تشو شيوان **

من وجهة نظري ككاتب صيني، تُمثل الزيارة الرابعة للرئيس إيمانويل ماكرون إلى الصين بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ والتي بدأت يوم 3 وتستمر حتى 5 ديسمبر 2025 فرصة لإعادة تأكيد الشراكة بين الصين وفرنسا على أسس متينة وفي ظل متغيرات دولية متسارعة. تأتي هذه الزيارة في مرحلة تشهد اضطرابات كبيرة في الساحة العالمية وتحوّلات في موازين القوى السياسية والاقتصادية، وقد افتتح الحوار بين بكين وباريس بوعد مشترك بقيادة مسار العلاقات وفق متطلبات العصر، مع تبادل صريح للآراء حول القضايا الدولية والإقليمية الكبرى بما يعكس رغبة جادة في بناء تعاون أقوى بين البلدين، خصوصًا في مجالات التجارة، الاستثمار، والتقنيات المتقدمة.

وتُعد فرنسا بوصفها أوّل دولة غربية كبرى أقامت علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين عام 1964 بوابةً أوروبية نحو الشرق. العناية بالعلاقات بين بكين وباريس اليوم ليست مجرد تصحيح لمسار ثنائي، بل استثمار في بناء استقرار وجسور تعاون بين الشرق والغرب، إذ تمثل العلاقات بين الصين وفرنسا نموذجًا لشراكة تستند إلى الاستقلال والتفاهم المتبادل والرؤية الاستراتيجية والمصالح المشتركة، كما أن تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما يمكن أن يساهم في إعادة تنشيط التجارة والاستثمار في أوروبا، خاصة في ظل الضغوط الناتجة عن السياسات الحمائية الأميركية، مما يجعل الصين شريكًا مهمًا للقارة الأوروبية عبر صادراتها واستثماراتها في الصناعات المتقدمة والبنى التحتية والتكنولوجيا المتجددة، ولا سيما من خلال مبادرات استراتيجية مثل الحزام والطريق.

ومن هذا المنظور، لا تأتي مبادرة الحزام والطريق بمعزل عن العلاقات مع أوروبا، بل تمثل إطارًا استراتيجيًا لربط آسيا بالقارة الأوروبية عبر مشاريع مشتركة في البنية التحتية والطاقة والنقل والتكنولوجيا. تمتلك فرنسا موقعًا فريدًا يؤهلها لأن تكون محورًا رئيسيًا لهذه المبادرة في أوروبا بفضل قدراتها الصناعية وشبكتها التجارية، ما يفتح آفاقًا جديدة للتنمية ويعزز استقلالية الاقتصاد الأوروبي من خلال تنويع الشراكات وتقليل الاعتماد على الأطراف التقليدية.

وفي ظل ازدياد الضغوط الحمائية والسياسات الأميركية القائمة على فرض الرسوم الجمركية على الصادرات الأوروبية والصينية، تبرز أهمية الشراكة الصينية-الفرنسية بوصفها رافعة اقتصادية تساعد على امتصاص آثار هذه السياسات وحماية مصالح الشركات الأوروبية، إلى جانب الحفاظ على استقرار سلاسل التوريد، ومن هذا المنطلق تحمل زيارة ماكرون إلى الصين رسالة واضحة بأن أوروبا لا تتجه نحو الانغلاق، بل تسعى إلى الانفتاح والتعاون المتوازن مع القوى الاقتصادية الصاعدة، وفي مقدمتها الصين.

