سواليف:
2025-08-09@16:08:55 GMT

تحت الضوء

تاريخ النشر: 9th, August 2025 GMT

#تحت_الضوء

د. #هاشم_غرايبه

من الأسماء اللامعة الشيخ الألباني، ولكثرة الاستشهاد بأقواله في تصحيح الأحاديث، يعتقد كثيرون أنه ينتمي الى زمن السلف الصالح، لكنه في الحقيقة من العلماء المعاصرين، فقد توفي رحمه الله في عام 1999.
سمي بالألباني لأنه ألباني الأصل، فقد ولد في إحدى قراها عام 1914، ولما كانت الدولة العثمانية تبسط سيطرتها على كافة بقاع الديارالإسلامية، فقد ارتحل به أبوه الذي كان فقيها وهو طفل الى دمشق طلبا للعلم، فنشأ منذ صغره شغوفا بعلوم الدين، وكانت حرفته في شبابه تصليح الساعات التي كانت مهنة أبيه، هو لم يحظ من التعليم بغير الشهادة الابتدائية، وانما أخذ العلم عن أبيه، ولما كانت المكتبة الظاهرية قريبة من محله، فقد كان يقضي فيها الساعات الطوال، وفيها تعرف عل مجلة المنار، وفيها بنى قاعدته العلمية، وتركز اهتمامه في علم الحديث.


بعد مضايقات الحكومة السورية له، ورغم أنه لم يحرض عليها ولم يجاهر بنقدها، لكنها قلقا من تعاظم أعداد تلاميذه، وخوفا من توسع الفكر الديني اعتقلته مرتين فارتحل الى الأردن، لكن الحكومة الأردنية كانت لها المخاوف نفسها فقامت بترحيله الى سوريا، وفضل الذهاب الى لبنان، ومنها ذهب الى السعودية، وانتهز اصدقاؤه الأردنيون فرصة رغبة الدولة الأردنية بإيجاد تيار سلفي مناهض للإخوان المسلمين، فاقترحوا على الملك اعادته الى الأردن فعاد وبقي في عمان حتى وفاته عام 99 ودفن فيها.
ساد حول الألباني جدل كبير، فقد اعتبره مريدوه من السلفيين مجدد العصر، وبالغوا في تقدير جهوده لدرجة أن كثيرين منهم الآن يعتبرونه المرجع الموثوق في تصحيح الأحاديث، فيما انتقده بعض السلفيين وخاصة في اباحته الاجتهاد، بل ورفض كثيرا من آراء السلفيين الأصوليين وخاصة في علم الكلام، وخالف بعض السلف في تفاسير جدلة مثل مسألتي التأويل والتوصيف لله عز وجل.
كما اشتبك مع علماء معاصرين مثل سيد قطب والشيخ محمد الغزالي، وعارض بعضا من آرائهم.
لكن التناقض المدهش هو في موقف السلفية الوهابية، فرغم تطابقه معها في جوهر تكوينها ومبرر وجودها، الذي هو ممالأة السلطة الحاكمة والتغطية على مخالفاتها الشرعية، بتلفيق ذريعة غير شرعية هي وجوب طاعة ولي الأمر ولو نهب مالك وجلد ظهرك، لدرجة التواطؤ على تقديم طاعته على طاعة الخالق بذريعة أنه يرى في قراره المخالف لكتاب الله مصلحة وضرورة للأمة.
رغم هذا التطابق فلم يخل الأمر من مناكفات متشددي الوهابية الذين كانت بؤرتهم في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة (حيث كان يعمل فيها الألباني بعد خروجه من سوريا)، مما أدى الى طرده، وبالتالي وجد في سماح الحكومة الأردنية له بدخول الأردن فرصة ذهبية.
لا يمكن أنكار دور الألباني في تحقيق الحديث، فكتاباه “سلسلة الأحاديث الضعيفة ” و”سلسلة الأحاديث الصحيحة”، يعتبران مرجعا لا غنى عنه للباحثين والمحققين.
مع ذلك فلا يمكن التغافل عن دوره المعطل للنهضة، من خلال معاداته ومن يماثلونه للإسلام الحركي ودعاة النهضة والمطالبين بتحرير ديار المسلمين من القواعد العسكرية الغربية، وتجسد ذلك بتأييدهم للأنظمة المستبدة في قمع الثورات الشعبية عام 2011، وتوفي الغطاء التشريعي لمجازرها بحق شعوبها.
لقد وفّر الألباني الأسس المعرفية لظهور تيّار المحدثين الجدد، سواء من ناحية نقده لتيار الإسلام الحركي أو رفضه ممارسة السياسة، وهذا واضح لدى سلفيّة اليوم “غير الجهاديين” في بلدان عديدة، كالسعودية والجزائر ومصر، إلا أن هذه الأنظمة لا يمكنها الاطمئنان تماما، فهنالك خطورة انقلاب “الخليّة السلفية” على نفسها، فتتحول بفعل “الاجتهاد” الى الانقلاب على الحكم بدل التسويق له، ومثال على ذلك خلية “جهيمان العتيبي” عام 1979، مما يدل على أن التشدد في تفسير النص ممكن أن يؤدي الى التطرف.
إن تطور جماعة “الألباني” لاحقا إلى الجاميّة والمدخليّة أنتج نهجا أكثر خدمة للأنظمة العربية الموالية للغرب، من خلال الولاء المطلق للحاكم (بغض النظر عن عدم التزامه بتطبيق منهج الله بل منهج الغرب العلماني) إثر حرب الخليج والحرب الأمريكية على الارهاب والثورات العربية، مما قدّم طوق نجاة ثمينٍ لمختلف الأنظمة والحكّام، مما يفسّر أسباب استمرارها ودعمها والضخّ المستمر في تلميع صورتها، ونشرها في مختلف الأقطار العربية، لتطغى على كافة التيارات السلفية، فأصبحت أهمها وأكثرها حضورا مؤثرا.

