الجزيرة:
2025-08-11@07:27:35 GMT

خيارات الحكومة السورية بعد مؤتمر قسد المفاجئ

تاريخ النشر: 10th, August 2025 GMT

خيارات الحكومة السورية بعد مؤتمر قسد المفاجئ

يثير المؤتمر الذي رتبه على عجل قادة "قوات سوريا الديمقراطية" "قسد"، العديد من التساؤلات حول توقيته، والغاية منه، والرسائل التي يريدون توجيهها للحكومة السورية وللعالم.

حيث إن المؤتمر لم تقتصر أهدافه، حسبما كان معلنا، على توحيد موقف المكونات في المناطق التي تسيطر عليها "قسد" في الجزيرة السورية، بل تعداه إلى إشراك طرفين مناوئين للحكومة السورية، هما الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، ورئيس المجلس العلوي الأعلى في سوريا غزال غزال، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة السورية، واعتبرته "تصعيدا خطيرا"، ويشكل ضربة للعملية التفاوضية الجارية معها.

لذلك قررت عدم المشاركة في اجتماعات مقررة في باريس، وعدم الجلوس "على طاولة التفاوض مع أي طرف يسعى لإحياء عهد النظام المخلوع تحت أي مسمى أو غطاء".

وبالتالي فإن جولة المفاوضات التي كانت مقررة في باريس أضحت في مهب الريح، في ظل عدم وجود طرح جدي لتنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار الماضي، الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد "قسد" مظلوم عبدي، ونص على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء الأراضي السورية، مع الاعتراف بالمجتمع الكردي كجزء لا يتجزأ من الدولة، وضمان حقوقه المواطنية والدستورية، كما نص على دمج "قسد" ومكونات الإدارة الذاتية ومؤسساتها ضمن الدولة السورية.

أهداف "قسد"

لم تنسق "قسد" مع القوى السياسية القريبة منها، مثل المجلس الوطني الكردي الذي رفض الدعوة التي وُجهت إليه للمشاركة. كما أن العديد من العشائر العربية في مناطق سيطرتها قررت مقاطعة المؤتمر، واعتبرته محاولة لجعلها تتبنى مشاريع وأجندات "قسد" التي لا تنسجم مع موقفها.

ويبدو أن قادة "قسد" أرادوا من خلال عقد المؤتمر دفع حكومة دمشق إلى تقديم تنازلات حيال مطالبهم، لكن هذا التكتيك يفتقد إلى الحنكة السياسية، كونه يخطئ الحسابات، ويتبع مقاربة لن تثمر إلا في زيادة توجس الحكومة منهم، وتدفع بالمزيد من السوريين إلى الالتفاف حولها.

إعلان

لقد أظهر قادة "قسد" من خلال مؤتمر أو "كونفرانس" الحسكة تحديهم السافر لسلطة دمشق، من خلال التحالف مع قوى مناوئة لها، ومحاولة تعميم تجربة "الإدارة الذاتية" التي تتحكم بإدارة مناطق سيطرتها، وتشمل أجزاء من محافظات: الحسكة، والرقة، وحلب، و‌دير الزور في شمال شرقي سوريا، بوصفها تجربة ناجحة وديمقراطية، ينبغي تعميمها على سائر المناطق السورية، والتي وجدت صداها في السويداء، وجرى تأطيرها من خلال "اللجنة القانونية العليا" التي شكلها الهجري لإدارة المدينة، التي شكلت بدورها مكتبا تنفيذيا مؤقتا لإدارة الشؤون الخدمية، إلى جانب تعيين قيادات جديدة لجهاز الأمن الداخلي، في ظل غياب سلطة الدولة المركزية عن المحافظة.

تمحور الهدف الأبرز للمؤتمر في الدعوة إلى تبني اللامركزية، بصيغتها الضيقة ذات الطابع الإثني والطائفي، والتي تجنح نحو الانفصال الفعلي عن الجسد السوري، واعتبارها الخيار الأمثل في كل المناطق في سوريا، وذلك بالتضاد مع مسعى الحكومة السورية إلى بناء دولة مركزية، في ظل الصراع على مستقبل سوريا وطبيعة الحكم فيها، حيث تحظى المركزية بتاريخ بدأ منذ نشأة سوريا الحديثة، وباتت تملك شرعية في الوعي السياسي في سوريا وسائر منطقة الشرق الأوسط.

