الطفلة اليابانية وقشرة العلكة
تاريخ النشر: 12th, July 2025 GMT
سعيد بن محمد الجحفلي
يخبرني أحد الأصدقاء الأردنيين عندما كان يعمل في إحدى الشركات اليابانية في الأردن، أن عندهم يومًا مفتوحًا نهاية كل شهر، يتجمع فيه كل موظفي الشركة بصحبة عائلاتهم في النادي الرياضي، ويمارسون أنواعًا متعددة من الأنشطة الرياضية.. وفي يوم من الأيام، كُنت ألعب تنس الطاولة مع زميلي الياباني، وبجانبه ابنته الصغيرة التي لا يتعدى عمرها الست سنوات، كانت واقفة بجانبه أثناء اللعب، وقد أخرجت من جيبها علكة وأزالت الورقة عنها وتناولت العلكة واحتفظت بالورقة في جيبها.
فشدني تصرفها هذا! وسألتها، لماذا لا ترمين الورقة في سلة المهملات الجانبية؟ فبادرتني بقولها لا! أنا أحتاج الورقة لأضع فيها العلكة بعد أن أفرغ منها، حتى لا تلتصق بجدار السلة! وهذا سلوك علّمني إيّاه أهلي في البيت ودائما أفعله، وأضافت إن عامل النظافة يتعب أثناء تنظيف السلة عندما تلتصق بها العلكة.. قال: فهالني التصرف والرد!! وقلت لها هل تنفذين كل تعليمات أهلكِ بهذه الطريقة؟ قالت نعم لأنني أتعلم منهم كل شيء. قال: اعتدلت في وقفتي لأنظر إلى من حولي ولا أرى شيئًا للحظة! لأن بصري اندمج مع تفكيري، وصرت أرى بخيالي لا بعيني، واستحضرت مشاهد ومواقف كثيرة مرّت عليّ نقيض المشهد الذي رأيته للتو.
فالإنسان عندما يصدمه موقف أو مشهد معين، يتعطل بصر العيون، وتُشبك بصيرة التفكير والخيال معًا. لأن الحركة ملفتة والرد أكد ما حدث، ورغم أن الفعل الذي قامت به الطفلة بسيط، إلا أنه ينُم عن تربية صارمة ومتابعة من قبل الأسرة، مع امتثال دقيق لتنفيذ التعليمات من قبل الأطفال اليابانيين. فصرامة قوانين الدولة والقطاع الخاص لدى اليابانيين انعكست على حياة الأسرة وتربية الأطفال لديهم. هنا نعود إلى تحليل شيء من سيكولوجية عملية تربية الأبناء في اليابان، والتي تقوم على التوجيه والمتابعة المستمرة دون تدخلٍ من الأقارب، فالقيم التي يتلقاها الطفل منذ صغره، تنمو معه على مراحل عمرية وبجرعات محددة، فمن خلال الوالدين يتم غرس قيم المساواة والانضباط والمسؤولية واحترام الآخرين والعمل الجماعي المشترك... كل هذه السلوكيات واجب إدراكها وتطبيقها، ولا يُقبل من الطفل أن يتمرد عليها لأي سبب كان، فالأسرة تلزم نفسها إظهار القدوة لأبنائهم في كل التصرفات، حيث يشاركونهم في إعداد الطعام الصحي، ويعتبرون إعداد طبق البيض التزامًا يوميًا، لما له من فوائد صحية جمة للجسد وتقوية الذكاء عند الأطفال، مع بعض الأعشاب البحرية الغنية باليود (وامجا ٣)، وكما هو معروف أن الجنس الياباني يتميز بالانضباط والجد لتحقيق أعلى النتائج. فهذا سلوك مغروس في جيناتهم، والوازع الديني لديهم قليل التأثير في سلو كهم بقدر ما هو شأن شخصي، حيث إن أكثر الديانات لديهم الشنتو والبوذية والعديد يمارسون الديانتين معًا، والكثير بلا دين. أما التعليم فإلزامي من الصف الأول إلى التاسع، ويعتمدون على غرس المثابرة والاجتهاد أكثر من الموهبة، لأن المواهب سوف تُصقل أكثر من خلال المثابرة والاجتهاد، ولتحقيق المشاركة والعمل الجماعي لا تخصص أحيانًا حواسيب منفردة لكل طالب، حتى يندمجوا في العمل الجماعي. هناك نشاط إلزامي هو فن طي الأوراق (الاوريغامي)، وهذا النشاط عبارة عن عمل أشكال متعددة من الورق العادي والمقوى، ويتعلم الطالب من خلاله الحرفة والمثابرة والصبر والإصرار والتفكير الابداعي، مع تطبيق مبدأ تجربة الصواب والخطأ. والمعلم الياباني يحصل على راتب مُجزٍ، مع تقدير مجتمعي عالٍ، ولهذا لا يحتاج إلى إهدار جهده ووقته في البحث عن الدروس الخصوصية، والتي هي في الأساس غير موجودة، لأن هناك برامج تقوية في المدارس في أوقات معينة لمن يرغب أن يستفيد منها، فإعداد المعلم يتم على الأسلوب التتابعي الذي يبدأ بالإعداد الأكاديمي والثقافي، ثم التطوير المستمر من خلال المشاغل التربوية.
