البرهان يخاطب الشعب السوداني من “معبد الأسد أبادماك”.. ماذا أراد من وراء الرسالة؟
تاريخ النشر: 15th, August 2025 GMT
متابعات- تاق برس- في مشاهد تحمل رسائل عدة ودلالات عميقة خاطب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان الشعب السوداني من منطقة الأهرامات الملكية بمدينة مروي التاريخية، وتحديدا منطقة النقعة حيث “معبد الأسد أبادماك” الذي يبعد نحو 100 كيلومتر شمال شرقي الخرطوم.
وهنأ البرهان في كلمته اليوم الخميس الشعب السوداني وضباط وجنود بلاده بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس القوات المسلحة و 71 عاما على سودنتها.
وقال إن هذا اليوم يمثل مجداً وحضارة للسودان. مبينا أن هذا المجد بناه السودانيون. في دلالة على أنهم هم نفسهم بناة هذه الحضارة العظيمة وهم نفسهم من بنوا القوات المسلحة وداوموا على إسنادها.
وحيا البرهان الشعب السوداني صانع الحضارات ومؤسس هذه القوات التي اقترن اسمها بالدفاع عن السودان، وقال أنه حينما أنشئت القوات المسلحة في عام 1925 بخلاف كل الجيوش الأخرى، لم تسمى بإسم ملك أو غيره بل سميت بإسم قوة دفاع السودان ومنها انطلقت عزيمة البناء والمحافظة على تاريخ هذه الأمة.
وأضاف أنه في العام 1954 تولى قيادة القوات المسلحة أول قائد سوداني، وأن هذه القوات تجاوز عمرها أكثر من 100 عام ، وقد كانت قبل عام 1925 تقاتل كفيالق وفرق مع الجيوش الأخرى، ولكن بعد ثورة اللواء الأبيض في عام 1924م، والثورة في مصر تم فصلها وتكوينها بإسم قوة دفاع السودان.
حيث لشتقت أسماء مختلفة من حضارة السودان وتاريخه.
مضيفا أنه عندما سميت بإسم قوات الشعب المسلحة كان فعلا هذا هو الرمز والإسم الذي تحمله الآن وهي تقاتل مع الشعب السوداني في معركة الكرامة.
وحيا الفريق البرهان كل السودانيين الذين ظلوا يقفون بجانب القوات المسلحة مشيداً بالأبطال المرابطين في الثغور في كل مكان لاسيما في الفاشر وبابنوسة وكادقلي وفي كل متحركات القوات التي تدافع عن الحق وتحمي السودان.
وأضاف قائلاً ” نحن نفخر بأننا ننتمي لهذه المؤسسة، والشعب السوداني يفخر بعراقة ورسوخ مؤسسته ” وجدد البرهان العزم على المضي في معركة الكرامة ودحر التمرد وعدم المهادنة والمصالحة مهما كانت التكلفة وأضاف: “لن نخون دماء شعبنا وأبنائنا وإخواننا الذين مضوا وقدموا أنفسهم دفاعا عن السودان”.
وتعد أهرامات مروي في السودان دلالة على حضارة عريقة وشامخة، حيث تقف شامخة كأحد أهم المواقع الأثرية في العالم.
وتُعرف مروي بكونها عاصمة مملكة كوش، وتضم أكبر تجمع للأهرامات في العالم، حيث يزيد عددها عن 200 هرم.
هذه الأهرامات ليست مجرد مقابر، بل هي شهادة على عظمة الحضارة الكوشية وتطورها المعماري والفني.
من هذه الأرض التاريخية، وجه رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول الركن عبدالفتاح البرهان، كلمة للشعب السوداني بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس القوات المسلحة و71 عامًا على سودنتها.
وأباداماك هو إله الحرب لدى النوبيين القدماء، وهو عباره عن رجل بجسد محارب ورأس أسد، أستخدم كوصي مقدس على الملوك والأمراء والزعماء خصوصاً الراحلين منهم فمن يمس قبورهم فإن اباداماك سوف يلعنه.
ويقع المعبد إلى الشرق من معبد أمون، ويعتبر مثالاً للمعمار الكوشي القديم، فالواجهة الأمامية عبارة عن بوابة واسعة تصور الملك نتكامانى والملكة أماني تيري وأسد رمزي تحت أقدامهم يحاصران أسرى من اليمين واليسار.
