في انهيار كامل للوضع الإنساني داخل المدينة، وشهدت الأسابيع الماضية موجات نزوح جماعي إلى مناطق كورما، مليط، طويلة، كتم، ومناطق شرق السودان، في ظل انعدام الغذاء والدواء وارتفاع معدلات الجوع والمرض.

الدعم السريعالفاشرمقتل فتاتين

مقالات مشابهة

  • 13 قتيلا بينهم أطفال بقصف لقوات الدعم السريع في دارفور
  • تعرف على رأي مناوي حول “هدنة الفاشر” الإنسانية
  • عشرات القتلى والجرحى في الفاشر بقصف مدفعي متزامن مع موافقة البرهان على هدنة إنسانية
  • السودان .. مقتل 13 شخصا بينهم 3 أطفال في هجوم للدعم السريع على الفاشر
  • طالبت بها الأمم المتحدة .. البرهان يوافق على هدنة إنسانية بالفاشر
  • البرهان يوافق على هدنة إنسانية في مدينة الفاشر لمدة أسبوع
  • السيادة السوداني يوافق على هدنة إنسانية في الفاشر لمدة أسبوع
  • السودان.. البرهان يوافق على هدنة إنسانية لمدة أسبوع في الفاشر
  • مقتل فتاتين وجرح سبع أخريات بنيران “الدعم السريع”.. أين؟