20 أكتوبر، 2025

بغداد/المسلة:  في خطوة تُثير التساؤل، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعيين رجل أعمال من ديترويت يدعى مارك سافايا كمبعوث خاص له إلى العراق.

هذا الإعلان، الذي جاء عبر منصة “تروث سوشيال” الخاصة بترمب، لم يكن مجرد تعيين دبلوماسي روتيني؛ بل هو إشارة صارخة إلى أن واشنطن تُعيد رسم خطوط علاقاتها مع بغداد خارج الإطارات التقليدية، في وقت يتسارع فيه التوترات الإقليمية وتلوح بظلالها الانتخابات العراقية المقبلة.

ووسط صمت رسمي عراقي مذهل، يبدو أن هذا التعيين ليس سوى قمة جبل جليدي يخفي دوامات من الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية، حيث يُرمى الضوء على نفط العراق كـ”كنز هائل” لا يُدار بحكمة، وفق تصريحات ترمب الأخيرة.

صمت بغداد: إشارة إلى توتر دفين أم تجاهل مدروس؟

لم يصدر عن وزارة الخارجية العراقية أي بيان رسمي يعلق على هذا التعيين، وهو أمر نادر في سياق علاقات بغداد-واشنطن التي شهدت في السنوات الماضية تبادلًا دبلوماسيًا مكثفًا. هذا الصمت ليس مجرد إغفال إداري؛ إنه يعكس ربما شعورًا بالإحباط أو الرفض الخفي لخطوة تُخفض درجة التمثيل الأمريكي في العراق إلى “مبعوث خاص” بدلاً من سفير كامل الصلاحيات.

فالعراق، الذي يُضم أكبر سفارة أمريكية في الشرق الأوسط – بميزانية سنوية تفوق المليار دولار وآلاف الموظفين – يبدو اليوم كأرض مهجورة دبلوماسيًا، حيث لم ترسل واشنطن سفيرًا إلى بغداد منذ سنوات، مما يُقلل التمثيل إلى مستوى غير رسمي يُشبه الاستشارة أكثر من الشراكة المتكافئة.

وفي عالم الدبلوماسية، حيث تُقاس القوة بعدد النجوم على الأعلام، يُمثل هذا الغياب تراجعًا دراماتيكيًا يُثير تساؤلات حول ما إذا كانت أمريكا تُعيد تقييم استثماراتها في دولة غارقة في فوضى سياسية واقتصادية.

مارك سافايا، الرجل الذي اختاره ترمب، ليس دبلوماسيًا محترفًا بتاريخ طويل في الخارجية الأمريكية؛ بل هو رجل أعمال ناجح من ديترويت، صاحب سلسلة متاجر للماريجوانا تحت اسم “ليف آند بود”، والتي اشتهرت بحملات إعلانية جريئة أثارت جدلًا في المدينة.

أصوله العراقية، كمسيحي كلداني، تُضفي على تعيينه طابعًا شخصيًا يتجاوز الحدود الرسمية؛ فهو ابن مهاجرين من العراق، ينتمي إلى أقلية كلدانية مسيحية تعرضت للاضطهاد الشديد في العقود الماضية، مما يجعله رمزًا للجالية العراقية في أمريكا.

تاريخه السياسي متواضع: دعم حملة ترمب في 2020 بتبرعات، وكان لاعبًا رئيسيًا في تعبئة الناخبين المسلمين الأمريكيين في ميشيغان خلال الانتخابات الأخيرة، مساهمًا في تحقيق إقبال قياسي أدى إلى فوز ترمب في الولاية الحاسمة.

على إنستغرام، حيث يتابعه عشرات الآلاف كمؤثر “ماغا”، يظهر سافايا إلى جانب ترمب في مناسبات متعددة، من الملاعب الجولف إلى التجمعات الانتخابية، مما يجعل تعيينه يبدو كمكافأة سياسية أكثر من ضرورة استراتيجية.

ومع ذلك، فإن هذا الخلفية غير التقليدية تُشير إلى أن ترمب يفضل “الولاءات الشخصية” على الخبرة الرسمية، في خطوة تُذكر بتعييناته السابقة لأصدقاء وداعمين في مناصب إقليمية حساسة.

يُفسر الوزير العراقي السابق للخارجية، هوشيار زيباري، هذا التعيين كإقرار صريح بأن الوضع في العراق “غير طبيعي”، ويحتاج إلى تدخلات خارج الإجراءات الدبلوماسية المعتادة.

زيباري، يرى في سافايا – الأمريكي المسيحي الكلداني ذي الأصول العراقية – محاولة لاستعادة الثقة مع أقليات محلية مهمشة .

هذا الرأي يتردد صداه في أوساط الدبلوماسيين العراقيين، الذين يخشون أن يكون التعيين إشارة إلى أن واشنطن تُفضل التعامل غير الرسمي لتجنب الالتزامات الدولية .

