سالم البادي"أبومعن"
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم أمتي أمتي»، وكان يبكي من شدة حرصه على أمته، وذلك من شدة حبه صلى الله عليه وسلم لأمته وخوفه عليهم، وقد جاء في الحديث أنَّ الله تعالى أرسل جبريل ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب بكائه، رغم أنَّ الله يعلم بكل شيء، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أمتي أمتي»، فقال الله لجبريل: «قل لمُحمد: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك».
فماذا لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا حالنا كيف سنُبرر له فساد الأحوال، وانتشار الذنوب والمعاصي؟ كيف سنشرح له انشغالنا بالدنيا وابتعادنا عن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، بل كيف سندافع عن تخاذلنا وتقاعسنا عن نصرة إخوتنا المسلمين في بقاع المعمورة. هذه حال أمتك يا رسول الله، تغير حالها كثيراً وأنت القائل: «تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، وحينما تم سؤالك أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قلت: «لا، بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل». وها نحن اليوم كُثر، ولكن شغلتنا الدنيا وزينتها.. فعذرًا يا رسول الله..
"أمّتِي.. أمّتِي يا رب" قالها رسول الله الذي ربى المُسلمين على أن يكون هَمّهُم هو الأمة، غرس فيهم المودة والمحبة والرحمة والتعاطف والتعاون فيما بينهم، وعلمهم بأن أمتهم كالجسد الواحد يحزنون لما يصيبها، ويقفون صفاً واحداً في حل قضاياها في كل مكان وزمان. علمهم عليه الصلاة والسلام الوقوف صفا واحدا مع أمتنا في كل بلد مسلم بعيدا عن القوميات والجنسيات، فديننا واحد وربنا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة ورسولنا صلى الله عليه وآله وسلم واحد، نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم، نعيش معهم همومهم ومعاناتهم، ونتضامن معهم، ننصرهم فكرا واغاثة وإعلاما، وموقفا سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وبالكلمة والمال والنفس والدعاء وهو أضعف الإيمان.
تشهد أمتنا اليوم واقعاً أليماً ومريراً، فقد فوصل بها الحال إلى أن تداس أجساد المسلمين وتدنس وتهتك أعراض المسلمات، وتهجر وتحرق وتسفك دماء الأطفال الأبرياء، فلا رحمة ولا شفقة بهذه الأمة، ولا دموع ولا حسرة، ولا همّ ولا تعب من أجلها، إنما هم أمتنا المصالح والكراسي والمناصب والدراهم.
فهاهي "غزة هاشم" خير برهان لحال الأمة لما وصلت إليه.. تباد منذ ما يُقارب العامين، سلبت أرضهم وحرقت ونسفت ودمرت بيوتهم وأصبحوا في العراء بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء ولا ماء، وآلة العدو تدك شعب غزة يوميا وكل ساعة دون توقف والمجازر والإبادة الجماعية مستمرة ولا حياة لمن تنادي..!!، أليست هذه الأمة التي قال في حقها العزيز الحكيم(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).
فإلى متى هذا الصمت الدولي والعربي والإسلامي حيال هذا الحال الذي يدمي القلوب فقد صار مخزياً بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، أين الأمة التي نادى لها رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم:" أمتي..أمتي ؟ أين نصرة المظلومين المكلومين المستضعفين؟ أين النخوة العربية والإسلامية؟، وهل غاب الضمير الإنساني والقيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية؟ أين العالم الحر والشعوب الحرة والمنظمات والهيئات والمؤسسات الأممية والدولية لإغاثة وإنقاذ شعب غزة؟ أين هؤلاء من رسول الله -صلى الله عليه وآله سلم- الذي كان يبكي لأجل هذه الأمة، ولأجل سعادتها، وخوفا على مستقبلها، ورغبة في نجاتها، كان يبكي -صلى الله عليه وسلم- رحمة بها وشفقة عليها.
