أوضح مختصون أن حماية الطفل في البيئة الرقمية مسؤولية تبدأ من الأسرة، وتتكامل مع المدرسة، وترتكز على وعي نفسي وتربوي عميق، وتؤكد رؤى هؤلاء المختصين في استطلاع أجرته "عُمان" أن الحل لا يكمن في المنع أو التدخل المتأخر، بل يبدأ من بناء علاقة قائمة على الثقة والتواصل، وتطوير مهارات الطفل والأسرة معًا لمواجهة عالم تتقاطع فيه الفرص مع المخاطر.

المحتوى العنيف

قالت فهيمة السعيدية عضوة جمعية الاجتماعيين العمانية: إن الاستخدام الواسع للتقنيات الرقمية دون تنظيم أو وعي يفرض تحديات مباشرة على سلوكيات الأطفال، خصوصًا عند تعرضهم المتكرر لمحتوى عنيف أو متطرف، مشيرة إلى أن هذا النوع من المحتوى ينعكس بوضوح على النمو الاجتماعي والنفسي والأخلاقي؛ إذ يتولد لدى الطفل ميل أكبر لاستخدام العنف اللفظي أو الجسدي في التعامل مع الآخرين باعتباره وسيلة لحل الخلافات أو التعبير عن الغضب.

وبيّنت أن مشاهدة الأطفال المستمرة للمحتوى العنيف تؤدي إلى ارتفاع مظاهر التنمر بأشكاله المختلفة، وإلى تراجع السلوكيات الاجتماعية الإيجابية مثل التعاون والمساعدة والتعاطف، وتنمية النزعات العدائية لديهم؛ حيث إن بعض الأطفال قد يتأثرون بالأفكار المتطرفة التي تظهر في بعض المنصات الرقمية، مما ينعكس على شعور الانتماء الوطني والديني، ويزيد من احتمالية الانخراط في سلوكيات غير مسؤولة أو مهددة للسلامة.

وحول تعرض الأطفال لتنمر إلكتروني، أوضحت السعيدية أنه يمكن رصد ذلك من خلال مجموعة من العلامات النفسية والسلوكية، من بينها القلق المفاجئ، والخوف عند تلقي رسائل على الهاتف، أو إظهار توتر ملحوظ عند اقتراب أحد أفراد الأسرة من الجهاز، وبيّنت أن بعض الأطفال يميلون إلى العزلة والانسحاب الاجتماعي، وقد تظهر عليهم أعراض جسدية كالإرهاق المستمر، وفقدان الشهية، أو آلام البطن والصداع دون سبب طبي واضح. كما أكدت أن التراجع المفاجئ في المستوى الدراسي يعد من المؤشرات المهمة، إذ يلجأ بعض الأطفال إلى التغيب عن المدرسة أو إهمال الواجبات الدراسية بسبب الضغط النفسي الذي يرافق تجربة التنمر الرقمي.

علاقة حوارية

وأشارت إلى أن الأسرة قادرة على بناء علاقة حوارية داعمة من خلال تبنّي أسلوب تواصل إيجابي يتيح للطفل التحدث بأريحية عن تجاربه في الإنترنت، وبيّنت أن مشاركة الوالدين لخبراتهم الرقمية، أو مناقشة المحتوى الذي يفضله الطفل، يعزز ثقته ويجعله يعتبر الأسرة خط الدفاع الأول في حال تعرضه لأي مشكلة، وأن الأنشطة الرقمية المشتركة مثل لعب ألعاب يحبها الطفل أو تصفح مواقع يفضلها تخلق مساحة آمنة للحوار، مضيفة إن إشراك الطفل في وضع قواعد الاستخدام الآمن للأجهزة يرسخ لديه الشعور بالمسؤولية ويقوي العلاقة التواصلية داخل الأسرة.

