ما سر الضوء الخافت المُشع من العقل البشري أثناء التفكير؟
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
أسرار العقل البشري .. الضوء سر من أسرار الحياة، وعنصر رئيسي لضمان استمرارية مختلف الأنظمة البيئية على الأرض، بل أن بعض الأنواع الحية مثل الديدان والأسماك تشع بالضوء من تلقاء نفسها. ويفسر العلماء هذه الظاهرة بما يطلق عليه اسم “الفوتونات الحيوية” وهي جسيمات مضيئة تنبعث كناتج للعمليات الكيميائية الحيوية وتقترن بتوليد الطاقة داخل الخلايا الحية.
وفي هذا الإطار، توصل فريق بحثي كندي إلى أن المخ البشري يشع بضوء خافت أثناء عملية التفكير، بل وأن انبعاث الفوتونات الحيوية تتغير طبيعته أثناء أداء العمليات المعرفية المختلفة داخل العقل. ورغم أن العلاقة بين انبعاث هذا الضوء الخافت داخل المخ وبين الأنشطة المعرفية ليست واضحة تماما، يعتقد الباحثون من جامعة ويلفريد لاورير في مدينة أونتاريو الكندية أن تلك الجسيمات المضيئة تلعب دورا مهما في وظائف المخ المختلفة. وتقول رئيسة فريق الدراسة نيروشا موروجان المتخصصة في علوم الفيزياء الحيوية أن علماء معنيين بدراسة الأنسجة الحية، بما في ذلك الخلايا العصبية، رصدوا انبعاثات ضعيفة من الضوء ناجمة عن تكون بضع عشرات إلى عدة مئات من الفوتونات داخل عينات من الأنسجة الحية بحجم سنتيمتر مربع في الثانية الواحدة داخل أوعية الاختبار المعملية.
اقرأ أيضًا:
ومنذ القرن الماضي، يعتقد علماء الأحياء أن الجسيمات المضيئة الحيوية تلعب دورا في التواصل بين الخلايا، وفي عام 1923، أثبت العالم الروسي ألكسندر جورويتش أن وضع حواجر لحجب الفوتونات داخل جذور البصل يمنع نمو النبات، وقد أكدت العديد من الدراسات خلال العقود الماضية أن الفوتونات الحيوية تلعب بالفعل دورا في التواصل الخلوي، وتؤثر على نمو وتطور الكائنات الحية. ومن هذا المنطلق، شرعت موروجان وفريقها البحثي في تتبع هذه الظاهرة في العقل البشري وتقصي أسبابها عن طريق قياس كمية الفوتونات التي تبعث من المخ أثناء العمل. وفي إطار التجربة التي نشرتها الدورية العلمية iScience، ارتدى عشرون متطوعا أغطية رأس مزودة بأقطاب لتسجيل النشاط الكهربائي للمخ، وتثبيت أنابيب خاصة على الرأس لتضخيم أي انبعاث للجسيمات الضوئية أثناء التفكير، مما يتيح إمكانية رصدها، بحسب "دي بي إيه".
وجد الباحثون أن عناقيد الفوتونات المضيئة تتركز في منطقتين أساسيتين من المخ وهما الفصوص القذالية في الجزء الخلفي من الرأس، وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة الصور البصرية داخل المخ، وفي الفصوص الصدغية على جانبي الرأس، وهي الجزء المسؤول عن معالجة الأصوات.
تقول موروجان في تصريحات للموقع الإلكتروني “ساينتفيك أمريكان” المتخصص في الأبحاث العلمية إن “أول نتيجة لهذه التجربة هي أن الفوتونات تنبعث فعلا من المخ، وتحدث هذه العملية بشكل مستقل، وهي ليست خداع بصري ولا عملية عشوائية”. واتجهت موروجان بعد ذلك لقياس ما إذا كانت كثافة هذه الانبعاثات تتغير مع اختلاف العملية المعرفية التي يقوم بها المخ.
ونظرا إلى أن المخ عضو يتسم بالشراهة من ناحية التمثيل الغذائي، فقد افترضت أن كثافة الجسيمات المضيئة التي تنبعث منه سوف تزداد كلما انخرط المخ في أنشطة معرفية تتطلب كميات أكبر من الطاقة مثل معالجة الصور البصرية.
