إلغاء "الفيتو" من أجل نظام دولي أكثر عدالة
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
خالد بن سالم الغساني
منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945م، ظل حق النقض “الفيتو” سلاحًا حصريًا بيد خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، مما جعل قرارات المجلس رهينة لمصالح هذه القوى الكبرى أكثر من كونها استجابة للإجماع الدولي. في سبتمبر 2025 الجاري، تقدم الرئيس الفنلندي بدعوة غير مسبوقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مطالبًا بإلغاء هذا الحق وإيجاد نظام بديل يقوم على تجميد حقوق التصويت للدول التي تنتهك ميثاق الأمم المتحدة، سواء عبر شنّ حرب عدوانية أو احتلال أو ارتكاب جرائم إبادة.
إلغاء الفيتو يعني إنهاء الامتياز التاريخي الذي منح القوى الخمس الكبرى موقعًا استثنائيًا في إدارة النظام الدولي، ما من شأنه أن يحوّل مجلس الأمن من منصة مشلولة في كثير من القضايا إلى مؤسسة أكثر تمثيلًا وعدالة، ففي غياب الفيتو ستتمكن القرارات المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين من المرور بأغلبية واسعة، بدلًا من أن تُجهض عند أول اعتراض من دولة واحدة، وهو ما سيعزز قدرة المجلس على الاستجابة السريعة للنزاعات، ويفتح المجال أمام مقاربة أكثر جماعية في مواجهة الأزمات العالمية.
العالم في هذه الحالة سيكون أقل خضوعًا لإرادة القوى الكبرى، وأكثر انسجامًا مع فكرة الشرعية الدولية التي نص عليها الميثاق منذ البداية.
لكن ما هو أبعد من ذلك، أن الاقتراح الفنلندي يضيف بعدًا عقابيًا أو رادعًا، إذ تصبح الدول ملزمة بسلوكيات منسجمة مع الميثاق تحت طائلة فقدان حقوقها التصويتية. مثل هذا النظام سيؤسس لمعادلة جديدة: المسؤولية شرط للعضوية الفاعلة، وليس امتيازًا محصنًا من المساءلة. هنا يكتسب النظام الدولي بعدًا أخلاقيًا مفقودًا، إذ لا يعود العدوان أو الاحتلال محميًا بمظلة الفيتو، بل يصبح سببًا للتهميش والعزلة داخل أهم جهاز أممي. هذا التحول سيُعيد الثقة لدى الشعوب، خصوصًا تلك التي عانت من ازدواجية المعايير، بأن القانون الدولي ليس أداة انتقائية ولا تخضع لرغبات وارادات خاصة، بل أنها قاعدة عامة ملزمة للجميع.
غير أن ذلك الأمر المطروح، وإن كان يحمل وعودًا بتوازن أكثر عدالة، إلا أنه لا يخلو من تحديات. فالقوى الخمس لن تسلّم بسهولة امتيازاتها وقدراتها على تغيير مجرى الأحداث شرعاً، بما يعنيه من تقليص مباشر لنفوذها، وربما بالعودة الى التاريخ سنجد انها قد أظهرت مقاومة عنيدة لأي تعديل يمس صلاحياتها، كما إن تعريف “انتهاك الميثاق” قد يصبح ساحة جديدة للخلاف السياسي؛ حيث قد يتهم البعض الآخر بارتكاب العدوان وفق معايير مزدوجة، مما قد يخلق نزاعات جديدة بدلًا من أن يحلّها. ومع ذلك فإن مجرد إدخال مبدأ التجميد المؤقت للعضوية سيكسر القدسية التي أحاطت بموقع الدول الدائمة، ويفتح المجال لتوازنات جديدة تنبني على المشاركة الواسعة لا على الاحتكار.
وإذا تحقق هذا الإصلاح، فإن العالم سيشهد انتقالًا من نظام يستند إلى توازن الرعب السياسي بين القوى الكبرى، إلى نظام أقرب إلى حكم القانون الدولي. حينها ستغدو الأمم المتحدة أكثر قدرة على أن تكون برلمانًا عالميًا حقيقيًا، لا أداة تستخدمها القوى النافذة لشرعنة مصالحها، وفي مثل هذا العالم المتمنى، ستتراجع هيمنة الامتيازات التاريخية لصالح شمولية القرار الدولي، وستجد الدول الصغيرة والمتوسطة وزنًا أكبر في تقرير مصير قضايا الحرب والسلام. وبينما قد يبدو هذا الاحتمال اليوم بعيدًا، إلا أن طرحه يعكس إدراكًا متزايدًا بأن استمرار الوضع الراهن يهدد مصداقية المنظمة الأممية نفسها، وأن الإصلاح لم يعد ترفًا؛ بل شرطًا لبقائها فاعلة في القرن الحادي والعشرين؛ فلنحيِّ فنلندا، الدولة الصغيرة التي امتلكت جرأة تقديم مقترح كبير لصالح الإنسانية جمعاء.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
كشف الدكتور خالد حنفي أمين عام اتحاد الغرف العربية، خلال افتتاح أعمال المنتدى الاقتصادي العربي-اليوناني الرابع عشر، الذي عقد بعنوان: "نحو تعاون أوثق – الانشاءات والطاقة"، في أثينا – اليونان، بمشاركة وفود من 17 دولة عربية تمثل رؤساء شركات ورجال اعمال ومسؤولين، بالإضافة إلى حضور 180 رجل أعمال يوناني يمثلون رؤساء شركات ومسؤولين، إلى جانب حضور عدد من السفراء العرب المعتمدين في اليونان، بالإضافة إلى رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، عن إطلاق اتحاد الغرف العربية أربعة مبادرات للتعاون بين العالم العربي واليونان "المبادرة الأولى تقوم على بناء جسور بين العالم العربي واليونان من أجل التعاون في مجال إعادة الإعمار، حيث هناك مبالغ مرصودة تقدّر بنحو 450 إلى 500 مليار دولار للدول العربية التي تحتاج إلى إعادة إعمار".
