جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-03@18:26:50 GMT

أعرني كتفك

تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT

أعرني كتفك

 

 

 

جاسم بن عيسى القرطوبي

في مجلس عزاءٍ واساني حديث مع أستاذي ومديري في مراحلي الدراسية الأستاذ محمد بن عبدالله بن حمدان البريكي، الذي وآسى جروح ذكرياتي بمواقف الترابط والتلاحم والتماسك بين أفراد القرية، وقد حدثني عن حانوت والده الذي لطالما كانت بضاعته قهوة للمارّ والزائر أكثر من كونها محلًا للبيع والشراء، وانتقلت بي الذكرى لرجل يبعد عن منزلي حوالي 40 كيلومترا عندما استوقفني لأوصله من الشارع لمكان قريب، وعندما سألني عن قريتي، استغربتُ أنه يعرفها جيدًا ويعرف سكانها؛ بل ويعرف جدي، ولما رأى استغرابي ردَّ علي بلهجة عُمانية قديمة: يا ولدي؛ كنَّا نركب البعير ولم تنقطع الزيارة وأما الآن فلديكم السيارات وانقطعت الزيارات.

فسأل قلمي متذكرا كيف كان أهل القرية سابقاً يقولون: أعرني كتفك، أي بيتك وطريقك ودابتك ومالك ليحدث التكامل الحياتي بيني وبينك ماديا ومعنويًا. وحيث يرى ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أن العصبة هي أساس تماسك المجتمعات، فهي الرابط الذي يحمي ويقوّي الجماعة ويجعل التعاون قيمة مركزية في حياة الناس.

وعلى الجانب الآخر، يقدم عالم الاجتماع البولندي (زيغمونت باومان) رؤيته للعصر الحديث في كتابه السيولة حيث يؤكد أن عالم اليوم يتسم بالعلاقات السريعة والهشة تلك التي تتكون بضغطة زر وتختفي بضغطة أخرى. في المجتمع السائل – وهو المجتمعُ الذي يفتقد إلى الثبات والاستقرار في القيم والعلاقات والهويات والمؤسسات - تصبح الروابط قابلة للتبدل مثل المنتجات، ويصبح الإنسان محاطًا بالكثير من الاتصال والقليل من التواصل الحقيقي.

إذن.. العلاقات اليوم ليست أضعف بالضرورة، لكنها مختلفة. المدينة لم تعد تشبه القرية، والجيرة لم تعد تشبه الحي القديم، والتواصل لم يعد حكرًا على اللقاء المباشر. لكن تظل قيمة الدفء الإنساني ثابتة: تلك التي تحدّث عنها ابن خلدون في مفهوم العصبة، والتي يفتقدها باومان في زمن السيولة.

لستُ هنا أقول إن مجتمعنا العُماني ليس محافظا على هذه الأواصر؛ بل أعاتب بني جيلي نزولهم عن جبال هذا الترابط والتلاحم إلى سهولها مقتصرين بتواصلهم مع أرحامهم وبعضهم فقط برسائل (الواتساب)؛ بل بعضهم (بالإيموجيات) فحسب؛ فأصبح كل فرد منهم محاطا بشاشته، يتواصل كثيرًا ويتفاعل قليلًا، يرسل (إيموجي) تعاطف بدل زيارة، ويؤجل اللقاء الحقيقي بحجة الانشغال، وبين ذاك وهذا ربما تنطفئ شمعة لم تنفعنا فلسفة العصبة والسيولة في الحفاظ عليها.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ميزانية 2025 العالقة تعيد طرح أسئلة الشفافية وحجم الإنفاق الحقيقي

2 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة:

أصبح واضحا تأثير تأخر الموازنة على مستويات الخدمات، بعدما انعكس تعثر صرف الموازنة الثلاثية للأعوام 2023–2025 على أداء الوزارات والمحافظات، إذ أدت الشبهات التي أحاطت بالإنفاق إلى تباطؤ المشاريع الخدمية وتعطل عشرات الخطط الاستثمارية التي كان يفترض أن تغيّر البنية التحتية المتآكلة.

