في الذكرى التاسعة عشرة لرحيل الأديب الكبير نجيب محفوظ، الذي رحل عن عالمنا في 30 أغسطس 2006، قام الإعلام بتسليط الضوء على إرثه الأدبي والفكري الذي ما زال حيًا في قلوب الملايين من القراء والنقاد. 

في ذكرى رحيل نجيب محفوظ.. تعرف على بداياته ونشأته واهم أعمالهفى ذكرى وفاته.. روائع الأديب العالمى نجيب محفوظ بالسينما

وعلى الرغم من مرور السنوات، فإن أعماله لا تزال تنبض بالحياة، محطمةً الحدود بين الأجيال والزمان، لتظل مصدر إلهام للكتّاب والأدباء في مختلف أنحاء العالم.

البداية من حي الجمالية: النشأة التي شكلت الأدب

وُلد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر 1911 في حي الجمالية بالقاهرة، في أسرة متوسطة، وكان والده موظفًا حكوميًا وأمه ربة منزل. لقد كان لهذا الحي الذي نشأ فيه، والذي شهد معالم القاهرة التقليدية والشعبية، تأثيرًا كبيرًا على شخصيته وأدبه.

 ففي هذه البيئة الشعبية، التي تنبض بالحياة اليومية البسيطة والمتنوعة، بدأ محفوظ في التفاعل مع المجتمع، وكان لذلك أثرٌ كبير في تشكيل عالمه الأدبي لاحقًا.


عاش محفوظ طفولته بين الأزقة الضيقة في الجمالية، ما جعل القاهرة تتحول بالنسبة له من مجرد مدينة إلى شخصية حية في رواياته، حيث ظهرت القاهرة في كثير من أعماله كبطل خفي يتداخل مع حياة الشخصيات ويؤثر في مصائرهم.

الانتقال إلى الأدب..من الفلسفة إلى السرد الروائي

درس نجيب محفوظ الفلسفة في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وكان على وشك إتمام دراسته العليا في الفلسفة الإسلامية، إلا أن شغفه بالأدب دفعه في النهاية إلى الكتابة بشكل مكثف. بدأ محفوظ مسيرته الأدبية في عام 1936، حينما نشر أولى قصصه القصيرة في مجلة "الرسالة"، والتي كانت بمثابة الباب الأول لدخوله عالم الأدب. وفي عام 1939، أصدر روايته الأولى "عبث الأقدار"، تلتها "كفاح طيبة" و"رادوبيس"، وهما روايات تاريخية فرعونية.


لكن تحول نجيب محفوظ الأدبي الأهم كان في منتصف الأربعينات، حينما انتقل إلى الواقعية الاجتماعية في رواياته الشهيرة "القاهرة الجديدة" و"خان الخليلي" و"زقاق المدق".

 في هذه الأعمال، بدأ محفوظ في استكشاف الطبقات الاجتماعية في مصر، مركّزًا على معاناة الناس البسطاء في المدينة والتغيرات الاجتماعية التي مرت بها.

 بذلك، أسهم في تسليط الضوء على الحياة اليومية في مصر بعد الحرب العالمية الثانية.

أدب محفوظ الرمزي.. البحث عن المعنى في الحياة

لكن التغيير الأبرز في مسيرة محفوظ الأدبية جاء مع رواياته التي دخل فيها مرحلة الرمزية والفلسفة الوجودية، مثل "الشحاذ" و"الباقي من الزمن ساعة". 

ومع "أولاد حارتنا"، التي نُشرت في 1959، دخل محفوظ مرحلة أكثر تعقيدًا في استكشاف الصراع الداخلي للإنسان. 

كانت "أولاد حارتنا" محط جدل واسعا بسبب ما اعتبره البعض إساءة للأديان، مما أدى إلى منع الرواية في العديد من الدول، وفي النهاية إلى محاولة اغتياله في عام 1994.

رغم هذه الصعوبات، دافع محفوظ عن روايته، مشيرًا إلى أنه لم يهدف من خلالها إلى الهجوم على الأديان أو الرموز الدينية، بل كان يسعى فقط إلى طرح قضايا الوجود والعدالة في إطار اجتماعي وفلسفي، مؤكدًا أن الحرية الفكرية والإبداعية هما أساسيان في عملية النقد الاجتماعي.

جائزة نوبل..تتويج لمشوار طويل

في عام 1988، تم منح نجيب محفوظ جائزة نوبل في الأدب، ليصبح بذلك أول كاتب عربي يحصل على هذه الجائزة المرموقة. 

كان فوزه بهذه الجائزة بمثابة تتويج لعشرات السنين من العمل الأدبي الجاد، الذي خلّد الأدب العربي في جميع أنحاء العالم. لم يكن فوزه بالجائزة مجرد اعتراف عالمي به ككاتب مبدع، بل كان أيضًا فوزًا للأدب العربي نفسه الذي بدأ يدخل إلى الفضاء الأدبي العالمي.


ورغم العديد من التحديات التي واجهته، مثل التهجمات عليه بسبب أعماله الأدبية المثيرة للجدل، إلا أن محفوظ استطاع أن يحافظ على جودته الأدبية، وهو ما جعل أعماله تُترجم إلى العديد من اللغات، وتُدرس في الجامعات حول العالم.

محفوظ والسياسة..من ثورة 1919 إلى ثورة يوليو

لم يكن نجيب محفوظ بمعزل عن الأحداث السياسية التي شهدتها مصر طوال القرن العشرين.

