فرانكنشتاين الجديد.. هكذا أعاد ديل تورو الحياة إلى أسطورة ماري شيلي المرعبة
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
عندما خطت تمارا ديفيريل، مصممة الديكور في فيلم "فرانكنشتاين" (Frankenstein) للمخرج غييرمو ديل تورو، داخل موقع تصوير مختبر فيكتور فرانكنشتاين بعد اكتماله تقريبا، لم تستطع أن تتمالك نفسها.
فبعد أن أمضت ساعات طويلة في بناء الديكور المركزي للفيلم -وهو مختبر ضخم مشيّد فوق برج حجري إسكتلندي قديم، تغمره الإضاءة القادمة من نافذة دائرية هائلة وتملؤه الأجهزة المعقدة وجسد مشوّه ممدّد على طاولة العمليات- لم تملك سوى أن تقول مذهولة: "دخلت إلى موقع المختبر عندما كنا نضع اللمسات الأخيرة عليه، فقلت: إنه… إنه حي!".
كانت عبارتها صدى لعبارة فرانكنشتاين الأسطورية، لكنها في هذه المرة واقعية إلى حدّ مدهش.
فلا يمكن فصل صناعة "فرانكنشتاين" استعاراته الرمزية؛ فالفيلم ذاته كائن فرانكنشتايني بالمعنى المجازي؛ جسدٌ خُلّق من عناصر شتى ليبث فيها ديل تورو الحياة.
ولادة كائن بصريفي هذه النسخة الجديدة من رواية ماري شيلي الكلاسيكية، تتقاطع جماليات هوليود القديمة مع الحِرَف اليدوية الأصيلة لتشكّل عملا بصريا مهيبا يفيض بالتفاصيل.
يقول ديل تورو، بابتسامته الهادئة خلف نظاراته السميكة، "كنت أريد فيلما يُصنع باليد، لكن على نطاق ملحمي. كل شيء هنا حقيقي: الديكورات، الأزياء، الإكسسوارات… لا شيء وُلِد في الحاسوب".
ولهذا استدعى فريقه الدائم من المتعاونين ليحوّل رؤيته التي راودته لعقود -والتي يسميها "مرثية الوحش في نسخته الجدّة الكبرى"- إلى واقع حيّ نابض.
مزيج من الوحوشكعادته، لا يصنع غييرمو ديل تورو فيلما عن الوحوش، بل هو فيلم تصنعه الوحوش وتعيش فيه.
في هذا العمل الضخم الذي بلغت ميزانيته نحو 120 مليون دولار لصالح منصة "نتفليكس"، يسعى المخرج المكسيكي إلى تكريم روح الخلق التي يمثلها فيكتور فرانكنشتاين (أوسكار آيزاك)، وفي الوقت ذاته تمجيد المخلوق (جاكوب إلوردي)؛ تلك الشخصية التي شعر ديل تورو بارتباط وجداني عميق بها منذ طفولته.
إعلانيقول مصمم المخلوق مايك هيل: "تعاونت مع ديل تورو أول مرة ليس في فيلم، بل في مشروع فني خاص؛ وهو مجسم لبوريس كارلوف جالسا على كرسي المكياج أثناء تصوير فرانكنشتاين عام 1931".
وغالبا ما تكون المخلوقات هي روح أفلام ديل تورو. ففي فيلمه الحائز جائزة الأوسكار "شكل الماء" (The Shape of Water)، صمّم هيل البدلة والأطراف الاصطناعية للمخلوق البرمائي الذي أدّاه داغ جونز.
لكن في "فرانكنشتاين"، أراد هو وديل تورو شيئا مختلفا تماما. يقول هيل: "لم نرد مخلوقا مليئا بالغرز، بل مخلوقا وليدا".
ويضيف مشيرا إلى عينيه: "كنت أعلم أنه إذا جعلنا وجهه مشوها جدا، فلن يتمكن المشاهد من الشعور بروحه. كان علينا أن نحافظ على الإنسانية هنا".
