عاصفة اتهامات تضرب الوحدة البريطانية في كينيا… تحقيق برلماني يكشف عن حجم الجرائم
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
#صدمة في نيروبي بعد تقرير يفضح تورط جنود بريطانيين في انتهاكات ممتدة لعقود# النواب الكينيون يتهمون لندن بالتستر على الجرائم وازدراء سيادة البلاد# دعوات لتعديل اتفاقية التعاون الدفاعي بعد كشف "نظام شبه حصين للإفلات من العقاب"
تفجّر غضب واسع داخل كينيا بعد صدور تقرير برلماني شديد اللهجة يتهم جنود “وحدة التدريب العسكرية البريطانية في كينيا” (BATUK) بارتكاب جرائم قتل واعتداءات جنسية وتعذيب، إضافة إلى انتهاكات موصوفة بأنها تعكس “استمرارية لحقبة الاستعمار”.
التقرير، الذي جاء بعد تحقيق استمر عامين كاملين، يعيد فتح ملفات مؤلمة تمتد من تسعينيات القرن الماضي حتى اليوم، ويضع العلاقات الدفاعية بين لندن ونيروبي أمام اختبار غير مسبوق.
التقرير المؤلف من 94 صفحة كشف عن سلسلة من الوقائع التي تؤكد وجود ما وصفه النواب بـ “سلوك ممنهج” يضم الاعتداء على المدنيين، مضايقات، احتجازات تعسفية، وإجبار السكان على مغادرة أراضيهم، خاصة في المناطق القريبة من قاعدة الوحدة البريطانية في نانيوكي.
لكنه أشار بشكل خاص إلى نمط “مقلق” من الجرائم الجنسية ارتكبها أفراد من القوات البريطانية، تشمل الاغتصاب، الاعتداء، والتخلي عن أطفال وُلدوا نتيجة تلك الاعتداءات.
واحدة من القضايا التي أعاد التقرير تسليط الضوء عليها هي مقتل الشابة الكينية Agnes Wanjiru البالغة من العمر 21 عاماً، والتي اختفت في عام 2012 قبل أن يُعثر على جثتها في خزانٍ للصرف الصحي داخل فندق كانت شوهدت بداخله مع جنود بريطانيين.
وعلى الرغم من مرور سنوات على الجريمة، لم تُحسم القضية إلا مؤخراً بعدما أُلقي القبض في بريطانيا على الجندي السابق روبرت جيمس بيركيس المطلوب للتحقيق في الجريمة، وهو الآن يقاوم قرار تسليمه إلى كينيا.
ولم يقتصر التقرير على هذه الجريمة وحدها، بل تطرق إلى حوادث قديمة تعود إلى التسعينيات، حيث اشتكى السكان من أضرار بيئية، اشتباكات أثناء التدريبات العسكرية، وممارسات وُصفت بأنها “امتداد لأساليب الاستعمار البريطاني”، بما في ذلك تجاهل صريح لحقوق المجتمعات المحلية.
وركّز النواب على أن BATUK دأبت على رفض المثول أمام البرلمان الكيني خلال فترة التحقيق، متمسكة بالحصانة الدبلوماسية ومكتفية بإرسال ردود مكتوبة وغير موقعة عبر وزارة الخارجية الكينية.
واعتبر البرلمانيون هذا السلوك “ازدراءً مؤسساتياً لسلطة البرلمان وسيادة الشعب الكيني”، مؤكدين أن غياب الشفافية يعزز شعوراً واسعاً بأن الجنود البريطانيين يتمتعون بحماية مطلقة من المساءلة.
وتعمل الوحدة العسكرية البريطانية في كينيا منذ عام 1964، بناءً على “اتفاقية التعاون الدفاعي” (DCA) بين البلدين، والتي تسمح بتدريب آلاف الجنود البريطانيين سنوياً على الأراضي الكينية.
لكن هذه الاتفاقية باتت موضع انتقاد متزايد، إذ يرى عدد من الخبراء والنواب أنها توفر بيئة قانونية تسمح للجنود البريطانيين بالإفلات من العقاب، وتحد من قدرة السلطات الكينية على التحقيق أو المحاكمة في الجرائم التي تقع داخل أراضيها.
