حين تتفوق الإنسانية على رابطة الدم والدين
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
سعيد بن محمد الجحفلي
يقول الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري في مطلع إحدى قصائده: يا سيدي أسْعِفْ فَمِي.. أي أغث لساني كناية عن طلب الإعانة ليقول شعرًا جميلًا يليق بالمناسبة وليعبر عن مشاعره بصدق، دون زخارف ومداهنة.. وأنا هنا أستنهض محاولتي وكل من يكتب عن غزة وأهلها وأحرار العالم، بتحريض بُنيات أفكاري لعلها تجود بما تستطيع من جميل القول وبلاغة الوصف ودقة المعنى، لأنزل أهل غزة ومن ناصرهم المنزلة التي تليق بهم، فهم الفئة المنصورة بإرادة الله وحبله المتين رغم الإبادة والمآسي التي نزلت عليهم ولا زالت.
نعلم أن غزة تم تدميرها تمامًا واصبحت أثرًا بعد عين، ولكن أهلها لم تكسر عزيمتهم ولن تلين لهم قناة ، فهم ماضون في تمسكهم بأرضهم وكأن حال قولهم يقول: " اقتلوا كما شئتم ولن تجدوا منا إلا التحدي والثبات فوق الأرض وتحت الأرض " وعلى إثر ذلك أرتجّت الميادين بأحرار العالم تأييدًا لهم واهتزت عروش الطغاة، وتبعثرت معها أجندات ومخططات الصهيونية العالمية ومن يدور في فلكهم ممن يحسبون كإضافة زائدة على الباقي، فدورهم كان التآمر ودفع المليارات لإبادة الأطفال والنساء والشيوخ وهم جوعى وجرحى ومرضى ومكلومين، يقول الشاعر أبوالبقاء الرندي في آخر بيت من القصيدة التي يرثي فيها حال الأندلس، وما أشبه الليلة بالبارحة يقول: لمثل هذا يبكي القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلام ٌ وايمانٌ.
لقد ذهبت أموال المتعهدين بالقضاء على المقاومة الفلسطينية هباءً منثورًا، فلا هدف تحقق ولا ثروة بقت، وتحقق فيهم قوله تعالى "فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" (الأنفال: 36).
هنا سأتحدث عن الدعم السياسي والإعلامي لأحرار العالم لأهل غزة، وسيكون للإسناد الحربي مقالا آخر لاحقًا.
فأهل غزة ظاهرة استثنائية في هذا العالم المُختطف من قبل لوبيات المال والتكنولوجيا، الذين لا يعترفون بحقوق لمظلوم ولا يُقيمون لقانون وزنًا ولا قيمة، لقد غيرت فظاعات غزة مزاج العالم، فتجمع أنصار العدل من أصقاع الأرض ليقولوا كلمة واحدة " إن العالم يزخر بمن يشعر بإنسانيته وأنهم قادرون أن يقولوا للمجرم المستبد كفى ظلمًا وإجرامًا " وفي المقابل غُيبت حرية التعبير في العالم العربي بفعل سياسات الهيمنة والتبعية فحُجبت الميادين عن المتظاهرين المساندين لأهل غزة وأغُلقت المعابر بأمر المجرم "النتياهو" وامتثل الجميع لقراره، واكتفى العرب بمتابعة المجزرة عبر البث المباشر. وأصبح الدعاء لأهل غزة في بعض الدول تُهمة كفيلة بان تدخل صاحبها السجن!! والمخزي المعيب أن يتوعد رئيس الكيان الغاصب بأمنياته الزائفة وعلى الملأ باحتلال أقطار عربية أخرى أو أجزاءً منها ليقيم دولة إسرائيل الكبرى المزعومة، ولا يثير ذلك القول المستفز أي ردة فعل تُذكر، كطرد سفرائه من تلك الدول أو الاستدعاء والاحتجاج والمطالبة بالاعتذار حسب بروتوكولات السياسة في العالم!! فبهذا تكون هيبة الأمة قد وصلت إلى القاع وتآكلت في مائه الآسن الذي سمم البدن وبلد الإحساس، وكأن الأمة قد خرجت من نطاق التكليف!! عندئذ تكفل أحرار العالم بالدفاع عن مظلوميتها أمام المحافل الدولية.