ظهرت اللامركزية التي يتبناها قادة "قسد"، ليس بوصفها قضية نقاش عام بين السوريين، بل في صيغة خطاب أيديولوجي أحادي، وخاصة لدى أولئك المنخرطين في وحدات حماية الشعب الكردية، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يهيمن عليه أعضاء من حزب العمال الكردستاني التركي.

وعليه يصر هؤلاء على المحافظة على هيكلية قوات سوريا الديمقراطية كجسم أو كيان مستقل في أي عملية دمج مع الجيش السوري، مع المحافظة كذلك على هيكلية الإدارة الذاتية ومؤسساتها، فضلا عن عدم التخلي عن المكتسبات التي حققوها خلال السنوات السابقة، الأمر الذي يفسر الاحتفاظ بكل الملفات التي من المفترض أن تتولى إدارتها الحكومة السورية حسب اتفاق 10 مارس/آذار الماضي، وخاصة المعابر الحدودية مع العراق، والسجون التي يقبع فيها الآلاف من عناصر تنظيم الدولة، والمخيمات التي تؤوي عوائلهم.

كما أن القوى المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا تستحوذ على الثروات الطبيعية في مناطق سيطرتها، حيث يتواجد فيها معظم الاحتياطي النفطي السوري، والبالغ 2.5 مليار برميل، بحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

كما أنها تضم أكبر الحقول، كحقل السويدية، وحقل الرميلان، وحقول دير الزور، كحقل العمر، إضافة إلى العديد من حقول الغاز السوري.

وتُنتج تلك المناطق قرابة نصف إنتاج سوريا الزراعي، الذي يقدر بأكثر من 1.76 مليون طن، وفق إحصائيات 2011. إضافة إلى أنها تحوي أهم ثلاثة سدود مائية في البلاد، وهي: "الطبقة" و"البعث" بريف الرقة، وكذلك "سد تشرين" في ريف حلب الشمالي.

خيارات الحكومة

لم تجد سلطة دمشق سوى الإقرار بحق المواطنين في التجمع السلمي والحوار البناء، سواء على مستوى مناطقهم أو على المستوى الوطني، "شريطة أن يكون في إطار المشروع الوطني الجامع الذي يلتف حول وحدة سوريا أرضا وشعبا وسيادة".

إعلان

واعتبرت أن شكل الدولة لا يُحسم عبر تفاهمات فئوية، بل عبر دستور دائم يُقر بالاستفتاء الشعبي، بما يضمن مشاركة جميع المواطنين على قدم المساواة، ويحق لأي مواطن طرح رؤاه حول الدولة، على أن يتم عبر الحوار العام وصناديق الاقتراع، لا عبر التهديد أو القوة المسلحة.

وبالنظر إلى عدم وجود خيارات كثيرة أمام حكومة دمشق لاعتبارات عديدة، داخلية وخارجية، فإنه لا مفر من استمرار الحوار الذي بدأته مع قادة "قسد"، لذلك جددت دعوتها إلى الانخراط الجاد في تنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار، وطالبت الوسطاء الدوليين بنقل جميع المفاوضات إلى دمشق، باعتبارها العنوان الشرعي والوطني للحوار بين السوريين.

لا شك في أن مسألة دمج "قسد" في الجسم السوري، ليست مسألة سورية فقط، بل دولية أيضا، حيث تلعب كل من الولايات المتحدة، وتركيا، وفرنسا أدوارا في ترتيبات المشهد السوري الجديد.

وهناك إجماع دولي على استقرار سوريا ضمن دولة واحدة، وبالتالي ستدفع هذه الدول باتجاه فتح نافذة جديدة للحوار بين الحكومة و"قسد"، الأمر الذي يعني الابتعاد عن الخيارات المكلفة.

المطلوب سوريًّا

بعيدا عن التجييش المذهبي والإثني، واتهامات التخوين، وخطاب الكراهية، فإن المطلوب هو توسيع الحوار المجتمعي والسياسي، وعدم الركون إلى محاورة جهة بعينها.

ولعل الأجدى للحكومة السورية الالتفات إلى القوى المدنية والسياسية في كافة المناطق السورية، ففي الجزيرة السورية ينبغي عدم الاكتفاء بمحاورة "قسد"، لأن هناك قوى سياسية واجتماعية عديدة في مناطق شمال شرقي سوريا، يجب إشراكها في الحوار لضمان قاعدة أوسع لأي اتفاق يبرم بين الحكومة وبين تلك الفعاليات المجتمعية والسياسية والعسكرية.

