ثمّن الأستاذ الجامعي الجزائري في علوم الرياضيات والبرمجة والذكاء الاصطناعي الدكتور عبد اللطيف بالطيب مضي الجزائر بخطى متسارعة نحو ترسيخ اللغة الإنجليزية كلغة رئيسية في منظومتها التربوية، متجاوزة بذلك إرثًا لغويًا استعمر الوعي والبرامج التعليمية لعقود، هو إرث اللغة الفرنسية، مؤكدا أن هذا "التحول لا يبدو لغويًا فقط، بل يحمل أبعادًا سياسية واستراتيجية وثقافية، تعكس رغبة الجزائر في التحرر من النفوذ الفرنسي الذي لا يزال يلقي بظلاله على قطاعات عدة، أهمها التعليم".



وأكد بالطيب في تصريحات خاصة لـ "عربي21"، أن "اللغة الإنجليزية تُقدَّم في الخطاب الرسمي الجديد في الجزائر كأداة للتحرر والانفتاح على العالم، لا كامتداد لماضٍ استعماري.

وقال: "على عكس الفرنسية، التي لطالما وُصفت في الجزائر بأنها "غنيمة حرب"، ينظر صانع القرار إلى الإنجليزية اليوم على أنها لغة المستقبل، و"لسان حال العلماء"، ومحرك أساسي في عالم يقوده الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة".

وأضاف: "هذا التحول تُرجم ميدانيًا من خلال إدراج الإنجليزية في امتحان تقييم مكتسبات تلاميذ الابتدائي، بعد أن تم تعميم تدريسها على السنتين الرابعة والخامسة، وهو ما يعد ترسيخًا عمليًا لقرار وُصف بأنه "استراتيجي" ويمهد لتغييرات جذرية في المنظومة التعليمية".

قرار رئاسي يحمل دلالات سياسية

وأشار بالطيب إلى أن "هذا التوجه كان ثمرة قرار "تاريخي" للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، القاضي بإدراج اللغة الإنجليزية في الطور الابتدائي، وهو القرار الذي يُنظر إليه كجزء من مراجعة شاملة لخيارات الجزائر اللغوية والثقافية، ومحاولة للتحرر من الوصاية الرمزية للغة الفرنسية التي تجذّرت بقوة منذ الاستقلال".

وقال: "إذا كانت الفرنسية لا تزال حاضرة في النظام التربوي، فإن مجرد دخول منافس قوي لها في الطور الابتدائي يمثل بداية نهاية هذا الاحتكار اللغوي الذي طالما غذّى علاقات الهيمنة الثقافية بين فرنسا ومستعمرتها السابقة".

تجنيد تربوي شامل لتأطير التحول

وذكر بالطيب أن "وزارة التربية الجزائرية لم تكتف بإعلان نوايا، بل انطلقت في تنفيذ خطة شاملة بدأت بتوظيف أكثر من خمسة آلاف أستاذ لغة إنجليزية للتدريس في المرحلة الابتدائية، مع إطلاق تكوينات تخصصية يشرف عليها مفتشو الطور المتوسط، وتوسيع مهام هؤلاء ليشملوا التكوين الميداني في الابتدائي. كما تقرر إجراء امتحانات مهنية لترقية أساتذة الطور المتوسط إلى رتبة مفتش تعليم ابتدائي في تخصص اللغة الإنجليزية، بدعم من وزارة المالية، ما يعكس جدية الدولة في إعادة هندسة المشهد التربوي".

وأضاف: "بعد عام واحد فقط من اعتماد القرار، أعلنت وزارة التربية تحقيق نتائج ممتازة، دفعت بها إلى تعزيز تكوين أساتذة الإنجليزية في المدارس العليا للأساتذة، في خطوة تُعد امتدادًا لتوجه يروم إعادة بناء العقل التربوي الجزائري بلغة جديدة".

وأكد بالطيب أن "إدراج الإنجليزية، وما يرافقه من أدوات تقنية ومنهجية، يمثل بداية إعادة توجيه البوصلة نحو لغة العلم والاقتصاد العالمي، في ظل تصاعد حضور الذكاء الاصطناعي كفاعل رئيسي في الحياة اليومية".

ولفت بالطيب الانتباه إلى أن الحديث عن اعتماد اللغة الأنجليزية في التعليم الابتدائي، لا يمكن عزله عن السياق السياسي المتوتر بين الجزائر وفرنسا، والذي تعمّق في السنوات الأخيرة بسبب ملفات الذاكرة والهجرة والتدخلات الإعلامية والسياسية، مشيرا إلى "أن اللغة أصبحت أداة صراع ناعم، وأحد وجوه المعركة من أجل السيادة الثقافية".