يقول الشيخ محمد الغزالي معلقًا على ابن خلدون في وصف الجنس العربي: "إن العرب جنس حاد المشاعر جامح الغرائز، عندما يطيش يفقد وعيه وعندما يعقل يبلغ الأوج.. ولقد قرأت رأى ابن خلدون في العرب، وترددت في تصديقه ثم انتهيت أخيرا إلى أن العرب لا يصلحون إلا بدين ولا يقوم لهم مُلك مهاب إلا بنبوة، وأن العالم لا يعترف لهم بميزة إلا إذا كانوا حملة وحي، فإذا انقطعت صلتهم بالسماء ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وغشيهم الذل من كل مكان".
وهذا واقع تعيشه الأمة الآن، وبسببه حدثت الفظاعات في غزة التي استفزت العدالة في نفوس أحرار العالم وحركت ضمائرهم الحية وأعلنوا العصيان على الإرادة الرسمية العالمية الظالمة، فنظموا المسيرات لمقاطعة المجرمين ومحاصرتهم على الأرض وفي الفضاءات الافتراضية، وتكونت الرابطة الانسانية للحرية والعدالة التي تفوّقت على رابطة الدم والدين، فأبحرت عشرات السفن لكسر الحصار وعلا صوت الماكنة الاعلامية الحرة ضد جرائم الاحتلال وتولّد الوعي الجديد لدى محبي السلام في كل بقاع الأرض وانكشف الغطاء وتعرّت الصهيونية العالمية لأول مرة منذ أن أقام الكيان الغاصب دولته المزعومة على أرض فلسطين؛ فمن قارة الأحرار جنوبًا هدرت الجماهير في الميادين وتعالت أصوات الثوار لغزة وأهلها يتقدمهم أبناء واحفاد "مانديلا" في تنظيم المسيرات الشعبية وإعداد ملفات الإدانة إلى محكمة الجنايات الدولية ضد دولة الكيان الغاصب، فلم تخيفهم تهديدات أمريكا وحلفاؤها، لأنهم ذاقوا طعم الحرية والكرامة وعافوا العبودية والتبعية التي يعشقها الكثيرون!! يقول الزعيم نلسون مانديلا: "حريتنا منقوصة بدون حرية الفلسطينيين" ويقول أيضا: "ليس حرًا من يُهان أمامه إنسان ولا يشعر بإهانة".
ومن القارة الشمالية تداعت الإنسانية كذلك وتعالت النداءات لنصرة غزة رغم بعد المسافات وتباين الثقافات، ففي إسبانيا وقفت الحكومة موقفًا انسانيًا مشرّفًا تجلى في قول رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز "نحن لا نملك وقف الهجوم الإسرائيلي على غزة لكن ذلك لا يعني التوقف عن المحاولة" وكانت إسبانيا من الدول التي أوقفت شحنات السلاح التي تشحن عبر موانئها إلى الكيان الغاصب، وفتحت الميادين للمتظاهرين الأحرار في كل المدن الإسبانية.
أما في إيطاليا؛ فالأمر مختلف ولكنه يعكس حرية الرأي الذي يتمتع به الشارع الإيطالي؛ حيث وقفت الجماهير الإيطالية مع حقوق الشعب الفلسطيني وما يعانيه سكان غزة من جرائم، وهذا الموقف يختلف تمامًا عن الموقف الرسمي للحكومة الإيطالية المتواطئة مع جرائم إسرائيل، وهكذا الحال في كثيرٍ من الدول الأوربية، وبسبب حرية التعبير زاد التعاطف الجماهيري الواسع مع غزة ويقابله مواقف رسمية داعمة للعدوان.
