يضع قرار العودة إلى الخرطوم، المواطن السوداني في مختلف بقاع الأرض في امتحان صعب فالقرار المصيري مرهون بالتحديات والعقبات الظاهرة للعيان مما يجعل كلفة اتخاذه قاسية على المستويين المعنوي والمادي وعلى الرغم من ذلك فان الدعوات بالعودة إلى العاصمة التي أنهكتها الحرب أضحت ذات صوت عالي.

تقرير: التغيير

مؤخرًا طالبت  حكومة بورتسودان بإعادة المؤسسات الحكومية إلى الولاية التي شهدت اندلاع الحرب، والتي تعرضت لتدمير شبه كامل، خاصة المؤسسات السيادية والوزارات والمؤسسات الحكومية.

تأتي عودة الحكومة إلى الخرطوم في ظل تحديات كبيرة، بما في ذلك استمرار العمليات العسكرية في بعض المناطق، وتدهور الوضع الاقتصادي، ونزوح جماعي للسكان.

وشكل رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، في منتصف  يوليو الماضي، لجنة برئاسة عضو المجلس إبراهيم جابر، مهمتها تهيئة البيئة لعودة المواطنين والمؤسسات الحكومية إلى الخرطوم.

وتعمل اللجنة على توفير الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والمستشفيات، بالإضافة إلى تأهيل الطرقات والمطار لاستقبال الرحلات الداخلية، في خطوة نحو إعادة الحياة إلى العاصمة.

نفق صينية السوق المركزي بالخرطوم الخدمات الأساسية

يرى مراقبون أن أداء اللجنة المكلفة بتهيئة البيئة لعودة المواطنين والمؤسسات الحكومية إلى الخرطوم ما زال بطيئًا، حيث عاد العديد من المواطنين إلى منازلهم لكن لم يجد أغلبهم  الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، مما أجبرهم على العودة إلى الأماكن التي جاءوا منها.

ويختلف المراقبون حول دوافع عودة الحكومة إلى الخرطوم، حيث يرى البعض أنها محاولة للكسب السياسي، فيما يعتقد آخرون أن العودة ضرورية لإعادة البناء وتعمير ما دمرته الحرب.

وناقش مجلس الوزراء برئاسة دكتور كامل إدريس، الأحد الماضي، موضوع عودة الحكومة والمؤسسات إلى ولاية الخرطوم، حيث استمع إلى تقرير حول خطط العودة والانتقال إلى الخرطوم، قدمته وزيرة شؤون مجلس الوزراء، د. لمياء عبدالغفار.

استئناف عمل بنك السودان

محافظ بنك السودان المركزي، آمنة ميرغني، كانت قد أعلنت أمس الثلاثاء عن استئناف عمل البنك من داخل ولاية الخرطوم، وأكدت عودة العاملين بالبنك خلال شهر ديسمبر الحالي.

وقالت خلال اجتماعها مع والي الخرطوم إن البنك المركزي سيفتح فرعًا جديدًا بالولاية، لتمكين المواطنين من الحصول على الخدمات المصرفية بصورة مباشرة.

بنك السودان المركزي

وأشارت محافظ بنك السودان إلى أن البنك يعمل على إنشاء فرع لمؤسسة التمويل الأصغر، وتوسيع فرص التمويل لتحريك الإنتاج.

من جانبه، أكد الوالي استعداد حكومته لدعم عودة النشاط المصرفي، وتشجيع البنوك التجارية على استئناف عملها لتعزيز الاستثمار والتعافي الاقتصادي.

عودة للعمل

من جهتها، أفادت مصادر حكومية لـ(التغيير) بأن الحكومة قد دعت الموظفين رسميًا للعودة إلى العمل في الخرطوم، بعد توقف دام لنحو ثلاث سنوات. وأكدت المصادر أن الحكومة ستتخذ إجراءات صارمة ضد الموظفين المتخلفين عن الحضور في الموعد المحدد.

كما أشارت المصادر إلى أن جميع العاملين في الوزارات والمؤسسات قد تم إعلامهم بالعودة بشكل رسمي، وأن أي غياب لن يتم قبوله بعد تهيئة المؤسسات في مواقعها الجديدة في الخرطوم. وتوقعت أن تعود الحكومة إلى الخرطوم في بداية العام المقبل.

