فى حياة كل إنسان أمور دقيقة ومواقف لطيفة لا تمحى من الذاكرة، بعضها يظل ماثلا أمامها طويلا، وبعضها تستدعيه الذاكرة بين الحين والآخر ولا سيما إذا جد من الظروف ما يشبه تلك المواقف السالفة أو مرَّ الإنسان بموطن الذكرى أو التقى بصاحبها أو من عايشها معه أو من يذكره بها.
ومن ذلك أذكر أننى يوم أن كنت معيدا بالجامعة وكانت الجامعة حينئذ تستعين بموظفين من بعض الجهات الحكومية الأخرى لأعمال المراقبة على لجان الامتحانات، وكان بعضهم من غير العاملين بالقطاع التعليمى المتمرسين بأعمال الامتحانات وبعضهم بالمعاش، فلم يكن لدى بعض هؤلاء القدرة والحنكة الكافية على القيام بمهام المراقبة على الوجه المنشود، وهو ما دعا الجامعة لاحقا لهذا السبب من جهة وترشيدا للنفقات من جهة أخرى إلى عدم الاستعانة بهم وإسناد المهمة كاملة إلى الهيئة المعاونة والعاملين بالجامعة المدركين لطبيعة العمل بها القادرين على إحكام الأمر فى العملية الامتحانية.
وبينما كنت أَمرُّ على بعض اللجان المكلف بالمرور عليها للاطمئنان على سير الامتحانات بها رأيت أحد المراقبين لا يبالى بما يحدث فى اللجنة ولا يحسن ضبط أمورها، فقلت له وبمنتهى اللياقة واللطف: لابد من ضبط اللجنة بما يمنع أى نوع من الغش ويمكن الطلاب من التركيز وأداء امتحانهم بسهولة ويسر دون ضجيج أو تشتت، فوعدنى الالتزام بذلك، ولكن يبدو أن هذه كانت قدراته وإمكاناته وطبيعته وشخصيته، فلما رآنى قادما من بعيد فى يوم تال أراد أن يبرهن لى على جديته فأمسك بطالبين كان موضع امتحانهما بالممر وليس داخل المدرج ما مكننى من رؤيتهما جيدا عن بُعد، فلم أر منهما أى مخالفة ثم صاح بأعلى صوته وأنا على بعد منه: الحقنى يا دكتور، فأقبلت والطالبان يرتجفان ويقسمان أنهما ما فعلا شيئا مخالفا قط، ولا تفوّه أى منهما بكلمة ولا حتى التفت إلى صاحبه، فهدّأت من روعهما، وقلت لهما: أكملا امتحانكما ولا تقلقا، ثم أخذت المراقب جانبا، وقلت له: لقد قلت لك: نريد ضبط اللجنة وتوفير الجو المناسب لطلابنا، لا أن نظلم أحدا منهم، وأرشدته إلى ما يجب أن يكون، ثم تابعته بعد ذلك فى بقية الامتحانات فلم أجد منه بأسا، لكننى أوصيت الكنترول أن يكون معه دائما فى لجنته مراقب شاب نشط ليتمكنا معا من ضبط شئون اللجنة على الوجه الأكمل.
أما الموقف الثانى فموقف جد طريف، وهو أنه كان ولا يزال معلوما عنى أنه لا ينجح عندى سوى من يستحق النجاح بلا إفراط ولا تفريط، وكان ذلك منهجا انتهجته طوال حياتى العلمية والمهنية والعملية، وسألتزمه ما حييت قناعة بأن ضبط العملية الامتحانية أحد أهم جوانب العملية التعليمية ومقياس نجاحها الحقيقى، ودخل عليّ طالب فى الفرقة الرابعة فى الاختبار الشفوى، وكان من المفترض أن يُمتحن فى القرآن الكريم كاملا، ولم يكن الطالب يحفظ شيئا يذكر منه حتى أننى قلت له، هل تحفظ جزء «عم»؟ فقال: اسأل، ولم يقل: نعم أحفظ، فغلب على ظنى أنه حتى جزء «عم» لم يحفظه جيدا مع أنه حتى لو حفظه لا يحقق له الحد الأدنى من درجات النجاح، ولكنى قلت فى نفسى معه لآخر الدرب، وقلت له: اقرأ «إنّ جهنم كانت مرصادا»، فقال هروبا من عدم قدرته على الإجابة: إن القرآن الكريم فيه آيات كثيرة عن الجنة ونعيمها فلماذا السؤال عن النار، فسألته السؤال الثانى عفويا، إذن فقل أول المطففين، فقال مبتسما، من جهنم للمطففين كلها جهنم، ثم قال: أعلم أنى سأرسب فى القرآن، سلنى فى النحو وهو ما يعرف فى الفرقة الرابعة بامتحان التعيين، فانتقلت إليه، وبالطبع رسب فى القرآن ونجح فى التعيين بالحد الأدنى للنجاح وفق إجابته.