مقالات ذات صلة تأملات قرآنية 2025/08/07

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

الحديدة.. مدينة تذكُر أنها كانت شيئاً ما

في بلادٍ يشكّ الناس في كل شيء إلا الخراب، لم تُصب الحديدة بالشيخوخة الطبيعية، بل أُسقِطت عليها السنين دفعةً واحدة، كما تُرمى بقايا الولائم في البحر. مدينة وُلدت مرفأً، وحلمت أن تكون حاضرةً بحرية، فانتهى بها الحال عشةً مهترئة تُطِل على البحر، لكن لا تراه.

 

ولدت الحديدة لا كمدينة، بل كخطأ طباعي في رواية تاريخية مشوشة. لم يُتح لها أن تهرم كما تفعل المدن العادية، بل ألقيت عليها الشيخوخة دفعة واحدة.

 

وُلدت مرفأً، لكنها لم تغادر المهد يوماً. بقيت هناك، تتأمل السفن تمر، كما يتأمل العاطل عن العمل اعلانات التوظيف.

 

من أيام المخا العثمانية حتى بهرجات التحديث الوهمية، تسير الحديدة بقدم واحدة، وتُزلق الأخرى في وحل الجغرافيا. أعطوها لقب العاصمة العثمانية (1849 – 1873)، فاحتفلت ثم تخلّت عنه سريعاً، كفتاة أُلبست فستان زفاف مُستعار، ثم عادت إلى المطبخ قبل نهاية العُرس.

 

ولأن قناة السويس غيّرت قواعد اللعب، تحوّلت الحديدة إلى ممر دولي للغزاة الجدد. لم تأتِ الإمبراطوريات لتبني فيها شيئاً، بل جاءت لتجرب عليها هواياتها العسكرية.

 

ومن سوء طالعها أنها وقفت على البحر، لا على نبع نفط. ولهذا لم تأتِ القوى الدولية لتصنع فيها مدينة، بل لتقصف ما تبقّى منها. العثمانيون، البرتغاليون، الإسبان، الطائرات الإيطالية، والبريطانية، والحريق العظيم 1961. الى عاصفة الحزم، وعمليات حارس الازدهار والذراع الممدودة.

 

هذه المدينة جُرّبت بكل طرق الإهانة الدولية تقريباً، إلا الزلزال، وربما هو في الطريق، لكن يبدو أن الطبيعة في طريقها لتجريب آخر أوراقها.

 

هنا "حارة السور" الإسم وحده كافٍ لتذكيرك أنك في مدينة تعرف أنها كانت عظيمة، ولكنها تنسى التفاصيل عمداً. الحارة التي كانت يوماً محاطة بسور له أربعة أبواب – باب مشرف، باب النخيل، باب اليمن، باب الستر – تحوّلت إلى متاهة لا سور لها.

