فيلم الاستيقاظ ... استنساخ من تبقى من البشر بعد فناء العالم
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
طاهر علوان -
تطرح السينما المعاصرة من خلال العديد من تجاربها إشكالية لطالما تصدّى لها الأدب الروائي بشكل خاص قبيل ظهور السينما بزمن وهي تلك المرتبطة بفرضيات اليوتوبيا في مقابل الديستوبيا أي المدينة الافتراضية الفاضلة في مقابل الخراب الشامل الذي قد يضرب العالم ويؤذن بنهاية الحياة والحضارة وقد جسدت العديد من الأفلام هذا الموضوع على فرضية أن نهاية الكون سوف تقع أما على خلفية حروب طاحنة لا تبقي ولا تذر أو انتشار للأوبئة أو بسبب عوامل طبيعية مدمرة كالأعاصير وظواهر تسونامي أو الزلازل والبراكين.
هذه الفرضيات التي تذهب بعيدا في الخيال، وجدت في السينما ضالتها بسبب قدرة الفيلم على المضي بعيدا في الخيال والعالم الافتراضي المتخيل، ومن هنا نتوقف عند هذا الفيلم للمخرج الان فريل وهو انتاج ايرلندي إيطالي، يعرض في الصالات حاليا ويحظى باهتمام النقاد.
إنه فيلم ذا مقاربة ومعالجة اخراجية وسردية مختلفة فهو إن كان قد تصدى لديستوبيا فناء الأرض فإنه لم يقدمه بشكل مباشر وجسد تلك الفئة الناجية من الخراب وهي تصارع من اجل البقاء وهو ما صار معهودا ومألوفا في مثل هذه الأفلام، وباختصار انه يقدم فتاة تقف على حافة جبلية مطلة على قاع بحر عميق وترمي بنفسها من ذلك المكان وحيث من الواضح انه نوع من الانتحار.
ينفتح مشهد جديد بعد تلك الواقعة لنجد الفتاة نفسها ما تزال حية ترزق وهي مستلقية على ظهرها وكأنها خرجت للتو من حالة اغماء او غيبوبة ولكن سرعان ما تسيطر عليها الدهشة والاستغراب لأنها ببساطة لا تعرف أيا من هؤلاء الأشخاص الذين يحيطون بها ومهما حاولت ان تتذكر لن تسعفها ذاكرتها في التعرف على هؤلاء الأشخاص الثلاثة، امرأة عطوفة ترعاها ورجل ذو أصول افريقية يقدم نفسه على انه زوجها ورجل ثان هو زوج تلك المرأة المهتمة.
على وفق نهاية مشهد الانتحار الذي لم يظهر على الشاشة وكان مجرد محاولة وهذا المشهد الملتبس لتعارف الشخصيات يضع المخرج منذ البداية أسئلة محيرة على عاتق كل من المشاهد والشخصية الرئيسية.
من جهة أخرى، يقدم المخرج وهو نفسه كاتب السيناريو تلك الفتاة آنا – تقوم بالدور الممثلة ايرين كيليمان، وهي على درجة من الفطنة والذكاء، وتحاول ربط الأشياء ببعضها، وكل ما هنالك حسبما تروي لها هيلين – تقوم بالدور الممثلة ماكسين بيك، وهي تلك المرأة التي تقوم برعايتها، ان فشل محاولتها للانتحار وسقوطها من أعلى تسبب في فقدانها للذاكرة وانها سوف تسترجعها بالتدريج ولكن من حسن الحظ انها حافظت على حملها.
هذه الدائرة من الالتباسات الغريبة تدفع فضول انا التي سوف تلحظ انها ومعها أولئك الأشخاص ومن يفترض انه زوج لها مع انها لا تشعر في داخلها بأي ارتباط معه، كل هؤلاء يعيشون في جزيرة معزولة تماما، ويتأكد فيما بعد انها البقعة القليلة المأهولة بأشخاص أصحاء طبيعيين وذلك بعد وباء ضرب العالم وانتج كائنات وحشية موبوءة من الزومبي وان تلك الجزيرة ليست الا منطقة عسكرية محمية ومراقبة.
هذا الإحساس بالعزلة يزيد من بحث انا عن اجابات أخرى وخاصة بعد اصطدامها بأثنين من المتسللين الزومبي وهنا تمضي الدراما الفيلمية الى نهاياتها ونعيش المفارقة التي لم تكن محسوبة قط وهي التي ينجح المخرج في بنائها بشكل تدريجي وخلاصتها اننا في تلك الجزيرة ضمن برنامج متطور لاستنساخ البشر الاصحاء المتبقين بعد فناء البشر بسبب الوباء ونشوء كائنات موبوءة ومتوحشة.
تحدث كثير من النقاد عن كل ذلك وعن خطوط السرد الفيلمي التي ميزت هذا الفيلم ومعالجته وفي هذا الصدد يقول الناقد الان هانتر في موقع سكرين ديلي" جمع المخرج في هذا الفيلم عناصر الإثارة الكلاسيكية، هنالك جزيرة معزولة تعصف بها الرياح وتتساقط عليها الأمطار بغزارة، وامرأة حامل في محنة، وغرباء طيبون ومريبون في آن واحد، خلال ذلك أبقى المخرج جمهوره في حيرة من أمره بتلميحاتٍ إلى سيناريو على غرار فيلم "طفل روزماري"، أو حتى باحتمالية وجود أي قلقٍ في ذهن آنا. هناك ألبومات صور وأفلام منزلية تُذكرها بأوقات أسعد وتُؤكد زواجها من جيمس. ومع ذلك، من الواضح أن هناك أمرا غامضا ما. تكشف التفسيرات الأولية عن أحداثٍ مُريعة في العالم الأوسع.