أما في غرب الكرة الارضية في بلاد الزعيم اللاتيني سيمون بوليفار وتشي جيفارا؛ فهناك قصة أُخرى ترويها الأجيال الثائرة في وجه الإمبريالية الصهيونية العدو اللدود لكل حر شريف، فتحية إجلال للأمهات اللاتينيات اللائي يفطمن ابنائهن على الكرامة والكبرياء، فعطاؤهن متجدد ضارب في أعماق الأرض كسلسلة جبال الأنديز الشامخة وأمواج الكاريبي الهادرة التي تتحطم على شطآنها سفن الغزاة، فتلك البلدان البعيدة تربطنا بها وشائج القربى فهم جزء من أبناء المهجر العربي الواسع والممتد عبر المحيطات، فلم يقبلوا بالسكوت والخنوع أمام ما يحصل في غزة من إبادة، فقامت معظم الدول هناك إما بطرد سفراء الكيان من عواصمها أو تجميد العلاقات التجارية والسياسية مع دولة الاحتلال؛ حيث دعا الزعيم الكولومبي الحر غوستا فوبيترو إلى تكوين جيش من أحرار العالم لتحرير فلسطين وقد خاطب أهل غزة بقوله " انتم تمثلون شرف المقاومة العالمية وكرامة الإنسانية في مواجهة القهر والإبادة.." ومنح وسام بوليفار لأهل غزة.
أما دمعة رئيس البرازيل لولا دا سيلفا الحارة على خده لأجل أطفال غزة كانت أشد حرارة وحرقة على قلوب المجرمين الصهاينة وأعوانهم وأكثر تهديدًا من ترسانات الأسلحة العربية المكدسة في المخازن التي أُنفق عليها مليارات الدولارات من قوت فقراء بلدانها.
حرب غزة أماطت اللثام عن كل مستور وحركت مؤشرات الوعي العالمي صعودًا وهبوطًا فصعودًا كان ضد جرائم الصهيونية؛ حيث تعرّت معها دعاياتها الكاذبة الممجوجة التي كانت تسيطر على إعلام الشعوب لعقود كثيرة، فأصبح كل ما يصدر عن دولة الاحتلال وأعوانها في خانة الشك والريبة، وفي دائرة الدعاية السوداء التي لا تنطلي على أحد، وظهر جليا ان اهداف الصهيونية تشكل خطرا حقيقيًا على الإنسانية جمعاء، أما هبوطًا فانحدرت أسهمها في بورصات الوعي الاجتماعي على مستوى العالم، وخير دليل فوز المرشح المسلم الديمقراطي زهران ممداني بعمدة نيويورك مدينه الأغنياء واللوبيات الصهيونية، واتضح جليًا ان مواقف الشعوب العربية كلها داعمة ومؤيدة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وفي القلب منها أهل غزة وما يتعرضون له من إبادة جماعية، فهذه الأمه تضعف وتمرض ولكنها لا تموت.
أما المواقف الرسمية العربية فمتباينة بين مؤيد وداعم حسب المتاح، وحكومتنا الرشيدة مواقفها دائما واضحة ومشرفة تجاه القضايا العادلة في محيطنا العربي والعالم، وهذا نتاج لسياسة وحِكمة سلاطين عُمان العظام على مدار التاريخ، وتتفاوت مواقف الدول بين محايد خشية الضغوط الامريكية والغربية، وبين مؤيد للكيان الإسرائيلي وداعمًا له طمعًا في مكانة وهيمنة لن تبلغ مداها بفعل تآكل النفوذ الصهيوني ومحاصرة مخططاته على مستوى العالم!
هذا التباين والخلافات في المواقف السياسية العربية تجاه بعض القضايا المصيرية أضعف الموقف العربي الرسمي في المحافل الدولية تجاه قضاياهم وأهمها قضية فلسطين وشعبها المكافح لاستعادة أرضه ومقدسات الأمة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الرئيس السيسي يستمع لـ شرح في أجنحة إدارة المركبات| فيديو
استمع الرئيس عبد الفتاح السيسي لشرح عن أجنحة إدارة المركبات "مجمع الصناعات الهندسية" وجناح وزارة الإنتاج الحربي وجناح الشركة العربية للبصريات وجناح الهيئة العربية للتصنيع.