آثار إيجابية

يرى الناشط المجتمعي والمهتم بالشأن الاقتصادي صديق العطا، أن عودة الحكومة والمؤسسات إلى الخرطوم ستكون لها آثار إيجابية عديدة على البلاد. فهي تسهم في استعادة الاستقرار والأمان، وتحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء.

وقال  العطا لـ(التغيير) إن هذه العودة ستجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، مما يعزز النمو الاقتصادي رغم التحديات الحالية. وأشار إلى أن إعادة بناء الاقتصاد وتحسين البنية التحتية ستكون من أهم نتائج عودة الحكومة، مما سيؤدي إلى تحسين حياة المواطنين وتوفير فرص العمل.

هذه العودة ستجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية

ناشط مجتمعي ومهتم بالشأن الاقتصادي

وأكد العطا أن هذه الخطوة ستكون هامة نحو استعادة الاستقرار والتعافي الاقتصادي في السودان.

وشدّد على ضرورة أن تعمل  الحكومة  على توفير الأمن والاستقرار،  ونزع السلاح من النظامين فضلًا عن إخراج القوات العسكرية من الولاية وتركها للشرطة لممارسة مهامها إن أرادت تهيئة البيئة لعودة المواطنين.

منهج مستهتر

في المقابل، يرى الصحفي والمحلل السياسي ماهر أبو الجوخ أن الحديث عن عودة الحياة إلى الخرطوم، سواء من خلال عودة المواطنين أو انتقال المؤسسات الحكومية أو إعادة تشغيل المطار، هو “منهج تفكير سياسي إعلامي” يهدف إلى تأكيد عودة الأوضاع إلى طبيعتها قبل الحرب، رغم أن نتائج وتداعيات الحرب واضحة ولا يمكن إغفالها.

وقال أبو الجوخ لـ(التغيير) إن هذه الخطوات تعتبر جزءًا من “المنهج المستهتر الذي يعتبر الناس مجرد بيادق في رقعة التطلعات، عليهم أن يموتوا ويعانوا ويمرضوا من أجل الانتصار في معارك القيادات السياسية والعسكريين المتشبثين بالسلطة”.

وأضاف أن فكرة رحلات العودة الطوعية التي تنظمها الصناعات الدفاعية من مصر خلال الشهور الماضية سيتم إيقافها، بعدما عجزت عن تحقيق هدفها الأساسي بتوظيفها باعتبار الحياة استمرت بشكل طبيعي خاصة في الخرطوم.

هناك عوائق حقيقية ستجعل عودة الحياة إلى طبيعتها أمرًا مستحيلًا

صحفي ومحلل سياسي

ماهر أبو الجوخ

وأشار أبو الجوخ إلى أن هناك عوائق حقيقية ستجعل عودة الحياة إلى طبيعتها أمرًا مستحيلًا، أولها استمرار الحرب وإمكانية مباغتتها لأي مكان، بما في ذلك الخرطوم، وإن كان عبر الضربات والهجمات التي تشنها المسيرات.

وأضاف أن الكلفة التدميرية العالية للحرب وأثرها على البنية الخدمية هو عائق آخر، مستدلًا بتصريحات مساعد قائد الجيش إبراهيم جابر، الذي أعلن إكمال صيانة الخطوط الناقلة بالخرطوم، في وقت تحتاج فيه الولاية لمحطات الكهرباء.

وبحسب أبو الجوخ فإن الانتشار الواسع للسلاح والمهددات الأمنية الناتجة عنه، والتداعيات الاقتصادية بتوقف وتعطل العمل الاقتصادي في القطاعين الخاص والعام، تمثل عوائق أخرى تجعل فرص استعادة الحياة للخرطوم كمركز مسيطر اقتصادي أمرًا عصيبًا ومتعثرًا.

وأشار إلى أن ما يقال عن العودة للخرطوم هو مجرد “دعاية أكثر من كونه تعبيرًا عن تحسن في الواقع”.

