إذا كان اللون الأبيض في القارة الآسيوية -كما عندنا وكذلك في الغرب، بشكل عام- يرمز إلى النقاء، فهو أيضًا لون الحزن المزعج. لو عدنا مثلا إلى كتاب زيامي عن جماليات مسرح "النو" الياباني (الذي يتضمن وصفات وحِيَل مهنة التمثيل العائدة إلى تلك "الفلسفة الجمالية")، لوجدنا أن الأشباح تتجول وهي ترتدي أقنعة بيضاء في "أرض الإذلال".
على بياض الوضوح الشديد، يُفضّل مؤلف كتاب "في مديح الظلال" الوهج الذهبي الباهت، الذي يُكشف جماله "بشدّة". يقول إن الضوء خافت، ولا يشعر بأي نفور تجاه ما هو غامض. ويتذكر النفور الذي شعر به البيض تجاه الرجال الملونين: "في زمن الحرب الأهلية (والمقصود حرب الانفصال الأمريكية)، حين بلغ اضطهاد السود ذروته، لم تقتصر كراهية البيض واحتقارهم عليهم وحدهم، بل امتدّ إلى ذوي الأعراق المختلطة، إلى ذوي الأعراق المختلطة البيض، وهكذا دواليك. [...] كانت أعينهم المدربة ترصد أدنى فارق لوني مخفي في أشدّ البشرة بياضًا، في أناسٍ لم يكونوا، للوهلة الأولى، مختلفين عن البيض الأصيلين. أما أصحاب البشرة الصفراء (الذين تُشوّه بشرتهم بالحجاب، كما يقول تانيزاكي)، فإنهم يُكوّنون علاقات مع الظلال والألوان الباهتة والبيئات الغامضة.
إذا كان تانيزاكي يلجأ بسهولة أكبر إلى كلّ ما يتعلق بالظلال، فإن كاواباتا، من دون شك، هو الخبير في فن التلاعب برمزية الأبيض والأسود. بين ظلمة مآسي الحب في "بلاد الثلج" وأزهار "سرب طيور بيضاء" البيضاء، يتجلى كلّ شيء على خط رفيع حيث تنشر إحدى فتيات الــ(غيشا) "سحرها السام": "الثلج هو الذي يغسل القماش ويُبيّضه. [...] تعمل أيادي النساء في "بلاد الثلج" هذه طوال أشهر الشتاء الثلجية الكثيفة، فقط لنسج، ولتحويل القنّب المحصود من حقول الجبال الشاهقة إلى قماش خفيف". النساء أكثر إغراءً، وفقًا للمسافر، في هالة خفيّة من اليأس والضيق.
في "سرب طيور بيضاء"، يقع شاب في حبّ أمه التي تموت، ثم يقع في حبّ ابنته. تدور أحداث قصة الحب المعقدة والمتعثرة في إطار انفجار زهري، بين أزهار متقدة وأزهار نقية، يداعبها النسيم. تُجسد نساء الزهور أحيانًا النقاء المطلق، وأحيانًا غموض البياض الممزوج بسواد مُقلق. هذا ما يُميز مزيج ألوان كاواباتا: حسيّة الأبيض تُضاف إلى نقيضه، الموت، الحداد. كما يُمكن أن يكون الوضوح مرادفًا للون طيفي.
كان كاواباتا عاشقا للجمال بجميع أشكاله، وقد ربط دائما بين فكرة كمال الأشكال -منظر طبيعي، شيء، جسد- ومفهوم النقاء. يجب أن يكون المنظر الطبيعي -أكان جبلًا أم بحيرة- خاليًا من أي شوائب، ومن أي تدخل غير متوقع لعنصر بصري آخر قد يُغير بريق سطحه، كما ترتيبه الطبيعي المتناغم مع أغصان شجرة الصنوبر، وتصميم الأزهار البرية الأولى، التي نتأملها عن كثب، في أحد صباحات شهر مارس، حين تكون السماء، لحسن الحظ، خالية من الكآبة والمطر.
لكن هذه "الجمالية البيضاء"، لا تُقتصر على الطبيعة فقط، بل هي جمالية الجسد أيضا. فلكي يحقق الجسد هذا الجمال، يجب أن يكون -وفق كاواباتا- أملسا، خاليًا من الملحقات المرئية والعضلات الظاهرة، خاليًا من الشَعر تمامًا -فكل أنواع الشعر ممنوعة- من دون أي عيوب، وبالتالي هو جسد شاب، وبالطبع أبيض.