ومن منظوري الشخصي ككاتب صيني، فإن المرحلة المقبلة تحتاج إلى توسيع آفاق التعاون بين الصين وفرنسا في مجالات استراتيجية تشمل الطاقة النظيفة، الطيران، الزراعة والصناعات الغذائية، التقنيات البيئية، والبحث العلمي، كما إن التبادلات الثقافية المتزايدة، بما فيها زيارات ماكرون إلى المدن الصينية ومراكز الباندا وغيرها من الأنشطة الثقافية، تسهم في تعزيز التفاهم الشعبي وتأسيس صداقة حقيقية قائمة على الاحترام المتبادل والتقدير الحضاري، وفي مواجهة التحديات العالمية كالتغير المناخي والأزمات الاقتصادية وتوتر النظام الدولي، يمكن للتعاون الصيني-الفرنسي وعلى نطاق أوسع الصيني-الأوروبي أن يشكل ركيزة لاستقرار عالمي متعدد الأقطاب يقوم على الحوار والتعاون البنّاء.

إن مستقبل العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل أساسي على قدرة الجانبين على التمسك بمبادئ الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، وعدم السماح للاحتكاكات قصيرة الأجل بأن تؤثر على الرؤية الاستراتيجية الأوسع للعلاقات الثنائية. إن الحفاظ على استقلال القرار الأوروبي بعيدًا عن الضغوط الخارجية يمكّن بروكسل وبكين من بناء شراكة أكثر توازنًا واستقرارًا، خاصة في ظل التحديات العالمية المركّبة مثل اضطرابات سلاسل التوريد والتحولات في الاقتصاد العالمي. ومع استمرار آليات الحوار والتعاون الهيكلي بين الطرفين، سيزداد الأساس التعاوني قوة، الأمر الذي يعزز مرونة العلاقات الصينية الأوروبية وقدرتها على مواجهة الضغوط الجيوسياسية، ويضعهما على مسار طويل الأمد نحو تعاون أعمق وأكثر استدامة.

ختامًا.. أجدُ أن زيارة ماكرون إلى الصين ليست مجرد محطة دبلوماسية عابرة، بل نقطة تحول استراتيجية في مسار العلاقات بين الصين وفرنسا وبين آسيا وأوروبا بشكل عام. تتشكل اليوم فرصة حقيقية لإعادة تعريف الشراكة الأوروبية-الآسيوية من خلال تعزيز المصالح المشتركة والتعاون في اقتصاد المستقبل والثقافة والتجارة. وإذا ما استُغلت هذه الفرصة بحكمة، فإن الشراكة بين بكين وباريس لن تكون مجرد نموذج ثنائي ناجح، بل ركيزة أساسية لعلاقات أكثر اتزانًا وإنصافًا بين الشرق والغرب في عالم يتغير بسرعة.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اتهام الدبلوماسية الأوروبية السابقة فيديريكا موغيريني بالفساد والاحتيال

شملت التحقيقات مداهمات لمقر الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي في بروكسل وكلية أوروبا، وكذلك منزل موغيريني، وشكلت نتائجها صدمة للعديد من المطلعين على شؤون الاتحاد الأوروبي.

أعلن مكتب النائب العام الأوروبي توجيه تهم بالاحتيال والفساد للدبلوماسية السابقة في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، وشخصين آخرين.

ومع أن مكتب النائب العام الأوروبي (EPPO) لم يذكر اسم موغيريني مباشرة، فقد أفاد بأن الاتهامات وُجهت إلى "مدير كلية أوروبا في بروج"، وهو المنصب الذي تشغله.

وكانت موغيريني قد شغلت منصب الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية بين 2014 و2019، بعد فترة قصيرة كوزيرة للخارجية الإيطالية، ثم تولت منصب مديرة كلية أوروبا، المؤسسة التدريبية للمسؤولين والسياسيين الأوروبيين.

وقد أثار تعيينها عام 2020 جدلاً، حيث رأى بعض الخريجين أنها تفتقر إلى المؤهلات الأكاديمية والخبرة في إدارة مؤسسة أكاديمية كبرى.

كما طالت الاتهامات موظفًا كبيرًا في الكلية ومسؤولًا رفيعًا في المفوضية الأوروبية، وقد تم استجوابهم جميعًا من قبل الشرطة البلجيكية، بحسب مكتب النائب العام الأوروبي.