وقال: "الفرنسية، التي أرادتها باريس أداة وصل، أصبحت تُرى في الجزائر بوصفها امتدادًا لبنية استعمارية ثقافية، بينما تُقدَّم الإنجليزية كوسيلة للاندماج في العالم الجديد، بعيدًا عن عقدة المستعمِر والمستعمَر".

وأضاف: "إن ما يحدث في الجزائر اليوم هو أكثر من مجرد تعديل لغوي في المناهج الدراسية؛ إنه مشروع وطني لاستعادة القرار الثقافي والتربوي، ولبناء أجيال قادرة على التفاعل مع عالم متعدد الأقطاب، تقوده التكنولوجيا، وتسيّره لغات العِلم لا لغات السياسة الاستعمارية. الإنجليزية في الجزائر ليست "غنيمة حرب"، بل خيار سيادي واستثماري في مستقبل وطن، قرر أخيرًا أن يفتح نوافذه على العالم بلغته لا بلغة غيره."، وفق تعبيره.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد قرّر في خطوة وصفت بـ "التاريخية" إدراج اللغة الإنجليزية في التعليم الابتدائي ابتداءً من السنة الثالثة، اعتبارًا من الموسم الدراسي 2022-2023، في إطار مراجعة شاملة للسياسة اللغوية في البلاد.

جاء هذا القرار في سياق رغبة رسمية متنامية في فك الارتباط مع إرث الهيمنة الثقافية الفرنسية، واستبدال الفرنسية، التي طالما وُصفت بأنها "غنيمة حرب"، بلغة تُعد اليوم أداة للعلم والمعرفة والانفتاح على العالم، وهي اللغة الإنجليزية. هذا التوجه الاستراتيجي عكس سعي الجزائر لتحرير منظومتها التربوية من النفوذ الاستعماري القديم، وربطها بمستقبل تقوده التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية الجزائري الإنجليزية التعليمية الفرنسية الجزائر تعليم فرنسية إنجليزية مكانة المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة اللغة الإنجلیزیة الإنجلیزیة فی فی الجزائر

إقرأ أيضاً:

بتكلفة 294 مليون جنيه.. التسليم الابتدائي لخلية الدفن الصحي بشبرامنت

 أعلنت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، والدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية، التسليم الابتدائي لخلية الدفن الصحي بشبرامنت بمحافظة الجيزة.

ويعد الأكبر من نوعه في مصر ، وذلك في إطار خطة الدولة لتطوير البنية التحتية لمنظومة المخلفات البلدية الصلبة، وتنفيذ المرحلة الخامسة من مشروعات البنية الأساسية لمنظومة النظافة، ضمن التعاون المشترك بين وزارات التنمية المحلية والبيئة والتخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والهيئة العربية للتصنيع.

تم تسليمها رسميًا إلى محافظة الجيزة بحضور قيادات وزارتي التنمية المحلية والبيئة والمحافظة.

ومن جانبها أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد أن خلية الدفن الصحي التي تم تسليمها تُعد من أكبر خلايا الدفن على مستوى منطقة الشرق الأوسط، حيث تم إنشاؤها على مساحة 71 فدانًا، بالإضافة إلى تنفيذ عدد 2 بحيرة تبخير بمساحة إجمالية بلغت نحو 29,4 ألف متر مربع.

وأضافت أن المشروع يتضمن تنفيذ شبكة طرق داخلية بمساحات تقدر بنحو 14 الف متر مربع ، ومجموعة متكاملة من التجهيزات الفنية والتشغيلية تشمل عدد 1 مولد ولوحات توزيع كهربية، وشبكة حديثة لتجميع ونقل سائل الرشيح من الخلية إلى بحيرات التبخير، مكونة من خطين مواسير HDPE قطر ٩٠ مم.

وأوضحت الدكتورة ياسمين فؤاد، أن خلية الدفن الصحي بشبرامنت تمثل نموذجًا متكاملًا للبنية التحتية البيئية الحديثة، حيث تم تنفيذها وفقًا لأعلى المعايير الفنية والبيئية المعتمدة، بما يضمن تحقيق الإدارة الآمنة والسليمة للمخلفات البلدية الصلبة، ويحد من المخاطر البيئية الناتجة عن التراكمات والمقالب العشوائية.