وكشفت القناة الأولى في خبر عاجل أن المتحدث الرسمي للجمهورية، أكد أن الرئيس عبد التاح السيسي، تفقد جناح مصر، واستمع إلى شرح عن أجنحة إدارة المركبات (مجمع الصناعات الهندسية)، جناح وزارة الإنتاج الحربي، جناح الشركة العربية للبصريات، وجناح الهيئة العربية للتصنيع، كما تفقد الرئيس جناحي دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية.
وشهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، افتتاح المعرض الدولي الرابع للصناعات الدفاعية (إيديكس 2025)، وذلك بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية ومركز مصر للمعارض الدولية بالقاهرة الجديدة، حيث كان في استقبال كل من الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والفريق أول عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والفريق أحمد خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة.
وصرح المُتحدث الرسمي باِسم رئاسة الجمهورية بأنه قد تم التقاط صورة تذكارية لـ الرئيس مع كبار الضيوف قبيل بدء فعاليات المعرض، التي استهلت بتقديم أغنية بعنوان “على طول متجمعين” باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، أعقبها عرض مشروع التصنيع المشترك للهاوتزر (K9A1 EGY)، ثم فيلم تسجيلي عن المشروع، وآخر عن معرض مصر للصناعات الدفاعية.
وذكر السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي، أن الفريق أول عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي ألقى كلمة بهذه المناسبة، رحب فيها بالمشاركين في فعاليات المعرض، مؤكداً أن المعرض أصبح منصة عالمية أمام الدول والشركات المنتجة لنظم التسليح ومنظومات الدفاع من مختلف أرجاء العالم، ليقدموا أحدث ما توصلت إليه التقنيات المتطورة.
وأضاف أن نسخة المعرض هذا العام تأتي في ظل ما تشهده منطقتنا والعالم من تحولات متسارعة وصراعات متشابكة، مما يجعل الاستعداد الدائم لمواجهة المخاطر والتهديدات واجباً لا يحتمل التهاون، وأن العالم بات يدرك أن التحذيرات المصرية المتواصلة التي جاءت على لسان السيد الرئيس مراراً وتكراراً من انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة تجر العالم إلى مصير مجهول، كانت تعكس رؤية ثاقبة وصوتاً للحكمة، وتحذيراً مخلصاً وواعياً من تداعيات الانسياق وراء منطق وغرور القوة، بدلاً من منطق السلام العادل والشامل، الذي أكدت عليه مصر عملياً في مؤتمر شرم الشيخ للسلام، حين جمعت على أرضها الدول المؤمنة بالسلام لتوحيد الجهود لوقف الحرب في غزة وحقن الدماء بعد عامين خارج حسابات المنطق الإنساني، مضيفاً إن امتلاك مصر لمختلف عناصر القدرة هو استثمار في السلام الحقيقي.
وأوضح أن الدول القوية تحترم إرادتها وتصان حدودها، وأن القوات المسلحة المصرية كانت وستبقى دائماً قوة حكيمة ورشيدة، تحمي ولا تهدد، تبني وتعمر. وأشار القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي إلى أن إفتتاح المتحف المصري الكبير، يعتبر شاهداً على عظمة مصر وجسراً يربط بين الماضي المجيد والحاضر الزاهر والمستقبل الواعد، وأن مصر تقدم اليوم صورة من صور قوتها الحديثة خلال النسخة الرابعة من معرض مصر الدولي للصناعات الدفاعية، مما يؤكد حرصها على مواكبة التطورات العالمية في مجال التسليح وتعزيز قدرتها العسكرية بما يدعم أمنها القومي.
وأكد حرص مصر على تعزيز أطر الشراكة والعلاقات الاستراتيجية مع الدول الشقيقة والصديقة، موجهاً الشكر والتقدير للسيد الرئيس لدعم سيادته المتواصل وحرصه الدائم على تعزيز قدرات القوات المسلحة لاستكمال عملية التحديث ورفع الكفاءة القتالية، وتعزيز التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة لحماية السلم والأمن الإقليمي والدولي، ومد جسور التعاون عبر التدريبات المشتركة وتبادل الخبرات مع العديد من دول العالم.