وفي الواقع، يُعد هذا التعيين جزءًا من نمط ترمبي يعتمد على مبعوثين خاصين لإدارة الصراعات الإقليمية، كما حدث مع سوريا والأكراد، حيث أثبتت هذه الآلية فعاليتها في تجاوز البيروقراطية – لكنها أيضًا أثارت انتقادات بأنها تُضعف المصداقية الدبلوماسية الأمريكية طويلة الأمد.

و لا يمكن فصل تعيين سافايا عن التصريحات الاستفزازية التي أدلى بها ترمب خلال قمة شرم الشيخ الأخيرة، حيث وصف العراق بأنه “بلد يمتلك كميات هائلة من النفط لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون بها”.

هذه الكلمات، التي أثارت غضبًا في بغداد، تُوحي بأن واشنطن ترى في العراق مصدرًا اقتصاديًا يحتاج إلى “إدارة” أمريكية، بسبب التوترات الإقليمية والفساد الداخلي.

آراء متداولة تربط هذا التعيين بمحاولة ترمب لفرض نفوذ أمريكي مباشر على موارد الطاقة، مستفيدًا من علاقاته الشخصية مع شركات النفط الكبرى، في وقت يُفرض فيه تعرفة جمركية بنسبة 35% على واردات العراق.

في سياق آخر، يُرتبط تعيين سافايا ارتباطًا وثيقًا بالانتخابات العراقية المرتقبة في نوفمبر 2025، حيث تسعى واشنطن إلى ضمان مستقبل يُدار بأيدٍ بعيدة عن النفوذ الإيراني الذي يُسيطر على الكتل الشيعية الرئيسية.

ومن خلال مبعوث ينتمي إلى الجالية العراقية الأمريكية، تُحاول إدارة ترمب دعم فصائل معتدلة وأقليات – مثل الكلدان والمسيحيين – لتشكيل ائتلاف برلماني يُقلل من هيمنة طهران.

هذا الرهان ليس جديدًا؛ فقد نجحت واشنطن في الانتخابات السابقة في دعم قوى سنية وكردية، لكن اليوم، يبدو التعيين خطوة يائسة لاستعادة التوازن. إذا نجح سافايا في بناء جسور مع هذه الجهات، فقد يُعيد رسم خريطة السلطة في بغداد؛ أما إذا فشل، فسيكون شاهداً على تراجع النفوذ الأمريكي في وادي الرافدين، حيث تُقاتل الولايات المتحدة للحفاظ على وجودها العسكري والاقتصادي.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: هذا التعیین واشنطن ت

إقرأ أيضاً:

صعب وليس مستحيلا.. طريق العراق والإمارات إلى كأس العالم 2026

دخل العراق والإمارات في نفق بعد إخفاقهما بالتأهل المباشر إلى كأس العالم 2026، بعد تعادل الأول مع السعودية وخسارة "الأبيض الإماراتي" أمام "العنابي القطري".

ويتواجه المنتخبان في الملحق الآسيوي في مباراتي ذهاب وإياب: الإمارات × العراق (الذهاب في 13 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في أبو ظبي). العراق × الإمارات (الإياب في 18 نوفمبر/تشرين الثاني القادم في البصرة).

والفائز بمجموع المباراتين سيشغل المقعد المخصص لآسيا في الملحق العالمي المؤهل إلى كأس العالم أو ما أطلق عليه الاتحاد الدولي لكرة القدم "بطولة المباريات الإقصائية المؤهلة لكأس العالم 2026″، والذي يضم 6 منتخبات تتنافس على آخر مقعدين في المونديال.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيمار "ليس قدوة لأحد".. هجوم لاذع على النجم البرازيلي "الزجاجي"list 2 of 2إسبانيا تتصدر عالميا والمغرب عربيا.. تصنيف الفيفا يحسم مواجهات ملحق المونديالend of listالمنتخبات المشاركة في الملحق العالمي: منتخبان من منطقة أميركا الشمالية الكونكاكاف (لم يُحددا بعد). منتخب من آسيا (الفائز من مواجهتي العراق والإمارات). منتخب من أفريقيا (الفائز من ملحق خاص يضم الغابون ونيجيريا والكاميرون، والكونغو الديمقراطية ويقام في المغرب). بوليفيا المتأهلة للملحق من أميركا الجنوبية (الكونميبول). كاليدونيا الجديدة المتأهلة للملحق عن منطقة أوقيانوسيا. طريق العراق والإمارات الصعب

وطريق المنتخبين العربيين الآسيويين صعب ولكنه ليس مستحيلا، ولهذا تأمل الجماهير أن يكون هناك منتخب عربي ثامن في المونديال الأميركي، وتعزيز فرص وصول هذه المنتخبات إلى أبعد نقطة في البطولة، وتكرار إنجاز المغرب في مونديال 2022 أو حتى التفوق عليه والوصول إلى النهائي.