"أمتي أمتي" هي عبارة تتكررت على لسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتعبر عن شدة حرصه وعظيم شفقته على أمته. هذا التعبير، الذي يبدو بسيطًا لكنه يحمل معاني عميقة ودلالات واسعة حول مكانة الأمة الإسلامية ومنزلتها عند الله وعند رسوله، فالعبارة تدل على عمق الشفقة والرحمة التي يحملها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قلبه تجاه كل فرد من أمته، فهو لا يرضى لهم الضلال أو العذاب. كما تدل على وحدة الأمة الإسلامية، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليها كجسد واحد، يتألم لآلامها ويفرح لأفراحها. وتبعث الأمل والرجاء في نفوس المسلمين، فهي تذكرهم بأن نبيهم لم ينساهم وأنه يدعو لهم في كل وقت وحين، وخاصة في الازمات والمواقف الصعبة.
إن تخلف الأمة اليوم أصبح قضية معقدة ومتعددة الأبعاد، فهناك العديد من العوامل التي ساهمت في هذا التخلف، بما في ذلك الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والخلافات والانقسامات وعدم الوحدة والتشتت بين الدول الإسلامية والمسلمين أنفسهم، مما أضعف تأثيرهم وقدرتهم على مواجهة التحديات والأزمات، وكذلك انتشار الجهل والتخلف العلمي وضعف الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي، والابتعاد عن روح الابتكار والاكتشاف التي كانت سائدة في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية، وتفشي الفساد وانعدام الشفافية في بعض المؤسسات الحكومية والاجتماعية، مما أعاق التنمية وقوض الثقة.
فرغم ما تمتلكه أمتنا الإسلامية من مقوّمات حضارية وثروات بشرية ومادية، إلا أن طريقها نحو التقدّم لا يزال محفوفًا بالعقبات. في ظل العديد من المعوّقات التي كبلت حركة النهضة، حيث تنعدم في كثير من الأنظمة السياسية قيم العدالة والمساواة، وتُقمع فيها الحريات، ويُحاصر فيها الإبداع، فلا صوت يعلو فوق صوت الحاكم، ولا مشاركة حقيقية في صنع القرار.
ويضاف إلى ذلك التبعية الاقتصادية التي جعلت العديد من الدول الإسلامية أسيرة للقرارات الغربية، تابعة في سياساتها، مقيدة في خياراتها، فاقدة لقدرتها على رسم مسارات مستقلة تضمن لها السيادة والكرامة.
ولا يمكن إغفال ضعف القيادات في عدد من هذه الدول، إذ تفتقر الأمة في كثير من الأحيان إلى قادة يمتلكون الرؤية والحكمة، ويضعون مصلحة الأمة فوق مصالحهم الشخصية أو الحزبية.
ومع ذلك، لا يجوز أن يُسدل الستار على مشهد قاتم فقط، فثمة دول إسلامية حققت نجاحات ملموسة في مختلف المجالات، وثمة جهود جبارة يبذلها أفراد ومؤسسات لإصلاح الواقع، وبث روح جديدة في الجسد المنهك، وتقديم نموذج حضاري إسلامي يُحتذى به. لقد بدأت بعض السياسات تتحول في اتجاه إيجابي، مما يدل على أن الأمل ما زال قائمًا، والفرصة للتغيير ممكنة.
وفي خضم هذا الواقع، تأتي كلمات "أمتي أمتي" كنداءٍ حار يعيد إلى المسلمين شعور الانتماء، ويُوقظ فيهم الوعي بوحدتهم، ويحُثّهم على التعاون والتكاتف، ويذكّرهم بأنهم جزء من كيان عظيم يجب أن يعمل على نهضته ويقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سعيه لبناء أمة راسخة عادلة.
وغزة، رمز الصمود وجرح الأمة النازف، تنادي من تحت الأنقاض، من بين صرخات الأطفال وآهات الشيوخ ودموع النساء. هناك، حيث لا مأوى إلا السماء، ولا فراش إلا الأرض، يصطفّ شعبٌ أعزل يُواجه أعتى آلة عدوان، لا لشيء إلا لأنه جزءٌ منّا، من هذه الأمة. أفلا يستحق هذا الشعب نصرتنا؟ أليس من حقه علينا أن نكون عونًا له في وجه الظلم؟ إنَّ ما يحدث في غزة ليس مُجرد مأساة إنسانية، بل هو اختبار حقيقي لضمير الأمة، ومقياس حيّ لمدى صدق شعارات الوحدة والتكافل والتضامن التي نرددها.
