الأنظمة العربية من الحماية الأجنبية إلى التمكين القومي
تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT
أحمد بن محمد العامري
عانت معظم الأنظمة العربية منذ مرحلة ما بعد الاستقلال من تحديات بنيوية معقدة دفعتها طوعًا أو كرهًا إلى الاحتماء بالقوى الأجنبية طلبًا للدعم السياسي أو العسكري أو الاقتصادي، واتقاءً لمخاطر داخلية أو إقليمية أو دولية، وقد شكّل هذا الاحتماء تحوّلًا عميقًا في مفهوم السيادة، إذ لم يعد الارتباط بالخارج مسألة ظرفية تقتضيها الضرورة؛ بل أصبح في حالات كثيرة خيارًا استراتيجيًا لتعزيز النفوذ الداخلي أو لتحقيق مكاسب إقليمية على حساب دول عربية أخرى.
إن دوافع هذا الارتهان للخارج تعود إلى جملة من الأسباب الموضوعية والتاريخية من بينها هشاشة المؤسسات السياسية، وغياب العقد الاجتماعي الذي يُؤسّس لعلاقة صحية بين الدولة والمجتمع، وتآكل شرعية كثير من الأنظمة بفعل القطيعة مع الجماهير، إضافة إلى غياب مشاريع تنموية مستقلة مستدامة وشاملة تلبّي طموحات الشعوب.
وبدلًا من اللجوء إلى مراجعة داخلية تعيد هيكلة العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أسس ديمقراطية تشاركية، اختارت بعض الأنظمة الاستقواء بالدعم الأجنبي كأداة لبسط السيطرة الداخلية أو لتحقيق توازنات إقليمية عبر استدعاء التدخلات الدولية، الأمر الذي ساهم في تعميق الانقسامات وزيادة التبعية.
لقد أسهم هذا المسار في إضعاف الموقف العربي الجماعي وأدى إلى تشظي القرار السيادي وانكشاف الأمن القومي العربي أمام التحديات الخارجية، في ظل غياب رؤية موحدة للأمن العربي، وتضارب المصالح بين الأنظمة وغياب الثقة المتبادلة. ولم يكن هذا الواقع إلا نتيجة طبيعية لغياب بنية عربية مشتركة تتجاوز الحسابات القطرية الضيقة وتؤمن بأن مصير الدول العربية مترابط، وأن أي تهديد يطال طرفًا منها سرعان ما ينعكس على سائر أجزائها.
وفي هذا السياق، يبرز السؤال الجوهري: كيف يمكن الانتقال من منطق الاحتماء بالخارج إلى بناء منظومة عربية قادرة على التمكّن الذاتي، وتحقيق الأمن والاستقرار والسيادة الحقيقية؟ إن الإجابة تبدأ من إعادة الاعتبار للإرادة الشعبية ومن الإقرار بأن التمكين السياسي لا يمكن أن يتحقق في غياب مشاركة المواطنين في صياغة القرارات المصيرية. إن بناء عقد اجتماعي عربي جديد يقوم على مبادئ المشاركة والمساءلة وسيادة القانون، هو المدخل الأول لاستعادة الثقة بين الشعوب والأنظمة، وتحويل الدولة من سلطة قمعية إلى مؤسّسة تمثيلية تعبّر عن الإرادة الجمعية.
وينبغي أن يُترجم هذا العقد إلى إنشاء مؤسسات عربية فاعلة، في مقدمتها برلمان عربي حقيقي، يعكس تطلعات الشعوب، ويعبّر عن المصالح القومية الكبرى مع احترام استقلالية كل دولة وسيادتها.
كما يتوجب تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الدول العربية ليس فقط من خلال التنسيق الاستخباراتي، بل عبر صياغة عقيدة عسكرية وأمنية مشتركة، تتجاوز الشكوك والهواجس المتبادلة، وتؤمن بأن أمن كل دولة هو جزء لا يتجزأ من أمن الأمة بأسرها.