وبالرغم من خطورة الاتهامات، لم تصدر لندن رداً مباشراً على كل الوقائع، لكن وزارة الدفاع البريطانية قالت إنها “تتعامل بجدية مع الادعاءات” وأنها مستعدة للنظر في أي أدلة يقدمها الجانب الكيني.
إلا أن كثيرين يعتبرون هذا الرد غير كافٍ، خاصة في ظل السنوات الطويلة التي تجاهلت فيها السلطات البريطانية نداءات عائلات الضحايا من أجل العدالة.
التقرير دعا في نهايته إلى إعادة صياغة اتفاقية التعاون الدفاعي بما يضمن تطبيق القانون الكيني على الجرائم المرتكبة داخل البلاد، وإزالة الثغرات التي سمحت للجنود البريطانيين بالتصرف دون مساءلة.
كما طالب بإجبار BATUK على الخضوع للمساءلة البرلمانية، وتعويض المتضررين، وفتح ملفات الجرائم العالقة منذ عقود.
وبينما لم تعلن الحكومة الكينية بعد عن خطواتها المقبلة، يبدو واضحاً أن العلاقات الدفاعية بين لندن ونيروبي تقف عند منعطف حساس. فالتقرير لم يكتفِ بعرض الوقائع، بل نسف أيضاً الرواية الرسمية التي طالما قدّمت وجود القوات البريطانية باعتباره “شراكة تدريبية”.
اليوم، وبعد كشف هذه الانتهاكات، تتحول الشراكة إلى ملف ساخن يهدد بإعادة كتابة قواعد التعاون بين البلدين، وسط مطالبات متصاعدة بالعدالة وإنهاء الإفلات من العقاب.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: نيروبي اتهامات دولي بريطانيا تورط جنود البریطانیة فی
إقرأ أيضاً:
تحقيق بريطاني يكشف إعدامات ميدانية لمعتقلين في أفغانستان خلال الغارات
قدم ضابط بريطاني كبير سابق شهادة صادمة أمام لجنة التحقيق العامة في لندن، مؤكدا أن وحدات من القوات الخاصة البريطانية ارتكبت على ما يبدو جرائم حرب تشمل "إعدام معتقلين"، وأن سلسلة القيادة العسكرية كانت على علم بهذه التجاوزات دون أن تتخذ أي إجراء لوقفها.
وجاءت هذه الشهادة في إطار التحقيق الذي أمرت به وزارة الدفاع البريطانية بعد بث فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) كشف أن جنودا من وحدة القوات الجوية الخاصة قتلوا 54 شخصا في ظروف غامضة خلال الحرب في أفغانستان قبل أكثر من عقد.
غارات ليلية بين 2010 و2013
يتناول التحقيق الرسمي عددا من الغارات الليلية التي نفذت بين منتصف 2010 ومنتصف 2013، عندما كانت القوات البريطانية جزءا من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد حركة طالبان ومجموعات مسلحة أخرى.
ورغم فتح الشرطة العسكرية البريطانية عدة تحقيقات في اتهامات مشابهة، بما في ذلك ضد القوات الخاصة، أكدت وزارة الدفاع لاحقا أنه لم يعثر على أدلة كافية للمقاضاة.
لكن التحقيق الحالي يذهب أبعد، إذ يهدف إلى التحقق من وجود معلومات موثوقة حول عمليات قتل خارج إطار القانون، وتقييم ما إذا كانت تحقيقات الشرطة العسكرية أجريت بشكل سليم، وما إذا كان قد تم التستر على جرائم قتل غير قانونية داخل القوات الخاصة.
محاسبة المخطئين ورفع الشبهات عن الأبرياء
شدد القاضي تشارلز هادون-كيف، رئيس لجنة التحقيق، على أهمية "إحالة أي شخص خالف القانون إلى الجهات المختصة، ورفع غبار الشك عن أولئك الذين لم يقترفوا أي خطأ".
وفي جلسات سابقة، استمعت اللجنة إلى شهادات من جنود بريطانيين خدموا في أفغانستان، تحدثوا فيها عن وحدة فرعية تعرف باسم "UKSF1"، قائلين إنها كانت "تقتل الذكور في سن القتال خلال العمليات بغض النظر عن مستوى التهديد".