ويختلف المخلوق الجديد عن نسخته الكلاسيكية عام 1931؛ فلا مسامير في العنق، ولا أجزاء معدنية، بل جسد أشبه بمسودة بشرية أولى؛ هشّ وناقص، لكنه حيّ.
"لم نُرِده مستقبليا أو رقميا، بل بشريا تماما. نحن نصنع نسخة غييرمو ديل تورو من كتاب ماري شيلي، لذلك قمنا بتبسيطه ليبدو أكثر واقعية".
ويصف هيل لحظة الاستيقاظ الأولى: "كل شيء يعتمد على تلك اللحظة الكهربائية حين يجلس المخلوق لأول مرة. كانت بالنسبة لي كأنك تنتظر أن ترى سوبر مان يرتدي بذلته للمرة الأولى".
أزياء الوحش.. علم وجنونمن أكثر ما يلفت النظر في تصميم المخلوق عباءته الممزقة ذات القلنسوة، التي يرتديها في مشاهد بعينها.
تقول مصممة الأزياء كيت هاولي التي تعاونت مع ديل تورو في أفلام "حافة الهادي" (Pacific Rim) و"القمة القرمزية" (Crimson Peak): إن المخرج أراد أزياء "لا تنتمي إلى القرن الـ19 تحديدا".
وتضيف ضاحكة: "قال لي أولا: لا أريد أي قبعات تافهة".
وعملت هاولي مع فريق كامل لتصميم ملابس المخلوق، لأن مظهره يتغيّر عبر مراحل القصة، بين الطين والثلوج والدماء والانفجارات.
وتمزح هاولي: "لقد تحوّل إلى وحش ضخم بحد ذاته".
أما الفستان الأزرق الملكي الذي ترتديه ميا غوث، فاحتاج إلى 4 أشهر من العمل للوصول إلى النغمة اللونية المثالية، لأن انعكاسات الضوء عليه كانت تتبدّل مع كل زاوية تصوير.
"كل شيء في الأزياء أشبه بالكيمياء. إنها علم وجنون في آنٍ واحد".
"لسنا خائفين من الظلام"مدير التصوير دان لاوستن، الذي رافق ديل تورو منذ فيلمهما الأول "ميميك" (Mimic) عام 1997، يقول إن أسلوبهما لم يتغير كثيرا، "نستخدم ضوءا واحدا من النوافذ، نحرك الكاميرا بالرافعات، نفضل المؤثرات داخل الكاميرا على الرقمية، ونميل إلى الزوايا الواسعة والظلال العميقة".
ويضيف بفخر: "نحن لا نخاف من الظلام".
في "فرانكنشتاين"، صُورت مشاهد عديدة بإضاءة الشموع فقط. واختير قصر ويلتون هاوس البريطاني (الذي بُني عام 1753) كموقع رئيسي للتصوير، وهو القصر ذاته الذي استخدمه ستانلي كوبريك في فيلم "باري ليندون" (Barry Lyndon).
لكن لاوستن أراد أسلوبا مغايرا، "فالضوء في أفلام غييرمو يجب أن يكون له شخصية، لا أن يكون مجرد إضاءة تقنية. الضوء هنا يشارك في الحكاية".
وتابع مبتسما: "أملأ مواقع التصوير بالدخان والبخار لإضفاء طابع قوطي كثيف. أحيانا يظن أنني أحاول إحراق الديكور".
أنجزت الديكورات في تورونتو الكندية، حيث يعيش ديل تورو منذ عقدين، في حين جرى التصوير الخارجي في بريطانيا.
إعلانورافقت ديفيريل المخرج في رحلات إلى أسكتلندا بحثا عن الإلهام؛ وزارا المتاحف وصعدا الأبراج القديمة وحتى محطة ضخ مياه في لندن تعود للعهد الفيكتوري.
تقول ديفيريل: "لا نتحدث كثيرا بالكلمات، بل بالصور. يقول لي فقط: شاهدي هذا الفيلم، أو انظري إلى هذه اللوحة".