من هنا ثمة سؤال يطرح نفسه: هل يمكن لــ"عبادة البياض النقي" هذه (فيما لو جاز التعبير): أن تكون سمة يابانية أكثر من كونها سمة عائدة لحضارة أخرى؟ أقول "بياض" وأشير إلى أمر أساسي: فــ(البياض) هنا الذي يجب أن يلف كل شيء، ينحرف فورًا عن النموذج الغربي كما عن نموذجنا -الذي ليس نموذج الزنبق، أو احتقار الجسد أو جهله، أو نموذج العذراء مريم والزهد. لا شيء أكثر حسيةً من بطلات جميع روايات وقصص ومسلسلات كاتب غزير الإنتاج، والذي لا تقل أعماله الكاملة عن سبعة وثلاثين مجلدًا. في أي حال، مخلوقات كاواباتا، تبدو دائما وكأنها "مقطوعة بالنظر" على خلفية غالبًا ما تكون سوداء اللون، وكأن كل البركان المظلم لهذه الأرض السوداء المتفتتة والمتشققة والمتأوهة، والتي يهرب منها ألف نبع من ألف شق، شكلت لها بيئة كبريتية جعلت روعتها الهشة أكثر إبهارًا.
يتنافس الحب والموت في لعبة لا رابح فيها ولا خاسر، حيث يكون البياض الباهر لونًا جنائزيًّا بقدر ما هو لون انتصار الجسد. في آسيا، يعكس الأبيض، المُقدّم بفخر للتعبير عن الخسارة، بفخرٍ مماثلٍ رغبةً في اكتشافٍ يقود إلى الهلاك، ولكن كل هذا في مشهدٍ من الزهور التي تتفتح في روعةٍ قاتمة.
هل فعلا أن الأبيض هو لون انتصار الجسد؟ هكذا سألت نفسي من أيام وأنا أتلقى جلسة جديدة من جلسات العلاج. كان كلّ البياض الذي يلفني -بدءا من تلك الملاءة الخفيفة التي يجعلونني أرتديها، مرورا بشراشف السرير وطلاء جدران الغرفة والحُقن التي تُغرس في أوردتي وغيرها من الآلات التي تحيط بي- لا يشير إلا لشيء واحد: انهيار الجسد الذي لا يزال يغلف روحي. يمكن فعلا للأبيض أن يكون لون الحزن ولون اليأس ولون الرغبة في الرحيل بعيدا.
وأنا أكتب هذه الجملة، تذكرت مشهدا -تكرر لمرات عدة- في شريط المخرج بوب فوس السينمائي "كلّ هذا الجاز". إنه جسد الممثلة جيسيكا لانج التي كانت تمثل دور ملاك الموت، وكانت ترتدي... الأبيض، والتي لم تتوقف عن دعوة مصمم الرقص (يلعب الدور روي شنايدر) إلى اللحاق بها.
هي رحلة الحياة. التي علينا أن نجتازها بين لونين لا أكثر (برغم كل زهورها). فكل هذا البياض ليس سوى محاق، يخبرنا بنهاية الرحلة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أن یکون الذی ی التی ت
إقرأ أيضاً:
صراع عمالقة آبل: هذا هو الفارق الذي قد يفصل بين iPhone 17 Pro وPro Max
هاتف آيفون (مواقع)
تستعد شركة آبل للإعلان عن سلسلة iPhone 17 في شهر سبتمبر المقبل، وسط ترقب واسع من المستخدمين والمحللين على حد سواء، لكن ما يميّز هذه النسخة عن سابقاتها ليس فقط التصميم أو الكاميرا.
بل اختلاف جوهري واحد بين طرازي Pro و Pro Max قد يكون ورقة الحسم للمستخدمين هذا العام.
اقرأ أيضاً هاتف ببطارية "خارقة" وذاكرة ضخمة.. Redmi 15C يغزو الأسواق 10 يوليو، 2025 iPhone 17 Air يفجّر مفاجآت بالألوان والتصميم.. أزرق يقترب من الأبيض ونحافة غير مسبوقة 10 يوليو، 2025وكما جرت العادة، يأتي iPhone 17 Pro Max بحجم أكبر من شقيقه الأصغر:
iPhone 17 Pro: شاشة 6.3 بوصة
iPhone 17 Pro Max: شاشة 6.9 بوصة
لكن الاختلاف هذا العام لن يتوقف عند الحجم، بل قد يمتد إلى جانب أكثر أهمية للمستخدمين: عمر البطارية.