علامات الخطر الرقمية

أوضح الدكتور سالم بن راشد البوصافي مشرف إرشاد نفسي بتعليمية مسقط أن المدرسة تشكل خط حماية مهمًا بجانب الأسرة، إذ تتعامل مع حالات المحتوى غير الآمن أو التنمر الإلكتروني وفق منهجين متكاملين: الوقائي والعلاجي، مبيّنًا أن المنهج الوقائي يقوم على نشر ثقافة الوعي الرقمي بين الطلبة من خلال الحصص التوجيهية والبرامج الإرشادية والإذاعة المدرسية، بهدف ترسيخ قيم الاحترام والمسؤولية في التفاعل الإلكتروني، وتشجيع الطلبة على الإبلاغ عن أي تجربة ضارة.

وأشار إلى أن المنهج العلاجي يُفعّل فور رصد حالة تنمر، حيث يتم تقييم الوضع من حيث الخطورة النفسية والاجتماعية، وأن الأخصائي النفسي والاجتماعي في المدرسة يقدم الدعم العلاجي للطالب المتعرض للتنمر، من خلال الجلسات الإرشادية الفردية التي تسهم في تعزيز الشعور بالأمان واستعادة التوازن الانفعالي.

وبيّن البوصافي أن الطالب المتسبب في التنمر يخضع لبرامج تهدف إلى تعديل السلوك وتعزيز القدرة على ضبط الذات والانفعالات، إلى جانب رفع وعيه الرقمي وتأكيد احترامه لحقوق الآخرين، كما أن التعاون بين الأسرة والمدرسة يمثل ركيزة أساسية لضمان بيئة رقمية آمنة للطفل، وأن المتابعة المستمرة من الطرفين تعد أحد أهم ضمانات الحماية.

دور الإرشاد الأسري

تشير ابتسام الحبسية أخصائية نفسية بوزارة التنمية الاجتماعية إلى أن التغيرات التي فرضتها الثورة الرقمية دفعت الأسر لمواجهة تحديات غير مسبوقة، حيث لم يعد التعامل مع التكنولوجيا مقتصرًا على المنع أو الرقابة، بل أصبح ضروريًا أن تمتلك الأسرة فهمًا عميقًا لسلوك الطفل في العالم الرقمي، موضحة أن البرامج الإرشادية الحديثة في سلطنة عُمان باتت تركز على التنشئة الرقمية الواعية، وذلك ضمن مبادرة شملت جميع محافظات سلطنة عُمان بهدف تعزيز مهارات الوالدين في التعامل مع البيئة الرقمية.

وأوضحت الحبسية أن ردود فعل الوالدين تجاه سلوك الأبناء الرقمي غالبًا ما تكون نابعة من قلق طبيعي، لذلك يجب أن يتم تدريبهم على تقنيات تساعدهم على التهدئة وإعادة تأطير الموقف قبل معالجة سلوك الطفل، مؤكدة أن هذه المهارات تعزز وجود بيئة أسرية هادئة تقل فيها الصدامات الناتجة عن الغضب أو سوء الفهم.

وبيّنت أن تمكين الأسرة من التفكير التحليلي خلال التعامل مع المحتوى يعد أحد أقوى أدوات الحماية؛ إذ يساعد الوالدين والأبناء على التمييز بين الموثوق والمضلل، ويجب على الأسرة أن تُدرَّب على طرح أسئلة عند مشاهدة أي محتوى، من بينها: هل هذا المصدر موثوق؟ ما هدف الرسالة؟ هل ما يُعرض حقيقي أم مبالغ فيه؟ حيث إن هذه القدرة الذهنية ستسهم في حماية الجميع من الوقوع في التضليل أو الخوف المبالغ فيه.

التواصل الآمن

أوضحت الحبسية أن الأسرة تحتاج إلى قراءة "الإشارات الحمراء" التي قد تدل على تعرض الطفل لمحتوى ضار، لكن الأهم هو توفير قناة تواصل يشعر فيها الطفل بأنه مسموع وآمن، وبيّنت أن أسلوب الحديث هو العامل الفارق، فطرح الأسئلة بلهجة اتهامية يغلق أبواب الحوار، بينما الأسلوب الهادئ يبعث الطمأنينة ويشجع الطفل على الإفصاح.