وتشير صحيفة "الغارديان" إلى أن أحد المشتبه بهم هو ستيفانو سانيينو، المسؤول الرفيع في المفوضية الأوروبية، الذي شغل منصب الأمين العام للخدمة الخارجية الأوروبية بين 2021 و2024.

ستيفانو سانيينو، يحضر مؤتمرًا صحفيًا في نادي المراسلين الأجانب، يوم الجمعة 27 يناير 2023، Eugene Hoshiko/ AP

وقال المكتب إن التهم الموجهة للثلاثة تتضمن "الاحتيال في المناقصات، والفساد، وتضارب المصالح، وانتهاك السرية المهنية". وأضاف: "يُفترض براءة جميع الأشخاص حتى تثبت إدانتهم أمام المحاكم البلجيكية المختصة".

Related موغيريني: الاتفاق النووي ليس في وضع جيد لكنه لا يزال حيا ولا يمكن تحديد إن كان في ساعاته الأخيرةموغيريني: الاتحاد الأوروبي يدعم الاتفاق النووي ويريد تجنب التصعيد بشأن إيرانموغيريني تحذر من بغداد: عواقب الصراع في المنطقة ستكون وخيمة على الجميع

ويشتبه المدعون في وجود احتيال مرتبط بمناقصة لإدارة أكاديمية تدريبية للشباب الدبلوماسيين، أُسنِدت للكلية من قبل الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي.

وشملت التحقيقات مداهمات لمقر الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي في بروكسل وكلية أوروبا، وكذلك منزل موغيريني، وشكلت نتائجها صدمة للعديد من المطلعين على شؤون الاتحاد الأوروبي.

وكانت كلية أوروبا، التي تتلقى تمويلًا من الاتحاد الأوروبي، قد حصلت على المناقصة عام 2020-2021 لإدارة أكاديمية الاتحاد الأوروبي الدبلوماسية، وهو برنامج تدريبي مدته تسعة أشهر للشباب الدبلوماسيين. وأوضح المدعون أن لديهم شكوكًا قوية بأن معلومات سرية قد تم مشاركتها مع أحد المرشحين المشاركين في العملية.

وأُطلقت الأكاديمية الدبلوماسية كمشروع تجريبي في 2022 بميزانية تقارب مليون يورو، بهدف "بناء جهاز دبلوماسي أوروبي يشترك في ثقافة دبلوماسية حقيقية مشتركة"، وفق موقع المفوضية.

وشارك حوالي 40 دبلوماسيًا من دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته في البرنامج الأول 2022-2023، وانضم 50 آخرون في العام الثاني.

وفي البرنامج الثاني، قضى الدبلوماسيون أربعة أشهر في بروج وشهرًا في مقر الخدمة الخارجية الأوروبية في بروكسل، ضمن البرنامج الذي تلقوا خلاله تدريبًا على سياسات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مهارات دبلوماسية مثل التفاوض والتواصل والبروتوكول.

ولم تصدر موغيريني أي تعليق على الاتهامات حتى الآن، فيما قالت كلية أوروبا إنها ستتعاون بشكل كامل مع السلطات "حرصًا على الشفافية واحترام عملية التحقيق".

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • ماكرون يصل إلى بكين لتعزيز الشراكة الصينية الفرنسية
  • ماكرون يصل بكين في زيارة دولة إلى الصين (صور)
  • اتهام الدبلوماسية الأوروبية السابقة فيديريكا موغيريني بالفساد والاحتيال
  • الرئيس الفرنسي يصل الصين في زيارة رسمية
  • وزير خارجية الصين في روسيا لبحث القضايا الأمنية
  • مايكروسوفت: نحن نستثمر في التكنولوجيا الأوروبية
  • الجزائر ضيف شرف في معرض عُمان الدولي للزراعة والثروة السمكية والأغدية
  • العلاقات الاقتصادية المصرية الصينية.. تتميز بطعم «الشراكة الاستراتيجية»
  • في رابع زيارة رسمية .. ماكرون في الصين بعد غد