وفي شهادة جديدة أعلن عنها الاثنين٬ كشف ضابط كان يشغل منصب مساعد رئيس الأركان للعمليات في مقر القوات الخاصة عام 2011، ويعرف باسم "إن.1466"، أنه بدأ يشك في عدد المعتقلين الذين قتلوا أثناء عمليات تلك الوحدة الفرعية.
وقال الضابط إن تقاريره الرسمية أظهرت أن عدد القتلى يفوق بكثير عدد الأسلحة المضبوطة، وأن الروايات المتكررة حول "محاولات المعتقلين انتزاع السلاح أو استخدام قنابل يدوية بعد اعتقالهم" بدت غير قابلة للتصديق.
وأضاف أمام المحامي الرئيسي للتحقيق، أوليفر جلاسكو: "سأكون واضحا… نحن نتحدث عن جرائم حرب. نتحدث عن إعادة المعتقلين إلى أماكنهم وإعدامهم بذريعة أنهم استخدموا العنف".
وأوضح أنه أبلغ مدير القوات الخاصة المعروف باسم "1802"، لكنه لم يفتح تحقيقا جنائيا، بل اكتفى بإصدار أمر بمراجعة التكتيكات العملياتية.
وأعرب الضابط عن أسفه لعدم إبلاغ الشرطة العسكرية مباشرة في حينه، رغم أنه فعل ذلك لاحقا عام 2015.
وقال: "كنت قلقا للغاية مما اشتبهت بشدة في أنه قتل غير قانوني لأبرياء، بمن فيهم أطفال".
وأكد الضابط إن-1466 أنه توصل إلى قناعة بأن عمليات القتل خارج القانون لم تكن محصورة في عدد قليل من الجنود، بل "ربما كانت أكثر انتشارا، وكانت معروفة على ما يبدو للكثيرين في القوات الخاصة".
وتضمنت شهادات أخرى وجود إحباط واسع داخل الوحدات بسبب إطلاق سراح معتقلين بعد أيام من القبض عليهم، نتيجة ضعف النظام القضائي الأفغاني عن التعامل مع الملفات الأمنية المعقدة.
كما استمعت اللجنة إلى شهادات تتحدث عن تنافس شديد بين وحدتي القوات الخاصة الأولى والثانية، اللتين كان الضابط إن-1466 يعمل ضمن إحداهما.
وردا على محاولات التشكيك في دوافعه، قال الضابط للجنة: "أدرك أن البعض سيحاول تصويري كمن يعارض قوات الأمن البريطانية أو يحمل ضغينة، وهذا غير صحيح".
وأضاف بلهجة حازمة: "لم ننضم إلى القوات الخاصة لنمارس هذا النوع من السلوك… إطلاق النار على أطفال صغار في أسرتهم أو القتل العشوائي ليس ما نمثله".
التحقيق مستمر
ولا يزال التحقيق متواصلا، وسط توقعات بأن تمتد جلساته شهورا أخرى، مع احتمال استدعاء مسؤولين كبار في وزارة الدفاع والقوات الخاصة لتقديم شهاداتهم في القضية التي تهدد بكشف واحدة من أكثر الفترات العسكرية البريطانية إثارة للجدل منذ غزو أفغانستان.
20 عاما من الغزو والاحتلال
أنهت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، في 31 آب/أغسطس 2021، وجودها العسكري في أفغانستان بسحب آخر قواتها بعد عشرين عاما من الغزو الذي بدأ عقب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001.
وقد ترك هذا التدخل العسكري، الذي استمر عقدين كاملين، إرثا ثقيلا من الشهداء والنازحين، فضلا عن الخسائر الاقتصادية الهائلة التي تكبّدها البلد المنهك.
وبحسب بحث أنجز ضمن مشروع "تكاليف الحرب" الصادر عن جامعة براون الأمريكية، فقد قتل آلاف المدنيين الأفغان بفعل تبادل إطلاق النار، والعبوات الناسفة، والاغتيالات، والتفجيرات التي ضربت البلاد على مدار عشرين عاما.
وتشير الأرقام إلى أن ما يقرب من 241 ألف شخص لقوا حتفهم منذ بدء الحرب عام 2001، بينهم أكثر من 71 ألف مدني سقطوا نتيجة مباشرة للعمليات العسكرية الأمريكية عبر الحدود الأفغانية والباكستانية.