ينجح المخرج في الحفاظ على التشويق، ويساعده في ذلك طاقم عمل متماسك يُقنع المشاهدين بالفكرة ويسير على الخط الفاصل بين الاهتمام والرعاية وحسن الظن وبين المكر والشر".
أما الناقد سيمون باوي في موقع تيك وان سينما فيقول، " للمكان دور مهم في هذا الفيلم وهو ركن أساسي فيه وقد لفت نظري لأسباب عديدة ومهمة اذ ساهم المكان - موقع التصوير في إضفاء أجواء افتتاحية غريبة. تبدو المناظر الطبيعية الوعرة المحيطة بطريق المحيط الأطلسي البري مهجورة وقاسية كسطح كوكب فضائي. ومن جهة اخرى تساهم الرياح العاتية عبر الفضاء الشاسع للحقول الفارغة على طول الساحل في الشعور بالقلق، حيث تتساءل آنا عن محيطها. يبدو وضعها لا مفر منه، تمامًا مثل الجزيرة التي لا تجد نفسها فيها".
هذه الخلاصات المهمة هي التي سوف تفضي الى مزيد من الحبكات الثانوية عندما تتكشف لآنا العديد من الحقائق وخاصة عندما تتمكن من التسلل الى المختبر الذي يعمل بأحدث التقنيات، وهناك سوف تجد ما يثبت نظرية الأجنة التي يتم استنساخها وحتى نسختها هي وهي مسجّاة في داخل ذلك المختبر، كل ذلك سوف يقودنا الى التحول الجذري في مسار الدراما وفي خطوط السرد الفيلمي الى المواجهة مع الطبيب الذي يتضح انه ليس الا جنرالا وطبيبا في نفس الوقت ويشرف على الجزيرة ومعه مسلحون من الجيش لتقع معركة ينتهي بعدها وجود الضابط وجنوده ولا يتبقى سوى آنا وهيلين.
تبرز في خلال مسارات السرد الفيلمي وبشكل مكثف مع هذا التصعيد مقاربة درامية موازية للأحداث وذلك من خلال التركيز أكثر على مواقف آنا وهيلين، ومعاناتهما وتضحياتهما. لكن هذا لا يكفي لموازنة الأجواء المشبعة بالتوتر والتحولات الدرامية لنصف الساعة الأخيرة، الذي شهد نوعا من الصراع المصيري من أجل البقاء، لكن في المقابل حقق المخرج توازنا موضوعيا ما بين مساحة الترقب والحقائق المغلفة بالمجهول وبين استنتاجات آنا وتمكنها من حل كثير من الالغاز والاجابة على العديد من الأسئلة لتفوز هي وهيلين بالبقاء في ذلك العالم الديستوبي الغريب في وسط تلك الجزيرة المعزولة.
.................................
سيناريو وإخراج/ ألان فريل
تمثيل/ ايرين كيليمان في دور آنا، ماكسين بيك في دور هيلين، ايفانو جيرميا في دور جيمس، بيتر مكدوناد في دور الطبيب هنري
مدير التصوير/ ريتشارد كيندريك
مونتاج/ بريج رولي
انتاج/ إيطاليا - ايرلندا
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الفیلم العدید من فی دور
إقرأ أيضاً:
تظاهرات عارمة وإغلاق للطرق في الكيان للمطالبة بوقف الحرب واستعادة الأسرى
القدس المحتلة -ترجمة صفا
شارك عشرات الآلاف من الاسرائيليين صباح اليوم في تظاهرات عارمة عمّت الكثير من المدن وذلك في يوم الإضراب الذي أعلنت عنه المعارضة وعائلات الأسرى ، حيث قام المشاركون بإغلاق العديد من الطرق الرئيسية وأشعلوا الإطارات ورفعوا الشعارات المطالبة بوقف الحرب واستعادة الأسرى.
وذكرت صحيفة "يديعوت احرونوت" ان الشرطة الاسرائيلية اعتقلت 32 شخص حتى الآن بعد إغلاقهم للطرق ومنها طرق على مدخل القدس ، حيث انضمت قطاعات واسعة الى الإضراب ومنها جامعات وشركات هايتك ومصانع ومجالس محلية وغيرها.
فيما شارك في التظاهرات الكثير من الساسة الاسرائيليين وعلى رأسهم رئيس الكيان اسحق هرتسوغ الذي دعا لإغلاق ملف الأسرى في غزة واستعادتهم بأسرع وقت ، مشيراً الى ان ذلك من شأنه وقف الشرخ الآخذ في الاتساع داخل المجتمع الاسرائيلي على حد تعبيره.
فيما دعا رئيس نقابات العمال "الهستدروت" ، أرنون بار دافيد ، خلال مشاركته في التظاهرات الى إنهاء الحرب واستعادة الأسرى.
وقال "دافيد" الذي رفض شلّ الإقتصاد الاسرائيلي في هذا اليوم " أوجه رسالتي الى رئيس الحكومة نتنياهو ان عليه اعادة الأسرى كأولوية وطنية عليا".
كما شارك في التظاهرات أسرى سابقين في القطاع الذين دعوا لضرورة الإسراع بإنقاذ ما تبقى منن الأسرى قبل فقدانهم الى الأبد حال تطبيق الحكومة قراراها باجتياح ما تبقى من القطاع.
بدوره هاجم وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير المشاركين في التظاهرات قائلاً بأنهم يضعفون الموقف الإسرائيلي.
وأضاف " يعد إضراب اليوم استمراراً للإضرابات الداعية لرفض الخدمة العسكرية والتي بدأت قبل 7 أكتوبر ، هؤلاء الأشخاص قرروا إضعاف الدولة حينها ويحاولون ذلك اليوم ، هذا الاضراب يقوي حماس ويبعد فرص استعادة الأسرى".