يا أمة الإسلام أين جهادكم
ودفاعكم عن حوزة القرآن
فكتابكم جمع الهداية كلها
وكذا العلوم لسائر الأزمان
إني أحب المتقين بقوة
وأحب من يحمي حمى الرحمن
سيروا إلى الهدى العظيم بهمة
وتسلحوا بعقيدة الإيمان
فالله خير حافظ لكتابه
وهو القوي بعزة السلطان
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم النبی صلى الله علیه صلى الله علیه وسلم رسول الله هذه الأمة أمتی أمتی
إقرأ أيضاً:
حب الأوطان من الإيمان
إنَ وطنناَ المملكةَ العربيةَ السعُوديةَ وطنٌ عظيمٌ القدرِ رفيعُ المكانةِ، يكفيهِ شرفاً أنهُ مهدُ النبوةِ ومُنطلقِ الإسلامِ وقلعتُهُ الحصينةِ ومنارةُ التوحيدِ العاليةِ الرفيعةِ إلى قيامِ الساعةِ، كما في قولهِ صلى الُله عليهِ وسلمَ “لا هجرةَ بعد الفتحِ” يعني فتحَ مكةَ لأنها أصبحت دارُ إسلامٍ وستظلُ كذلكَ بإذن اللهِ إلى آخرِ الزمانِ.
فسيبقى هذا الوطنُ الذي نعتز بهِ أبدَ الدهرِ مهداً للإسلامِ وحصناً لهُ ومأرِزاً، وملجأ بعد اللهِ إلى يومِ الدينِ فقد قال النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ “إِنَّ الإِيْمَانَ لَيَأْرِزُ إلى المدينَةِ كمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إلى جُحْرِها”.
فيكفيهِ فخراً ومجداً أنهُ يضمُ بينَ جنباتهِ خيرَ البقاعِ وأفضلُ الأصقاعِ وأقدسُ الأماكنِ مكةَ المكرمةَ والمدينةِ المنورةِ وعلى أرضهِ وثراه ارتفعت أقدامُ النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلم.
هذهِ بلاديِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ جعلها اللهُ قبلةً للمصلينَ ومنارةً للناسِ أجمعينَ وأوجبَ على عبادهِ المؤمنينَ المستطيعينَ شد الرحالِ إلى بيتهِ العظيمِ، فجعلَ بيتهُ مهوى أفئدةِ المسلمينَ ومحطُ أنظارهِم ومحل تقديرِهِم وإجلالِهِم استجابةً لنداءِ أبينا إبراهيمَ عليهِ السلامُ كما في قوله تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) “فحملت على عاتِقِها خدمةَ ضيوفِ الرحمنِ.
هذهِ بلادُنا محلُ اعتِزازُنا منبعُ الأخلاقِ الفاضلةِ والقيمِ النبيلةِ، يكفينا فخراً فيكَ يا وطني أننا وُفقنا بقيادة حكيمةٍ راشدةٍ افتخرَ قادتُها بأن يكونوا خُداماً للحرمينِ الشريفينِ ورضوا بأن يكونَ شِعارُ هذهِ البلادِ الإسلامُ تطبيقاً و خدمة ونشراً، واهتماماً بأهلهِ، والكتابُ والسنةُ دستورُ هذهِ البلادِ ومنهجها، وقامت من بينِ الدولِ الإسلاميةِ بتطبيقِ أحكامِ الشريعةِ وأمرت بالمعروفِ ونهت عن المنكرِ ولهذا فقد عُنيت منذُ تأسِيسها ببناءِ الدولةِ على التوحيدِ والوحدةِ وحمايةِ بيضةِ الإسلامِ وترسيخِ مبادِئهِ والدعوةِ إليهِ وتبليغهِ للناسِ أجمعينَ، وحملت على عاتِقِها نصرُ المسلمينَ وحل قضاياهُمُ وجمعِ كلِمتِهم ولمِ شملِهِم وتوحيدُ صُفُوفِهِم.