ووجد الباحثون أن التغيرات في كمية الجسيمات المضيئة ترتبط بتغير الوظيفة المعرفية التي يقوم بها المخ، مثلما ما يحدث عن إغلاق العين ثم فتحها مرة أخرى على سبيل المثال، وهو ما يشير إلى وجود علاقة ما بين التحولات في العمليات المعرفية التي يقوم بها العقل وبين كميات الفوتونات الحيوية التي تنبعث منه.
وتطرح هذه التجربة مزيدا من التساؤلات بشأن الدور الذي تقوم به الجسيمات المضيئة داخل العقل. ويقول مايكل جرامليش اخصائي الفيزياء الحيوية في جامعة أوبورن بولاية ألاباما الأمريكية في تصريحات لموقع “أمريكان ساينتفيك”: “اعتقد أنه مازال هناك الكثير من أوجه الغموض التي يتعين سبر أغوارها، ولكن السؤال الجوهري هو هل تمثل الجسيمات المضيئة آلية نشطة لتغيير النشاط العقلي؟ أم أن دورها يقتصر على تعزيز آليات التفكير التقليدية”.
ويتساءل الباحث دانيل ريمونديني اخصائي الفيزياء الحيوية بجامعة بولونيا الإيطالية بشأن المسافة التي يمكن أن تقطعها الفوتونات الحيوية داخل المادة الحية، حيث أن الإجابة على هذا السؤال قد تسلط الضوء على العلاقة بين الوظائف العقلية وانبعاث الفوتونات في أجزاء مختلفة من المخ. وتريد موروجان وفريقها البحثي استخدام أجهزة استشعار دقيقة لرصد مصدر انبعاث الفوتونات داخل المخ، ويعكف فريق بحثي من جامعة روشستر في نيويورك على تطوير مسبارات متناهية الصغر لتحديد ما إذا كانت الألياف العصبية داخل المخ يمكن أن تنتج تلك الجسيمات المضيئة.
وبصرف النظر عما إذا كان الضوء الخافت الذي ينبعث بانتظام من المخ يرتبط بالوظائف العقلية أو لا، فإن تقنية قياس حجم الجسيمات الحيوية المضيئة وعلاقتها بالإشارات الكهربائية للمخ، Photoencephalography، قد تصبح يوما ما وسيلة مفيدة لعلاجات المخ غير التدخلية. ويقول جرامليش: “اعتقد أن هذه التقنية سوف يتم تعميمها على نطاق واسع خلال العقود المقبلة حتى إذا لم يتم إثبات صحة النظرية بشأن الدور الذي تلعبه الفوتونات في دعم الأنشطة العقلية”.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: العقل أسرار العقل الفوتونات الحیویة العقل البشری داخل المخ من المخ
إقرأ أيضاً:
الحشيش.. فى ميزان القانون والشرع
كرم الإسلام الإنسان وأعلى من شأنه، وجعل حفظ النفس والعقل من الضروريات الخمس التي يقوم عليها الدين، وقد أكد القرآن الكريم هذا المعنى في قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: 195)، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29)، وفي ظل الجدل الأخير الذي أثارته فتوى الدكتورة سعاد صالح حول عدم التحريم المطلق للحشيش، تتجدد الدعوات لدور أوضح وأكثر فاعلية للمؤسسات الإسلامية في التصدي لانتشار المخدرات، وبيان حرمتها شرعًا، والتأكيد على خطورتها على الإنسان والمجتمع.
تصريح فقهي يُثير الجدل
في إعلان ترويجي لحلقة بودكاست «السر»، كانت قد صرّحت الدكتورة سعاد صالح بما اعتُبر تفسيرًا غير تقليدي لحكم تعاطي الحشيش، قائلة إن تأثيره على العقل لا يوازي تأثير الخمر — كلام أثار جدلًا واسعًا تصدر التريند على منصات التواصل ووسائل الإعلام.
وعلى ذلك ردت دار الإفتاء المصرية بسرعة ببيان أكدت فيه «حرمة مخدر الحشيش شرعًا» مبنية على أدلة فقهية وطبية تربط بين المخدرات وإضرار العقل والنفس، وأن الإجماع الفقهي يحمّل الحشيش حكم التحريم لكونه مفترًا.