ولن تكتمل عناصر هذا التمكين دون إصلاح عميق لوسائل الإعلام، من خلال وضع ميثاق شرف إعلامي عربي يجرّم كل ما يحرّض على الكراهية والانقسام الطائفي أو المذهبي أو المناطقي، ويكرّس خطابًا وحدويًا يعزز الانتماء القومي.
كما أن إصلاح التعليم يمثل ركيزة لا غنى عنها، إذ ينبغي إعادة صياغة فلسفته بما يعزز قيم الابتكار، ويُوحّد المفاهيم والمصطلحات الإدارية والعلمية، ويهيّئ أجيالًا قادرة على الإسهام في مشروع النهضة العربية.
والتحوّل من التبعية إلى التمكّن لا يستلزم بالضرورة ذوبان الهويات الوطنية أو إلغاء خصوصيات الحكم، بل يستدعي توافقًا واعيًا على أولويات قومية مشتركة في مجالات الأمن والتعليم والطاقة والاقتصاد والسياسة الخارجية. نحن في حاجة إلى بوصلة عربية موحّدة، وشمال قومي واضح، يقود الأمة نحو موضع يليق بها ليكون لها مكان تحت الشمس.
إن الأمم لا تُحمى من الخارج؛ بل تُبنى من الداخل، وإذا أرادت الأنظمة العربية أن تكون في مقدمة الدول، فعليها أن تُصغي لشعوبها وتتشارك معها القرار، وتعيد الثقة إلى البيت العربي عبر التلاحم لا التنازع، والوحدة لا الانقسام.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جامعة جازان.. من التعليم إلى التمكين الصحي في ضوء رؤية 2030
تبرز جامعة جازان كمنارة للعلم والمعرفة، مسترشدة برؤية المملكة 2030 الواضحة والطموحة، وبخاصة برنامج تنمية القدرات البشرية وبرنامج جودة الحياة بدعم مستمر من القيادة الرشيدة – حفظها الله - ومتابعة دؤوبة من سمو أمير منطقة جازان وسمو نائبه، لتقف الجامعة بمبانيها الحديثة دليلًا على نهضة تعليمية وصحية تسهم بشكل مباشر في تحسين جودة الحياة، عبر مشاريع طبية وأكاديمية تخدم الإنسان أولًا لتبقى الجامعة رمزًا للتميز والعطاء المعرفي والإنساني.
30 ألف مراجع لطب الأسنان
يُعد مبنى كلية ومستشفى طب الأسنان الجديد شاهدًا على الازدهار المستمر للجامعة يضم المبنى أكثر من 200 عيادة مزودة بأحدث التقنيات، لتغطي مختلف تخصصات طب الفم والأسنان. يشرف على هذه العيادات نخبة من الأكاديميين والاستشاريين وأطباء الامتياز، ويستقبل المستشفى أكثر من 30 ألف مراجع سنويًا، ويدرب أكثر من 300 طالب وطالبة بفضل هذا التميز، حصل البرنامج الأكاديمي على الاعتماد الكامل.
50 ألف مستفيد
لقد حقق أطباء الامتياز في الكلية نسبة نجاح بلغت 92% في اختبار الرخصة المهنية، مع قبول عدد كبير من الخريجين في برامج البورد السعودي، مما يرسخ دور الجامعة في إعداد قادة المستقبل في طب الأسنان والقطاع الصحي بشكل عام. كما تطلق الكلية قوافلها الطبية لتصل خدماتها التوعوية والعلاجية المجانية لأكثر من 50 ألف مستفيد في المنطقة سنويًا.
مواكبة التحولات
يمثل مبنى كلية التمريض والعلوم الصحية الجديد نقلة نوعية في تطوير البرامج الأكاديمية والبحثية. تقدم الكلية حاليًا 13 برنامجًا أكاديميًا، منها برنامجان في مرحلة الماجستير، و10 برامج في مرحلة البكالوريوس، بالإضافة إلى برامج الدبلوم بتخصصات تغطي مجالًا واسعًا من التخصصات الصحية التي تلبي احتياجات سوق العمل وتواكب التحولات الوطنية والاحتياج المتزايد في الرعاية الصحية.