ومن أبرز ديكورات الفيلم سفينة ضخمة عالقة في جليد القطب الشمالي، لكن التحفة الحقيقية تبقى المختبر نفسه؛ القلب النابض للفيلم.
النافذة الدائرية العملاقة التي تتكرر كرمز بصري مستوحاة من تصميم مشابه في "القمة القرمزية".
تقول ديفيريل: "أراده غييرمو ضخما ومهيبا، كأنه كنيسة للعلم. وأظنه صمّمه في ذهنه ليتناغم مع حركة أوسكار آيزاك الرشيقة في المشهد".
الموسيقى نبض الحياةالملحن الفرنسي ألكسندر ديسبلا يرى "فرانكنشتاين" كالفصل الثالث في ثلاثيته مع ديل تورو بعد "شكل الماء" و"بينوكيو" (Pinocchio).
يقول ديسبلا: "كان عليّ أن أُخرج الصوت الداخلي للمخلوق، صوته غير المنطوق ومشاعره الصامتة. لذلك استخدمت أوركسترا ضخمة تتنفس بين القوة والهدوء، يتصدرها كمان منفرد تعزف عليه العازفة النرويجية إلبيورغ هيمسنغ لتعكس نغماته أنبل أحاسيس الوحش".
وفي المشهد الذي يبني فيه فيكتور المخلوق من جثث، احتار ديسبلا بين موسيقى قوطية عنيفة أو شيء آخر، "وسرعان ما أدركنا أنه يجب النظر إلى المشهد من وجهة نظر فيكتور نفسه. هو في لحظة خلق، كرسّام أو نحّات، لذا قررنا أن نعزف رقصة فالس".
ويختم مازحا بابتسامة، "في الحقيقة، كل من عمل في الفيلم هو فيكتور فرانكنشتاين بطريقته. صحيح أنني لا أملك قطع جثث في بيتي… لكن لدي بعض الثلج في الثلاجة".
في النهاية، لا يبدو "فرانكنشتاين" مجرد فيلم عن الخلق، بل تجسيدا للفعل الإبداعي ذاته؛ فكل من شارك فيه كان فيكتور فرانكنشتاين بطريقة أو بأخرى، ينفخ الحياة في الجماد، ويحوّل الخيال إلى كائن حي.
الفيلم، مثل مخلوقه، وُلِد من شرارة كهرباء الفن… ليصرخ في النهاية، كما قالت تمارا ديفيريل وهي تدخل موقع التصوير للمرة الأولى "إنه حيّ!".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات دیل تورو فی فیلم
إقرأ أيضاً:
أسطورة ليفربول يفسر سبب تراجع مستوى صلاح هذا الموسم
اعتبر أسطورة نادي ليفربول المدافع الدولي الإنجليزي السابق جيمي كاراغر، أن لديه تفسيرا لتراجع مستوى النجم المصري محمد صلاح هذا الموسم عن المعايير العالية التي اعتاد عليها.
واكتفى صلاح بتسجيل ثلاثة أهداف فقط في 10 مباريات خاضها مع ليفربول في جميع المسابقات هذا الموسم، بما في ذلك جفاف تهديفي استمر لأربع مباريات متتالية مع النادي.
ويتزامن هذا التراجع في أداء صلاح مع انخفاض نتائج “الريدز” أيضا، إذ خسر فريق المدرب أرني سلوت آخر ثلاث مواجهات قبل فترة التوقف الدولي في أكتوبر الحالي.
ورغم أن كاراغر سارع إلى التأكيد أن ذروة صلاح لم تنته بعد، فإنه أشار بوضوح إلى أن اللاعب “لا يبدو نفسه الذي شاهدناه الموسم الماضي”، وذلك في مقاله الأسبوعي بصحيفة “The Telegraph”.