وللحديث بقية.
الأستاذ بجامعة الأزهر
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأستاذ بجامعة الأزهر أ د محمد مختار جمعة حياة كل إنسان الحين والآخر ضبط اللجنة الكنترول
إقرأ أيضاً:
المتسابق محمود كمال يخطف القلوب بصوته الذهبي في "دولة التلاوة"
أبهر القارئ محمود كمال لجنة تحكيم برنامج "دولة التلاوة" بأداء مذهل لتلاوته، حيث تميز صوته بالقوة والحنجرة الذهبية، وأظهر قدرة فائقة على التحكم في المقامات والتجويد، ما جعله محط إشادة من كبار العلماء والدعاة المشاركين في البرنامج.
الأزهري يشيد بالحنجرة الذهبية والروح الفنية للقارئعلق الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، على تلاوة محمود كمال قائلًا إن أداؤه مبدع ويستحق التقدير، مشيرًا إلى حنجرة المتسابق الذهبية والإحساس الصادق أثناء التلاوة. وأضاف: "صوته يعكس سبب تعلق المصريين بالقراء عبر التاريخ مثل الشيخ رفعت وعبد الباسط وغيرهم من الأئمة الكبار، واختيار المقامات وتنويع الصوت أظهر جمال القرآن العظيم".
وتوقع أن يصبح محمود قريبًا "شمسا ساطعة في دولة التلاوة" بفضل موهبته الفريدة.
اللجنة العلمية تثمّن القوة والانضباط الفني
قال الشيخ حسن عبد النبي، وكيل لجنة مراجعة المصحف الشريف بالأزهر، إن صوت محمود كمال من الأصوات الجميلة والقوية جدًا، مشيرًا إلى ضرورة الانتباه للمدود المنفصلة.
وأضاف أن القراءة سليمة وجيدة جدًا، وأشاد بانضباطه الفني في التحكم بالتلاوة وإظهار جمال الحروف والمدود.
طه عبدالوهاب: النغم والإحساس الفني سر التميز
أشاد الدكتور طه عبدالوهاب، خبير الأصوات والمقامات، بتلاوة محمود كمال، مؤكدًا أنها مليئة بالنغم والجمال، وأن المتسابق يبهر كل مرة بأداء مختلف ومتميز.
وأضاف أن التصوير النغمي الذي يقدمه يعكس قدرة فنية عالية، ويعتبر نموذجًا للموهبة الأصيلة في ترتيل القرآن الكريم.
إقبال واسع واختبارات صارمة للمواهب القرآنية
شهد برنامج دولة التلاوة مشاركة أكثر من 14 ألف متسابق من مختلف محافظات الجمهورية، ما يعكس الإقبال الكبير على اكتساب مهارات التلاوة وإبراز المواهب القرآنية.
وتمت تصفية المشاركين عبر مراحل متعددة، ليتم اختيار أفضل 32 موهبة للتنافس في الحلقات النهائية، تحت إشراف لجنة علمية متخصصة من وزارة الأوقاف المصرية برئاسة الدكتور أسامة الأزهري.
جوائز ضخمة وتكريم الفائزين
يحصل الفائزان بالمركز الأول في فرعي الترتيل والتجويد على مليون جنيه لكل منهما، بالإضافة إلى تسجيل المصحف الشريف كاملًا بصوتيهما وإذاعته على قناة مصر قرآن كريم، والإشراف على إمامة المصلين في صلاة التراويح بمسجد الإمام الحسين خلال شهر رمضان.
وتبلغ القيمة الإجمالية لجوائز البرنامج 3.5 مليون جنيه، في إطار تشجيع الدولة على اكتشاف المواهب القرآنية وتحفيز الشباب على التميز في علوم القرآن الكريم.