ومن جانب آخر، وبحسب تحليلات رصدتها المسلة،  يبرز عدم استكمال موازنة 2025 رغم اقتراب نهاية السنة بوصفه مؤشراً على اضطراب دورة التخطيط المالي، بعدما بقيت الجداول المرتقبة عالقة بين النقاشات الفنية والخلافات السياسية داخل المؤسسات المعنية، الأمر الذي أرجأ تحويل الأموال للمشاريع الجديدة وعمّق حالة الترقب في الدوائر التنفيذية.

وتوضح بيانات المسؤولين التنفيذيين أن استمرار العمل بقاعدة 1/12 الشهرية استناداً إلى قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 حدّ من قدرة الجهات على تمويل مشاريع جديدة أو استكمال المتوقفة، بينما تسببت آليات الصرف المحدودة بتراجع معدلات الإنجاز حتى في المشاريع التي وصلت إلى مراحل نهائية.

ومن جهة أخرى يكشف العاملون في القطاعات الخدمية عن اتساع فجوة التمويل بين ما تحتاجه المشاريع فعلياً وبين ما يتاح للصرف، إذ اضطرت الوزارات والشركات المنفذة إلى تأجيل تنفيذ خطط الإعمار والصيانة، فيما أبلغت محافظات عن تعطّل مشاريع مياه وصحة وطرق بقيت بلا تخصيصات كافية منذ مطلع العام.

ويستمر الجدل حول أسباب تأخر إرسال جداول موازنة 2025 إلى البرلمان، حيث تصف مصادر فنية النقاشات بأنها مركبة تجمع بين الخلافات على أبواب الإنفاق والإيرادات، والاعتراضات على بنود تشغيلية ومالية يُعتقد أنها تحمل آثار الموازنة الثلاثية المثيرة للانتقادات، والتي فتحت الباب أمام شبهات التلاعب وأثارت تساؤلات حول حجم الإنفاق الفعلي.

ومن ناحيتها تشدد اللجان المالية والرقابية على أن غياب الحسابات الختامية للأعوام السابقة يعمّق غموض الصورة المالية، إذ لا تتوافر بيانات حقيقية توضح حجم المصروفات أو الالتزامات التعاقدية، ما يجعل إعداد موازنة دقيقة أمراً شديد التعقيد ويحد من ثقة الشارع بالمسار المالي العام.

وتدفع النقاشات المتصاعدة نحو المطالبة بموازنة “حقيقية” تركز على تقليص المصروفات غير الضرورية، وإعادة هيكلة الإنفاق التشغيلي، وزيادة الإيرادات عبر الجبايات والاستثمارات المحلية، في محاولة لوقف الهدر واستعادة قدرة الدولة على التخطيط بعيد المدى، وسط توقعات بأن أي إصلاح مالي لن يكون ممكناً دون شفافية كاملة وحسابات ختامية مُعلنة.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • مدينة “عمرة” التحدي الحقيقي للتحديث الاقتصادي
  • ميزانية 2025 العالقة تعيد طرح أسئلة الشفافية وحجم الإنفاق الحقيقي
  • حافظ حسن باشا.. رمز الكفاءة الوطنية والإصلاح الحقيقي
  • محافظ الأقصر يستقبل وفد قرية الدقيرة لعرض احتياجات القرية ويوجه
  • يسرا تكشف الوضع الصحي الحقيقي للزعيم عادل إمام
  • اختفاء شقيقين في ظروف غامضة جنوب الأقصر وأهالي القرية يطلقون نداءً للعثور عليهما.. القصة الكاملة
  • آصف ملحم: ملامح الأزمة الاقتصادية في روسيا حاليا تشبه أزمة 2008–2009
  • تشبه الإنفلونزا.. اعرف الأعراض الأولية لمرض الإيدز في يومه العالمي
  • الابتكار الحقيقي ينتقل إلى هواتف التحمل: Doogee V Max Play و V Max LR يحوّلان الهاتف إلى أداة مغامرات متكاملة