مصالح مشتركة وراء زيارات جنرالات أوغندا لجنوب السودان
تاريخ النشر: 11th, August 2025 GMT
جوبا – في خطوة جديدة نحو تهدئة التوتر الحدودي بين دولة جنوب السودان وجارتها الجنوبية أوغندا، وصل رئيس أركان الجيش الأوغندي الجنرال موهوزي كاينيروجابا (نجل الرئيس يوري موسيفيني) إلى جوبا في وقت مبكر أول أمس السبت.
واستُقبل كاينيروجابا من قبل نظيره رئيس أركان جيش جنوب السودان الجنرال داو أتورجونغ، قبل أن يتوجه إلى القصر الرئاسي لعقد مباحثات مغلقة مع الرئيس سلفاكير ميارديت، في محاولة لتعزيز التنسيق العسكري وحفظ الاستقرار على الحدود المشتركة بين البلدين.
تُعد زيارة الجنرال كاينيروجابا الثانية من نوعها خلال أسبوع بعد أن زار جوبا الأسبوع الماضي الفريق سام أوكيدينغ نائب رئيس هيئة الدفاع الأوغندي في زيارة غير معلنة، وتعكس هذه اللقاءات المتكررة مستوى التنسيق العالي بين الجانبين، وحرص أوغندا على متابعة الأوضاع الأمنية من كثب، وتعزيز التعاون العسكري في ظل التوترات المتصاعدة على الحدود المشتركة.
وقال المتحدث باسم الجيش في جنوب السودان اللواء لول رواي كونغ إن اللقاءات التي عقدها موهوزي بجوبا ركّزت على التهدئة الفورية للوضع الأمني على الحدود المشتركة، وتعزيز العلاقات الثنائية القائمة على المصالح والثقة المتبادلة.
وأضاف كونغ للجزيرة نت "اتفق الجانبان على تشكيل لجنة تحقيق مشتركة تضم 14 عضوا من الجيشين بالتساوي، على أن يكون مقرها المؤقت بمدينة قولو بأوغندا".
وأوضح أن "اللجنة ستبدأ التحقيق في أسباب الاشتباكات التي وقعت في مقاطعة كاجو كيجي بالولاية الاستوائية الوسطى، وستقدم توصيات تساعد القادة على اتخاذ قرارات مدروسة لحل النزاعات الحدودية المتكررة، ونحن مستعدون للقيام بزيارة مماثلة إلى العاصمة كمبالا بناء على طلب القوات المسلحة الأوغندية".
وبعد تلك الاجتماعات، زار الجنرال كاينيروجابا قرية بيلنيانغ جنوب شرق العاصمة جوبا، والتي تعد المقر التكتيكي لعملية "ميلنزي وا كيميا"، أو "الحارس الصامت" بالسواحلية، حيث تنتشر القوات الأوغندية ضمن ترتيب أمني مشترك بين البلدين.
إعلانوأُطلقت هذه العملية في مارس/آذار الماضي في ظل تصاعد التوتر بين الرئيس سلفاكير ونائبه الأول رياك مشار زعيم المعارضة المسلحة، وهي عملية تحيط بها حالة من السرية والتكتم، في ظل تساؤلات مستمرة بشأن نطاقها ومصادر تمويلها.
وجاءت زيارة كاينيروجابا إلى جوبا عقب نشره تغريدات استفزازية على حسابه في إكس علّق فيها على المواجهات المسلحة التي اندلعت بين الجيش الأوغندي وقوات جنوب السودان في مقاطعة كاجو كيجي، والتي أسفرت عن مقتل خمسة من الجيش الجنوب سوداني، وسط تصاعد المخاوف من إمكانية تجدد أعمال العنف والمواجهات في ظل التحذيرات المتكررة من استمرار وجود الجيش الأوغندي داخل أراضي جنوب السودان.
من جهته، قال المحلل السياسي ويلسون شول إن زيارة الجنرال كاينيروجابا إلى جوبا تتزامن مع حالة من الغضب المتصاعد لدى الرأي العام الجنوبي نتيجة توغل الجيش الأوغندي داخل أراضي جنوب السودان، إضافة للتعليقات الاستفزازية التي نشرها والتي تعكس عدم الاحترام لعلاقة الجوار القائمة بين البلدين.
وأوضح أن الخطوة الأفضل لكاينيروجابا كانت الاعتذار لشعب وحكومة جنوب السودان قبل التفكير في القيام بهذه الزيارة.
وأضاف شول للجزيرة نت "مثل هذه التصرفات تزيد من توتر الأجواء بين البلدين وتُضعف أسس التعاون الثنائي الذي بُني على سنوات من الثقة المتبادلة، من الضروري أن تتبع زيارة كهذه خطوات واضحة لإعادة بناء الثقة بدءا بالاعتذار لشعب وحكومة جنوب السودان".
إلى جانب التحالف السياسي والعسكري الذي يربط بين أوغندا وجنوب السودان، توجد العديد من المصالح الاقتصادية المشتركة التي تلعب دورا حيويا في تعزيز التعاون بين البلدين، وتشمل هذه المصالح مشروعات استثمارية في قطاعات النفط والتجارة والبنية التحتية، إضافة للتعاون في مجالات النقل والطاقة والزراعة، وتعد هذه الروابط الاقتصادية ركيزة أساسية لدعم الاستقرار والتنمية في المنطقة.
