هل ينحصر فهم الآية في سبب نزولها ولماذا؟ علي جمعة يوضح
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
هل ينحصر فهم الآية في سبب نزولها ولماذا؟ سؤال بينه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، من خلال حديثه عن أسباب نزول الآيات، لافتًا إلى أن معرفة سبب النزول تفيد في الوقوف على المعنى كاملا وتعين على فهم النص القرآني فهما صحيحا.
هل ينحصر فهم الآية في سبب نزولها ولماذا؟وأوضح علي جمعة من خلال صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: أن مثال ذلك قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195] فإنا نقف على بيان معنى التهلكة إذا رجعنا إلى حديث أبي عمران التجيبي أنه قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر, وعلى أهل مصر عقبة بن عامر, وعلى الجماعة فضالة بن عبيد فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقالوا: سبحان الله, يلقي بنفسه إلى التهلكة؟! فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: أيها الناس إنكم لتؤولون هذه الآية هذا التأويل, وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه, فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت, وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه, فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد علينا ما قلناه (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو.
وتابع أنه من فوائد معرفة سبب النزول أيضا: أنه يزيل الإشكال الذي يمكن أن يحدثه ظاهر النص القرآني, ومن ذلك ما جاء عن مروان بن الحكم انه قال لبوابه: اذهب إلى ابن عباس فقل له: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون.
ويقصد مروان قوله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ) [آل عمران:188] فقال ابن عباس: مالكم ولهذه الآية, إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود وسألهم عن شيء فكتموه إياه واخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما اخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم. (البخاري).
وأكمل من فوائده كذلك: أنه يدفع توهم أن يكون النص قد حصر الحكم في الإفراد التي ذكرها, فقوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ) [الأنعام:145] ظاهره يفيد حصر المحرمات من الأطعمة في هذه الأصناف الأربعة, ولكن بالعودة إلى سبب نزول هذه الآية تبين أن الحصر متوهم, فقد ذكر الشافعي أن الآية نزلت لترد على المشركين حين أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله فناقضوا الشريعة, فأراد البيان الإلهي أن يرد عليهم مناقضتهم فنزلت الآية, وكأنه يقول فيها: لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه والغرض من ذلك المضادة لا النفي ولا الإثبات على الحقيقة. (البرهان).
وشدد علي جمعة أن الحاصل أن قواعد الفهم السليم اقتضت أن يستعان بسبب النزول -الذي هو من السنة- في بيان النص القرآني المعجز والوقوف على المعنى الكامل والصحيح للآيات.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سبب نزول الدكتور علي جمعة هيئة كبار العلماء علی جمعة
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: السيرة النبوية علم حضاري يسعى لعيش تفاصيل حياة الرسول والتأسي به
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الأمة الإسلامية منذ بداياتها لم تكتفِ بمعرفة سطحية عن رسول الله ﷺ، بل أرادت أن تعيش معه، وتحيى سيرته بكل تفاصيلها، لتجعل منه القدوة والأسوة الحسنة في كل شؤون الحياة.
وأوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية الأسبق، خلال بودكاست "مع نور الدين"، المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس، أن المسلمين لم يكتفوا بمعرفة نسب النبي ﷺ أو قبيلته أو من حوله فقط، كما يفعل المستشرقون أو غير المسلمين، بل أرادوا أن يذهبوا أعمق من ذلك ليجيبوا عن السؤالين الكبيرين: "لماذا؟" و"كيف؟"، وهما مفتاحا اكتشاف الحقائق، قائلًا: "السؤال عن الكيفية والسبب هو الذي يقودنا لفهم أعماق الأحداث، وليس مجرد سردها".
وأضاف أن فكرة توثيق السيرة النبوية ظهرت مبكرًا، وكان من أوائل من فكروا فيها العالم موسى بن عقبة، أحد كبار الثقات، الذي ألّف كتابًا في السيرة لم يصلنا كاملًا، لكن الله أذن أن نرث بعضًا منه، ثم جاء ابن إسحاق فجمع مغازي النبي، وتلاه تلميذه ابن هشام الذي استفاد من كل ما سبقه، وقدم لنا سيرة نبوية شاملة، ربط فيها بين حياة النبي ﷺ وأيام العرب الأولى، لفهم عمق الأحداث لا مجرد ملابساتها.
وأشار د. علي جمعة إلى أن بعض العلماء، مثل السهيدي، لم يكتفوا بقراءة نصوص ابن هشام، بل وقفوا عند كل كلمة، وبحثوا أصولها ومعانيها، وفرقوا بين التمثال والصنم والنُصُب والوثن، مستعينين بعلوم اللغة والتاريخ والحديث، في دلالة على حضارة إسلامية تبني علومها لبنة لبنة، بدقة وصبر.
وفي السياق ذاته، ذكر أن الدكتور صلاح المنجد قد ألّف كتابًا بعنوان "معجم ما أُلِّف في رسول الله ﷺ"، أحصى فيه أكثر من 450 كتابًا عن النبي، كانت مطبوعة قبل 20 عامًا فقط، مشيرًا إلى أن العدد الآن قد يتجاوز 500 عنوان، بخلاف ما لم يصلنا أو فقده الزمن.
وشدد د. علي جمعة على أن علم السيرة لم يكن هدفه فقط معرفة النبي ﷺ أو حتى الإيمان به، بل أن نرتقي لمرحلة "معايشته" كقدوة وأسوة حسنة، قائلاً: "نحن أمة اهتمت برسولها، وجعلت من سيرته علمًا مستقلًا، لا لنقرأه للبركة فقط، بل لنعرف كيف نحيا به، ونفهم به العالم، ونتعامل مع واقعنا كما تعامل هو مع واقعه بكل تعقيداته وتفاصيله".
وأكد على أن قضية توثيق السيرة ستكون محورًا مهمًا للحديث لاحقًا، لكن الأهم الآن هو الفكرة نفسها: كيف نعيش مع رسول الله ﷺ ونجعل سيرته أداة لفهم الحياة والارتقاء بالروح والعقل والواقع.
https://www.youtube.com/watch?v=D8eEOozeyS8