أدب الرسائل... حبر يفيض بالإحساس جف في زمن السرعة الرقمية
تاريخ النشر: 9th, August 2025 GMT
كتبت- شذى البلوشية
كانت الرسالة في يوم ما هي لغة الخطاب المباشر، ووسيلة الوصول، وجمالية اللقاء المصورة بـأسلوب غاب في زمن التحول الرقمي، حيث بات الحبر هو آخر وسيلة مستخدمة لكتابة الرسالة، واستبدلت روح الورق برتابة الشكل الرقمي، حروف مصاغة على عجالة، لا تستطيع من خلالها أن تقرأ شعور كاتبها، إن كان حزنا أو غضبا أو حبا، ورغم قدرة الرسالة الرقمية على الوصول بسرعة فائقة في زمن السرعة، إلا أن بطئ الوصول قد كان حافزا أكبر للانتظار، صانعا قدرة حقيقية ليفيض القلم بصادق الشعور في الورق.
ولم تكن الرسالة مجرد خطاب بين شخصين، بل كان فنا أدبيا اندرج ضمن أدب النثر، وتميز بقدرته على إتاحة التعبير للكاتب عما يخالجه من شعور أو أفكار أو آراء، من خلال رسائل مكتوبة تتنوع في أشكالها وأغراضها، فهناك الرسائل الشخصية، والرسائل الرسمية، والرسائل الأدبية، والرسائل التجارية، وغيرها.
ولعل أبرز نوع فيها والتي كان لها سيطها هي الرسائل الأدبية، وهي الرسائل التي يتبادلها الشعراء والأدباء، ولها أسلوب أدبي شاعري مميز ورفيع وتتناول أفكارا وجماليات فنية وأدبية، جعلت منها لونا أدبيا مميزا، قلما من استطاع إجادته.
وأشهر المراسلات في العصر الحديث التي احتفظت في سجلات التاريخ، هي الرسائل الأدبية بين مي زيادة وجبران خليل جبران، وهناك رسائل بين الشاعرين محمود درويش وسميح القاسم، ورسائل غادة السمان وغسان كنفاني، ومراسلات كافكا و ميلينا، و ألبير كامو و ماريا كاساريس، أو رسائل فرناندو بيسوا إلى عائلته، و التي قام الناس بتجميعها بعد وفاة هؤلاء المشاهير لتصبح بذلك جنسا أدبيا مقروءا على نطاق واسع.
قيمة الرسائل الأدبية
كانت الرسالة ليس خطابا مكتوبا على ورق، بل مشاعر وأحاسيس مترجمة بأسلوب أدبي أوجد له مكانته بين الفنون الأدبية، وقلما من استطاع أن يجيده بين الكتاب، ولعل أكثر الرسائل التي خلدت في تاريخ الأدب هي تلك المكتوبة بين الأحباب، وهو ما يمكن أن يشار إليه بالمثال من خلال رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران، والتي خلصت على أن العلاقة عبر كتابة الرسائل بينهما كانت من أشد قصص الحب، فهي القصة التي يمكن القول بأنها نادرة، فهي علاقة دام فيما يقارب عشرين عاما دون أن يلتقيا إلا في عالمهما المنسوج بالكلمات، وخلف حبر الورق، وهذا ما أثبت أن الرسائل الأدبية التي كتبت بين الأحباب كان الأقوى ولها تأثيرها الوجداني العميق، وهو ما قتلته الحياة الرقمية وغياب قيمة الرسائل المكتوبة.
الرسالة تكشف شعور كاتبها
لا تكتفي الرسالة المكتوبة على الورق بأن تعبر من خلال الكتابة عن مشاعر كاتبها، بل هي تكشف شعوره الداخلي العميق، فلا تأتي لحظة الكتابة في أي وقت ومتى ما أتيحت الفرصة –كما هو حال الرسالة الرقمية- بل يحتاج كاتبها للتفكير والإذعان لما يخالجه من شعور، والتحليق مليا بخياله نحو ما يجب قوله في تفاصيل المراسلة التي ستغادر الآن ولا مجال للتراجع فيها، كما كانت الرسالة تشعر رغبة الانتظار للرد، فالكاتب حتما لا يعلم متى تصل إلى المرسل ومتى يفتحها ويقرأها، وهي خصوصية أخرى فقدت في عالم الرقميات اليوم.
رسائل جبران خليل جبران إلى مي زيادة
يقول جبران في إحدى رسائله التي يصرح فيها بالحب لـ مي زيادة: "أحبّ صغيرتي، غير أنني لا أدري بعقلي لماذا أحبها، ولا أريد أن أدري بعقلي. يكفي أنني أحبها. يكفي أنني أحبها بروحي وقلبي، يكفي أنني أسند رأسي إلى كتفها كئيبا غريبا مستوحدا فرحا مدهوشا مجذوبا، يكفي أن أسير إلى جانبها نحو قمة الجبل وأن أقول لها بين الآونة والأخرى أنت رفيقتي، أنت رفيقتي".
ومن بين الرسائل الخالدة كتبت مي زيادة إلى جبران خليل جبران بعد رحيله: "قادني إليك قدر.. وسرقك مني آخر.. وبين القدرين فقدت قلبي".
إحياء ونشر الرسائل القديمة
ولعل العالم الرقمي اليوم قد بدأ يحن لهذا الفن الأدبي، وعلى الرغم من المحاولات لإحيائه وإعادته إلا أن عودة الرسائل لا يمكن أن تظهر الشكل الطويل، فلا الكاتب صار يملك نفسا طويلا للتعبير، ولا المستلم يملك شغف القراءة، والبحث في تفاصيل شعور الكاتب.
