روبوتات دردشة من ميتا تراسلك من تلقاء نفسها وتتذكر اهتماماتك
تاريخ النشر: 5th, July 2025 GMT
تخيل أنك تتبادل الرسائل مع أصدقائك عبر تطبيق ماسنجر أو واتساب، وفجأة يصلك إشعار برسالة غير متوقعة من روبوت دردشة آلي يعشق الأفلام.
هذه الرسالة ليست خيالية، بل نموذج فعلي من روبوت ذكاء اصطناعي يحمل اسم "Maestro of Movie Magic"، وفقا لإرشادات مسربة من شركة Alignerr المختصة بوسم البيانات، والتي تتعاون حاليا مع ميتا (فيسبوك سابقا) لتدريب روبوتات محادثة قادرة على التواصل مع المستخدمين دون طلب مباشر.
بحسب التسريبات التي حصل عليها Business Insider، تعمل ميتا على تطوير روبوتات دردشة قابلة للتخصيص من خلال منصتها "AI Studio"، تملك القدرة على إرسال رسائل متابعة للمستخدمين بناء على محادثاتهم السابقة واهتماماتهم المسجلة.
وقد أكدت ميتا لموقع TechCrunch أنها بالفعل تختبر هذه الخاصية الجديدة، حيث يسمح للروبوت بإرسال رسالة متابعة واحدة فقط خلال 14 يوما من بدء المحادثة، شريطة أن يكون المستخدم قد أرسل ما لا يقل عن خمس رسائل للروبوت خلال تلك الفترة، وفي حال عدم الرد، يتوقف الروبوت عن المتابعة.
الخصوصية والجدل حول الأمانيمكن للمستخدمين إبقاء روبوتاتهم خاصة أو مشاركتها عبر القصص، الروابط المباشرة، وحتى عرضها على ملفهم الشخصي في فيسبوك أو إنستجرام، وتهدف ميتا من ذلك إلى إتاحة محادثات "أكثر عمقا ومعنى" مع هذه الروبوتات، وفقا لتصريحات المتحدث باسم الشركة.
إلا أن هذه الخطوة أثارت مخاوف متجددة حول الخصوصية، خاصة في ظل غياب حدود عمرية واضحة لاستخدام هذه الروبوتات.
فعلى الرغم من وجود قوانين في ولايات مثل تينيسي وبورتو ريكو تمنع تفاعل المراهقين مع روبوتات الذكاء الاصطناعي، إلا أن سياسات ميتا نفسها لا تفرض قيودا عمرية واضحة على المستخدمين.
وتشير ميتا إلى وجود تحذيرات مسبقة، تؤكد أن الروبوتات قد تصدر ردودا غير دقيقة أو غير مناسبة، وأنها ليست بديلا عن الاستشارات الطبية أو النفسية أو القانونية أو المالية.
روبوتات تحاكي الرفقةتشبه هذه المبادرة إلى حد كبير ما تقدمه شركات مثل Character.AI وReplika، التي تتيح لروبوتاتها بدء محادثات تلقائية مع المستخدمين، كجزء من تجربة “الصديق الافتراضي”، إلا أن بعض هذه الشركات واجه دعاوى قضائية مثيرة للجدل، من بينها اتهام روبوت تابع لـCharacter.AI بالتسبب في وفاة مراهق.
وتأتي هذه التحركات في ظل طموحات كبيرة من ميتا في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ أظهرت وثائق قضائية تم الكشف عنها في أبريل أن الشركة تتوقع تحقيق إيرادات تتراوح بين 2 إلى 3 مليارات دولار من منتجات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025، وقد تصل إلى 1.4 تريليون دولار بحلول عام 2035، أغلبها من اتفاقيات مشاركة الإيرادات مع شركات تعتمد على نماذج LLaMA مفتوحة المصدر الخاصة بـ ميتا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ذكاء اصطناعي ميتا روبوتات دردشة روبوتات دردشة
إقرأ أيضاً:
محرقة غزة تعيد كتابة التاريخ
في زمنٍ تتكسر فيه المدن تحت الأقدام الثقيلة للحرب، وتتماوج الحقيقة بين دخان القصف وضجيج الإعلام، برزت غزة لا كمساحة صغيرة على خارطةٍ محاصَرة، بل كجبهة سردية كبرى تُعاد عبرها صياغة الوعي العالمي. فالمحرقة التي فُتحت أبوابها في أكتوبر 2023 لم تكن مجرد فصل دموي في الصراع، بل لحظة مفصلية انشقّ فيها المشهد السياسي والأخلاقي أمام عدسات العالم، وبدأت رواية جديدة تتشكل من قلب النار.
منذ 1948، نجحت إسرائيل في بناء هيمنة محكمة على الوعي الغربي، عبر شبكة مركّبة من الإعلام والسينما والجامعات واللوبيات. كانت الرواية الصهيونية تُروَّج كقدر تاريخي لا يُناقش: دولة صغيرة محاطة بالأعداء، تناضل للبقاء في مواجهة “تهديد فلسطيني” دائم. لكن حرب السابع من أكتوبر شقّت هذا الجدار القديم، ليس بسلاح المقاومة فقط، بل بقوة الصورة، وقسوة الحقيقة، وسقوط اللغة الرسمية في امتحان الأخلاق.
لم يعد الفلسطيني مجرّد موضوعٍ يُغطّيه مراسل أجنبي؛ صار هو المراسل والشاهد والضحية وصاحب الرواية. من هواتف محمولة ترتجف بين الأنقاض، خرجت صور لا يمكن لأي غرفة أخبار أن تُهذّبها، ولا لأي دعاية أن تطمسها. وفي تلك اللحظة، بدأت توازنات السرد في الانقلاب: شبكات عالمية اضطرت لمراجعة مسلّماتها، وصحف كبرى تخلّت عن كثير من احترازها اللغوي، ومنظمات أممية وجدت نفسها أمام وقائع لا تستطيع أن تُخفيها خلف مفردات “الاشتباكات” و”التوترات”.
في المقابل، واجهت إسرائيل تحديًا وجوديًا في المجال الأهم: المجال الرمزي. فالسردية التي بنتها على مدى عقود—بالقوة والدعاية—بدأت تتهاوى أمام عين طفل يبكي أمام كاميرا هاتفه، وأمام أم تبحث عن فلذات أكبادها تحت الركام. سقطت روايات “تحرير الرهائن” و”القضاء على حماس” أمام الأدلة الدامغة على المجازر؛ وتورّطت منظومة الاحتلال في تناقضات أحرجت حلفاءها قبل خصومها. حتى الإعلام العربي، الذي وقع كثير منه في فخ الحياد المزيّف، بدا عاجزًا عن ملاحقة حجم الحقيقة التي تفجّرت من غزة.
لكن التحول الأكبر تجلّى في الشارع العالمي. من نيويورك إلى باريس، من الجامعات الأميركية إلى النقابات البريطانية، خرجت الجماهير لا بوصفها مؤيدة لفصيل، بل بوصفها شهودًا على جرح إنساني أكبر من كل الحسابات السياسية. لم يعد الدعم لإسرائيل بديهيًا في الغرب، ولا النقد محرّمًا. تفككت القداسة القديمة وعاد السؤال الأخلاقي إلى الواجهة: من يقتل من؟ ومن يعيش فوق دم من؟ وفي هذا السياق، جاء قرار إدارة ترامب بربط المساعدات الفيدرالية للمدن الأميركية بعدم مقاطعة إسرائيل، لا كقانون إداري، بل كوثيقة خوفٍ سياسي من انهيار السردية الصهيونية داخل الحاضنة الغربية نفسها.
في هذه المعركة، لم تنتصر غزة لأنها الأقوى عسكريًا، بل لأنها الأصدق. لأن الرواية حين تخرج من قلب المجزرة لا تحتاج إلى زخرفة أو وسيط. ولأن الدم الذي يصبح صورة، يتحول إلى وثيقة، ثم إلى موقف، ثم إلى تاريخ يُدرَّس للأجيال. لقد أعادت غزة تعريف معنى القوة في زمنٍ تحكمه الصور، حيث لم تعد الغلبة لمن يمتلك الدبابة، بل لمن يمتلك الحقيقة.
اليوم، يقف الكيان الإسرائيلي أمام أخطر تهديدٍ في تاريخه الحديث: فقدان السيطرة على الرواية. فكم من جيش هُزم في الوعي قبل أن يُهزم في الميدان، وكم من دولة سقطت عندما سقطت شرعيتها الأخلاقية أمام العالم. ومع كل مقطع يُبث من غزة، تتراكم حجارة جديدة في جدار الحقيقة، وتنهار طبقات جديدة من الزيف الذي بُني على امتداد عقود.
أما غزة، فهي في هذه اللحظة ليست مدينة محاصرة، بل مركز جاذبية أخلاقية وسياسية. مدينة صغيرة تعيد ترتيب خرائط القوى الكبرى، وتفرض على العالم درسًا جديدًا: أن السردية ليست ملحقًا بالحرب، بل هي الحرب نفسها؛ وأن من يمتلك الحكاية يمتلك التاريخ؛ وأن من يكتب وجعه بيده لا يمكن لأحد أن يسرق صوته.
وهكذا، بينما ينهار الصمت العالمي وتتشكل تحالفات الوعي الجديدة، تكتب غزة—بدم الشهداء وصمود الأحياء—فصلًا جديدًا في ملحمة الإنسانية. فصلًا لا يمكن محوه، ولا يمكن تزويره، لأنه خرج من مكانٍ لا تستطيع الدعاية الوصول إليه: من قلب الحقيقة.
*كاتب ومحلل سياسي فلسطيني