تساؤلات قائمة

وعلى الرغم من كل المظاهر والمهددات، تعمل السلطات على إعادة الحكومة إلى الخرطوم، لتبقى التساؤلات قائمة، هل تحاول سلطة بورتسودان إظهار قوة وسط أتون الحرب؟ وما هي الأهداف الحقيقية وراء عودة المؤسسات الحكومية إلى الولاية التي شهدت اندلاع الحرب؟ وهل هي محاولة لإعادة الاستقرار والتعافي الاقتصادي، أم أنها مجرد خطوة سياسية لتحقيق مكاسب على الأرض؟.

الوسومآثار الحرب في السودان العودة إلى الخرطوم ولاية الخرطوم

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان العودة إلى الخرطوم ولاية الخرطوم المؤسسات الحکومیة إلى الحکومة إلى الخرطوم الخدمات الأساسیة عودة المواطنین عودة الحکومة بنک السودان الحیاة إلى العودة إلى أبو الجوخ إلى أن

إقرأ أيضاً:

مخرجة فيلم الخرطوم: نجاحنا فخر لصانعات الأفلام والسينما السودانية

مخرجة فيلم الخرطوم راوية الحاج، أشارت إلى تطور الملحوظ في الحضور السوداني بالأفلام في المهرجانات العالمية.

الدوحة: التغيير

شهد مهرجان الدوحة للأفلام حضورًا سودانيًا لافتًا هذا العام، حيث برزت مجموعة من الأفلام التي تعكس تنامي دور السينما السودانية وصعود أصوات المخرجات والمخرجين في توثيق قضايا المجتمع وتقديم سرديات جديدة تلامس الواقع الإنساني.

ومن بين هذه الأعمال، لمع فيلم “ملكة القطن” الفائز بجائزة الجمهور، إلى جانب الفيلم الوثائقي الطويل “الخرطوم” الذي قدّم رحلة صادقة في قلب معاناة المدنيين خلال الحرب وتشارك إخراجه 5 مخرجين بينهم راوية الحاج، و”فيلا 187″ لإيمان ميرغني الذي حاز على جائزة أفضل مخرج، و”سودان يا غالي” للمخرجة هند مؤدب.

“ملكة القطن”

فازت المخرجة السودانية سوزانا ميرغني بجائزة الجمهور عن فيلمها “ملكة القطن” (السودان/ ألمانيا/ فرنسا/ فلسطين/ مصر/ قطر)، ويتناول الفيلم قصة المراهقة نفيسة التي تصبح محور صراع حول بذور معدّلة وراثياً قد تحدد مستقبل قريتها، جامعاً بين النقد البيئي والدراما الاجتماعية والتحولات المرتبطة بالنضوج.

حضور الفيلم في المهرجان شكّل تأكيدًا على قدرة السينما السودانية على تقديم قصص محلية بمعالجة فنية تجذب الجمهور العالمي.

فيلم “الخرطوم”

إلى جانب هذا الفوز، خطف الأنظار أيضًا فيلم “الخرطوم” (السودان/ المملكة المتحدة/ ألمانيا/ قطر)، الذي اجتمع على إخراجه خمسة مخرجين هم: أنس سعيد، راوية الحاج، إبراهيم سنوبي أحمد، تيماء محمد أحمد، وفيليب كوكس.

يوثّق الفيلم صراع البقاء والسعي نحو الحرية، من خلال أحلام خمسة من سكان الخرطوم الذين نزحوا بسبب الحرب، مقدماً صورة إنسانية دقيقة لمعاناة المدنيين وسط واقع يمتلئ بالفقد والتشرد.

وفي حديث خاص لـ(التغيير)، قدّمت المخرجة راوية الحاج، إحدى صانعات الفيلم، روايتها للتحديات التي واجهتها خلال صناعة هذا العمل الممتد زمنيًا وإنسانيًا.

تحديات

راوية الحاج قالت إن أصعب التحديات كانت جمع قصص خمس شخصيات داخل فيلم واحد مع الحفاظ على إيقاع العمل دون إطالة أو ملل.

وأوضحت: “أحد التحديات كان كيفية لملمة قصص الخمس شخصيات في فيلم واحد بحيث لا يكون طويلًا ومملًا”.

وأضافت أن التحديات لم تتوقف عند انتهاء التصوير:

“لم تنته قصة الفيلم بعد نهاية التصوير، بل كنا نفكر في تحدي أنه لو دُعينا للمشاركة في أحد المهرجانات كيف سنسافر؟ وكيف سنحصل على تمويل للسفر؟ وكيف سنجتمع مجددًا؟”.