والأمر ينسحب كذلك على كافة المناطق السورية، وخاصة السويداء، التي يتواجد فيها نقابات ومنظمات وقوى مجتمع مدني وفاعلون اجتماعيون، الأمر الذي يوجب إشراكهم في الحوار الوطني.

تقتضي العملية السياسية الانتقالية البحث عن مبادرات جديدة، وأفكار تطرح خارج الفهم الضيق والقوالب الجاهزة، وعدم التمسك بها على  الدوام.

ولعلها تتيح التفكير في نظام مركزي مرن في سوريا، يراعي خصوصية المناطق، ليس على أسس إثنية أو طائفية، ولا يعتمد المحاصصة، إنما يمنح الأقاليم الجغرافية نوعا من اللامركزية الإدارية، كي يتمكن أبناء المناطق من إدارة شؤونهم ضمن الدولة الواحدة، ووفق المقتضيات الوطنية السورية.

وبالتالي تأتي ضرورة فتح حوار وطني جامع حول المرحلة الانتقالية، يبحث في كيفية إشراك جميع القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية في رسم ملامحها، وذلك كي تنتفي المخاوف والتوجسات من تفرّد الفصائل العسكرية بمفاصل صنع القرار، ومن قيامها بإقصاء باقي المكونات السياسية والمدنية.

وكي يشعر السوريون أن مستقبل بلدهم بات بين أيديهم، لذلك يتوجب عليهم تحمل المسؤولية، وعدم الارتهان أو الرضوخ إلى الحسابات الخاطئة والمصالح الضيقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الحکومة السوریة الأمر الذی فی سوریا من خلال

إقرأ أيضاً:

مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر شكّل محاولة لعرض طروحات تتعارض مع اتفاق 10 آذار سواء بالدعوة إلى تشكيل “نواة جيش وطني جديد” أو إعادة النظر في الإعلان الدستوري أو تعديل التقسيمات الإدارية رغم أن الاتفاق نص بوضوح على دمج

2025-08-09Zeinaسابق مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: تدين الحكومة بشدة استضافة شخصيات انفصالية ومتورطة في أعمال عدائية في خرق واضح لاتفاق 10 آذار وتحمل قسد وقيادتها المسؤولية الكاملة عن تداعيات ذلك وتعتبر الحكومة أن هذا المؤتمر محاولة لتدويل الشأن السوري واستجلاب التدخلات الأجنبية وإعادة فرض العقوبات وهو ما تتحمل قسد تبعاته القانونية والسياسية والتاريخيةالتالي مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إلى بر الأمان انظر ايضاًمصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إلى بر الأمان

آخر الأخبار 2025-08-09مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: تؤكد الحكومة السورية على أن حق المواطنين في التجمع السلمي والحوار البنّاء سواء على مستوى مناطقهم أو على المستوى الوطني هو حق مصون تضمنه الدولة وتشجّع عليه شريطة أن يكون في إطار المشروع الوطني الجامع الذي يلتف حول وحدة سوريا أرضاً وشعباً وسيادة 2025-08-09أذربيجان وأرمينيا توقعان اتفاق سلام تاريخياً برعاية أميركية 2025-08-08وزير الطاقة: إعادة هيكلة قطاع الطاقة في سوريا وإطلاق شركات قابضة لتعزيز الإنتاج 2025-08-08الأمم المتحدة تدعو إسرائيل إلى وقف خطتها للاستيلاء على غزة 2025-08-08“موتوريكس” يجمع أحدث الابتكارات في قطاع السيارات والذكاء الاصطناعي في سوريا 2025-08-08نحو مؤسسات أكثر كفاءة… دورة لتعزيز الأداء المؤسسي في القطاع العام 2025-08-08عودة منشد الثورة عبد الرحمن فرهود بفعالية جماهيرية في حماة 2025-08-08وزارة الطاقة السورية: 5 ساعات كهرباء إضافية مع بداية الأسبوع المقبل 2025-08-08اليابان: إجلاء 360 ألف شخص من منازلهم واضطراب حركة النقل بسبب الأمطار الغزيرة 2025-08-08اتفاقيات اقتصادية سورية – تركية تعمق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين

صور من سورية منوعات الصين تنجح باختبار هبوط وإقلاع مركبة فضائية مأهولة على سطح القمر 2025-08-08 مرصد كوبرنيكوس للتغير المناخي: العالم يسجل ثالث أكثر شهور تموز حرارة على الأرض 2025-08-07
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة