لماذا لا تزال محافظة أبين اليمنية تحت وطأة النشاط المزعوم للقاعدة؟
تاريخ النشر: 26th, October 2025 GMT
لا تزال مدينة عدن، العاصمة السياسية المؤقتة وأهم مدن جنوب اليمن، تعاني استمرار ظاهرة القتل المنفلت والاختطافات التي تتزامن مع تضييقٍ انتقائيٍّ على السكان بدوافع مناطقية، تدفع محافظةُ أبين المجاورة ثمنَه الأكبر، إلى جانب التداعيات الخطيرة للتوطين الماكر للإرهاب في هذه المحافظة المجاورة لعدن، والتي خرج منها ثلاثة رؤساء جمهورية للجنوب واليمن.
لا يود المرء أن يتتبع خطوط الصدع التي تفصل بين قوى النفوذ الحالية في عدن، وهي قوى تتطابق في هوياتها المناطقية مع تلك التي هيمنت على المدينة في عقد الثمانينيات، وشهدت تنافسا خطيرا أدى إلى اندلاع أحداث الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير 1986.
الجديد أن هذه القوى تفتقد إلى الاستقلالية وتخضع لدولةٍ أوسع نفوذا من الاتحاد السوفييتي السابق؛ تتحكم بخيوط اللعبة، وقد بات بمقدورها أن تحرك الجماعات السياسية والعسكرية في عدن كالدمى، وتُبقي على التنافس عالي الكلفة فيما بينها ضمن المستوى المسيطر عليه. إنها الإمارات إذ تعيد توظيف ورقة الإرهاب في المحافظات الجنوبية لليمن بطريقة تتفق مع طموحاتها الجيوسياسية، إلى حدٍّ تحولت معه هذه الورقة إلى أداة تحكم هائلة في توجيه مسار الأحداث في جنوب اليمن، والضغط على المستوى الداخلي، وتأمين الذرائع لاستمرار الهيمنة في ظل تفهُّمٍ كاملٍ من المجتمع الدولي.
إنها الإمارات إذ تعيد توظيف ورقة الإرهاب في المحافظات الجنوبية لليمن بطريقة تتفق مع طموحاتها الجيوسياسية، إلى حدٍّ تحولت معه هذه الورقة إلى أداة تحكم هائلة في توجيه مسار الأحداث في جنوب اليمن، والضغط على المستوى الداخلي، وتأمين الذرائع لاستمرار الهيمنة في ظل تفهُّمٍ كاملٍ من المجتمع الدولي
ساهم وصول الرئيس عبد ربه منصور هادي، المنحدر من محافظة أبين، إلى سدة الحكم في الجمهورية اليمنية، في أعقاب ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، التي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح، في إبقاء المحافظة الجنوبية جزءا من المعسكر الوحدوي، تماما كما كانت إبان حرب صيف عام 1994، حينما انخرطت القوات المنتمية إلى أبين وجارتها شبوة، النازحة إلى شمال البلاد بعد أحداث شتاء 1986، في الجهد العسكري، بل كانت رأس الحربة في المعركة التي انتهت في السابع من تموز/ يوليو 1994 بإفشال الانفصال.
وقبل أن يصبح عبد ربه منصور هادي رئيسا منتخبا في شباط/ فبراير 2012، كان صالح قد وضع أمامه تحديات عديدة، أهمها إفساح المجال للانفصاليين لاحتكار المجال العام في عدن، أما أخطرها فتمثل في تسليم محافظة أبين لتنظيم القاعدة، حيث تأسست دولة أنصار الشريعة، وهي الخطوة التي شكّلت بداية التوظيف السياسي والأمني واسع النطاق لتنظيم القاعدة في دوامة الصراع السياسي التي عصفت بالبلاد.
وكان تنظيم القاعدة قد تواجد في أبين بشكل متدرج منذ ما قبل التسعينيات، ومعظم عناصره شاركوا في الجهاد الأفغاني، حيث اتخذ من المناطق الوعرة والنائية الواقعة في محافظة أبين ملاذا له، تحكمه الرغبة في أن يصبح نواة "جيش عدن-أبين"، الذي ورد ذكره في حديثٍ مرويٍّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونصه: "يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا، ينصرون الله ورسوله، هم خيرٌ من بيني وبينهم".
ومع ذلك، لا يمكن النظر إلى المسألة إلا في سياق مخططٍ مدروسٍ لتوطين هذه العناصر واستعمالها منذ وقتٍ مبكرٍ في الضغط على الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم في عدن آنذاك. وقد رأينا كيف تورطت هذه العناصر في عملياتٍ إرهابية طالت سياحا أجانب، ونُسبت إليها اغتيالاتٌ طالت عددا من قيادات الحزب بعد تحقيق الوحدة، وكانت سببا مباشرا في تصاعد أعمال العنف إلى حد الصراع الشامل والحرب في صيف عام 1994.