كما كان مصير الأطفال المشاركين في الفيلم أحد التعقيدات الإنسانية البارزة. تقول راوية:

“العقبات أيضًا أن الشخصيات من الأطفال.. هل يعودون للسودان أم يستمروا؟ وقررت أن يواصلوا تعليمهم، وهم الآن معي وملتحقون بالمدرسة”.

وتؤكد المخرجة أنها شعرت بمسؤولية كبيرة تجاه نقل صوت السودانيين.

تقول: “شعرتُ بمسؤولية أن يكون الفيلم صوتًا للشعب السوداني كله، وتكلموا من قلوبهم ليصل ألمهم للناس”.

وأضافت أن ردود الفعل القوية من الجمهور الأمريكي والعربي والأفريقي كانت دافعًا للاستمرار: “ردود أفعال الفيلم جعلتنا لا نتوقف، بل نواصل”.

كما أتاح الفيلم لهم فرصة لقاء مسؤولين وبرلمانيين في أوروبا وأمريكا للتحدث عن الحرب وطلب الدعم:

“الفيلم في بعض الدول أتاح لنا في أمريكا وأوروبا ملاقاة البرلمانيين والمسؤولين هناك.. ونحكي لهم عن الحرب ونوضح أننا نحتاج العالم لإيقافها”.

مهرجان الدوحة

تصف راوية مشاركتهم في المهرجان بأنها لحظة فخر كبير: “شعوري أنني أشعر بالفخر مع فريقي ومع الشخصيات”.

وفي بُعد شخصي أكثر عمقًا، تكشف أن الفيلم حقق لها حلمًا طال انتظاره:

“على المستوى الشخصي، الفيلم حقق لي حلمي.. التبني. كان نفسي من زمان أتبنى أطفال غيروا حياتي الآن فعلاً”.

وتضيف: “وكان نفسي أتكلم عن السودان وأعمل حاجة للبلد.. أصبحت أحس أن الشعوب ردود أفعالها مهمة وتصل المسؤولين”.

صعود السينما السودانية

وتشير راوية إلى التطور الملحوظ في الحضور السوداني بالمهرجانات العالمية وتقول:

“في أول مهرجان خارجي، وهو صنداونز بأمريكا، شارك السودان بفيلم واحد فقط. الآن في الدوحة أربعة أفلام سودانية”.

وتضيف بفخر:

“فيها مخرجات سودانيات مثل سوزانا ميرغني، وهند بفيلم سودان يا غالي، وفيلم الخرطوم فيه أنا راوية.. وهذا اعتبره إنجازًا وفخرًا لصانعات الأفلام السودانيات وللشعب”.

وتختتم بقولها:

“أتمنى التوفيق والسلام لبلادي، وأتمنى سودان سلام وديمقراطية وحب”.

الوسومألمانيا إيمان ميرغني السينما السودانية المخرجة راوية الحاج المملكة المتحدة سوزانا ميرغني فرنسا فلسطين فيلا 187 فيلم الخرطوم فيلم سودان يا غالي قطر مصر مهرجان الدوحة للأفلام هند مؤدب

مقالات مشابهة

  • هل وافقت حكومة الخرطوم على إنشاء روسيا قاعدة بحرية في بورتسودان؟
  • وزير المالية: عجز الميزانية أمر استراتيجي لتحقيق مشروعات التحول الاقتصادي
  • خبير نفطي:دعوة الحكومة للشركات النفطية الأمريكية للعراق سياسية بحتة
  • مدرب السودان: “نطمح لتحقيق بداية قوية أمام الجزائر”
  • ألمانيا: نشيد بالوساطة المصرية لتحقيق الاستقرار بالمنطقة وحل النزاع بغزة
  • والي الخرطوم يوجه بتخصيص البصات للعمل في خطوط دائرية بتكلفة التشغيل للمساهمة في تخفيف معاناة المواطنين
  • البرهان يقترح العودة لعلم السودان القديم
  • مخرجة فيلم الخرطوم: نجاحنا فخر لصانعات الأفلام والسينما السودانية
  • وزيرة الخزانة البريطانية تؤكد أن رفع الضرائب ضرورة لإنقاذ الاستقرار الاقتصادي