كذلك أصدرت جامعة الأزهر قرارًا بإحالة الدكتورة إلى التحقيق لظهورها الإعلامي دون تصريح وفق أنظمة الجامعة، بينما حذّر وزير الأوقاف من محاولة تبرير التعاطي أو تقليله.
القياس الشرعي
أكد الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، أن الشريعة الإسلامية تضع الخمر والمخدرات في حكم واحد، باعتبار أن العلة المشتركة بينهما هي تغييب العقل.
وأوضح أن الآية الكريمة التي تنهى عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، تحمل في معناها كل ما يذهب العقل ويعطل وعي الإنسان.
وأضاف أن التحريم لا يقتصر على المشروبات المسكرة فحسب، بل يشمل أيضاً جميع المواد المخدرة التي تؤدي إلى فقدان الإدراك، مشيرًا إلى أن هذا يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي جعلت حفظ العقل من الضرورات الخمس التي يجب صونها وحمايتها.
كما قال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن من يُحلل الخمر أو الحشيش أو يهوّن من أمر المخدرات، فقد الرشد العقلي، حتى لو ادعى الانتماء للإسلام. وأوضح أن الجاهل غير المتفقه في الدين يكون أسهل فريسة للشيطان، بينما العالم أشد خطرًا عليه، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عالم واحد أشد على الشيطان من أربعين عابدًا». وأكد أن العبادة بلا علم قد تجر إلى الضلال، وأن إباحة المحرمات أشبه بمنح سلاح قاتل لمختلّ عقلي، مشددًا على أن الحشيش والمخدرات تضعف الإدراك وتبطئ ردود الفعل، ما يجعلها خطرًا داهمًا على الفرد والمجتمع.
وأشار الجندي إلى أن تحريم الحشيش والخمر والبيرة ليس مجرد حكم فقهي، بل قاعدة قائمة على أسس شرعية وعلمية وعقلية، موضحًا أن الخمر تشمل كل ما يغيب العقل سواء كان صلبًا أو سائلًا أو غازيًا، إذ إن أصل الكلمة «خَمَر» يعني غطّى، وبالتالي فكل ما يؤدي إلى تغطية العقل محرم بنص القرآن. واعتبر أن ترويج تحليل الحشيش دليل على خلل في العقل، مبينًا أن العقل السليم يُقاس بالسلوك لا بالمؤهلات، وضرب مثالًا بأن المدخن نفسه يرفض أن يدخن ابنه، فكيف بمن يبرر أو يروج للحشيش، مؤكدًا أن ذلك جريمة دينية وأخلاقية وعقلية تستوجب المواجهة بحزم.
أكد الدكتور عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن تعاطي المخدرات قد يمنح المتعاطي شعورًا مؤقتًا بالراحة أو الهدوء، إلا أن هذا الإحساس ليس إلا خداعًا للنفس، مشيرًا إلى أن تأثير هذه المواد على الجسد يتسم بالفتور والارتخاء، لكنها في الحقيقة تلحق ضررًا بالغًا بالعقل والجسد على المدى البعيد، ما يعني المساس بأعظم نعم الله على الإنسان، وهي العقل. وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم رسم الطريق الواضح، فشرح أبواب الخير وحذر من أبواب الشر، وكل ما يُذهب العقل أو يضعف قدراته يقع تحت نفس حكم الخمر والمخدرات، ولا يجوز تبرير التعاطي بأي حال، حتى لو ادعى الشخص أنه يبقى مدركًا أو منتبهًا.
وأوضح أن الاعتقاد بعدم خطورة تناول كميات قليلة من المخدرات أو الخمر هو تصور خاطئ، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام»، لافتًا إلى أن هذه المواد من الخبائث التي لا تجلب إلا الشر والمفاسد. وشدد على أهمية وعي المسلم بأضرار المخدرات والخمر، مبينًا أن العقل هو وسيلة التمييز بين الخير والشر، وأساس النجاح في الدنيا والآخرة، داعيًا إلى تكثيف جهود التوعية بين الشباب لمواجهة هذه الآفة التي لا تدمر الأفراد فحسب، بل المجتمع بأسره.