تعزيز سيطرة الحوثيين على كامل محافظة البيضاء الواقعة إلى الشمال من محافظة أبين، وتأسيس خطِّ هدنةٍ انفصاليٍّ بينهما، وإنشاء مجالٍ للتواصل والتخادم بين الحوثيين والقاعدة، على نحوٍ يُبقي المجال أمام تأويلاتٍ مشروعةٍ للنشاط السياسي والاقتصادي والاستثماري السري الذي تديره الإمارات في محافظة أبين وبقية محافظات جنوب اليمن
واليوم، تسعى الإمارات إلى تسويق المجلس الانتقالي والمشروع الانفصالي، في خضم ادعاءاتٍ لا تتوقف عن خطر تنظيم القاعدة، وعن تمركز عناصره في منطقتين رئيستين في محافظة أبين، هما وادي عويمران ووادي موجان. والمحصلة المباشرة هي وضع محافظة أبين وأهلها تحت ضغطٍ أمنيٍّ مفتوحٍ يتسبب بشللٍ واضحٍ لموقفهم الوطني الوحدوي.
إن إعادة التوطين السياسي للقاعدة في أبين يتسبب في أثمانٍ باهظةٍ تدفعها هذه المحافظة جراء بقاء النشاط القاعدي فيها، وسط معلوماتٍ ذات مصداقيةٍ تتحدث عن وجود تخادمٍ سمح لعناصر القاعدة المزعومين بامتلاك أحدث الأسلحة، وحوّلهم إلى طرفٍ مكافئٍ في معارك عبثيةٍ يسقط فيها ضحايا محسوبون على ما يُعرف بـ"القوات المسلحة الجنوبية"، لإضفاء بعض المصداقية على هذه المعارك.
الإعلام الإماراتي، وذلك المحسوب على الانتقالي، يتحدثان بشكلٍ مركزٍ هذه الأيام عن تحالفٍ بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة، وهي صيغةٌ من تحالف النقائض لا يمكن تفسيرها إلا بأنها تتم بين عناصر يتم التحكم بها بشكلٍ جيدٍ من جانب الحوثيين والإمارات، في استمرارٍ لسياسة نظام صالح في إنتاج هذا النوع من العناصر الإرهابية الهجينة.
إن إفشال جهود المقاومة المدعومة من السلطة الشرعية في محافظة البيضاء، وتشديد الحصار عليها، ومنع الإمدادات المادية والتسليحية عنها، وحرمان جرحاها من تلقي العلاج، كان مدفوعا بالرغبة في تعزيز سيطرة الحوثيين على كامل محافظة البيضاء الواقعة إلى الشمال من محافظة أبين، وتأسيس خطِّ هدنةٍ انفصاليٍّ بينهما، وإنشاء مجالٍ للتواصل والتخادم بين الحوثيين والقاعدة، على نحوٍ يُبقي المجال أمام تأويلاتٍ مشروعةٍ للنشاط السياسي والاقتصادي والاستثماري السري الذي تديره الإمارات في محافظة أبين وبقية محافظات جنوب اليمن.
x.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه اليمن الإمارات الانفصال القاعدة الحوثيين اليمن الإمارات الحوثيين القاعدة انفصال سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی محافظة أبین جنوب الیمن فی عدن
إقرأ أيضاً:
كوت ديفوار تسعى لنشر طائرات تجسس أميركية للتصدي لمسلحين
قال مسؤولان أمنيان من كوت ديفوار لوكالة رويترز إن بلادهما تريد من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نشر طائرات تجسس أميركية في شمال البلاد لتنفيذ عمليات عبر الحدود ضد مسلحين متحالفين مع تنظيم القاعدة.
وأضاف المسؤولان أنهما يتوقعان قرارا من واشنطن العام المقبل. وقال أحد المصدرين، وهو مسؤول كبير في مكافحة الإرهاب، إن البلدين توصلا إلى تفاهم بشأن الاحتياجات الأمنية الإقليمية، وإن مسألة التوقيت هي النقطة الوحيدة التي لم تُحسم بعد.
ولم يرد البيت الأبيض على طلب التعليق، بينما قالت وزارة الدفاع (البنتاغون) إنها لا تخطط حاليا لعمليات في كوت ديفوار.
كما أحجمت وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق، لكنها قالت "سنواصل السعي لتحقيق أهدافنا في مكافحة الإرهاب حين تكون هناك صلة بالمصالح الأميركية".
ولم ترد وزارة الدفاع الإيفوارية على طلب للتعليق لوكالة رويترز.
وفقدت واشنطن قاعدتها الرئيسة في غرب أفريقيا العام الماضي، عندما لجأت النيجر إلى روسيا للحصول على مساعدة أمنية وطردت القوات الأميركية من قاعدة طائرات مسيرة تبلغ قيمتها 100 مليون دولار.
وكانت هذه القاعدة قد وفرت معلومات استخباراتية بالغة الأهمية عن الجماعات المتحالفة مع تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في منطقة الساحل.