 

بول إميل بوتا ذلك العالِم الفرنسي ذو المزاج اللاتيني، كتب ببهجة عام 1836: "شوارع الحديدة أنظف من شوارع القاهرة"، وأشاد بعمارتها التي كانت تلمع تحت الشمس، وكأن البحر ذاته كان ينحني احتراماً. كان ذلك قبل اختراع البلاستيك، وقبل أن تصبح الأكياس السوداء وسائد نوم لكائنات بلا مأوى.

 

المباني التي لا تزال صامدة، من الطوب الأحمر المحروق، تقف كحُفَرٍ معمارية في جسد الزمن، تذكّرنا أننا ذات مرة عرفنا معنى المشربيات، والسقوف المنقوشة التي تتدلّى منها بقايا أناقة سابقة، قبل أن يُغشى البصر بالإسمنت والقمامة.

 

هذه المدينة لا تُهدم فقط، بل تُستبدل بنُسخ رديئة عنها، في كل زاوية، تتناسخ في صور أكثر قبحاً، كأنها تُمارس نوعاً من إعادة التدوير المَرَضي للخيبة.

 

في الرصيف البحري، حيث كانت السفن تفرغ شحناتها على ظهور الرجال لا الرافعات، تبدو الحديدة تمثيلًا حيّاً لعصرٍ تجاوزها بنيةً ومعنى.

 

جاء المخرج السوفياتي فلاديمير شنايدروف عام 1929، التقط صوراً، صنع فيلماً، وكتب كتاباً، ثم عاد إلى بلاده تاركاً خلفه مدينةً لم تَعِ بعد أنها بدأت الغرق. أما نحن، فأصدرنا فيلماً واحداً: فيلم طويل، ممل، بلا نهاية... اسمه "النسيان".

 

قلعة المدينة، التي بُنيت حامية، تحوّلت إلى سجن. تماماً كما تحوّلت الثورات إلى جنازات، والوعود إلى نشرات، والسياسة إلى دعابة حزينة. القلعة لا تحمي أحداً، بل تُذكّرك أن السجن في اليمن غالباً ما يكون أعلى نقطة في المدينة.

 

أما الشيخ صديق "الشاذلي"، الذي قيل إنه "حامي الحديدة"، فقد دُفن خارجها. من باب الحذر ربما، أو لأنه أدرك أن من يحمي هذه المدينة سينتهي حتماً مدفوناً بعيداً عنها.

 

الحديدة مدينة أُشبعت بالقصف، هي الميناء الذي صار إشاعة. ذاكرة نصفها محو، ونصفها الآخر صدى لما كان. وعلى الرصيف، يجلس البحر، يتأمل المدينة... ويتساءل إن كانت لا تزال تعرف الفرق بين الزرقة والندم.

 

إنها مدينة تكتب التاريخ بالماضي التام، وتعيش الحاضر بالمجهول المستمر. كأنها تتقن فنون الانقراض البطيء، وتُجيد استقبال الزوار بالمقابر المفتوحة، والخرائط المطوية، والبحر الذي لا يعود.

 

*نقلا عن صفحة الكاتب في فيسبوك.


مقالات مشابهة

  • دراسة دولية تسلط الضوء على التحول للطاقة الشمسية بمستشفى شفاء الأورمان بالاقصر
  • برج الأسد حظك اليوم السبت 9 أغسطس 2025.. ابحث عن لحظات تقدّر فيها نفسك
  • انطلاقة مسرحية يمنية جريئة في قلب القاهرة: “جوعى.. ولكن” بصوت الضوء والظل
  • الدولي للطائرة يسلط الضوء على عودة منتخب مصر للسيدات للعالمية بعد غياب 20 عاما
  • بلدان تحلو فيها تمضية العمر
  • إسرائيل..الكابينت يمنح نتنياهو الضوء الأخضر للسيطرة على مدينة غزة
  • أمسية قصصية في كتّاب الزرقاء تسلط الضوء على رمزية الحكاية ودهشة النهايات
  • الحديدة.. مدينة تذكُر أنها كانت شيئاً ما
  • عرض رسمي من فلازنيا الألباني لضم عبدالمجيد مدافع شباب الزمالك