بـ”فن العرائس”.. أطفال السودان يتحدون كوابيس الحرب
تاريخ النشر: 30th, August 2023 GMT
يلتف الأطفال في مراكز إيواء النازحين بمدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان حول فرقة مسرحية تنشط في تقديم أعمالا درامية تحت ما يعرف بـ”فن العرائس” لتخفيف آثار الحرب عن هؤلاء الصغار.
وتقدم المبادرة التي يقوم عليها ممثلون سودانيون صورة مغايرة لواقع القتل ورعب البنادق التي كونها الأطفال قبل فرارهم مع أسرهم من الحرب المحتدمة في الخرطوم، من خلال مسرحيات بسيطة مليئة بالحياة والأمل والمستقبل المشرق.
ولم يتوقف عمل الدراميون عند حد تمثيل المسرحيات القصيرة بل يمتد إلى الإشراف على ورش عمل من الرسم والتلوين يقوم بها الأطفال في مراكز الإيواء كجزء من برنامج العلاج النفسي لهم.
ويعد الأطفال الفئة الأكثر تضرر من الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي، فراح الآلاف منهم ضحية للقتل والتشريد والجوع.
وتشير منظمة يونيسف إلى أنها نقلت 2500 انتهاك صارخ لحقوق الطفل – بمتوسط واحد على الأقل في الساعة، الى جانب نزوح 1.9 مليون طفل داخل السودان، وأجبر 1.7 مليون طفل إضافة على ترك منازلهم وهم يتنقلون الآن داخل البلاد وعبر حدودها.
وتقول مؤسس مبادرة “مسرح العرائس” مواهب الماحي لموقع “اسكاي نيوز عربية” إن “فكرة العمل وسط الأطفال النازحين جاءتها بمجرد خروجها بعائلتها من الخرطوم عقب اندلاع الحرب وهي مستوحاة مما شاهدته من تأثيرات على صغارها بسبب القتال”.
وتضيف: “فكرت في أن يكون الطفل في مراكز إيواء النازحين منتجاً لشتى الفنون الإبداعية من رسم وحكايات حتى يتمكن من التغلب على آثار الحرب التي تمثلت في الخوف والرعب وغياب الإحساس بالأمان”.
وتشير إلى أن عملها يقوم على ثلاث عرائس: (بنت الماحي) وهي الجدة صاحبة السبعين عاماً والتي تعرف محلياً بـ”الحبوبة” والتي تحظى بحب الأطفال نظراً لحكاياتها المشوقة وغير المملة، جانب العروستين (ميمي) و(تمبوشة) وهن صغيرتان يتحدثا بلغة وأسلوب الأطفال.
وتعمل الماحي إلى جانب طبيب نفسي يدعى معاذ شرفي والذي يقوم بتصميم الرسائل التوعوية حسب حاجة الأطفال في كل مركز إيواء بناء على ما تعرضه له، ومن ثم يقوم الممثلين بتقديمها بشكل مختصر يناسب حالة الصغار.
وتوجد في مدينة ود مدني أكثر من 30 مركزاً لإيواء النازحين من الحرب الجارية في الخرطوم، وتضم آلاف الأطفال الذين يعيشون وسط نقص في الأغذية وظروف إنسانية بالغ السوء، وفق منظمات تطوعية.
وتقول مدير مركز الإرشاد النفسي بجامعة النيلين السودانية أسماء محمد جمعة لموقع “سكاي نيوز عربية” إن أطفال السودان كانوا يعانون العديد من المخاطر قبل اندلاع الحرب من بينها ارتفاع معدلات الإصابة بسوء التغذية والتسرب المدرسي ووجود الملايين خارج مظلة التعليم، فالقتال فاقم هذه المشكلات.
وتضيف: “جميع هذه المؤشرات ارتفعت بعد الحرب خاصة سوء التغذية والتعليم الذي أصبح جميع الأطفال خارج مظلته بعد إغلاق كل المدارس، ويضاف إلى ذلك مستجدات الرعب والخوف التي خلفها الصراع المسلح”.
وتشير إلى أن كل هذه المعطيات تحدم ضرورة وجود برامج قوية للعلاج والدعم النفسي للأطفال، فالمسرح وسائر الفنون تعتبر وسائل ناجعة لمحو آثار الحرب عن الأطفال.
وتابعت: “نحن بحاجة إلى مزيد من المبادرات الهادفة من مسرح وفنون ورسم تعمل وسط الأطفال النازحين حتى يتمكنوا من تجاوز هذه المصاعب النفسية، ومن دون ذلك سيكون هناك تهديد وجودي لنواة المستقبل في البلاد”.
سكاي نيوز عربية
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
أوجلان والكلمة التي أنهت حربا
آخر تحديث: 12 يوليوز 2025 - 7:24 صبقلم: فاروق يوسف تخلى حزب العمال الكردستاني عن خيار الكفاح المسلح معلنا نزع سلاحه. فهل يعني ذلك اعترافا بالهزيمة؟كان عبدالله أوجلان زعيم الحزب واضحا في كلامه. الاستمرار في ذلك الخيار يعني المشي في طريق مسدودة.لقد سبق للزعيم الكردي الذي تم اعتقاله عام 1999 في سياق صفقة سياسية مبتذلة على المستوى الأخلاقي أن دعا غير مرة من سجنه إلى طي صفحة الحرب.كان من الصعب على الحزب الذي تأسس عام 1984 أن يطوي تلك الصفحة التي انطلق منها من غير أن تتغير المعادلات السياسية في تركيا. تلك المعادلات المتحجرة التي كانت قائمة على عدم الاعتراف بوجود الأكراد جزءا من التركيبة الوطنية في تركيا.