وأشارت إلى أن التواصل الآمن يُبنى عبر تفاصيل صغيرة لكنها مؤثرة، مثل مشاركة الطفل محتوى يحبه، أو فتح نقاش حول لعبة جديدة، أو المرافقة الهادئة عند ملاحظة سلوك غير معتاد، مؤكدة أن بناء علاقة تقوم على الثقة يبدأ بالحضور العاطفي، بمعنى أن يشعر الطفل بأن والديه قريبان من عالمه الرقمي دون أن يمارسا دور الرقيب الصارم، وبيّنت أن مشاركته في وضع قواعد رقمية مشتركة مثل تحديد أوقات الاستخدام أو مراجعة التطبيقات يجعله شريكًا في القرار، مما يقلل من التوتر والتمرد.

كما أشارت إلى أن لحظة تعرض الطفل لموقف مزعج تعد اختبارًا حقيقيًا للعلاقة، إذ تمثل ردة فعل الوالدين العنصر الحاسم فيما إذا كان الطفل سيحكي أو سيخفي الأمر، وأكدت أن استخدام عبارات مثل "أشكرك على صراحتك" أو "دعنا نتحدث معًا عن كيفية منع تكرار ذلك" كفيل بطمأنة الطفل وتعزيز ثقته.

وبيّنت ابتسام الحبسية أن بناء علاقة تواصل آمنة ليست خطوة واحدة، بل هي ممارسات يومية تتشكل من نبرة لطيفة، وسؤال بسيط، وقواعد واضحة، لتقول للطفل في كل مرة كلمات بمعنى: "أنت محبوب حتى إذا أخطأت".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بناء علاقة التعامل مع الطفل فی من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

المنطقة الحرة بصلالة تنضم إلى منصة أوماب الرقمية لتعزيز جاهزية البيئة الاستثمارية

صلالة - بخيت الشحري 

في خطوة استراتيجية نحو تعزيز جاهزية البيئة الاستثمارية وتمكين البنية اللوجستية الداعمة لمكانة سلطنة عُمان كمركز لوجستي عالمي، أعلنت المنطقة الحرة بصلالة عن انضمامها الرسمي إلى منصة "أوماب" الرقمية، وذلك بالتعاون والتكامل مع الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة. يمثل هذا الانضمام خطوة محورية تعزز من قدرات إدارة الاستثمار والبيانات المكانية عبر نظام رقمي متطور، يضمن توفير معلومات دقيقة وشاملة تسهم في دعم سرعة وجودة اتخاذ القرار الاستثماري.

تُعد منصة "أوماب" أداة رقمية مبتكرة مصممة لتمكين المستثمرين والجهات التنظيمية من الوصول المباشر إلى بيانات مخططات الأراضي والخدمات المتاحة في جميع المناطق الحرة والاقتصادية والصناعية. وتشتمل المعلومات المتوفرة على البيانات المكانية الدقيقة، وحالة البنية الأساسية، والارتفاعات الجغرافية، والمرافق المحيطة بكل موقع استثماري. ولا يقتصر دور المنصة على ذلك، بل تسهم بفاعلية في الترويج للفرص الاستثمارية داخل المنطقة الحرة بصلالة والمناطق التابعة لإشراف الهيئة، من خلال تيسير تحديد المواقع المثلى للمشروعات الجديدة بما يتوافق مع خطط التوسع الصناعي والتجاري.