 فقد كان له رأي سياسي قوي في الثورات المصرية، بداية من ثورة 1919، والتي شهدت انخراطه المبكر في الحياة السياسية، وصولًا إلى ثورة 1952، حيث كان في البداية متفائلًا بالنظام الجديد، قبل أن يعارض بعض السياسات التي فرضها جمال عبد الناصر في ما بعد.

كما كانت له آراء واضحة في قادة مصر من سعد زغلول إلى جمال عبد الناصر، وكان محفوظ يُقدّر دورهم التاريخي، لكن في الوقت نفسه كان ينتقد بعض السياسات التي اعتبرها تقيّد حرية الفكر والإبداع.

محاولة اغتيال نجيب محفوظ: الهجوم على الفكر والإبداع

من أبرز الأحداث في حياة نجيب محفوظ كانت محاولة اغتياله في عام 1994 من قبل متطرف ديني بسبب أزمة "أولاد حارتنا". 

وهذه المحاولة كانت بمثابة هجوم على حرية الفكر والإبداع، حيث كان محفوظ قد أصبح رمزًا للمثقف المستقل الذي لا يخشى التعبير عن آرائه رغم التحديات. 

وبعد الحادث، تلقى دعمًا كبيرًا من قبل المجتمع الثقافي، وتواصلت رواياته وأعماله الأدبية في التأثير على الأجيال القادمة.

طباعة شارك رحيل نجيب محفوظ ذكري 19 نجيب محفوظ جمال عبد الناصر

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: رحيل نجيب محفوظ جمال عبد الناصر نجیب محفوظ فی عام

إقرأ أيضاً:

بمناسبة ذكرى ميلاد محفوظ.. انطلاق ورشة "دروب مصر"

فى إطار فعاليات متحف ومركز إبداع نجيب محفوظ، بتكية محمد أبو الدهب، التابع لصندوق التنمية الثقافية، برئاسة المعمارى حمدى السطوحى، وبمناسبة الذكرى ال١١٤ لميلاد نجيب محفوظ، ينظم المتحف ورشة "دروب مصر" بإشراف المعمارى سالم حسين، حيث تبدأ غداً (الجمعة ١٢ ديسمبر) بجولة فى منطقة الجمالية، أما أيام ١٣ و١٤ و٢٠ ديسمبر، فتقام الورشة بمقر متحف نجيب محفوظ.
يركز هذا المشروع على توثيق  دروب حي الجمالية، أحد الشوارع التاريخية المرتبطة بسيرة الأديب نجيب محفوظ، بهدف إبراز الطابع التراثي والثقافي للمنطقة، وتنشيط السياحة، وتحسين البيئة العمرانية مع الحفاظ على الهوية التاريخية للمكان.

يعد المشروع فرصة حقيقية للارتقاء العمراني لمنطقة  "درب قرمز" ومحيطه شارع المعز ، ورفع القيمة الاقتصادية والسياحية للمنطقة. وربط  درب قرمز وشارع المعز بالمناطق المحيطة بنسيج عمراني متكامل، بما يعزز الترابط الوظيفي والبصري داخل المنطقة ويحترم الطابع التاريخي.
تطرح الورشة
العديد من الأفكار المرتبطة  باستخدام وتوظيف المباني التراثية مع الحفاظ على هوية المكان وتنشيط الأنشطة الثقافية لتشجيع مشاركة المجتمع المحلي في جهود الحفاظ والتطوير.
ويؤكد المعمارى سالم حسين أن الفكرة الأساسية إننا نعيد قراءة المكان من جديد، نفهم نسيجه، ونرسم معه رؤية للتطوير تحفظ ذاكرته وتعيد له الحياة.
وأضاف: الورشة ستستمر لمدة ٤ أيام مكثفة نعمل فيهم على استكشاف وتحليل واقتراح حلول تصميمية حقيقية. البداية ستكون بجولة ميدانية داخل الدروب المختارة نحلل فيها خصائص المكان ونوثّق تفاصيله المعمارية والبشرية، وبعد ذلك سنبدأ ورش التحليل والتصميم داخل مساحة العمل ونعمل كفرق على أفكار لإحياء المشهد العمراني حول المواقع التاريخية. اليوم الرابع سيكون ختام التجربة بعرض المشاريع والمقترحات أمام لجنة من الخبراء والمحكمين في مجال التصميم العمراني والتراث الثقافي.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى ميلاده.. أعمال درامية استلهمت أحداثها من روايات نجيب محفوظ
  • "دروب مصر ".. مبادرة جديدة لإعادة قراءة الجمالية في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ
  • دروب مصر.. مبادرة جديدة لإعادة قراءة الجمالية في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ
  • في ذكرى ميلاده.. «نجيب محفوظ» رجل صاغ القاهرة من طين الحكايات وصنع للروح العربية مرآتها الحقيقية
  • غدًا.. ورشة «دروب مصر» بمتحف نجيب محفوظ بمناسبة الذكرى الـ 114 لميلاده
  • من شوارع القاهرة إلى جائزة نوبل.. كيف صنع نجيب محفوظ مجده؟
  • بمناسبة ذكرى ميلاد محفوظ.. انطلاق ورشة "دروب مصر"
  • يوسف القعيد: نجيب محفوظ كان منظمًا بشكل صارم وصاحب رسالة وتفانٍ في إيصالها
  • لجنة تراث مطروح تقيم مسابقة للشعر الشعبي بمناسبة ذكرى معركة وادي ماجد
  • غدا.. إحياء ذكرى "شادية" بسينما الهناجر