غزة تنهض من الرماد وتبحث عن وجهها المفقود
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
الثورة / متابعات
حين يخيّم الصمت بعد العاصفة، تبدأ الحكاية الحقيقية، في غزة، لا صوت للقنابل بعد اليوم، لكن صوت الركام أعلى من أي وقت مضى.
الشوارع التي كانت تضج بالحياة تحوّلت إلى ممرّات ضيقة بين الجدران المنهارة، والناس يسيرون بحذر حاملين همومهم وأحلامهم.
العودة إلى اللاشيء
في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وقف صلاح أبو غنيمة أمام دمار لا نهاية له، كان يحدّق طويلًا في الفراغ محاولاً أن يرسم في ذهنه خريطة بيته القديم.
“هنا كان بابنا… وهناك كانت أمي تزرع النعناع”، قال بصوت مبحوح، ثم صمت قليلًا وأضاف: “الآن لا شيء… إلا الركام”.
بالنسبة لصلاح، العودة لم تكن إلى المنزل، بل إلى الفراغ الذي خلفته الحرب، ومع ذلك، حمل معوله الصغير وبدأ ينظف الركن الذي يظنه فناء البيت، يقول بابتسامة يائسة: “حتى لو لم يبقَ شيء، سأبدأ من هنا… من هذا الركن”.
نفايات الحرب… قنابل من نوع آخر
في مناطق النزوح جنوب القطاع، تختلط رائحة الدخان القديمة مع رائحة النفايات الجديدة.
أكوام من البلاستيك، بقايا طعام، حيوانات نافقة، وكلها تحاصر خيام النازحين من كل جانب.
تقول أم بلال وهي أم لخمسة أطفال، إنها لا تنام ليلًا من الخوف على صغارها: “الحشرات صارت جزءًا من يومنا، نغلق الخيمة، لكنهم يدخلون من كل فتحة، ابني الصغير مرض ثلاث مرات الشهر الماضي… ولسه ما شفنا دكتور”.
منظمة الأمم المتحدة تقول إن غزة تواجه أزمة بيئية “غير مسبوقة”، بعد أن تراكمت ملايين الأطنان من الركام والنفايات، معظم الشوارع مغلقة، والمياه تختلط بالصرف الصحي، والمستشفيات تعمل في ظروف لا تصلح للحياة.
معركة ما بعد الحرب
جاكو سيليرز، ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصف مهمة تنظيف غزة بأنها “أصعب من إعادة الإعمار نفسها”.
فالحرب لم تدمّر فقط البيوت، بل شلّت كل ما يجعل الحياة ممكنة: الآليات، الشبكات، المصانع، وحتى المساحات الخضراء.
“نحن نحاول أن نفتح الطرق أولاً، لأن الطريق المفتوح هو أول خطوة نحو الحياة”، قال سيليرز في مؤتمر صحفي بغزة.
مدن تبحث عن ملامحها
في خانيونس، ترى جرافة يتيمة تحاول أن تشق طريقًا وسط بحر من الركام، بجانبها يقف ثائر الأسطل، شاب في الثلاثين، يرتدي كمامة بالية ويحمل بيديه مجرفة صدئة.
يقول: “ما عنا معدات، بس عنا إرادة. كل حجر بنشيله بإيدينا، كأنه خطوة باتجاه الحياة”.
ينظر إلى السماء ثم يضيف: “يمكن تحت الركام في جثامين، ويمكن في بداية جديدة… ما بنعرف، بس لازم نكمل”.
أمل يخرج من بين الغبار
الأطفال، رغم كل شيء، بدأوا يرسمون على الجدران المتبقية: بيت، شمس، علم، وعبارة صغيرة متكررة: “بدنا نعيش”.
تلك الجدران المهشمة تحولت إلى دفاتر أمل، تكتب عليها غزة رغبتها في البقاء.
رغم أن كل رقم يشير إلى كارثة، أكثر من مئة ألف مبنى مدمر، وثلاثمئة ألف وحدة سكنية متضررة، إلا أن ما لا يمكن قياسه هو عناد الحياة في قلوب الناس.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الدفاع المدني: الكارثة الإنسانية بغزة لا تزال على حالها ويجب التحرك الفوري لإزالة الركام وبدء الإعمار
غزة - صفا أكد الدفاع المدني بقطاع غزة أن الكارثة الإنسانية في القطاع ما زالت على حالها منذ وقف إطلاق النار قبل نحو أسبوعين. وأشار الدفاع المدني في بيان وصل وكالة "صفا"، يوم الجمعة، إلى أنه لم يطرأ أي تغيير حقيقي على الأرض سوى دخول عدد محدود من الشاحنات التي لا تلبّي الحد الأدنى من احتياجات السكان المنكوبين. وقال إن المنازل ما زالت مدمّرة، والجثامين ما زالت تحت الأنقاض والطرق مغلقة بالركام، فيما تعمل طواقمه بإمكانات شبه معدومة وسط دمار هائل يغطّي كل مكان. ودعا المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان إلى التحرك الفوري والفعّال لبدء عملية إعادة إعمار قطاع غزة، وإزالة الركام الناتج عن الدمار الواسع، وإدخال المعدات والآليات الثقيلة اللازمة لفتح الطرق وانتشال جثامين المواطنين من تحت الأنقاض، والتخفيف من المعاناة الإنسانية المتواصلة التي يعيشها السكان في مختلف مناطق القطاع. وأكد أن استمرار منع إدخال المعدات والآليات اللازمة لعمليات الإنقاذ ورفع الركام يُفاقم من الكارثة الإنسانية ويُعيق عمل الطواقم الميدانية، ويُبقي آلاف العائلات تحت وطأة الألم والحرمان، في ظل ظروف معيشية وصحية صعبة للغاية. وأضاف "كوادرنا تعمل بإمكانات محدودة للغاية، وسط دمار هائل شمل معظم البنية التحتية والمناطق السكنية، الأمر الذي يجعل الحاجة إلى تدخل دولي عاجل أمرًا إنسانيًا لا يحتمل التأجيل". وطالب الدفاع المدني جميع الأطراف الدولية ذات العلاقة إلى إدخال عاجل للمعدات الثقيلة والآليات الهندسية عبر المعابر دون قيود أو تأخير، وتأمين ممرات إنسانية آمنة لعمل فرق الإنقاذ والطواقم الطبية في المناطق المدمّرة. وطالب بتوفير دعم لوجستي وتمويلي عاجل لعمليات إزالة الركام وانتشال الجثامين وإعادة تأهيل البنى التحتية الأساسية، وضمان الحماية القانونية والإنسانية لطواقم الدفاع المدني وجميع العاملين في الميدان. وجدد استعداده الكامل للتعاون مع جميع الجهات الدولية والمنظمات الإنسانية من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة الحياة إلى ما دمّرته الحرب في غزة.