خطر جسيم
أكد صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، أن تعاطي مخدر الحشيش يسبب أضرارًا جسيمة على الصعيدين النفسي والجسدي، لاحتوائه على مواد تُحدث هلاوس واضطرابات في الإدراك والسلوك، وتضعف الذاكرة والتركيز، وتؤدي إلى القلق والاكتئاب، فضلًا عن خلل في إدراك الزمن والمسافات، الأمر الذي يجعل السائق تحت تأثيره أكثر عرضة للحوادث بثلاثة أضعاف مقارنة بغيره.
وكشف الصندوق أن أكثر من نصف الحالات التي تتقدم للعلاج عبر الخط الساخن 16023 كانت من متعاطي الحشيش، ما يعكس حجم انتشار هذه المادة وتأثيرها.
وأوضح أن مثل هذه التصريحات التي تبرر أو تروّج لتعاطي المخدرات تتعارض مع استراتيجية الدولة القومية لمكافحة الإدمان، مؤكدًا التنسيق مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لاتخاذ إجراءات ضد أي محتوى إعلامي يروج لهذه المواد، خاصة إذا صدر عن شخصيات عامة مؤثرة.
في ميزان الصحة
تشير دراسات عالمية إلى ارتباط تعاطي الحشيش بزيادة معدلات الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية، فضلًا عن تأثيره السلبي على الذاكرة والوظائف المعرفية، خاصة بين الشباب، حيث تظهر نسبة كبيرة منهم يعانون اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والفصام واضطرابات القلق، فضلًا عن مخاطر الاعتماد والإدمان التي تصل إلى أكثر من 20% من المستخدمين المنتظمين.
وهذه الحقائق الصحية لا تقتصر على الفرد فقط، بل تمتد لتشكل خطرًا على السلامة العامة، فتعاطي الحشيش يُضعف قدرة السائقين على الانتباه وردود الفعل، ما يزيد من حوادث الطرق بشكل ملحوظ.
كما ترتبط هذه الظاهرة بتراجع التحصيل الدراسي، وانخفاض الإنتاجية، والانغلاق الاجتماعي، ما يؤثر على نسيج المجتمع ككل. لهذا، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة النظر في توصيف الحشيش في الخطاب الإعلامي والاجتماعي، وتعزيز التوعية الصحية القانونية لتفادي التقليل من مخاطره الحقيقية التي تهدد الفرد والأسرة والمجتمع.
في قبضة القانون
وعلى المستوى القانوني في مصر، يُعتبر تعاطي الحشيش جريمة جنائية يعاقب عليها القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات، والذي ينصّ على تجريم الحيازة والتعاطي والاتجار بكل أنواع المخدرات بما فيها الحشيش، لما لها من تأثيرات خطيرة على الصحة والسلامة العامة.
كما تؤكد الجهات الأمنية والقضائية أن أي تصريحات أو أفعال تُسوّغ تعاطي المخدرات تُعد تحريضًا على مخالفة القانون وتخضع للمساءلة القانونية وفقًا للمادتين 86 و 88 من القانون نفسه، لما يترتب عليها من الإضرار بالنظام العام وتشجيع العصيان.
وتنبه دار الإفتاء المصرية إلى أن التحريض على تعاطي المخدرات أو تبريرها لا يعد فقط مخالفة شرعية، بل مخالفة قانونية تؤثر على المجتمع بشكل مباشر وتستوجب العقاب الرادع .
وفي الختام، تلك التصريحات المثيرة وما يتبعها من جدل متصاعد، تشير إلى أن الأمر يتجاوز مجرد نقاش فقهي أو صحي ليصل إلى أبعاد اجتماعية وقانونية بالغة الأهمية، فالتحذيرات الشرعية تؤكد ضرورة حفظ العقل والنفس، والدراسات الطبية تثبت أضرار الحشيش الخطيرة، بينما تحمي القوانين المصرية المجتمع بتجريم التعاطي والترويج، لهذا التوعية والحزم هما السبيل لحماية الأجيال وصحة المجتمع.