لقد أنهى أوجلان الحرب بكلمة. غير أن تلك الكلمة ما كان لها أن تكون بذلك التأثير لولا أن الواقع السياسي التركي قد قدّم لها كل أسباب القوة قاوم الأكراد تحجّر العقل السياسي التركي بطريقة تعبّر عن معرفة عميقة بتعثر إمكانية الحوار تحت مظلة وطنية جامعة. فبغض النظر عن نوع النظام الحاكم في أنقرة، دينيا كان أم مدنيا فإن الاعتراف بحقوق الأكراد القومية كان خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، حتى أن تركيا لم تكن تعترف بوجود الأكراد قومية مستقلة وكانت تسمّيهم بأتراك الجبل.
وعلى الرغم من أن الحرب على الساحة الكردية قد كلفت تركيا خسائر بشرية ومادية هائلة فإن دولة أتاتورك كانت مستعدة لخرق القانون الدولي واحتلال أجزاء من سوريا والعراق من أجل مطاردة المتمردين الأكراد.كان خيار السلم على الأراضي التركية التي يقيم فيها الأكراد مُستبعدا حتى بعد اعتقال أوجلان. ذلك لأن حزب العمال وقد وجد له حاضنة في شمال العراق كان يأبى أن ينضم إلى زعيمه في معتقله ويستسلم. وإذا ما كان حزب العمال قد استفاد من الاستقلال النسبي للإقليم الكردي في شمال العراق فإنه استفاد أيضا من الظرف الإقليمي المضطرب بحيث كانت تركيا حائرة في أن تحارب على أيّ جبهة، في سوريا أم في العراق أم في الداخل التركي.ولا يخفى على تركيا وهي الضليعة بمؤامرات الناتو التي هي جزء منه ما تخطط له الولايات المتحدة وهي تعمل على تأثيث وجودها في المنطقة بأسلوب استعماري جديد. كل تفكير بتركيا قوية يبدو ساذجا في ظل استضعافها محليا من خلال المسألة الكردية. ولأن تركيا بدت عاجزة عن حل مشكلة محلية فقد بات الحل الدولي قريبا. فعلى الرغم من أن تركيا كانت حاضرة في المعالجة الدولية للمسألة السورية فإن ذلك لم يضمن لها انحياز الجانب الأميركي.يملك الأكراد اليوم تمثيلا قويا في الحياة السياسية التركية. ذلك ما يعني أن تركيا قد تغيّرت. ولأن تركيا قد تغيّرت فقد آن للأكراد أن يتغيّروا.من المهم أن أنبه هنا إلى أن أكراد تركيا على الرغم مما عانوه من تهميش وعزل وازدراء إلا أنهم لم يطالبوا إلا بحقوقهم المدنية وهي حقوق المواطنة المتوازنة والسوية من المؤكد أن أكراد حزب العمال لم يتخلوا عن خيار الكفاح المسلح إلا بعد أن ضمنوا أن هناك حياة وطنية عادلة في انتظارهم.
من المهم أن أنبه هنا إلى أن أكراد تركيا على الرغم مما عانوه من تهميش وعزل وازدراء إلا أنهم لم يطالبوا إلا بحقوقهم المدنية وهي حقوق المواطنة المتوازنة والسوية. وكما يبدو فإن تركيا تغيرت عبر الزمن. لذلك صار على الأكراد أن يتغيّروا ويغيّروا نهجهم وطريقتهم في التلويح بمطالبهم. والأهم من ذلك أن مبدأ الكفاح المسلح لم يعد مقنعا للكثير منهم، أولئك الذين انخرطوا في الحياة السياسية التركية من خلال الأحزاب التي صار لها صوت في الشارع. كان عبدالله أوجلان حكيما ورجلا مسؤولا حين صارح شعبه بأهمية الاستجابة لتلك التغيّرات والتفاعل معها بطريقة إيجابية. فالمهم بالنسبة إليه وإلى شعبه أن يكون الهدف الذي اختاروا من أجله اللجوء إلى الكفاح المسلح قد تحقق أو في طريقه إلى أن يكون واقعا وليس الكفاح المسلح هدفا في حد ذاته. هنا تكمن واحدة من أهم صفات الزعيم العاقل. ليس من المعلوم حتى الآن ما هي الصفقة التي تخلّى حزب العمال بموجبها عن سلاحه منهيا الحرب التي أضرّت بالأكراد مثلما أضرّت بتركيا.لكن اللافت هنا أن رجلا لا يزال قيد الاعتقال منذ أكثر من ربع قرن كان قادرا على أن يقول كلمة النهاية. وهو ما يعني أن الطرفين، الكردي والتركي، يثقان بذلك الرجل الذي وهب شعبه الجزء الأكبر من عمره.لقد أنهى أوجلان الحرب بكلمة. غير أن تلك الكلمة ما كان لها أن تكون بذلك التأثير لولا أن الواقع السياسي التركي قد قدّم لها كل أسباب القوة.