لكن الأسرى بملامح غير واضحة، وقد وضع العلماء تصوراً عن كون السجناء إنما هم أفراد من القبائل الصحراوية التي كثيراً ما تصادمت المملكة الكوشية معهم، وعلى حواف البوابة الرئيسية يظهر تمثيل جميل لاباداماك يخرج من اللوتس المقدس، كما يظهر على جوانب المعبد أيضاً مجتمعاً مع الملك ومع الإله أمون وحورس.
وفي الحائط الخلفي للمعبد يوجد الرسم الأكبر لاباداماك وهو يتلقي النذور من الملك والملكة، ويظهر أيضاً بثلاثة روؤس واربعة سواعد، ويوجد داخل المعبد أيضا نحت للإله سيرابيس يظهر بلحية يونانية- رومانية، ويظهر إله متوج غير معروف يعتقد بأنه فارسي.
أهرامات مروي دلالة على حضارة عريقة وشامخة، وشهادة على عظمة الحضارة الكوشية وتطورها المعماري والفني، وموقع للتراث العالمي لليونسكو. والقوات المسلحة تمثل مجدًا وحضارة للسودان، وتدافع عن السودان وتحميه، وعريقة وراسخة ومؤسسة وطنية.
وكأن البرهان أراد أن يقول إن أهرامات النقعة والقوات المسلحة رمزان وطنيان مهمان في السودان، حيث تمثل الأولى حضارة عريقة وشامخة، والثانية قوة وطنية تحمي السودان وتدافع عنه. وأن الجيش السوداني هو الأسد أبا داماك وجاهز في أي لحظة للفتك بأعدائه.
أبادماكالبرهاناهرامات السودانالمصدر: تاق برس
كلمات دلالية: أبادماك البرهان الشعب السودانی القوات المسلحة
إقرأ أيضاً:
مطرقة أممية وسندان رباعية.. البرهان في زاوية حرجة
مطرقة أممية وسندان رباعية.. البرهان في زاوية حرجة
أحمد عثمان جبريل
❝إن أقسى الحروب ليست التي تُخاض بالسلاح، بل تلك التي تُخاض بصمت العالم. ❞
— إبراهيم الكوني
في الوقت الذي أصبحت فيه المجازر في رقعة جغرافية عزيزة من السودان، كجزء من المشهد اليومي، والنزوح الجماعي كأنه قدر محتوم، يعود ملف السودان إلى طاولة الأمم المتحدة بثقلٍ غير مسبوق.
قرارٌ يُنتظر صدوره في مجلس حقوق الإنسان، لا ليصف المأساة فحسب، بل ليبدأ “ولو متأخرًا” في تسمية الجريمة باسمها: حربٌ ضد المدنيين، وجرائمٌ ضد الإنسانية لا يمكن أن تُدفن في ركام الخرطوم، ولا أن تُنسى بمرور الوقت.
لكن الأهم من القرار نفسه، هو ما قد يليه: “ضغوط، واصطفافات، وتحولات حاسمة، قد تفتح أمام شعب السودان الذي يعاني ويلات حرب كارثية، طريقًا جديدًا.. أو تعيده إلى هاوية أعمق.
إذ يُنتظر أن يصوّت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خلال اليوميين القادميين، على مشروع قرار جديد بشأن السودان، يطالب بوقفٍ فوري لإطلاق النار، وإنشاء آلية رقابة دولية مستقلة لضمان الالتزام، إلى جانب الدفع باتجاه محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين.
المسودة الأولية للقرار، وفق مصادر دبلوماسية وإعلامية، تذهب أبعد من مجرد الدعوة لوقف الحرب، إذ تعتبر كثيرًا من الجرائم المرتكبة منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، جرائمَ حرب وجرائم ضد الإنسانية، تستدعي الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
يأتي هذا التحرّك الدولي في لحظةٍ يبدو فيها المشهد السوداني غارقًا في الدم، ومُثقلًا بالانهيارات الإنسانية والمؤسسية.. أكثر من عامين ونصف من القتال، خلفت عشرات الآلاف من القتلى، وملايين المهجّرين، وانهيار البنية الصحية والتعليمية، وفقدان السيطرة على العاصمة وأجزاء واسعة من البلاد، مع تصاعد وتيرة الانتهاكات، بما في ذلك القصف العشوائي، العنف الجنسي، والقتل على الهوية.