يقول البروفسور الياباني هيروشي مينامي: "اليابانيون حساسون للغاية لما يقوله الأجانب عنهم، خصوصًا الأوروبيين، لأنهم يمتلكون وعيًا ذاتيًا يعزز شعورهم القومي الشديد"، وبالتالي هاجس الإنجاز والنشاط مفرط لديهم، لذلك يحبون لفت الانتباه، وهذا ولَّد لديهم رقابة صارمة ومتابعة لأدق التفاصيل في الحياة، مما أدى إلى ارتفاع حالات الانتحار الجماعي لديهم، فقد تنتحر عائلة بكاملها إذا فشل ابنهم في اختبار القبول الجامعي مثلًا. وفي المقابل نجد أن الثقافة الاسلامية المستوحاة من تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية تمثل المصدر الرئيسي للنظام التربوي في العالم العربي والإسلامي، وهي النموذج الفريد في العالم القادر أن يبني جيلًا متسلحًا بالأخلاق الفاضلة المتوازنة بين الروح والجسد، ولكن ضعف القدوة ابتداءً من الأسُرة، وانتهاءً بمن يرسم السياسات التربوية والتعليمية في العالم العربي، أدى إلى التدني في مخرجات المنظومة التعليمية وانحدارها، على كافة الأصعِدة، فالمعلم يُنظر إليه على أنه اقتحم مهنة المتاعب التي تأخذ من صحته ووقته دون مقابل مُجزٍ، وبالتالي تجد عطاء المعلم في الغالب على قدر ما يجنيه من أجر، حيث يدَّخر طاقته لأعمال إضافية أخرى ليعوض حاجته إلى المال. وفي ذات السياق نجد أن الطالب العربي ليس أحسن حالًا من مُعلمه، ففرص العمل بعد التعليم محدودة مع نظرة مستقبلية محبطة، جراء تكدس أعداد من الباحثين عن عمل، ما أدى إلى ضعف الهمم وتواضع سقف الطموح. فخرج لنا جيل من إنتاج الهواتف الذكية الذي لا يستطيع أن يؤدي إلا مهمة واحدة فقط، لأنه لا يستوعب مهمتين معًا، فمثلا لو طلبت من أحدهم إغلاق الباب مع إطفاء الأنوار، تضرب عنده "الفيوزات" ولا يقوم إلا بمهمة واحدة فقط، فلو أغلق الباب غالبًا لا يُطفئ الأنوار وبالعكس. هذا ليس تحامُلًا على هذه الأجيال، بل أصبحت سمة وعِلة يعاني منها كثير من الآباء مع أبنائهم. يا ترى هل ذلك نتاج خيانة الرخاء والاتكالية، أم ضعف قدوة الآباء والأمهات أمام الأبناء، أم كلتا الحالتين... ولنا أن نقارن عزيزي القارئ بين المخرجات التعليمية في عالمنا العربي ومخرجات التعليم في اليابان!!
وفي الختام أقترح إقامة معسكرات إلزامية للشباب العُماني حاملي الدبلوم العام، ليتعلموا فيها مهارات الحياة اليومية مع تمارين رياضية شاقة، لشد الأحزمة وتنظيف أدمغتهم من الشحنات الكهربائية المتراكمة في أجسامهم جراء الاستخدام المفرط للهواتف الذكية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأسهم اليابانية تصعد بدعم قطاع الرقائق
ارتفع المؤشر نيكاي الياباني فى أسواق الأسهم اليابانية خلال تعاملات جلسة، اليوم الثلاثاء، بعد خسائر مبكرة، إذ عززت مكاسب أسهم قطاع الرقائق المؤشر العام.
وكانت ثلاث من أكبر خمس شركات متقدمة من حيث عدد النقاط شركات مرتبطة بأشباه الموصلات، على رأسها طوكيو إلكترون لصناعة أدوات تصنيع الرقائق، متتبعة مكاسب نظيراتها الأميركية خلال الليل.
وزاد نيكاي 0.1% ليختتم تعاملات اليوم عند 50655.10 نقطة. وأغلق المؤشر توبكس الأوسع نطاقاً دون تغير يُذكر عند 3384.92.
واستهلت الأسهم اليابانية التداول اليوم على تراجع وسط حذر المستثمرين قبيل قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي بشأن السياسة النقدية غداً الأربعاء. ومن المرجح خفض سعر الفائدة، لكن مسار السياسة النقدية اللاحقة للبنك المركزي تخيم عليه انقسامات صارخة داخل المجلس.
وكتب مايكل براون، المحلل لدى بيبرستون، في مذكرة للعملاء: "تحول التركيز، بشكل كامل تقريباً، إلى التعليقات والتوجيهات التي ستصاحب إعلان قرار خفض سعر الفائدة 25 نقطة أساس".
زلزالاً تسبب في أضرار طفيفة دون حدوث موجات مدّ عاتية
وتجاهل المستثمرون اليابانيون زلزالاً وقع أمس الاثنين قبالة اليابان، والذي تسبب في أضرار طفيفة دون حدوث موجات مدّ عاتية (تسونامي) التي حذرت منها السلطات في بادئ الأمر.
ومن بين أسهم نيكاي البالغ عددها 225، ارتفع 116 وانخفض 109، بحسب الاسواق العربية.
وارتفع سهما ديسكو لتصنيع أدوات صناعة الرقائق وطوكيو إلكترون 4.7% و1.3% على الترتيب. وصعد سهم ليزرتك لصناعة معدات اختبار الرقائق 3.6%.