وفضائلِ هذا البلدِ المباركِ وخصائصهُ أكثرُ من أن تُذكر، وما حباهُ اللهُ من النعمِ والخيراتِ أعظمُ من أن يُحصر، تارِيخُهاَ مُشرفُ منذُ عهدِ النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلم إلى عهد الخيرةُ الكرامُ من آلِ سعودٍ أكبرُ من أن يُختصرُ فللهِ الحمدُ أولاً وآخِراً.
وإن الإنجازاتِ والإصلاحاتِ التي تمت في هذاَ البلدِ المباركِ منذُ قيامهِ وتأسيسهِ على يديِ الملكِ عبدالعزيزِ آلِ سعودٍ -طيبَ اللهُ ثراهُ وتغمدهُ بواسعِ رحمتهِ- تجعلُ المرءَ حائراً عن ماذا يتحدثْ، لأنَ الإنجازات كثيرةٌ ومتنوعةٌ، والإصلاحاتُ المتتابعةُ والقفزات الحضاريةِ شمِلت كل جوانبِ الحياةِ الدينيةِ والدُنيويةِ، والمشاريعُ التنمويةُ التي تتابع عليها حُكامُ هذهِ البلادِ فاقت الحصر والعد.
فقد شهِدتِ المملكة العربية السعودية خلالَ سنواتِ معدوداتٍ قفزاتٍ تنموية وحضارية مُذهلة في شتى المجالاتِ، وحققت في فترةٍ وجيزةٍ ما لم تُحقِقه دُول مُجتمِعة.
فبالإضافةِ للمكانةِ الدينيةِ للمملكةِ العربيةِ السعُوديةِ أصبحَ لها مكانة سياسية واقتصادية وثقافية وحضارية مرمُوقة، ولها بعد إستراتيجي عالمي مؤثر.
إنَ نِعم اللهِ عز وجل علينا كثيرة في هذا البلدِ المبارك وإن أعظمَ نِعمة نعِيشُها ونتفيأ ظِلالها هي نِعمةُ الأمنِ التي هي أعظمُ من نعمةِ الرزقِ، ولذلك قُدمَ الأمنُ على الرزقِ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ كما في قوله تعالى﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾،
وقد قُدِمَ الأمنُ على الرزقِ لسببينِ: –
السبب الأول: أن استتباب الأمن وانتشاره بين العباد سبب لحصول الأرزاق فإذا انتشر الأمن خرج العباد للبحث عن أرزاقهم.
السبب الثاني: أنه لا يطيب العيش بلا أمن ولن ينتفع أحد برزقه إذا فقد الأمن والاستقرار وشاهد ذلك ما نراه في بعض الدول التي غاب أمنها فغابت حياتها ومقوماتها.
وقد امتن الله على عباده بنعمة الأمن فقال جل من قائل عليما (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ).
ولذلك فإن الأمن مطلب الناس جميعا ولا يتأتى القيام بالعبادة على وجهها إلا في ظل الأمن.
ومما يدل على نعمة الأمن قوله صلى الله عليه وسلم “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا “.
والأمن هو طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمن يطلق ويراد به عدة معاني، أمن فكري وأمن عقائدي وأمن سياسي وأمن اقتصادي وأمن اجتماعي وأمنهم الحياتي، ولقد كان أعداء الإسلام منذ زمن بعيد همهم هو زعزعة أمن المسلمين في كل حياتهم لعلمهم التام أن الإنسان المسلم لا يستطيع أن يقوم بأوامر الدين وخدمة الوطن إلا في وجود الأمن والطمأنينة.
ولقد جاءت نظرةُ الإسلامِ للأمنِ نظرةً شموليةً وليست مقتصرةً على السرقةِ والسلبِ والقتلِ وغيرهِ.
وإن مما تعظم الإشارة إليه ويهمنا في هذا اللقاء هو الأمن الفكري وهو الحفاظ على العقيدة السليمة الصحيحة الخالية من الزيغ والشبهات والتحريفات والجماعات الخارجة على ولي الأمر، فللعقول لصوص محترفون خبثاء يخططون لهدم الدين وزعزعة أمن المسلمين والدعوات المتكررة للمظاهرات والخروج على ولاة الأمور واستباحة دماء المعصومين.
فمن أسباب تحقيق الأمن ووسائل حفظه:
أولاً: شكر الله تعالى: فالنعم تدوم بشكرها والمحافظة عليها وحفظها.
ثانياً: توحيد الله تعالى والعمل بطاعته سبحانه والاستقامة على أمره وعدم مخالفته فقد قال تعالى “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ “.
ثالثاً: التمسُكَ بالكتابِ والسُنةِ وتطبيقُ الحدودِ.
رابعاً: نشرُ فهمِ السلفِ الصالحِ والارتباطِ بالعلماءِ الثقاتِ المعروفينَ بحُسنِ المنهجِ وقد ضل من ضل من بعضِ الشبابِ هداهمُ الله بتلقي العلمِ من غيرِهم ونشرهِم للمفاهيمِ الخاطئةِ في فهمِ نصوصِ الكتابِ والسُنةِ وعدمِ عرضِها عليهم واعتمادِهم على ما يمليهِ عليهم أعداءُ الدينِ حتى وقعوا في قتلِ الأبرياءِ والمستأمنينَ. ونادى بعضُهُم للخروجِ على وليِ أمرِ المسلمينَ وكأنما تدارُ عُقُولِهُم ولا يملكونَ من أمرِهِم شيئاً.
يا شبابَ الإسلامِ إياكُم وهذهِ الدعواتُ الخطيرةِ التي تدعو إلى التكفيرِ والتفجيرِ وعليكُم بجماعةِ المسلمينَ.
خامساً: معاملةُ ولي الأمرِ بمنهجِ السلفِ فلا يُخرج عليهِ ولا يُنصح من على المنابرِ وتكونَ بينكَ وبينهُ بالسرِ لا بالعلنِ ولا تكونُ بنشرِ الشائعاتِ في وسائلِ التواصُلِ أو التحدُث في المجالسِ بالسبِ والتأليبِ أو الانسياقُ خلفَ العواطِفِ أو ما يحدثُ في المجتمعِ وما ينتجُ عنه من زعزعةٍ للأمنِ وشرائعِ الدينِ.
سادساً: الدُعاء: فالدعاءُ من أعظمِ العباداتِ تأثيراً ومن أسهلِها وأيسرِها على العبادِ.
إخوة الإيمان، إن الفاقد للأمنِ فاقدٌ للوطن والفاقدُ للاستقرارِ فاقدٌ للاطمئنانِ.
فقد قال اللهُ تعالى في كتابهِ العزيزُ آمراً عباده المؤمنينَ بالمحافظةِ على وُحدتِهِم وقوةِ لُحمتِهم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ).
والناظرُ في سُنةِ النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ يتعجبُ من شِدةِ حُبهِ لوطنِه مكةَ المكرمةِ بعدَ هجرتِهِ بسنواتٍ طِوالٍ من إيذاءِ أهلِ مكةَ لهُ وتصديِ كثير منهُم لدعوتهِ، وكذلك حُبهُ للمدينةِ المنورةِ وهي موطنهُ الثاني الذي آواهُ وواساهُ.
فقد جبلَ اللهُ النفسَ البشريةِ على حُبِ وطنِها والشوقِ إليهِ إن غادرتهُ، والدفاعِ عنهُ إذا هُوجِمَ وعُودي والذودِ عنهُ إن تُكُلمَ فيه أو انتُقِصَ، تدمعُ العينُ لفِراقِ الوطنِ ويحن له الفؤاد.
فالوطن هو بُقعةُ الأرضِ التي يولدُ عليها الإنسانُ ويعيشُ فيهِ ويشعُرُ فيهِ بالارتباطُ والانتماء إليهِ.
وإذا تحققَ الأمنُ تحققَ الانتماءُ والولاءُ للوطنِ والشعور بالمسؤوليةِ والدفاعِ عن مكتسباتهِ وكان شخصيةً إيجابيةً ذا مُشاركةٍ فاعِلةٍ مُبدعاً في عمليةِ التنميةِ باذلاً لأقصى الجهودِ حامياً لحدودهِ كما نراهُ جلياً واضحاً فيما يُقدمهُ جنودنا البواسل في الدفاعِ عن بلدِ التوحيدِ ومقدساتهِ ووُلاةِ أمرهِ في حدودِ بلادِنا أو في كسرِ شوكةِ الخوارجِ المارقينَ عن هديِ سيدِ المرسلينَ وما ينتِجُ عن ذلكَ من انتصاراتٍ مذهلةٍ تُسطرُ لهم في حياتِهم وفي تاريخِ هذا الوطنِ وفي أذهانِ هذا الجيلِ الصاعدِ.
أسالُ اللهَ جل في علاهُ أن يحفظهُم بحفظهِ وأن يكلأهُم برعايتهِ وعنايتِهِ وأن يجعلَ ما يقدمونَه في ميزانِ حسناتِهِم يوم يلقونهُ، وأن يرحمَ شُهداءهُم ويداوي جرحاهُم.
إن من المحافظة على أمن الوطن ومقدساته طاعة ولي الأمر التي هي أصل من أصول عقيدة السلف الصالح ومعتقدٌ يعتقِدهُ أهل السنةِ والجماعةِ، فقد جاء في كتابهِ العزيزِ ما يؤكدُ ذلكَ ويأمرُ بهِ كما في قولِ الحقِ تباركَ وتعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
فطاعتهُ واجبهٌ في غير معصيةِ اللهِ لقولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ “من أطاعَ الأميرَ فقد أطاعني ومن عصى الأميرَ فقد عصاني”.
وجاءَ أمرهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في التحذيرِ من الفتنِ ومعصيةِ ولي أمرِ المسلمينَ قولهُ “من أتاكُم وأمركُم جميع على رجلٍ واحدٍ يريدُ أن يشُقَ عصاكُم أو يفرقَ جماعتكُم فاقتلوه” لأنها لا تنتظمُ الأمورُ ولا تصحُ الأحوالُ إلا بالسمعِ والطاعةِ للإمامِ.
ولذلكَ فإن الخروج عليهم من أعظم الفتن والمصائب لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضى الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ ” لنتأمل في هذا الحديث العظيم يا أمة الإسلام ففيه تحقيق للخيرية والسلامة من الآفات والشرور.
وقد قال أهل العلم: إن من دلائل كبائر الذنوب أن يقول الشارع ليس مني ولست منه كما في قوله صلى الله عليه وسلم السابق.
قال ابن تيمية رحمه الله:” وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولد من الخير”.
وإننا في هذا البلادِ المباركةِ لنحمد الله عز وجل على ولاة أمرنا، وندعو الله لهم بالإعانة والسداد لما نراه من تحكيم شرعه في البلاد وبين العباد وإقامة الصلوات وعمارة بيوت الله وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما.
ولذلك فقد قال النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلم في الحديثِ الذي يرويهِ عوفُ بنُ مالكَ رضى اللهُ عنهُ ” خيارُ أئمتِكُم الذينَ تُحِبونهُم ويُحبونكُم، ويصلونَ عليكُم وتُصلونَ عليهمُ “ وقد قال البربهاري رحِمهُ اللهُ: “وإذا رأيتَ الرجلَ يدعو على السلطانِ فاعلم أنهُ صاحِبُ هوى، وإذا رأيتَ الرجُلَ يدعو للسلطانِ بالصلاحِ فاعلم أنهُ صاحِبُ سُنةٍ إن شاء اللهُ”.
بهذا القدرِ اليسيرِ يتبينُ لنا جميعاً مفاسِدُ العيشِ دونِ أمنٍ وأنهُ هدمٌ للحياةِ ومقوِماتِها ومن دونِهِ لا يأمنُ الناسُ على أعراضِهِم ولا يستطيعونَ تأديةَ ما فرضهُ اللهُ عليهِم من أمورِ دينهِم.
وبالمحافظة على الأمن يتحقق الانتماء لهذا الوطن المبارك.
حفظ الله ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز من كل سوء، وحفظ الله بلادنا وعلمائنا ورجال أمننا، وزاد بلادنا رفعةً وتوفيقاً إن ربي سميع مجيب.