وتابع: "أما المبادرة الثانية فتقوم على إنشاء ممر للهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة، من خلال التشبيك بين الشركات الموجودة في العالم العربي واليونان، وذلك عبر التنسيق والتشاور بين القطاع الخاص من كلا الجانبين ولا يسما بين اتحاد الغرف العربية والغرفة العربية اليونانية".
وتقوم المبادرة الثالثة وفق أمين عام اتحاد الغرف العربية على إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في الطاقة والمياه، حيث أنّ الدراسات تشير إلى أنّ الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يساهم في خفض نسبة الانبعاثات الكربونية بنسبة 30 في المئة، وفي حال نجحنا في إدارة هذا الملف بالشكل المطلوب فإننا سنتمكّن من تحقيق النجاح المطلوب في ملف إعادة الإعمار.
أما المبادرة الرابعة والأخيرة المقترحة من جانب اتحاد الغرف العربية، بحسب الدكتور خالد حنفي، فتقوم على تحالف لوجستي وإنشاء موانئ محورية تقوم على مبدأ التعاون لا التنافس وذلك ضمن منظومة متناغمة تكون اليونان محطة محورية فيها بالشراكة مع الموانئ المحورية المتواجدة في العالم العربي، ومنها قناة السويس التي تقوم من خلال رئيس هيئة القناة الفريق أسامة ربيع بجهود جبارة وقد تجلى ذلك في الفترة الأخيرة من خلال الأزمة التي شهدها البحر الأحمر، مما ساهم في القاء ربط مصر والعالم العربي بجميع دول العالم.
وتابع: "إننا في ظل ما يواجهه العالم من تحديات اقتصادية ومناخية متزايدة، نحتاج إلى شراكة مبنية على الابتكار والمسؤولية المشتركة، تضع الإنسان والبيئة في صميم المعادلة الاقتصادية، وتُحوّل التحديات إلى فرص نمو مشتركة".
وخلال كلمة لأمين عام الاتحاد، بصفته منسّقا ومديرا لجلسة بعنوان: "الطاقة والبناء في عصر الذكاء الاصطناعي"، ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العربي-اليوناني الرابع عشر"، شدد على "أننا نحن نجتمع اليوم في لحظة مفصلية، حيث تتلاقى ثلاث قوى تشكل مستقبل الاقتصاد: الطاقة والبناء والتحوّل الرقمي من خلال الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تشهد الاستثمارات في تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط نموًا بنسبة كبيرة، حيث تأتي المنطقة في طليعة الاستفادة من هذه التقنيات، خصوصا وأنّ التبني الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي مع تعزيز المرونة المناخية قد يضيف ما يصل إلى232 مليار دولار إلى الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2035.
وهناك شركات كبرى في قطاع الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط بدأت فعليًا في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة التشغيلية، وذلك في ظل القلق المتزايد من الاستهلاك المتنامي للطاقة نتيجة للنمو السريع في مراكز البيانات، وهو ما يُلقي بظلاله على الطلب الكهربي مستقبلا".
وأضاف: "أما في قطاع البناء، فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يعيد تشكيل تصميم المباني، التكلفة، الصيانة، وحتى استهلاك الطاقة. كما أن التحول الرقمي في البناء من خلال الذكاء الاصطناعي يفتح فرصًا للشراكة بين القطاعين العربي واليوناني، سواء في البنية التحتية أو في بناء المدن الذكية ومستدامة".
ودعا إلى أهمية الاستفادة من خبرات اليونان، وكذلك من قدرات الدول العربية، لبناء نموذج تعاون مستقبلي يُسهم في التنمية الخضراء والرقمنة.
ومن هذا المنطلق على القطاعين العام والخاص في اليونان والعالم العربي، التفكير في إطلاق مبادرات ملموسة ومشاريع تجريبية في مجالات الطاقة والبناء الذكية، بما يرفع من مستوى العلاقة القائمة بين الجانبين العربي واليوناني من إطارها التقليدي القائم على التبادل التجاري، إلى الشراكة الاستراتيجية بما يساهم في تحقيق التطلعات المشتركة.