ومع تدهور الأوضاع الأمنية على الحدود، يشعر الجانب الأوغندي بقلق متزايد من أن تؤثر هذه التوترات سلبًا على استثماراته ومصالحه الاقتصادية في جنوب السودان، مما قد يعيق تدفق التجارة ويضر بمشروعات البنية التحتية المشتركة. ولهذا السبب، تبدي أوغندا حرصا كبيرا على تهدئة التوترات، والعمل على استعادة الأجواء الإيجابية بين البلدين لضمان استمرار التعاون الاقتصادي والاستقرار الإقليمي.
وسائل للحلويرى الناشط المجتمعي سلومون ماثيو أن أوغندا لا يمكنها المخاطرة بمصالحها الكبيرة في جنوب السودان، كما أن الأخيرة لا تستطيع الاستغناء عن أوغندا نظرا لوجود أعداد كبيرة من الأسر والطلاب واللاجئين الجنوب سودانيين في معسكرات داخل الأراضي الأوغندية.
وأشار ماثيو أيضا، في حديثه للجزيرة نت، إلى التداخل القبلي والاجتماعي العميق بين البلدين، مؤكدا أن هذه العلاقات المعقدة تتطلب حوارا جادا ومستمرا لتجاوز الأزمة الحدودية العابرة والحفاظ على المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي.
إعلانوأضاف أن زيارة الجنرال كاينيروجابا "تأتي تقديرا لتلك العلاقات والمصالح المشتركة بين البلدين، فالأزمات لا تُحل بالعمليات العسكرية، بل عبر مبادرات رائدة تنطلق من تنظيمات المجتمع المدني في كلا البلدين".
وأردف "نحن نعمل حاليا على إنشاء مبادرة للحوار المجتمعي بين جنوب السودان وأوغندا، تهدف لتجاوز أزمة الحدود وإخضاعها لمسار تفاوضي أو تحكيمي يضمن حلا سلميا ومستداما".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات الجیش الأوغندی جنوب السودان بین البلدین على الحدود
إقرأ أيضاً:
النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
ابراهيم هباني
في السودان لا يحتاج المرء الى جهد كبير ليفهم ما الذي يجعل الاطراف المتحاربة تتفق بسرعة، وما الذي يجعلها تختلف حتى اخر مدى.
يكفي النظر الى ما جرى في هجليج، وما جرى قبله في الفاشر وبابنوسة، ليتضح ان اولويات الحرب لا علاقة لها بحياة الناس، بل بما فوق الارض وتحتها.
في هجليج، انسحب الجيش السوداني الى جنوب السودان، ودخلت قوات الدعم السريع الحقل بلا مقاومة كبيرة، ثم ظهر رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت ليؤمن المنشاة الحيوية التي يعتمد عليها اقتصاد بلاده.
ولم يحتج الامر الى جولات تفاوض او بيانات مطولة. اتفاق سريع، وترتيبات واضحة، وهدوء مفاجئ. السبب بسيط: الحقل شريان لبلدين، وله وزن في حسابات دولية تتابع النفط اكثر مما تتابع الحرب.
لكن الصورة تختلف تماما عندما نعود الى الفاشر. المدينة عاشت اكثر من خمسمئة يوم تحت الحصار. 500 يوم من الجوع والانهيار، بلا انسحاب من هذا الطرف او ذاك، وبلا موافقة على مبادرة لتجنيبها الحرب. سقطت الفاشر لانها ليست هجليج. لا تملك بئرا، ولا انبوبا، ولا محطة معالجة. ولذلك بقيت خارج الحسابات.
وبابنوسة قصة اخرى من النوع نفسه. المدينة ظلت لما يقارب 680 يوما بين حصار واشتباكات وانقطاع، ثم سقطت نهائيا.
وخلال ذلك نزح منها ما لا يقل عن 45 الف شخص. ومع ذلك لم تعلن وساطة عاجلة، ولا ترتيبات لحماية المدنيين، ولا ما يشبه العجلة التي رأيناها في هجليج الغنية بالنفط!
بابنوسة، مثل الفاشر، لا تضخ نفطا، ولذلك لم تجد اهتماما كبيرا.
دولة جنوب السودان تحركت في هجليج لانها تعرف ان بقاءها الاقتصادي مرتبط بانبوب يمر عبر السودان.
والصين تراقب لان مصالحها القديمة في القطاع تجعل استقرار الحقول مسألة مهمة.
اما الاطراف السودانية، فاستجابت بسرعة نادرة عندما تعلق الامر بالبرميل، بينما بقيت المدن تنتظر نصيبا من العقل، او نصيبا من الرحمة.
المعادلة واضحة. عندما يهدد النفط، تبرم الترتيبات خلال ساعات. وعندما يهدد الناس، لا يحدث شيء. هجليج اخليت لانها مربحة. الفاشر وبابنوسة تركتا لان كلفتهما بشرية فقط.
والمؤسف ان هذا ليس تحليلا بقدر ما هو وصف مباشر لما حدث. برميل النفط حظي بحماية طارئة، بينما المدن السودانية حظيت بالصمت.
وفي نهاية المشهد، يبقى الشعب السوداني وحيدا، يواجه مصيره بلا وساطة تحميه، وبلا اتفاق ينقذه، وبلا جهة تضع حياته في اولوياتها.
هذه هي الحكاية، بلا تجميل. النفط يوقع له اتفاق سريع. الشعب ينتظر اتفاقا لم يأت بعد.
الوسومإبراهيم هباني