وأشارت ياسمين فؤاد إلى أن إنشاء خلية الدفن الصحي بشبرامنت، والمرافق التابعة لها، يسهم في تقليل الانبعاثات الناتجة عن الحرق العشوائي، والحد من غازات الاحتباس الحراري، وهو ما يتماشى مع التزامات مصر البيئية وتوجهاتها نحو دعم العمل المناخي والتحول إلى الاقتصاد الأخضر،مشيرة إلى أن المشروع يأتي في إطار جهود الوزارة بالتنسيق مع الوزارات الشريكة لتعزيز قدرة المحافظات على تنفيذ الحلول المستدامة في إدارة المخلفات، ودعم خطط التخلص الآمن من النفايات.مؤكدة أن الوزارة تواصل العمل على تطوير المنظومة المتكاملة للمخلفات من خلال الدمج بين البنية التحتية والتكنولوجيا الحديثة، لتقديم خدمة فعالة تحافظ على الصحة العامة وتحسن جودة البيئة للمواطنين.

وأوضحت الدكتورة منال عوض، أن التكلفة الإجمالية لتنفيذ خلية الدفن الصحي بشبرامنت قد بلغت نحو 294 مليون جنيه، و تم تزويدها بعدد 2 طلمبة لرفع وضخ سائل الرشيح من الخلية الرئيسية إلى بحيرة التبخير، وشبكة مواسير دفع نفقي بعدد  7 خطوط لنقل سائل الرشيح ، كما تم تنفيذ بئرين لمراقبة المياه الجوفية، كما يوجد بالمدفن العديد من التجهيزات اللازمة لعمليات التشغيل منها غرفة أمن، وغرفة للمولدات تحتوي على عدد 2 مولد كبير ولوحة توزيع  رئيسية، وأعمدة إنارة، وخزانات للمياه، بالإضافة إلى مبنى إداري رئيسي، وخزان وقود ومغسلة سيارات.

وأشارت وزيرة التنمية المحلية إلى أن محافظة الجيزة شهدت خلال السنوات الأخيرة طفرة كبيرة في مشروعات تطوير منظومة إدارة المخلفات، حيث تم الانتهاء من رفع نحو 365 ألف طن من التراكمات التاريخية بمنطقة كعابيش بتكلفة بلغت 63 مليون جنيه، ويجري حاليًا تنفيذ مصنع شبرامنت لمعالجة وتدوير المخلفات البلدية الصلبة بتكلفة تُقدر بـ 495 مليون جنيه، وذلك في إطار جهود الدولة للتحول نحو الإدارة الرشيدة للمخلفات والاستفادة منها كأحد الموارد الاقتصادية.

وأضافت وزيرة التنمية المحلية أنه يجري كذلك تنفيذ عدد ٢ مدفن صحي بمركزي العياط وأطفيح بتكلفة إجمالية قدرها 125 مليون جنيه، كما تم تسليم معدات المحطة الوسيطة المتحركة بمركز البدرشين بقيمة 15 مليون جنيه، إلى جانب تنفيذ المرحلة الأولى من المدفن الصحي بمدينة شبرامنت بتكلفة بلغت 35 مليون جنيه، وأشارت إلي أن إجمالي الاستثمارات التي تم ضخها لتطوير المنظومة المتكاملة لإدارة المخلفات بمحافظة الجيزة بلغ نحو 1.25 مليار جنيه، في إطار استراتيجية الدولة لبناء منظومة وطنية فعالة ومستدامة، تسهم في تحسين مستوى النظافة العامة والخدمات البيئية المقدمة للمواطنين، وتعزز جهود الحفاظ على الصحة العامة والبيئة.

طباعة شارك الدفن الصحي بشبرامنت لخلية الدفن الصحي الحلول المستدامة وزيرة التنمية المحلية

مقالات مشابهة

  • نائبة تطالب بعدم وجوبية اعتبار الدين مادة أساسية وأن يكون النجاح فيها من نسبة 70%
  • طريقة التقديم لـ رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي 2025-2026
  • محمد عفيفي: المخابرات الإنجليزية رأت في الإخوان حلا مثاليا لمواجهة حزب الوفد
  • تأكيدا لما نشرته عربي21.. حماس تسلم ردا إيجابيا للوسطاء بشأن مقترح هدنة غزة
  • مصرع نجم ليفربول تتصدر الصحف الإنجليزية
  • عبد النباوي يُنتخب رئيسًا لجمعية المحاكم العليا التي تتقاسم ‏استعمال اللغة الفرنسية
  • «وزير الري»: إثيوبيا تحاولة فرض الهيمنة المائية بدلا من الشراكة والتعاون.. و مصر لن تسمح بهذا
  • عربي21 تنشر نص المقترح الجديد بشأن هدنة الـ60 يوما في غزة.. ما موقف حماس؟
  • بتكلفة 294 مليون جنيه.. التسليم الابتدائي لخلية الدفن الصحي بشبرامنت