كفاءة المخرجات
واستجابة لأولويات المرحلة، تم رفع الطاقة الاستيعابية في برنامج التمريض ليكون من بين الأعلى على مستوى المملكة، مساهمة مباشرة في سد الاحتياج من الكوادر التمريضية المؤهلة، وقد حصلت 6 من برامج الكلية على الاعتماد الكامل؛ مما يعكس جودة المناهج وكفاءة المخرجات وتميز طلبة الكلية في تحقيق نسب نجاح عالية في اختبارات هيئة التخصصات الصحية المهنية.
الخبرة والاحترافية
على صعيد البحث العلمي، تميزت كلية التمريض والعلوم الصحية بمخرجات بحثية نوعية، تُنشر في مجلات علمية مرموقة عالميًا، وتتركز على القضايا الصحية ذات الأولوية في المنطقة والوطن بشكل عام. كما يتميز الكادر الأكاديمي في الكلية بكفاءات علمية متقدمة، حيث يجمع الأعضاء بين الخبرة والاحترافية، ويشارك عدد منهم في لجان وطنية وهيئات علمية، ليسهموا في رسم السياسات الصحية والتعليمية على مستوى المملكة. وتساهم كلية التمريض والعلوم الصحية بدور فاعل في تعزيز الأعمال التطوعية، ويشارك طلابها ومنسوبوها باستمرار في الحملات الصحية الميدانية داخل المنطقة وخارجها.
الطب الحديث
بتدشين عيادات جراحة اليوم الواحد في المستشفى الجامعي، تتعزز لدى الجامعة رؤية متكاملة للمستشفى الذي لم يكن مشروعًا إنشائيًا فقط، بل يهدف إلى توفير رعاية صحية عالية الجودة تلبي تطلعات القيادة الرشيدة. يشمل ذلك إدخال تقنيات الجراحة الروبوتية والمناظير المتقدمة، في توجه نحو مستقبل الطب الحديث والتحكم الدقيق الذي يفوق القدرات البشرية التقليدية ويقلل من فترة التعافي ويرتقي بمستوى الرعاية الصحية.
تشغيل فعال
وعبر ثلاث مراحل لإنشاء المستشفى الجامعي، تضمنت تطوير أقسام النساء والأطفال، ومحطة الغلايات، ووحدة المعالجة، تبع ذلك مرحلة التجهيزات الطبية التي نفذت بأعلى المعايير العالمية لضمان تشغيل فعال "من اللحظة الأولى" في قسم العيادات الخارجية والصيدلية والتأهيل الطبي والعلاج الطبيعي والرعاية العاجلة وقسم الأشعة.
25 ألف مراجع
في عام 2024، استفاد من خدمات المستشفى أكثر من 25 ألف مراجع، وتم إجراء أكثر من 149 ألف فحص مخبري، وصرف ما يقرب من 9,600 وصفة طبية. بتوجيهات مباشرة من سعادة رئيس الجامعة، يواصل المستشفى عطاءه باستقبال آلاف المستفيدين، ليصبح المستشفى الجامعي أحد أركان الرعاية الصحية الوطنية، ويجسد التزام الدولة برفع كفاءة القطاع الصحي.
جودة الحياة
وختامًا فإن جامعة جازان لا تكتفي بتأهيل الطلاب أكاديميًا، بل تسهم فعليًا في تحسين جودة الحياة للمجتمع، من خلال برامج صحية وتوعوية، كمركز رائد في التعليم والبحث العلمي والخدمات الصحية، وتحقق أولويات القيادة في اهتمامها بالإنسان كمواطن وركيزة التنمية الأساسية وتوفير جودة الحياة له.