لكن القراءة الأعمق لمشروع القرار تكشف عن أبعاده السياسية أيضًا:” فالمجتمع الدولي، على ما يبدو، لم يعد يكتفي بمناشدات خجولة، بل بدأ يلوّح بوسائل ضغط حقيقية على أطراف الصراع، وتحديدًا قيادة الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، للدخول في مفاوضات مباشرة تفضي إلى وقف الحرب، والقبول بعملية سياسية شاملة”.
إذ تسري معلومات في كواليس الدوائر الدبلوماسية عن اتصالات متقدمة بين أطراف الرباعية الدولية (السعودية، الإمارات، مصر، والولايات المتحدةالأمريكية) للضغط على الجنرال البرهان، باعتباره الطرف الأكثر قدرة – من حيث الشكل – على اتخاذ قرار سياسي يمهّد لإنهاء الحرب.
وفي السياق ذاته، يُتوقع أن يتم خلال أيام لقاء مرتقب بين البرهان و السيسي، في خطوةٍ قد تحمل دلالات حاسمة، خصوصًا في ظل تقارير تفيد بأن القاهرة باتت تُمثّل حليفًا رئيسيًا للبرهان، وظهر قويا و”ضمانة إقليمية” في حال غادر محطة التردد وقرر بشكل قاطع، القطيعة مع شركاء الأمس من الإسلاميين.
فالمعلومات المتقاطعة تشير إلى وجود خلافات متزايدة بين البرهان وبعض دوائر الإسلاميين النافذة، الذين يرون في أي اتجاه نحو تسوية سياسية مع القوى المدنية، يمثل خيانة وتفريطًا في مشروعهم القديم.. وفي المقابل، تؤكد المعلومات تتزايد مؤشرات البرهان على الميل إلى خيار التسوية، ولو بصمت حذر، بعد أن استنزفته الحرب عسكريًا وسياسيًا، وفاقمت من عزلته الإقليمية والدولية.
لكن هذه الانعطافة، إن صحّت، لن تكون سهلة. إذ ما زالت بقايا شبكات الإسلاميين تتموضع داخل مؤسسات الدولة، وتستخدم أدواتها الإعلامية واذرعها الأمنية لتقويض أي اتجاه نحو الحل، بما في ذلك بث شائعات في الميديا وملهيات على غرار كيكل وفضيل، مع تحريض داخلي ضد التفاوض، فضلاً عن محاولات ترهيب النخبة العسكرية من تداعيات تسليم السلطة أو الانفتاح على قوى الثورة.
ومن هنا، تبرز أهمية الدور المصري في هذا التوقيت.. فبالنسبة للبرهان، تبدو القاهرة شريكًا يمنحه الغطاء اللازم للانفكاك من ضغط الإسلاميين، دون أن يخسر توازناته الداخلية. كما أن مصر، بحكم الجغرافيا والتاريخ، لا تنظر إلى ما يجري في السودان كملف خارجي بحت، بل كأمن قومي مباشر، يهدده تمدد الميليشيات، أو الانهيار التام للدولة السودانية.
المفارقة أن هذا الانفتاح – إن تَرسّخ – قد لا يكون انتصارًا لطرف على آخر، بل بارقة أمل للمدنيين، الذين أنهكتهم الحرب وجرّدتهم من كل شيء:” منازلهم، أرزاقهم، مدارس أطفالهم، ومستقبل وطنهم”.
الواقع أن القرار الأممي المرتقب ليس خاتمة الطريق، لكنه قد يشكّل نقطة تحوّل، إن ترافق مع إرادة سياسية صادقة، وضغط دولي فعّال، وتوحيد الجبهة المدنية حول رؤية واضحة لما بعد الحرب.
بقى أن نقول:” السودان اليوم لا يحتاج إلى انتصارات عسكرية جديدة، بل إلى شجاعة سياسية توقف النزيف، وتضع حدًا للانفلات، وتعيد للناس حقهم في الحياة، لا أكثر..
فلا أحد يربح في حربٍ كهذه، إلا الذين اتخذوا من تركيا وكرا للمؤامرات ولا يدفعون ثمنها.. إنا لله ياخ.. الله غالب.