إلا أنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي نشطت مؤخرا مجموعة من الصفحات المخصصة لنشر الرسائل القديمة، واستخدام آليات معينة لجذب القارئ على إكمال القراءة للرسالة الطويلة، من إضافة الصور إليها، والموسيقى، وبعض الرموز الدلالية، ولعلها أيضا أصبحت بصورة أكثر جذبا مع دخول الذكاء الاصطناعي.
الرواية الرسائلية
ومن أشكال الرسائل التي أخذت منحا آخر في الأدب هي الروايات الرسائلية، حيث يختار فيها الكاتب أن يورد أفكار وأقواله وأحداث الحكاية على لسان شخصياته، ويقوم بالكتابة على شكل بريد متبادل، يستطيع من خلالها الكتاب الانسحاب من مواجهة كونه المعنيّ بتلك الرسائل ، ويكتفي بكونه مجرد راوي.
أول الروايات التي كتبت في شكل رسائل هي "سجن الحب" سنة 1485 للكاتب "دييغو دي سان بيدرو"، بينما جاءت أول روايات هذا الجنس باللغة الانجليزية متأخرة بحوالي قرنين من الزمن، تحديدا سنة 1645 بقلم جيمس هويل حين كتب وهو في السجن عمله "رسائل حميمة".
صاحب الظل الطويل "نموذجا"
من الروايات العالمية التي ذاع صيتها، وقلما تجد من لم يقرأها، لا سيما مع محتوى الرواية التي شكلت عنصر جذب لكل من قرأها، "صاحب الظل الطويل"، للكاتبة جين ويبستر، الرواية التي استثمرت فن الرسائل في بناء روائي كامل، والمبينة على قصة فتاة يتيمة مجهولة الأبوين، عاشت وترعرت في ميتم، تقدم لوصايتها أحد النبلاء، الذي رفض كشف هويته لها، واكتفى بتحمل رسومها الدراسية على أن تكتب له رسائل طيلة فترة الدراسة، سعيا منه لتنمية قدرتها الكتابية التي تلمسها بها، لتخرج الرسائل من إطار الوصاية، إلى منحى آخر يفيض بالمشاعر، وعلى الرغم من أنها كانت رسائل من طرف واحد، إلا أنها كشفت عن وجه الحب المرتبط بالواقع.
الرواية التي تبرز البوح التدريجي الذي يتطور مع الزمن من خلال الرسائل مما يجعلها شبه سيرة ذاتية للبطلة، رغم أنها خيالية، حيث كانت "جودي أبوت" تكتب رسائلها إلى الوصي المجهول "صاحب الظل الطويل"، فتكشفت من خلال تلك الرسائل قصة حياة الفتاة، مشاعرها، أحلامها، تحولاتها الفكرية والعاطفية.
رسالة للعالم الرقمي
الرسائل التي كتبها كتابها تقرأ في تفاصيلها حياة كاملة بصوت حقيقي، خال من الجماليات والصور المفلترة، ولا تكتب بشعور الكاتب فقط، بل هي تمس ذوات كل قرائها، بصورة أكثر إتقانا وأشد مصداقية، فالرسائل هي مرآة لكاتبها تكشف عمقا لا تكشفه حتى السيرة الذاتية، وتبتعد عن كل أشكال الرقابة التي تفرضها الكتابة الأدبية التقليدية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جبران خلیل جبران الرسائل التی من خلال یکفی أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
سيارة BMW العائلية تحطم رقما قياسيا لم تصل إليه أي سيارة من قبل
في إنجاز غير مسبوق، كسرت سيارة BMW M3 CS Touring حاجز التوقعات وسجلت رقمًا قياسيًا جديدًا على حلبة نوربورجرينج، لتصبح أسرع سيارة ستيشن واجن تكمل اللفة الشهيرة على الإطلاق.
BMW تحقق رقم يحسب في تاريخ الأداءأكملت M3 CS Touring الحلبة في زمن بلغ 7:29.490 دقيقة، متفوقة على شقيقتها M3 Touring العادية بفارق 5.5 ثانية.
ورغم أنها أبطأ قليلًا من M3 CS سيدان، إلا أنها أثبتت أن سيارات السقف الطويل يمكنها أن تنافس بقوة على مضمار السرعة.
السيارة مزودة بمحرك سداسي الأسطوانات سعة 3.0 لتر بشاحن توربيني مزدوج، بقوة تصل إلى 543 حصانًا.
وتنقل القوة إلى العجلات الأربع عبر نظام الدفع الرباعي M xDrive، مع ناقل حركة أوتوماتيكي بـ8 سرعات، يسمح للسيارة بالانطلاق من الثبات إلى 100 كم/س خلال 3.5 ثوانٍ فقط.
ما يميز هذه السيارة ليس فقط الأداء، بل قدرتها على التوفيق بين الطابع العائلي والرياضي.
فهي توفر مساحة تخزين تتراوح بين 500 و1,510 لترًا، ما يجعلها خيارًا مثاليًا لمن يبحث عن السرعة دون التضحية بالراحة أو الاستخدام اليومي.
قاد السيارة السائق والمهندس يورغ ويدينجر، المعروف بخبرته في تطوير طرازات BMW M، وكان هو أول من استطاع كسر حاجز 7:30 دقيقة بسيارة ستيشن واجن في نوربورجرينج.
في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى سيارات SUV والكروس أوفر، تثبت BMW أن سيارات الواغن الرياضية ما زالت قادرة على تقديم مفاجآت مذهلة في عالم الأداء العالي.