وبحسب كاراغر، هناك أربعة عوامل رئيسية تخفف من وطأة انتقادات أداء صلاح وتفسر تراجع مستواه:
1. الحدث المفجع: وفاة ديوغو جوتا
أول هذه العوامل هي الصدمة العاطفية التي تأثر بها صلاح بعد وفاة زميله البرتغالي ديوغو جوتا، والتي ظهر أثرها جليا على وجهه حين ردد جمهور ليفربول هتافات باسم الراحل.
2. رحيل ترينت ألكسندر أرنولد
اعتبر كاراغر أن رحيل ترينت ألكسندر أرنولد إلى ريال مدريد غير طبيعة أسلوب لعب ليفربول، خاصة أن العلاقة التفاهمية بينه وبين صلاح كانت قد تطورت على مدار سبع سنوات.
وأشار كاراغر إلى أن صلاح “لعب هذا الموسم أمام أربعة أظهرة مختلفين: كونور برادلي، جيريمي فريمبونغ، دومينيك سوبوسلاي، بل وحتى واتارو إيندو لفترة قصيرة”، ما أثر سلبا على تناغمه الهجومي.
3. التغيير التكتيكي للمدرب سلوت
يلفت كاراغر إلى أن التعديلات التكتيكية التي أجراها سلوت هذا الموسم جعلت الخصوم قادرين على استغلال صلاح دفاعيا، على عكس الموسم الماضي حين كان صلاح هو من يستغل الخصوم.
ويشرح ذلك قائلا: “أحد أسباب تألق صلاح الموسم الماضي هو أن سلوت بنى فريقه حول استراتيجية ‘المخاطرة مقابل المكافأة’ مع هدافه الأول. فقد شجعه على البقاء في المقدمة وعدم العودة للدفاع باستمرار، معتمدا على سوبوسلاي أو ألكسندر أرنولد أو إبراهيما كوناتي لتغطية الجهة اليمنى عند الهجمات المرتدة”.
وتابع “لكن مع إعادة هيكلة خط الوسط، وتغير اللاعبين في مركز الظهير الأيمن، وضعف أداء كوناتي أحيانا، أصبح الخصوم أكثر قدرة على استهداف الجهة اليمنى لليفربول بكفاءة أعلى”.
4. السبب الأبرز: ضياع الفرص الحاسمة
مع ذلك، يعتقد كاراغر أن العامل الأهم وراء تراجع صلاح يكمن في ضعف نجاعته أمام المرمى.
ويقول في هذا الصدد: “الفرق الأكبر يظهر في نصف ملعب الخصم. ففي مواجهة تشيلسي، أهدر صلاح ثلاث فرص واضحة كان من الممكن أن تغير نتيجة المباراة.”
ويضيف موضحا: “الأرقام الأكثر إثارة للقلق تشير إلى أن صعوبات صلاح في التسجيل بدأت منذ مارس الماضي. ففي آخر 21 مباراة مع ليفربول، سجل خمسة أهداف فقط (اثنان منها من ركلات جزاء)، بعد أن كان قد سجل 32 هدفا في الـ42 مباراة سابقة مع النادي”.
واختتم كاراغر “هدف صلاح ضد بورنموث هو هدفه الوحيد من اللعب المفتوح في الدوري الممتاز هذا العام (باقي الأهداف من ركلات الجزاء). وهذا لا بد أن يتغير لإنهاء الجدل الدائر حول ما إذا كان أفضل مستوياته قد ولى”.
وسيسعى صلاح إلى إسكات منتقديه وإثبات أنه لا يزال ذلك الهداف المخيف، عندما يستضيف ليفربول غريمه اللدود مانشستر يونايتد على ملعب “أنفيلد” بعد غد الأحد في إطار منافسات الدوري الإنجليزي.
وتعتبر هذه المواجهة خاصة جدا للنجم المصري البالغ من العمر 33 عاما، إذ سجل في شباك مان يونايتد 16 هدفا حتى الآن، أي بفارق 7 أهداف عن أي لاعب آخر في تاريخ مواجهات الفريقين.
المصدر: “ديلي ميل”
إنضم لقناة النيلين على واتساب