كما تندرج هذه المنصة ضمن الجهود المبذولة لدعم عمليات التخطيط العمراني وتحسين متابعة المشاريع قيد التنفيذ، عبر تقديم خرائط تفاعلية وبيانات حديثة. وتخدم "أوماب" شرائح واسعة من مستخدمي المنظومة الاقتصادية، على رأسهم المستثمرون من داخل سلطنة عُمان وخارجها، والإدارات التنفيذية وصناع القرار، ومزودي خدمات البنية الأساسية، والمكاتب الاستشارية، إضافة إلى المهندسين والمخططين والمختصين بالقطاعات الحيوية.

وتتميز منصة "أوماب" بتقديم خدمات متعددة ضمن تجربة رقمية متكاملة، تشمل استعراضا شاملا لبيانات المواقع الاستثمارية على خرائط ثلاثية الأبعاد، وتوفير أدوات قياس المسافات إلى أقرب المنافذ التصديرية العالمية، وتمكين المستثمرين من طباعة الخرائط الرقمية بسهولة، إلى جانب إمكانية الوصول إلى أحدث المرئيات الفضائية والمعلومات الواقعية عن سطح الأرض عبر أجهزة الحاسب الآلي والهواتف الذكية. وتقدم المنصة إمكانات استثنائية للتعرف على مواقع تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات دون طيار داخل المناطق الاقتصادية، مما يعزز جاهزية البنية التكنولوجية للمستقبل.

وفي هذا الشأن، صرّح الدكتور علي تبوك، الرئيس التنفيذي للمنطقة الحرة بصلالة، قائلا: "انضمامنا إلى منصة 'أوماب' الرقمية يعكس التزامنا المستمر بتعزيز كفاءة الخدمات المقدمة للمستثمرين، ودعم تطوير بيئة استثمارية تنافسية أكثر وضوحًا وجاهزية. فالمنصة توفر معلومات دقيقة ومتكاملة تتيح لصناع القرار والمستثمرين اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة، بما يسهم في تحقيق طموحاتهم الاستثمارية، ويعزز من مساهمتنا في تطوير الاقتصاد الوطني تماشيًا مع أهداف رؤية عمان 2040".

ومن المتوقع أن تسهم منصة "أوماب" في زيادة حجم الاستثمارات الجديدة بالمنطقة الحرة بصلالة من خلال تحسين جاهزية وجاذبية البيئة الاستثمارية وتعزيز تنافسية المدن الاقتصادية كمدن رقمية متقدمة، بالإضافة إلى رفع كفاءة التخطيط العمراني وجودة الخدمات الحكومية ودعم التكامل بين الخدمات الإلكترونية، مما يسهم في خفض التكاليف التشغيلية وتحسين تجربة المستثمر. وتؤكد المنطقة الحرة بصلالة أن المنصة تمثل لبنة أساسية ضمن خططها الاستراتيجية لترسيخ مكانة سلطنة عمان كمركز لوجستي وصناعي رائد، من خلال تمكين منظومة استثمارية أكثر مرونة وجاهزية وتنافسية.

مقالات مشابهة

  • خلال المنتدى العربي للأسرة.. أيمن عقيل يطرح حلولاً لحماية الأطفال من تحديات العالم الرقمي
  • النائب محمد رزق: حماية حقوق الإنسان مسؤولية جماعية وركيزة لبناء مجتمع عادل
  • إعلام بئر العبد ينظم لقاء حول حماية أطفالنا من التحرش
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. برلمانية: حماية الكرامة مسؤولية وطنية
  • المنطقة الحرة بصلالة تنضم إلى منصة أوماب الرقمية لتعزيز جاهزية البيئة الاستثمارية
  • تخلف الزوج عن النفقة.. كيف يكفل قانون الأحوال الشخصية حماية الأسرة
  • آمال إبراهيم: دعم الأسرة ليس رفاهية بل ضرورة لمواجهة تحديات الفضاء الرقمي
  • حملة لا للعنف ضد المرأة والابتزاز الإلكتروني لتعزيز حماية النساء والأمن الرقمي
  • أسرار صناعة أسطورة القاتل الصغير