وتبدأ صعوبة رحلة العراق (المركز 57 بحسب تصنيف الفيفا) والإمارات (المركز 67 بحسب تصنيف الفيفا) من مباراتي الذهاب والإياب لأن أحدهما يغادر والآخر يكمل الطريق. وعندما يصل إلى المكسيك التي تستضيف الملحق العالمي أو "بطولة المباريات الإقصائية" عليه أن يواجه منتخبات من العيار الثقيل ليس أقلها نيجيريا أو الكاميرون (الأقرب للتأهل من الملحق الأفريقي) وبوليفيا (المتأهلة عن أميركا الجنوبية).

إعلان

ومن المقرر أن ُتقام البطولة خلال فترة التوقف الدولي من 23 إلى 31 مارس/آذار 2026 حيث تخوض المنتخبات الأربعة الأقل تصنيفا الدور نصف النهائي، في حين يتأهل الفريقان الأعلى تصنيفا إلى المباراتين النهائيتين، وسيحصل الفائزان فيهما على بطاقتي التأهل الأخيرتين إلى مونديال أميركا وكندا والمكسيك.

تصنيف الفيفا والملحق الأفريقي

وبناء على تصنيف أكتوبر/تشرين الأول 2025، حدّد الفيفا مواجهات الملحق الأفريقي ضمن التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم 2026، التي ستُقام في المغرب الشهر المقبل:

ورتبت المنتخبات الأربعة كما يلي:

نيجيريا: المركز 41 عالميا. الكاميرون: المركز 54. الكونغو الديمقراطية: المركز 60. الغابون: المركز 77. وعليه، ستكون مواجهات الملحق الأفريقي على الشكل التالي:

نصف النهائي في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

نيجيريا x الغابون الكاميرون x الكونغو الديمقراطية النهائي في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2025تصفيات الكونكاكاف المؤهلة للمونديال

وبعد خوض المنتخبات 4 مراحل في المجموعات الثلاثة من تصفيات الكونكاكاف تظهر لنا تقدم سورينام وهندوراس وجامايكا.

ويتبقى جولتان لتحديد أصحاب المراكز الثلاثة الأُوَّلِ للمجموعات والذين يتأهلون مباشرة إلى مونديال 2026 في حين سيتأهل أفضل منتخبين من أصحاب المركز الثاني في المجموعات الثلاث إلى الملحق المؤهل إلى مونديال 2026

سورينام تتصدر المجموعة الأولى بفارق الأهداف عن بنما جامايكا تتصدر المجموعة الثانية بفارق نقطة واحدة عن كوراساو هندوراس تتصدر المجموعة الثالثة بفارق نقطتين عن كوستاريكا. تصنيف الفيفا وحظوظ العراق والإمارات

وبخلاصة كل ما تقدم، فإن سيناريوهات تأهل العراق والإمارات لا ترتبط بهما فقط، بل سيلعب تصنيفهما لشهر فبراير/شباط المقبل دورا حاسما في هذه العملية المعقدة.

فإن العراق الذي يحتل المركز الـ57 والإمارات الـ67 يسبقهما -حاليا- أكثر من منتخب أفريقي أو من الكونكاكاف مرشحة للتأهل إلى الملحق العالمي المونديالي، والتي من الممكن في حال تأهلها جميعا أو بعض منها أن تنتقل مباشرة إلى نهائي الملحق، وتصعب المهمة على "الأبيض الإماراتي" و"أسود الرافدين".

المنتخبات الأعلى تصنيفا من العراق والإمارات هي:

بنما (31) كوستاريكا (45) نيجيريا (41) الكاميرون (54)

المنتخبات الأعلى تصنيفا من الإمارات هي نفسها الأعلى من العراق ويضاف عليها:

الكونغو الديمقراطية (60) هندوراس (64)

وبما أن في كرة القدم ليس هناك مستحيلا، وكرة القدم لا تعترف لا بأرقام ولا بتاريخ أو تصنيف، بل بالمجهود الذي يبذل في دقائق المباراة، فإن العراق والإمارات دخلا في نفق، ولكن بالتأكيد جماهير المنتخبين ترى ضوءا في آخره.

مقالات مشابهة

  • خاص.. جمعية عراقية في ميشيغان تكشف أجندة مبعوث ترمب لبغداد
  • الخارجية النيابية: مبعوث ترمب سيكون جزءا من الحل وخاصة بملف إيران
  • الإطار التنسيقي يعتبر تعيين مبعوث ترمب طبيعيا وينتظر موقف الحكومة
  • الإطار التنسيقي يرفض مبعوث ترمب: تدخل سافر بالشؤون العراقية
  • تاجر القنب وصديق تسوركوف مبعوثا خاصا إلى العراق.. من هو مارك سافايا؟
  • مارك سافايا من تاجر للحشيشة الى المبعوث الأمريكي للعراق
  • زيباري: تعيين سافايا خطوة جريئة لاستعادة سيادة العراق من حكم المليشيات
  • ترمب يعيّن مارك سافايا مبعوثاً خاصاً للعراق
  • صعب وليس مستحيلا.. طريق العراق والإمارات إلى كأس العالم 2026