بطارية أكبر.. أداء أطول:
تشير التسريبات إلى أن طراز Pro Max سيكون أكثر سمكًا بنسبة 5% من الجيل السابق (iPhone 16 Pro Max)، ويرجّح أن هذه الزيادة مخصصة لاستيعاب بطارية أكبر حجمًا، يُتوقع أن تصل سعتها إلى 5000 مللي أمبير، مقارنة بـ4676 مللي أمبير فقط في الإصدار السابق.
في المقابل، من المتوقع أن يحافظ iPhone 17 Pro على نفس سمك iPhone 16 Pro، ما يعني أن بطاريته لن تشهد تغييرًا كبيرًا.
ماذا عن الكاميرات والمميزات الأخرى؟:
رغم ما تعوّدنا عليه في بعض الإصدارات السابقة من تفوّق Pro Max في الكاميرات، هذا العام لن يكون هناك فرق كبير على هذا الصعيد، إذ من المتوقع أن يتشارك الطرازان في:
كاميرات خلفية ثلاثية بدقة 48 ميجابكسل
كاميرا أمامية مطورة بدقة 24 ميجابكسل
أما ما أشيع عن تقليص حجم "الجزيرة الديناميكية" (Dynamic Island) في Pro Max، فقد تم التراجع عنه مؤخرًا، حيث من المتوقع أن تحصل جميع طرازات iPhone 17 على نفس التصميم الديناميكي.
خلاصة الفرق: حجم وبطارية.. لا أكثر:
رغم التشابه الكبير بين iPhone 17 Pro وPro Max من حيث الأداء والكاميرات، فإن الحجم الأكبر والبطارية الأطول في Pro Max قد تكون سببًا كافيًا لبعض المستخدمين لاتخاذ قرار الشراء.
فهل تستحق هذه الفروقات فرق السعر؟ الجواب بيدك… لكن المؤكد أن آبل تُراهن على التفاصيل الصغيرة لجذب أكبر عدد من المستخدمين.
مساحة نت12 يوليو، 2025 فيسبوك X لينكدإن Tumblr بينتيريست Reddit تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة اقرأ أيضاً شاومي تقلب الطاولة على الكل بهاتف Redmi 12C .. مواصفات استثنائية وسعر مناسب22 يونيو، 2023 تحذير أمني عالي الخطورة من الأمن السيبراني بخصوص تحديثات أبل.. ثغرات مخيفة13 سبتمبر، 2022 هاتف جديد من هواوي قابل للطي وبسعر منافس.. بمواصفات ولا في الأحلام15 يونيو، 2023 ميزة جديدة من واتساب تضمن إرسال الصور بجودتها الأصلية.. هكذا تعمل24 يناير، 2023شاهد أيضاً إغلاق تقنية iQOO Neo10 Pro يفاجئ الجميع: معالج صاروخي وكاميرا مزدوجة بسعر لا يُصدق 12 مايو، 2025أخر الأخبار صراع عمالقة آبل: هذا هو الفارق الذي قد يفصل بين iPhone 17 Pro وPro Max 12 يوليو، 2025 5 أبراج لا تعرف طعم الراحة.. الاجتهاد يجري في عروقهم وهذا سر تفوقهم المهني 11 يوليو، 2025 دواء ثوري يؤخر أعراض السكري لسنوات: اكتشف "تيبليزوماب" وطريقة استخدامه 11 يوليو، 2025الأكثر شعبية فضيحة سياسية؟: وزير الدفاع السابق يرد على الاتهامات ويكشف حقيقة تسليم صنعاء 6 يوليو، 2025 قرار سعودي "مزلزل".. ليلى عبداللطيف تفجر توقعات تلامس قلوب العرب والمسلمين 9 يوليو، 2025التصنيفاتأخبار الخليجأخبار السعوديةأخبار اليمنأخرىتقنيةصحةفن ومشاهيرفيديومقالاتمنوعاتفيسبوكXتيلقرامصفحاتأرشيفالأكثر مشاهدةالرئيسيةتواصل معناسياسة الخصوصيةعالممن نحن جميع الحقوق محفوظة 2025فيسبوكXتيلقرام فيسبوك X واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوكXتيلقرام إغلاق بحث عن