لماذا تكون مصر هي الوجهة الخارجية الأولى لرؤساء السودان؟
تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT
في كل مرة يمر فيها السودان بمرحلة انتقالية أو يتولى رئيس وزراء جديد مهامه، يتكرر المشهد ذاته: حقيبة السفر الأولى تتجه شمالاً… إلى القاهرة. مشهد بدا في مرات كثيرة وكأنه بروتوكول محفوظ، لكنه في الحقيقة أعمق من ذلك بكثير.
اليوم، الخميس، كانت القاهرة على موعد مع زيارة أولى لرئيس الوزراء السوداني الدكتور كامل إدريس، في أول تحرك خارجي له منذ توليه المنصب.
السودان ومصر ليسا مجرد بلدين يتقاسمان حدوداً طويلة، بل هما بلدان يشتركان في نهر، وتاريخ، وهموم، ومصير مشترك. العلاقة هنا تتجاوز فكرة “حسن الجوار”، وتدخل في عمق ما يمكن تسميته بـالجغرافيا، التي لا تسمح برفاهية التجاهل أو الخصام الطويل.
ولعل من التفاصيل الجميلة التي لا يعرفها كثيرون، أن أغنية “يا الخرطوم العندي جمالك جنة رضوان”، التي تُعد من أعذب وأشهر الأغاني الوطنية في السودان، كتبها شاعر مصري هو الأستاذ الراحل إبراهيم رجب، بينما غناها صوت السودان الراحل المحبوب، سيد خليفة. هذا وحده كافٍ ليخبرك أن العلاقة بين الخرطوم والقاهرة لا تُقاس فقط بالملفات الرسمية، بل تمتد إلى وجدان الناس.
نعود قليلاً إلى الوراء، إلى سبتمبر 2019، حيث فعلها دكتور عبد الله حمدوك قبله، وجعل من القاهرة وجهته الأولى، بعد أسابيع من توليه رئاسة الوزراء. الرسالة كانت واضحة آنذاك: السودان يمد يده أولاً إلى أقرب العواصم إليه، تاريخاً وموقعاً.
اليوم، دكتور كامل إدريس يفعل الشيء نفسه، ولكن في ظروف أصعب وسياق أكثر تعقيداً. البلد ما زال يئن تحت وطأة الحرب، والاقتصاد يترنح، والمشهد السياسي هش. وفي خضم كل هذا، يختار أن يبدأ من هناك… من مصر.
هذه الزيارات ليست فقط رسائل مجاملة، بل تحمل إشارات داخلية وخارجية. داخلياً، هي طمأنة بأن الحكومة لا تنوي الانعزال، وأنها تدرك أهمية العلاقة المتوازنة مع دول الجوار. وخارجياً، هي إعلان نوايا بأن القاهرة والخرطوم ما زالتا تؤمنان أن التنسيق بينهما ضرورة، لا رفاهية.
لا يمكن اختزال العلاقة في زيارة أو بيان مشترك، لكنها تبقى مؤشراً مهماً على إدراك كل طرف أن الآخر جزء من معادلته الداخلية. مصر تعرف أن استقرار السودان من أمنها القومي، والسودان يعرف أن تجاهل القاهرة يُعقّد كل الملفات، من النيل إلى الحدود، مروراً باللاجئين والتبادل التجاري.
ليس غريباً إذن أن تكون القاهرة دائماً هي البداية. لا لأن التقاليد تفرض ذلك، بل لأن التاريخ يذكّرنا دائماً بأن بعض الأبواب لا تُفتح إلا من جهة واحدة: الجهة الأقرب إلى القلب.
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية يتوجه إلى أثينا في زيارة ثنائية
توجه د. بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج صباح يوم الأربعاء إلى أثينا.
و يلتقي وزير الخارجية مع نظيره اليوناني لبحث سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية المصرية-اليونانية، وتبادل الرؤى ازاء القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.